محتوى مترجم
المصدر

The conversation
التاريخ
2018/09/26
الكاتب
كارول هارينجتون

تحتفل النسويات بظهور جيل جديد من النساء اللاتي يتكلمن عن قصص العنف الجنسي التي تعرضن لها على مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية الأخرى دون خوف، ليواجهن بذلك القيود الاجتماعية القائمة بشأن التحدث عن الاغتصاب.

ولكن وفق النتائج التي توصلت لها التحليلات، فلن تؤدي جميع أشكال الإفصاح العلني إلى تغيير علاقات القوة بين الجنسين التي تحافظ على وجود العنف الجنسي.


البعد السياسي للإفصاح عن التعرض للاغتصاب

وضعت الحركة النسوية أسس تكوينها في سبعينيات القرن الماضي من خلال نشر القصص الشخصية للتعرض للعنف الجنسي، ووصفت تلك النسوة المشكلة بأنها نابعة من السلطة الأبوية وقهر المرأة، ومع ذلك، فمع تزايد الاهتمام الشعبي بالعنف الجنسي في أواخر القرن العشرين، بدأت المسألة تفقد بعدها السياسي لتتحول إلى مسألة متعلقة بالمعاناة الشخصية ونقطة بداية للتحول الذاتي والتمكين الشخصي، الأمر الذي تماشى بشكل جيد مع النيوليبرالية.

وتحدث جيل جديد من الناجين من حوادث العنف الجنسي حول ما حدث لهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وكان أشهرهن من شاركن في حركة (مي تو) #MeToo والتي اجتذبت اهتمام الإعلام التقليدي. ومع ذلك، بدأت شخصيات غير مشهورة في رواية ما تعرضن له من عنف جنسي عبر الإنترنت، وقد أخفى بعضهن شخصيته الحقيقية، بينما أعلنت الكثيرات عن أسمائهن، ولكن ذلك لم يجذب الانتباه بنفس القدر.

بحثت حول أحد الموضوعات التي راجت من خلال الفيديوهات على موقع يوتيوب مؤخراً؛ «قصة اغتصابي» (my rape story)، وحللت 48 فيديو من صنع 40 شخصاً، بالإضافة إلى قنوات صانعي المحتوى على يوتيوب، ووسائل التواصل الاجتماعي المرتبطة به.

وكان من ينشر هذه الفيديوهات عادة هم صانعو المحتوى التقليديون على يوتيوب الذين اعتادوا نشر قصص عن أنفسهم حول مواضيع مختلفة، كما يروجون لمنتجات وخدمات، ويهيبون بالمشاهدين بالضغط على زر الإعجاب أو التعليق أو الاشتراك في القناة. وتظهر هذه الفيديوهات غالباً على قنوات يبدو أن منشوراتها تستهدف المشاهدين من النساء، بالتركيز على مواضيع مثل الأزياء النسائية والتسوق، والأمومة في بعض الحالات.

بينما تظهر قلة من تلك الفيديوهات على قنوات المغنين والكتّاب والممثلين الصاعدين، ولا ينجح معظم صانعي المحتوى من تلك الفئة في مساعيهم باجتذاب متابعين كثر، أو الوصول للشهرة.


قصص اغتصاب مشاهير يوتيوب

في أحد الأمثلة، احتوت قناة إستر (اسم وهمي) على يوتيوب العديد من الفيديوهات حول تقييم منتجات التجميل وروابط لموقعها الإلكتروني المتخصص في الزينة والجمال، والذي يروج لمنتجات متنوعة، كما تنشر إستر التي تتميز بالحضور فيديوهات تروي فيها قصصاً حول حياتها. وبدأ الفيديو الذي تحدثت فيه عن قصة اغتصابها بالترويج لأحد فيديوهاتها الأخرى، ومطالبة المشاهدين بمشاركة الفيديوهات حتى تنمو القناة، وأنهت قصتها بتذكير المشاهدين بأنها تنشر محتوى جديداً كل يوم.

وفي فيديو آخر، تروج ديستني لنصائحها لفقدان الوزن، بما في ذلك كتابها المنشور حول فقدان الوزن، كما تقدم نصائح حول التفكير الإيجابي والترويج الشخصي. وتقدم ديستني نفسها كشخصية قوية تهتم بصحتها، وتشير إلى نفسها كمرشدة روحية، وقصت حكاية اغتصابها بهدوء ودون دموع، مضيفة أنها تشاركها مع الآخرين كي يتعلموا من تجربتها.

وفي فيديو ثالث، تنشر إيموجيرل فيديوهات تقدم فيها نفسها كشخصية ضعيفة وفي حاجة لدعم. تبدو فيها شاحبة، وتصبغ رموشها بلون أسود ثقيل. وقصّت حكاية اغتصابها في أول فيديو لها على يوتيوب في سن المراهقة. وأتبعت ذلك بفيديوهات تحكي فيها كيف تعرضت للتنمر في المدرسة بعد اغتصابها، وكيف بدأت في إيذاء نفسها وحاولت الانتحار.


