خطوات جادة تأخذها السينما التونسية، خاصة بعد وصول فيلم «على حلة عيني» من إنتاج 2015م للمخرجة «ليلى بوزيد»، لمهرجانات عالمية، وفوزه بعدة جوائز دولية.

أثار الفيلم الوثائقي الدرامي «شلّاط تونس»، الذي يوحي إعلانه الدعائي بأنه كوميدي، جدلاً كبيرًا وصل إلى حد توجيه إنذار للقناة الثانية التونسية بسبب عرض إعلان للفيلم تضمن «عبارات خادشة للحياء». قامت المخرجة التونسية «كوثر بن هنية» بمغامرة للبحث عن «الشلاط»؛ وهو رجل يضرب النساء بآلة حادة لسبب غير مفهوم، واستقصت عن أسباب استباحة أجساد النساء، إن كانت هناك أسباب.

يبدأ الفيلم بصورة مهزوزة في مكان على ما يبدو أنه سجن، والحارس ينهر المخرجة والمصور بأن يبتعدا ويأمرهما بالامتناع عن التصوير، بينما تسأله المخرجة عن شلاط تونس أين ذهب؟، وهو الرجل صاحب واقعة ضرب النساء بالشفرة أثناء ركوبه دراجة بخارية وسط صراخ وذعر السيدات، كان ذلك في العام 2003م، وتبدأ الرحلة التي لا تخلو من الفكاهة للبحث عن الشلاط.

تم تصوير الفيلم بعد ثورة تونس وعلى حد قول كوثر فإن الثورة هي التي سمحت لها بتنفيذ هذا الفيلم والاطلاع على أرشيف الشرطة، وهو ما كان مستحيلاً في ظل نظام «ابن علي». بعد ذهابها لأقسام الشرطة، والبحث في الأرشيفات، وسؤال المحامين، تعلق كوثر إعلانات في الشوارع ليتواصل معها الشلاط، وسط استغراب وتندّر الناس عليها.


أسطورة «الشلاط» وأجساد النساء



شباب يدعمون الشلاط ويزعمون أن سبب ضربه للنساء هو لبسهن الفاضح، يقول أحدهم «عريانة تتشلط»

مثل كل الأساطير لا نعرف بدايتها، هل كان «الشلاط» خرافة ابتدعها الناس من وحي خيالهم؟ حكايات عن العنف الواقع على النساء يرويها الفيلم. في القهوة تسأل كوثر الشباب رأيهم في الشلاط، في منطقة تبدو عشوائية، يتسابق الأطفال أمام الكاميرا، تبحث كوثر عن الشخص المجهول.

وبسؤال الناس عن الواقعة يظهر وجه تونس الظلامي، شباب يدعمون الشلاط ويزعمون أن سبب ضربه للنساء هو لبسهن الفاضح، يقول أحدهم «عريانة تتشلط». من ناحية أخرى بحثت كوثر عن الفتيات اللاتي تم الاعتداء عليهن من قبل الشلاط.

على البحر تجلس فتاة تخبر كوثر بأن أثر القطع ما زال على جسدها، وإن تغلبت عليه بمحاولة رسم وشم. سيدات من طبقات أرستقراطية وطبقات دنيا كلهم تعرضوا للاعتداء. في خضم بحثها تعثر كوثر على حكايات أخرى بطلها جسد المرأة أيضًا، الفتاة السمينة التي تريد أن تشتري حمالة صدر، فيرفض والدها، فتضطر لسرقتها، وتتعرض للاحتجاز والسجن وفي النهاية تنتحر، كل هذا بسبب حمالة صدر. سيدة أخرى منعها زوجها من رسم وشم على جسدها، فما كان منها إلا أن أحضرت سكينًا وقطعت به جسدها الذي تشعر بأنها لا تملكه.

