أنا جاي على ملا وشي أنا ووﻻدي السبعة علشان نحمي راجل من رجالتنا.

جاءت تلك الجملة الحوارية على لسان الريس حربي/عمرو عبد الجليل، في أولى حلقات مسلسل طايع. هل يذكر القارئ الكريم أوﻻد حربي السبعة؟ هل يعرف خمسة منهم شكلًا؟ هل يستطيع استرجاع ثلاثة فقط من أسمائهم؟

سبعة أبناء لإحدى الشخصيات الرئيسية. اختيار شديد الصعوبة من كتاب المسلسل، محمد، وخالد، وشيرين دياب، أو من اصطلح الجمهور على تسميتهم بـ«آل دياب». ما الذي يجعل منه اختيارًا صعبًا؟ وهل وفق آل دياب في هذا الاختيار؟ أم مثل عبئًا كبيرًا عليهم؟ هذا ما نحاول مناقشته في هذا التقرير.


تقديم الشخصيات

في الحلقة الأولى من المسلسل يبدأ التأسيس لشخصية «حربي» من بداية الحلقة من خلال تداول سيرته بين عدد من الشخصيات، لكنه ﻻ يظهر إلا في المشهد الأخير من هذه الحلقة. تبدأ الموسيقى في الإعلان عن قدومه، موسيقى دراماتيكية تليق بشخصية شريرة، يدخل عدد من السيارات إلى الكادر، ثم يتم القطع على إحدى هذه السيارات، ينفتح الباب، نرى أقدامًا تهوي من السيارة، تتصاعد الموسيقى الدراماتيكية بالتزامن مع تصاعد الكاميرا من القدم إلى الرأس، ليظهر حربي على الشاشة للمرة الأولى بشحمه ولحمه، وبعد حوار قصير يقول جملته: «أنا جاي على ملا وشي أنا ووﻻدي السبعة علشان نحمي راجل من رجالتنا».

ما الذي يدفع حربي إلى القول بهذا التحديد إنه جاء هو وأبنائه «السبعة»؟ لماذا لم يكتف بقوله: «أنا جاي على ملا وشي أنا ووﻻدي علشان نحمي… إلخ»؟

هذه الجملة الحوارية تحمل قدرًا كبيرًا من الركاكة والافتعال، وهو ما ينسحب بشكل كبير على الحوار في أغلب مشاهد المسلسل، غير أن اللافت هنا أن هذه الجملة الحوارية جاءت بهذا الشكل لتؤدي وظيفة أخرى، وهي وظيفة التقديم لسبع من شخصيات المسلسل. فبينما يلقى عمرو عبد الجليل هذه الجملة تتجول بنا الكاميرا بين سبعة ممثلين في حركة أفقية من اليمين إلى اليسار والعكس، سبعة ممثلين ﻻ نتبين الكثير من ملامحهم في مشهد ليلي غلبت عليه الإضاءة الخافتة.

هكذا اختار آل دياب والمخرج عمرو سلامة أن يتم تقديم سبع من الشخصيات المحورية في المسلسل، بشكل تقليدي ﻻ يقل في «كليشيته» عن تقديم شخصية حربي نفسه. ولدواعي هذا التقديم فقط جاء الرقم 7 في جملة حربي في غير موضعه. وهنا نعود إلى السؤال الذي انطلقنا منه؛ لماذا سبعة أبناء؟


المبرر الدرامي

بدءًا من الحلقة الثانية، وعلى مدى حلقات المسلسل نشاهد الريس حربي يجوب البلدة والصحراء، ويذهب إلى كل مكان في موكب كبير من السيارات العملاقة، وفي حاشية ضخمة من الرجال المدججين بالسلاح. فهو رجل ﻻ تنقصه القوة، وﻻ تعوزه الحاجة إلى الرجال، فما المغزى الدرامي من الرقم «سبعة» عددًا لأبنائه؟

سبعة أبناء ليس بالرقم الكبير، ﻻ بالنظر إلى متوسط عدد الأبناء في الأسرة الصعيدية الواحدة، وﻻ بالنظر إلى المفهوم الشعبي «العزوة». كما أن تاجرًا كبيرًا للآثار وخارجًا على العدالة بالطبع سيكون له من المعاونين والموالين الكثير، ولن يعتمد فقط على أبنائه.

