متلازمة نقص المناعة المكتسبة. هذا هو الاسم الكامل

للإيدز AIDS

، الذي يعتبر من أكثر الأمراض إثارة للرعب في نفوس البشر. يسبب الإيدز

فيروس HIV

، وهو اختصار يعني فيروس نقص المناعة في البشر.

بعد أكثر من 30 عامًا من اكتشافه، وما تلا ذلك من جهودٍ مُضنية، بذلها عشرات الآلاف من العلماء والأطباء حول العالم، في مكافحة هذا المرض القاتل، ونجاح البشرية في سبر أغوار الكثير من ألغازه، ما يزال الإيدز يحافظ لنفسه على موقع متقدم بين الأخطار التي تهدد البشر، فهناك أكثر من

37 مليون مصابٍ بالإيدز

حول العالم، أغلبهم في أفريقيا، حيث تحول صعوبات اقتصادية واجتماعية عديدة دون وصول الرعاية المثلى لأكثرهم، مما يجعلهم مرشحين بقوة لكل مضاعفات المرض المميتة.

يهاجم فيروس الإيدز

خلايا CD4 اللمفاوية المناعية

، والتي تلعب دور المايسترو في جهاز المناعة، إذ بدونها يصبح جسدًا هامدًا بلا رأس، لا يستطيع التعرف جيدًا على الميكروبات والبكتيريا، وبالتالي لا يقدر على توجيه رد الفعل المناعي المناسب للقضاء عليها، فيصبح الجسم مشاعًا للإصابة بميكروباتٍ ضعيفة للغاية، لا تصيب الإنسان العادي، لكنها تسبب إصابات بالغة ومميتة لمرضى الإيدز، ولذا تسمى بالإصابات الانتهازية، وتتوقف شدتها على

عدد خلايا CD4

السليمة المتبقية.


علاجات الإيدز المتوافرة الآن

يقتصر دورها في حالة التزام المريض جيدًا،

وتعاطي جرعاته اليومية

على منع تقدم المرض، أو على الأقل إبطائه. يُعطى المريض

مضادات الفيروسات

المتخصصة ضد فيروس الإيدز (2 أو 3 منها على الأقل) لإيقاف تكاثر الفيروس، وبالتالي منح الفرصة لتجدد خلايا CD4. يعطى المريض كذلك جرعات من المضادات الحيوية الوقائية ضد الإصابات الانتهازية. لكن في حالة عدم الالتزام بالعلاج، يعود الفيروس للنشاط مجددًا، ويعود الخطر.


مريض لندن: أمل جديد

يبدو أننا أمام إرهاصات فتح طبي وعلمي جديد، سيؤدي إلى علاج الإيدز بشكل جذري،

تم الإعلان هذا الأسبوع

عن ثاني حالة بشرية موثَّقة للشفاء التام من مرض الإيدز، وأصبح يعرف في الأوساط العلمية بمريض لندن، كبديلٍ عن كشف هويته الشخصية.

أصيب مريض لندن – وهو في الأصل مريض بالإيدز منذ عام 2003م – بمرض هودجكين، وهو أحد أنواع سرطان الخلايا اللمفاوية «الليمفوما». لعلاج هذا السرطان الخبيث جذريًّا،

أجرى المريض زراعة ناجحة لنخاع العظام

عام 2016م. كانت المفاجأة أن المريض لم يشفَ فقط من الليمفوما، إنما شفيَ أيضًا من الإيدز. ومنذ ذلك الحين، يخلو جسمه من أي أثر لوجود الفيروس. لكن ما السر وراء نجاح نخاع العظام في تلك المهمة شبه المستحيلة؟

بحث الطاقم الطبي والبحثي كثيرًا عن متبرع بنخاع العظام من طراز خاص استنادًا لمعلومة بارزة توصلت لها الأبحاث منذ سنوات. نسبة 1% من البشر من الأصول الأوروبية الشمالية

تمتلك أجسامهم بالمصادفة جينات مُقاومة لفيروس HIV

، أشهرها هو جين

CCR5 Delta 32،

تجعل خلايا المناعة لديهم محصنةً من الإصابة بالإيدز، إذ إن CCR5 هو مستَقبِل على سطح خلايا CD4 يستغله فيروس الإيدز في اختراقها. في حالة وجود الجين المقاوم، لا يتمكن الفيروس من فعل هذا الأمر.

تم التوصل إلى أحد هؤلاء كمتبرع، بعد إجراء باقي اختبارات التوافق المطلوبة. وبالتالي فخلايا نخاع العظام المزروعة أنتجت خلايا ليمفاوية من النوع CD4 مقاومة للغيروس، فبدأت الإصابة في الانحسار.

كذلك استفاد المريض مصادفةً من أثرٍ جانبي خطير يحدث في حالات زرع النخاع، وهو

مهاجمة النخاع الجديد لخلايا الجسم

، وبالأخص خلايا المناعة القديمة، لأنها غريبة بالنسبة له، ويعتبرها دخيلة. هاجمت الخلايا المنتجة من النخاع الجديد، خلايا CD4 القديمة المصابة بالإيدز، والتي يكمن الفيروس بداخلها، فتمَّ القضاء عليه بشكلٍ مبرم.

على مدى حوالي عامَين، جاءت كل اختبارات مريض لندن سلبية، رغم توقفه بشكلٍ طوعيٍّ عن تلقي كل علاجات الإيدز المعتادة، في دلالة على شفائه التام بالعلاج الجديد.


