الأول من سبتمبر/أيلول 2016، تبدو السماء صافية و الأجواء هادئة بولاية فلوريدا، وتحديداً بمنطقة «كيب كارنفال»، أحد المراكز الرئيسية للأنشطة الفضائية للولايات المتحدة الأمريكية، حيث منصة إطلاق شركة سبيس إكس SpaceX SLC-40 تستضيف صاروخ فالكون 9، حاملاً قمر AMOS-6 الصناعي للاتصالات -بتكلفة 200 مليون دولار – المرتقب أن ينطلق خلال أقل من يومين في وقت متأخر من ليل الثالث من سبتمبر .

الساعة التاسعة بالتوقيت المحلي، صباح يوم عملية إحماء روتينية الغرض منها التأكد من كفاءة الأجهزة وسلامتها قبيل الإطلاق الفعلي، بدأ العد التنازلي وبدا كل شيء على ما يرام، حتى جاءت الدقيقة الثامنة قبل بدء تشغيل المحركات T-8، ومعها تغير كل شيء في لحظة خاطفة. دوي انفجار ضخم حطم الصاروخ بالحمولة، مسبباً أضراراً جسيمة بمنصة الإطلاق، لتذهب أحلام عملية الإطلاق أدراج الرياح، تصحبها مئات الملايين من الدولارات، وتشهد عليها لحظات ذهول وارتباك وحدة التحكم بأكملها من أصغر مهندس ومراقب إلى مالك الشركة والأب الروحي الملياردير إلون ماسك.


بعد لحظات الصدمة وخيبة الأمل، بدأت رحلة البحث عن حقيقة ما حدث. كانت البداية من

بيان صحفي

للشركة وتغريدة لمالكها إلون ماسك عقب الانفجار بأربع ساعات أقرت فيه بأن الانفجار تسبب في تحطم الصاروخ كلية دون أي إصابات بشرية من حسن الحظ، وأن التحليلات الأولية تشير إلى أن الخلل نشأ حول خزان أكسجين المرحلة الأولى من الصاروخ أثناء عملية التحميل، وأن التحقيقات جارية لمعرفة السبب الحقيقي للانفجار، على أن يتم نشر تحديثات إضافية حال توافرها.


صباح اليوم التالي، الثاني من سبتمبر 2016، «جواين شوتويل» مديرة عمليات سبيس-إكس، و المصنفة الـ76 ضمن

قائمة «فوربس»

لأقوى 100 امرأة حول العالم، في بيان صحفي تعبر عن أسف الشركة إزاء فقدان AMOS-6، مؤكدة أن أولوية الشركة هي العودة إلى الإطلاق بأمان وثقة من أجل عملائها. وأنها تعد بتحقيقات دقيقة بشأن ما حدث، معبرة عن امتنانها لاستمرار دعم وثقة عملائها بالشركة، بالإضافة لدعم وثقة وكالة ناسا لأبحاث الفضاء وسلاح القوات الجوية للولايات المتحدة. وأوضحت أن الشركة تمتلك في أجندتها المستقبلية حوالي 70 مهمة بقيمة تجاوز 10 مليارات دولار.


عقب الغروب، صرحت الشركة بأنها بدأت تحقيقاتها المستفيضة عقب الانفجار مباشرة ضمن خطة أعدت مسبقاً لمثل تلك الأحداث الطارئة، تشتمل على الحفاظ على كافة الأدلة الممكنة واستدعاء فريق التحقيق في الحوادث، تحت إشراف خبراء إدارة الطيران الأمريكية والقوات الجوية ووكالة ناسا للفضاء. أما بخصوص منصة الإطلاق ذاتها (SLC-40)، فقد أقرت الشركة بتعرضها لضرر لا يُعلم مداه حتى وقتها. ونوهت إلى أن باقي منصات سبيس-إكس بولايتي فلوريدا وكاليفورنيا لم يتأثرا بأحداث الأمس على الإطلاق. وأن منصة إطلاق (SLC 4E) بقاعدة «فاندنبرج» الجوية ومنصة إطلاق (SLC-39A) بمركز كنيدي للفضاء قادرتان على دعم إطلاق صواريخ فالكون 9 وفالكون Heavy من أجل الالتزام بالجدول الزمني للاطلاقات المقبلة بمجرد انتهاء التحقيقات.


عكف فريق التحقيق على مدار الأسابيع الثلاثة التالية على تحليل ومراجعة ما يقرب من 3000 مصدر من بيانات قياس، وصور فوتوغرافية، وفيديوهات مرئية تغطي الفترة الزمنية القصيرة بين بوادر الخلل وفقدان البيانات بسبب الانفجار، والمقدرة بـ93 ملي-ثانية، أي أقل من جزء من عشرة من الثانية. هذا بجانب انتشال أجزاء الحطام من الحادث وتصويرها وفهرستها ومن ثم نقلها إلى مكان منفصل مجاور لاستخدامها في التحقيقات. وأشار الاستعراض المبدئي للبيانات والحطام – كما ذكر بيان الشركة المنشور يوم الثالث والعشرين من سبتمبر – إلى أن سبب الانفجار على الأرجح خرق في نظام الهيليوم المبرد داخل خزان الوقود الخاص بالمرحلة الثانية من الصاروخ – دون معرفة ماهية الخلل في هذا الوقت – وجاري تتبع الأسباب المحتملة، مع استبعاد خلل بإحكام غلق صمام الهيليوم عال الضغط وهو ما تسبب في

فقدان صاروخ CRS-7

العام الماضي.