قصص الاغتصاب والترويج الشخصي

عادة ما تُظهر صانعات المحتوى وجوههن في الفيديوهات التي تروين فيها قصص اغتصابهن، ويتحدثن مباشرةً للكاميرا، وعلى الرغم من استخدام البعض مثل إيموجيرل للرسائل المكتوبة بخط اليد ويحكين حكايتهن بشكل متقطع، وتظهر بعضهن في منازلهن، بل وحتى في غرف النوم، فيما تتشارك هذه الفيديوهات في وجود عناصر جمالية مصنوعة باليد، وهو ما يميز معظم فيديوهات يوتيوب، كما تبدو أنها فيديوهات يصورها أشخاص عاديون باستخدام كاميرات رقمية بسيطة، وغالباً ما تحاكي الشركات ووسائل الإعلام التقليدية هذه العناصر لتضفي على محتواها نوعاً من المصداقية.

وتحكي تلك الفيديوهات أحداث الاغتصاب بطريقة متشابهة، إذ تصف الراوية كيف تقابلت مع المعتدي، والأحداث التي أدت إلى الاغتصاب، والاغتصاب نفسه بمستويات مختلفة من التفصيل، وما حدث بعد الاغتصاب. وفي قصتين فقط كان الجاني شخصاً غريباً بالنسبة للمعتدى عليها، بينما كان الجاني في القصص الأخرى شخصاً قريباً من المعتدى عليها، قريب أو صديق أو حبيب، أو حتى شخص قابلنه للتو، عادة بعد موعد تعارف.

تحفز وسائل التواصل الاجتماعي الإفصاح الشخصي من خلال حثها المستخدمين على رسم صورة لشخصياتهم على الإنترنت تتميز بطغيان الشعور بالوعي الذاتي من خلال مشاركة قصص شخصية مختارة بعناية، مما يساعد على الترويج الشخصي (self-branding) من خلال صناعة تجربة عاطفية خاصة تربط المتابعين بهم.

قالت كل من ديستني وإستر إنهما تشعران بوجوب نشر قصص اغتصابهما حتى يتعرف عليهما المتابعون على نحو أفضل، وهو ما يساعد ديستني على ترسيخ صورتها كمرشدة روحية تستطيع مساعدة الآخرين على تغيير أنفسهم، وترسيخ صورة إستر كصديقة تعطي نصائح حول التجميل وتصفيف الشعر مع الدخول في مسائل عاطفية بين الحين والآخر.

وفي حالة إيموجيرل، كانت رواية قصة اغتصابها هي الفيديو الأول لها، وفي الفيديوهات اللاحقة كانت تخبر المتابعين بأهمية الدعم العاطفي الذي يقدمونه لها، وتشجعهم على زيارة حسابها على إنستغرام، الذي تنشر فيه أعمالها الفنية، وبالتالي، فإن مدار تلك الروايات يشير إلى تحويل التجارب الشخصية إلى سلعة، وهو الأمر الذي تشجعه وسائل التواصل الاجتماعي.


الصراع مع «لوم النفس»

لماذا يروي هؤلاء الأشخاص قصصاً شخصية على يوتيوب؟

غالباً ما يتعامل مشاهير اليوتيوب مع قصص الاغتصاب على أنها أزمات فردية ارتكبها «أشخاص قذرون» على حد وصف إحداهن، وعادة ما يدور الموضوع الرئيسي للفيديو حول مجهودات راوية القصة في السيطرة على حياتها مرة أخرى، كما روت الكثيرات منهن كيف جعلتهن تلك التجارب أقوى من ذي قبل، وأن تلك التجارب أصبحت جزءاً من رحلتهن للحصول على المعرفة والاعتماد على النفس.

ولكن عدداً أقل ربطن تجاربهن مع الأنماط الاجتماعية الأوسع انتشاراً، أو تعاملن مع العنف الجنسي كمشكلة اجتماعية لها حلول سياسية، وبدلاً من ذلك، تعاملن مع المشكلة كمخاطرة على النساء في معرفة كيفية التعامل معها، لقد حثثن النساء على تجنب الإفراط في معاقرة الكحوليات، وأن يشربن بتعقل عند الاختلاط بالأوساط الاجتماعية، وتوخي الحذر وعدم الثقة بالرجال، حتى هؤلاء الذين يعتقدن أنهن تعرفنهم. ومن ثَمَّ، غالباً ما تقع صانعات تلك الفيديوهات في فخ لوم النفس وتأكيد الأكاذيب المرتبطة بالاغتصاب بأن سلوكيات المرأة مثل معاقرة الكحوليات أو فرط الثقة بالرجال تساهم في اغتصابهن.

ورغم ذلك، يظهر بعض تأثيرات الحركة النسوية في هذه الفيديوهات، إذ تدفع صانعات الفيديوهات عن أنفسهن تهم الطعن في الشرف وإلقاء اللوم على الضحية، إذ تشعر معظمهن بألم إلقاء الآخرين اللوم عليهن، كما أنهن يشجعن النساء الأخريات على الحديث عن تعرضهن للاغتصاب وعدم لوم أنفسهن، بغض النظر عما إذا كن في غير وعيهن أو ما كن يرتدينه وقتها.

يتضافر في تلك الفيديوهات نوع من التضامن بين النساء، ومقاومة الأكاذيب المرتبطة بالاغتصاب، مع طريقة التفكير العلاجية النيوليبرالية وتحفيز وسائل التواصل الاجتماعي للترويج الشخصي.