في البدء كانت الخلايا الجذعية

يكمن السر في الاحتفاء الشديد بحالة مريض لندن، رغم أنها ليست الأولى، إلى أن الجهود البحثية كانت بحاجة لحالة نجاح أخرى، للتأكد أن ما حدث في المرة الأولى لم يكن مجرد مصادفة، وأن الأمر قابل ولو بعد حين للتعميم شيئًا فشيئًا. كانت الحالة الأولى هي لمن يسمى

مريض برلين، واسمه تيموثي براون

، والذي كان مصابًا بالإيدز ونوع آخر من سرطانات الدم هو اللوكيميا.


عام 2007م

، تمَّ حقن تيموثي بخلايا جذعية مستمدة أيضًا من متبرع يمتلك الجين المقاوم للإيدز.

على مدى 12 عامًا

لم يظهر عليه أثر للإيدز، ويتمتع الآن بصحة جيدة، وقام بتأسيس جمعية للمساعدة في علاج مرض الإيدز.


الخلايا الجذعية أو stem cells

هي

الخلايا الأم

، القادرة على التكاثر والتمايز، لتعطي كل أنواع الخلايا التي تكون أنسجة الجسم المختلفة. وهي المسئولة عن تكوين أجهزة الجسم أثناء النمو الجنيني، لكن يتبقى بعضها في أجسامنا بعد النمو، من أجل إصلاح ما يتعرض للضرر من خلايا الجسم. تكثر الخلايا الجذعية في الأنسجة النشطة كنخاع العظام، حيث تتكون خلايا الدم المختلفة أولًا بأول، لتعويض ما يشيخ ويتلف باستمرار. وبجانب المرونة في التمايز، فالخلايا الجذعية قادرة على القيام بالتكاثر

بعد سنواتٍ من الكمون

.

اقرأ أيضًا:

إعادة برمجة المناعة، فتحٌ جديد في قهر السرطان

تركز الأبحاث العلمية الآن على الاستفادة من نتائج الحالتَين المذكورتين في تقنية أبسط قليلًا، وذلك باستخلاص الخلايا الجذعية من المريض، وتعديلها جينيًّا، بزرع الجين المقاوم للإيدز فيها، ثم إعادتها إلى جسم المريض، لتنتج خلايا مناعية مقاومة للإصابة. لكن يعيب تلك التقنية أنها ستعالج بعض الخلايا، بينما يظل بعض الخلايا القديمة كأهداف قائمة للفيروس. لكن عمومًا مجال الخلايا الجذعية ما يزال خصبًا لمزيد من البحث، ويعد بالمفاجآت.


خطوة في ألف ميل

كل مساراتنا، ومقترباتنا، من أجل التوصل لعلاج جذري لمريض الإيدز ما تزال تحبو في طور الطفولة المبكرة.


الباحث دان باروخ

، المختص في أبحاث الإيدز بأحد المراكز التابعة لشركة جلياد الأمريكية

لا ينبغي أن تدفعنا الهالة الإعلامية المحيطة بالخبر إلى افتراض أننا أصبحنا على مرمى حجر من القضاء المبرم على الإيدز. فالعلاجات الحالية ما تزال باهظة التكلفة للغاية، وما تزال بعض تقنياتها تحت الاختبار والتجريب، وقد تحمل آثارًا جانبية خطيرة على المريض. كذلك، ما يزال أمامنا أشواط عديدة قبل أن نتمكن من تبسيط خطوات تلك العلاجات، وتعميمها على نطاقٍ واسع من المرضى، خاصةً في المعاقل الأكبر لمرض الإيدز في أعماق القارة الأفريقية، حيث الكثير من العوائق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.

ليس من المعقول، في ميزان الفائدة وكلفتها الطبية والمادية، أن ندفع كل مريض بالإيدز إلى القيام بتدخل طبي خطير وباهظ التكاليف،

كزراعة نخاع العظام

، من أجل محاولة شفائه من الإيدز، بينما متاحٌ أمامه الآن، وبسعر أقل كثيرًا، وبمضاعفاتٍ لا تقارن، أقراص مضادات فيروس الإيدز، والتي توقف تمدد المرض بفعالية، والتي أصدرت منها بعض الشركات قرصًا يحتوى 3 مواد فعالة معًا، لتسهيل المواظبة عليها.

أيضًا، ليس الأمل في شفاء الإيدز قاصرًا على مسار الخلايا الجذعية، فأحد مراكز الأبحاث الذي ترعاه شركة جلياد الأمريكية يعكف على تطوير تقنية جديدة لعلاج الإيدز، تسمى

(اركل واقتل)،

حيث يتم إعطاء المريض دواءً يستفز فيروس نقص المناعة للخروج من مخابئه في الخلايا المصابة، ثم بعدها يتم استخدام جرعات كبيرة من مضادات الفيروسات الحالية لتدميره.

إلى أن نصل إلى ثمرةٍ حقيقية لكل تلك الجهود، حاول أولًا وأخيرًا ألا تُصاب بالإيدز، وإذا تعرضت لتلك الإصابة، فالتزم بالعلاجات الحالية بحذافيرها.

اقرأ أيضًا:

خوف غير مبرر … كيف نتعامل مع مريض الإيدز