واصلت فرق التحقيقات عملها بفحص منصة الإطلاق (SLC-40) والمرافق المحيطة بها من أجل البحث عن خيوط محتملة، بجانب معرفة مدى الضرر الناتج على المنصة من جراء الحادث. لحسن الحظ فإن مضخة إمداد الأكسجين السائل المبرد ومضخة وقود الكيروسين وأنظمة التحكم في المنصة لم تصب بضرر يذكر. منصة إطلاق SLC-30A الواقعة على بعد أميال من الحادث لم تتأثر على الإطلاق، حيث لم يُعثر على بقايا أو آثار حطام خارج حدود منصة SLC-40. على الجهة الأخرى، استمرت عملية الإنتاج والتصنيع على قدم وساق بمقر الشركة بولاية كاليفورنيا حيث تم استبعادها من عمليات التحقيق.

نتج عن تقدم التحقيقات وتحليل البيانات وإجراء اختبارات بمنشأة تجارب بولاية تكساس من أجل إعادة محاكاة نفس الظروف التي أدت إلى الحادث، تقدم ملحوظ يشير – طبقاً للبيان الصحفي أواخر شهر أكتوبر – إلى أن سبب الحادث على الأرجح يكمن في واحد من ثلاثة أوعية ضغط COPVs داخل خزان الأكسجين المسال (LOX) أثناء عملية تغذية الهيليوم تتأثر بالأساس بظروف درجة حرارة وضغط الهيليوم أثناء التغذية.وما زالت التحقيقات مستمرة لإثبات صحة تلك النظرية من عدمها.

مع انطلاقة العام الجديد وبعد قرابة الأربعة أشهر على الحادثة، و تحديداً يوم الثاني من يناير المنصرم، أعلنت سبيس-إكس عن انتهاء عملية التحقيقات رسمياً و أصدرت في بيان صحفي مطول تفاصيل نتائج التحقيقات التى كشفت عما حدث بدقة وشفافية كما وعدت سبيس-إكس عملاءها ومحبيها في وقت سابق.


يشير البيان إلى أن كل مرحلة من مراحل صاروخ فالكون 9 تعتمد على أوعية ضغط مغطاة (COPV) لتخزين الهيليوم البارد الذي يستخدم للحفاظ على ضغط خزان الأكسجين. وكل وعاء من تلك الأوعية يتكون من بطانة داخلية من الألمونيوم يحوطها غطاء من الكربون. بدأ الخلل مع تسرب الأكسجين المسال في تجويف بين بطانة وغطاء الأوعية واحتجازه. وبسبب ذلك تقطعت أو احتكت الألياف الواصلة بين الجدارين مولدة شرارة، كانت كافية لتوليد اشتعال في وجود الأكسجين، ومن ثم حدوث الانفجار. وما زاد الطين بلة أن درجة حرارة الهيليوم آنذاك كانت باردة بما يكفي ليتجمد الأكسجين «SOX» مما زاد من احتماليات انحباس الأكسجين في التجاويف أو توليد احتكاك مسببًا شرارة الاشتعال.

انتهى التحقيق إلى تقديم توصيات لضمان عدم تكرار ما حدث مرة أخرى، منها على سبيل المثال لا الحصر، تحميل الهيليوم في درجة حرارة أقل برودة، وإجراء تعديلات على تصميمات أوعية الضغط بما لا يدع مجالاً لوجود روابط أو فجوات قد تسبب أزمة في المستقبل.


تنفس الجميع الصعداء بمعرفة حقيقة ما حدث، لكن القلق و الضغط كان يتزايد مع قرب إطلاق صاروخ فالكون 9 يحمل قمر صناعي Iridium بعد أيام من منصة (SLC-4E) بقاعدة فاندنبرج الجوية حيث لا مجال للخطأ. سمعة الشركة وأسهمها ومستقبل مئات الموظفين و مليارات الدولارات على المحك.

في صباح يوم الرابع عشر من يناير الجاري كانت سبيس-إكس تستعد لإطلاق صاروخ فالكون 9 يحمل 10 أقمار صناعية لنظام Iridium، أحداث الأول من سبتمبر كانت تلقي بظلالها على الحدث. بدأ فالكون 9 رحلته إلى الفضاء وسط أنظار عشرات المهندسين والمحللين في لوحة التحكم وآلاف المتابعين على الإنترنت مخترقاً سماء كاليفورنيا الزرقاء قبل أن يصل بحمولته إلى بر الأمان ويهبط سالماً على منصة الشركة المتحركة في المحيط الهادئ، مما جعله أول صواريخها التي يتم استقبالها في المحيط الهادئ في إنجاز جديد يحسب للشركة.




تتمنى سبيس-إكس لو أن تخطي أحداث الأول من سبتمبر بتلك السهولة، لكن الواقع لا يتحقق بالأمنيات فحسب، وسبيس-إكس تدرك أنها لم تعبر عنق الزجاجة بعد. وسط

تقارير

تتساءل بشأن قدرتها وجاهزيتها لإرسال رواد فضاء إلى البشر عام 2018 طبقاً لإتفاق مع وكالة ناسا الأمريكية، وجدول إطلاقات مزدحم بمليارات الدولارات لعملاء قلقين، على سبيس-إكس أن تكون أكثر حذراً في خطواتها المقبلة دون أن تفقد سرعتها ومرونتها التي تتميز بهما عن غريمتها الأقوى، وكالة ناسا بذاتها.


المراجع




  1. anomaly updates

  2. Falcon 9 & AMOS-6 Static Fire Anomaly FAQ, Summary, & what we know so fa