في قاعدة عسكرية جنوب واشنطن، يقع المقر الرئيسي لوكالة استخبارات، لا يعرفها أحد، حتى باراك أوباما نفسه لم يكن يعرفها، فبعد خمسة أشهر من رئاسته بدا أنه لا يميز الاسم، ففي جلسة بمطعم في واشنطن سأل باراك أوباما الرجل الجالس إلى جانبه: «ماذا تعمل؟» فقال الرجل: «أعمل في NGA اختصارًا لـ National Geospatial-Intelligence Agency».بدا باراك أوباما وكأنه يسمع الاسم لأول مرة، لذا طلب من الرجل شرح ما هي هذه الوكالة التي لم يستطع أيضًا نُطق اسمها بشكل سليم!وبعد سنوات من هذا التسجيل ما زالت الـ NGA أكثر أجهزة المخابرات الأمريكية غموضًا وتلحفًا بالظلال من بين الوكالات الأمريكية الخمس، ومنها الـ CIA ووكالة الأمن القومي.يمكننا أن نحاول ترجمة National Geospatial-Intelligence Agency إلى الوكالة الوطنية للاستخبارات الجغرافية، ورغم اسمها المجهول فإن مقر الوكالة يعتبر ثالث أضخم مبنى في واشنطن، حيث تزيد مساحته على مبنى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وعن مبنى الكونجرس أيضًا، وأُنشئ بتكلفة بلغت 1.4 مليار دولار أمريكي.تقوم وظيفة الوكالة على تحليل ملايين الصور والفيديوهات، التي يتم التقاطها من خلال الطائرات المسيرة في الشرق الأوسط وحول العالم، وكذا من خلال أقمار التجسس التي تدور في الفضاء الخارجي، وقد بقيت الوكالة دائمًا بعيدة عن الشأن الداخلي الأمريكي لذلك لم تنخرط في الكثير من الفضائح الإعلامية وبقيت في الظل. تقوم الوكالة بدورين مشتركين؛ الأول وهو تقديم الدعم اللوجيستي للوحدات المقاتلة تحت إدارة وزارة الدفاع الأمريكية، والدور الثاني وهو جمع المعلومات الاستخباراتية كجزء من مجمع المخابرات الأمريكية، بالإضافة إلى ذلك تقدم الوكالة الدعم المعلوماتي في حالات الكوارث.


تاريخ الوكالة


http://gty.im/600630874

بدأت جهود الوكالة مع تطور الطيران وكذا صناعة الكاميرات، وكانت تُوجه جهدها لرسم الخرائط وطوبوغرافيا الأرض، والاستفادة من ذلك في الحروب المختلفة التي خاضتها أمريكا من الحرب العالمية الثانية وحتى حرب فيتنام وكانت حينها جزءًا من كلية الحرب الأمريكية.وفي نهاية عهد الرئيس أيزنهاور أقر مرسومًا بإنشاء الوكالة الوطنية لتحليل الصور، وكانت جزءًا من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وعملت بالتعاون مع قوات الطيران بهدف حل مشاكل الاستخبارات، وتقديم الدعم اللوجيستي للقوات على الأرض.كانت أزمة الصواريخ الكوبية من الأزمات التي لعبت الوكالة دورًا محوريًا فيها، إذ كانت الوكالة أول من حدد وجود الصواريخ الروسية في قاعدة كوبا عام 1962. أكدت الوكالة حقيقة وجود تلك الصواريخ عن طريق تحليل صور وردت من الطائرة الأمريكية U-2 ومن خلال مجموعة من الأقمار الصناعية، كما استمر الدعم الذي تقدمه الوكالة عن طريق تحليل الصور خلال الأزمة الكوبية وإلى نهايتها. لاحقًا قام الرئيس كينيدي برفع السرية عن تلك التقارير وحينها عرف دور الوكالة.وفي عام 1999 وخلال حملة الحلفاء على يوغوسلافيا، قصفت طائرات حلف الناتو بالخطأ مقر السفارة الصينية في بلغراد وأرجع الخطأ وقتها إلى عدم دقة المعلومات والصور التي قدمتها الوكالة.


من التجسس إلى خرائط جوجل

في عام 2008 وقعت الوكالة عقدًا مع جوجل، تتيح لها بموجبه استعمال قمر التجسس GeoEye لتحصل على صور منه بجودة منخفضة، ونحن نستعمل هذه الصور اليوم في مجالات الملاحة اليومية.يستطيع جوجل اليوم تحديد موقعك بدقة شديدة وأيضًا تحليل ساعات الذروة والزحام داخل المدن أو خارجها ليعطيك توقعًا دقيقًا عن مدى هذا الزحام أو ربما سببه، وكم من الوقت سيعطلك، فهل فكرت يومًا كيف استطاع جوجل فعل هذا؟كما وقعت الوكالة عقدًا مع ميكروسوفت، يتيح للوكالة استعمال منصة مايكروسوفت (للأرض الافتراضية) لتقديم المساعدة في حالات الكوارث والأزمات الإنسانية. ففي إعصار كاترينا الذي ضرب الولايات المتحدة الأمريكية عام 2005 ساهمت الوكالة في تقديم الدعم لعمليات الإنقاذ عن طريق تحديد أكثر المناطق تضررًا من الإعصار ومدى انتشاره. بعد انتهاء الحرب الباردة وكنتيجة لقطع الكثير من التمويل عن الوكالة فشلت استخباراتها في تحليل حدث خطير ألا وهو اختبار نووي أجرته الهند.


ترامب .. الأخ الأكبر يراقبك

أثار تقرير نُشر مؤخرًا لدى دورية السياسية الدولية الأمريكية، فورين بوليسي، المخاوف حول إمكانية استعمال إمكانات تلك الوكالة في مراقبة المجتمع الأمريكي من الداخل.وأشار كاتب المقال إلى أن الشرطة الأمريكية تمتلك أيضًا طائرات مسيرة تصل دقة عدساتها إلى 1.8 مليار بيكسل وتكفي طائرتان منها لتغطية منطقة مثل مانهاتن بالكامل، ورغم أن تلك المهمات تخضع للمراقبة القانونية بشكل لصيق إلا أنه يُمكن أن يساء استعمالها بشكل كبير!ما يُرجح حدوث هذا هو سعي دونالد ترامب أثناء حملته الانتخابية لرفع القيود التمويلية عن أجهزة المخابرات، وإطلاق يدها بشكل واسع لمراقبة الجماعات التي يتهمها دونالد ترامب بأنها وراء إفساد هوية أمريكا، كالمسلمين والمجتمع المدني المهتم بحقوق الأقليات وغيرها. فهل تصبح أمريكا قريبًا مرتعًا للوكالة الوطنية للاستخبارات الجغرافية وأعينها التي في السماء؟


المراجع




  1. Oakland emails give another glimpse into the Google-Military-Surveillance Complex

  2. OBSERVATION DECK Big Brother Doesn’t Have to Be a Bully

  3. The Multibillion-Dollar U.S. Spy Agency You Haven’t Heard of