شاركها 0FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram 124 غاص قلبي وأنا أمشي بين الحُطام، قدماي ثقيلتان، جسدي منهك من أثر السير الطويل، أمشي في بالطو أبيض بأكمام واسعة، قفازات بيضاء سميكة، أضع على فمي وأنفي كمامة، وتتدلى من رقبتي السماعة الطبية برأسها الفضي. حطام حطام، بنايات كاملة لم يعد لها وجود، بيوت، مدارس، حدائق، محال، دكاكين صغيرة، تطل متشحة بسوادها كالأشباح. ورائحة الموت الكئيبة تملأ جو المكان. أفكر أن الأرض تحت قدميّ تحوي عشرات الموتى فأجزع، وألتفت إلى رئيس القافلة الطبية، أسأله متى نصل المستشفى فيقول إنه قريب. لكني لم أكن أرى أية مبانٍ قائمة سليمة. ويصيبني الشك في وجود أحياء سنعالجهم هناك. رأيته صدفة فاستغربت، كان يجلس مُربِعا قدميه، ويدفن رأسه بين كفيه الصغيرين، يبدو كجزء من الحطام. يضع أمامه ملاءة كبيرة مفرودة وعليها أشياء كثيرة. أترك الفرقة وأقترب منه فأرى ما على الملاءة، “حلة ألامونيا” كبيرة بيدين من عاج وغطاء زجاجي مشروخ، طقم أكواب بعضها مكسور، صينية بلاستيك زرقاء كالحة، سنارة سمك قصيرة وطعمان موضوعان في علبة صغيرة، سنادات صغيرة لعجلة أطفال، علبة سجائر مفتوحة، ثياب كثيرة بمقاسات مختلفة، مكومة فوق بعضها، زجاجات فارغة، ألعاب أطفال رخيصة، نظارة طبية بذراع واحدة وعدساتها مكسورة، برواز كبير مشطور لنصفين، ساعة حائط تسير عقاربها عكس الاتجاه، موقد صغير وعلبة كبريت. أجلس إلى جواره، أضع يدي على كتفه وأقول له أنني طبيب من البلد الفُلانية فيهز رأسه ولا يتكلم، أسأله عن الأشياء، يتردد قبل أن يقول بصوت مبحوح: هاي اغراضنا . – حاجه أهلك يعني؟ – اه .. اغراضنا – وهما فين؟ تدمع عيناه ويغمغم بكلام غير مفهوم، ثم يشير إلى كتلة الملابس المكومة ويقول: هاي اواعيهم . ألاحظ للمرة الأولى أن الثياب ملطخة ببقع حمراء داكنة، فأربت على كتفه وأقول له إنهم أحياء عند ربهم. يقول:اخوي … اخوي كمان مات ، كان بجاهد .. يُطرق قليلا ثم يكمل: أنا اللي .. أنا اللي دفنتهم كلهم. يصمت كلانا وقد عجز لساني عن مواساته حتى، لكن فضولي دفعني لأسأله: انت فضلت ازاي؟ – بعرفش ،قصفو البيت ومحسيتش بشيء بعدها, وصحيت بالمستشفى ولما سالت عنهم حكولي كلهم ماتوا. أربت على كتفه مجددا وأنا أبكي، وهو يبكي. أنظر إلى الأشياء وأنا لم أفهم بعد لماذا يضعها هكذا. أسمع صوت رئيس القافلة فجأة وهو ينادي اسمي عبر مكبر للصوت فأنتفض، أختلس نظرة إلى الساعة فأدرك أن الوقت قد سرقني. أعتدل وأقبل الولد بين عينيه وعلى رأسه وأمضي. لكنه يستوقفني، يشير إلى الأشياء ويقول: ما بدك تشتري شيء ؟ * من المجموعة القصصية بعنوان (برواز مشطور) والتى تصدر قريب عن دار (مدارات) للأبحاث والنشر قد يعجبك أيضاً 10 كتب أدبية متنوعة نرشحها لك في معرض الكتاب 2020 «عمتِ صباحًا أيتها الحرب»: توثيق الحرب السورية روائيًا فيلم «I’m Thinking of Ending Things»: رحلة في العقل البشري نهاية الكساد: السينما المصرية تتماثل للشفاء شاركها 0 FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram عمر سليم Follow Author المقالة السابقة The Hateful Eight – داعش الأمريكية المقالة التالية The Social Network: الحقيقة وراء مؤسس «فيسبوك» قد تعجبك أيضاً احفظ الموضوع في قائمتك مُنع من العرض في مصر: الأفكار غير المباحة في السينما! 01/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك هل يفوز الفيلم الأفضل بجائزة الأوسكار؟ 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك كيف رأى نجيب محفوظ السُلطة في رواياته؟ 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك فهرس «سنان أنطون»: قراءة جديدة للمأساة 01/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك فيلم «ستموت في العشرين»: حتى لا يمرض أسد السودان 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك فيلم «Nightmare Alley»: أن يصبح الإنسان وحشًا 05/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك الفن النوبي: درع الهوية الأخير 01/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك مسلسل «After Life»: هل ينقذنا الألم؟ 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك إبراهيم الكوني: ذلك العاشق للصحراء 01/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك مسلسل «سابع جار»: كيف نشفى من حب «الستات»؟ 03/03/2023 اترك تعليقًا إلغاء الرد احفظ اسمي، البريد الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح للمرة القادمة التي سأعلق فيها.