أما في الجزء الروائي الذي يغلب على الفيلم، فقامت المخرجة بعمل كاستينج (تجارب أداء) يتقدم فيها الشباب لمحاكاة دور الشلاط؛ حتى يدخل شخص يدعى «جلال» يتشاجر معها ويزعم أنه الشلاط الحقيقي.


الهم النسوي والهم الإنساني

رغم نفي المخرجة مرارًا أن الفيلم نسوي، لكن يبدو الهم النسوي والإنساني واضحًا بالفيلم مضفرًا بالتلقائية والدعابة، مبتعدًا عن المباشرة والمشاهد الزاعقة، لا نعرف إن كان أبطاله ممثلين أم شخصيات عادية، خاصة الشخص الذي ادعى بأنه الشلاط، بوجهه العنيف وأسلوبه الهجومي، بالطبع تتضامن معه أمه وتثني علي أخلاقه أمام الكاميرات، لا نعرف بالتحديد سبب قيام جلال بالاعتداء على النساء، فهو ينكر أن يكون مريضًا نفسيًا، ولا ينكر الواقعة نفسها.

مسار آخر يتخذه الفيلم يبرز علاقة الشلاط بالنساء، وهو قيام الشلاط بمواعدة فتاة بغرض الزواج، ويبدو أنه غير واثق في النساء عامًة، وفي أحد المشاهد الأكثر مرحًا يبيع له صديقه جهازًا يستطيع به معرفة هل الفتاة عذراء أم لا عن طريق بولها. من نشاطات الشلاط الأخرى التي استغل فيها خلفيته في ضرب النساء هي امتلاك مقهى إنترنت مع صديق له يلعب فيه الأطفال لعبة الشلاط، ويضربون أرداف النساء.

لم تعثر كوثر في النهاية عن الشلاط المجهول، لم تتأكد إن كان جلال هو الشلاط الحقيقي أم شلاط آخر، ولا نعرف إن كان تم سجنه أم لا، ليبقى شبحًا في الذاكرة يهدد سلام النساء، وتظهر جملة وثائقية في النهاية بأنه ظهر في مصر وسوريا شلاطون آخرون.

ربما خفتت سيرة الشلاط في حكايات القهاوي والبيوت التونسية والعربية، ولكن «التروما» التي سببها للنساء لا تزول.


عن «كوثر بن هنية»



ربما خفتت سيرة الشلاط في حكايات القهاوي والبيوت التونسية والعربية، ولكن «التروما» التي سببها للنساء لا تزول.

ولدت «كوثر بن هنية» بسيدي بوزيد، درست الإخراج السينمائي بمعهد الفنون والسينما في تونس وجامعة «لا فيميس» بباريس، اشترك فيلمها «شلاط تونس» في مهرجان «كان» الدورة السابعة والستين ضمن برنامج «أسيد»، وفي مهرجان «الأقصر للسينما الأفريقية»، وحصل على جائزة مهرجان «نامور» ببلجيكا، كما عرض في إسطنبول ومصر وفلسطين، وهو أول أفلامها الطويلة.

ونفذت سابقًا عددًا من الأفلام القصيرة منها فيلم «أنا وأختي والشيء»، وعددًا آخر من الأفلام الوثائقية منها «الأئمة يذهبون إلى المساجد»، و«يد اللوح» والذي غلبت عليه روح الكوميديا ويدور حول طفلة صغيرة ترفض العودة للبيت بعد المدرسة وتفضل الاستمتاع باللعب فتلجأ للصق يدها في كرسي، وقد حصل هذا الفيلم على جائزة أفضل فيلم في مهرجان «دونسان آرت» في فالنسيا بإسبانيا، كما تم عرض فيلمها الأخير «زينب وكرة الثلج» في مهرجان «لوكارنو» السينمائي، ويدور حول طفلة صغيرة تفقد والدها فتنتقل بها أمها للعيش في كندا تحت الثلوج ولكن الطفلة تكره الثلج، وتقوم «بن هنية» حاليًا بتنفيذ فيلم جديد تدعمه وزارة الثقافة التونسية.