ولهذا نقول إن اخيتار عدد سبعة لم يكن له أي مبرر درامي واضح، لا على مستوى حركة الأحداث وتطور الصراع، وﻻ على مستوى رسم شخصية حربي. كما أن الاستغناء عن هذا الاختيار المحدد لن يغير من البناء الدرامي في شيء، وﻻ أرى من مبرر حقيقي لهذا الاختيار إلا للمساهمة في إطالة عمر المسلسل من خلال إضافة عدد أكبر من المشاهد التي يقوم فيها «طايع/عمرو يوسف» بمطاردة أبناء حربي للقصاص منهم.


كيف ترسم سبع شخصيات؟

سبعة أبناء لتاجر آثار، وقاتل، وخارج علي القانون. يشاركون أباهم تجارته وأعماله الإجرامية. ينتشون بقوتهم في مواجهة أهل البلدة، وخصومهم، بل في مواجهة الدولة نفسها. تلك هي الملامح الرئيسية التي يشترك فيها أبناء حربي السبعة، ولكن كيف يتم التمييز بين سبع من الشخصيات المحورية في مسلسل طويل قوامه 30 حلقة؟

على المستوى البصري

يمكننا التمييز بين ثلاثة من الأبناء على المستوى البصري. فهناك الطويل، وهناك القصير، وهناك البدين. ثلاث صفات بصرية واضحة، ولكن ماذا عن باقي الأبناء؟ هل يستطيع المشاهد التمييز بين أي منهم؟

مع تفاوت حجم كل شخصية من الشخصيات السبعة جاء التفاوت في اختيار المخرج عمرو سلامة للممثلين الذين قاموا بأدوارهم، فجاء الابن الأكبر «سلطان» من نصيب الممثل «أحمد عبد الله محمود»، وهو ممثل معروف لدى الجمهور، إن لم يكن اسمًا فشكلًا، فهو يشارك بانتظام في أعمال تلفزيونية وسينمائية منذ عشر سنوات كاملة.

يأتي بعد ذلك «ضاحي»، الشخصية التالية من حيث الحجم والأهمية، واختير لها الممثل الشاب «علي قاسم»، والذي قدم أداءً جيدًا. وبمطالعة

صفحته على موقع

«السينما» نعرف أن قاسم لم يشارك إلا في 3 أعمال فقط قبل مشاركته في مسلسل طايع، وهو ما يعني أنه وجه جديد تمامًا وغير معروف للمشاهد. أما شخصية «هلال» فقام بها الممثل «مجدي البحيري»، وهو أيضًا من الوجوه الجديدة غير المعروفة، فلم يشارك قبل ذلك إلا في عمل وحيد هو فيلم «كابتن مصر».

هؤلاء هم على الترتيب؛ الطويل، والقصير، والبدين، أما باقي الأبناء فلا يمكنك التعرف على الأسماء الحقيقية للممثلين الذين قاموا بأدوارهم، وهم أيضًا من الوجوه الجديدة غير المعروفة للجمهور. هذا الاختيار والتسكين للممثلين ساهم بالطبع في غياب التمييز البصري المناسب للشخصيات.

سبع شخصيات هم بالطبع عبء كبير على صناع المسلسل، سواء كتابه أو مخرجه، والعجز عن التمييز البصري الواضح لهذه الشخصيات يجعل من الصعب التعرف عليهم وتفريقهم عن غيرهم من رجال حربي وحاشيته الكبيرة، وهو ما أدى إلى غياب أربعة منهم في عدد كبير من المشاهد، وظهورهم الصامت في مشاهد أخرى، كما لو كانوا كومبارسًا أو جزءًا من المجاميع.

على المستوى الدرامي

هل يمكننا التمييز بين الأبناء السبعة دراميًّا؟ بمعنى آخر؛ هل هناك اختلاف في التركيبة الشخصية لكل منهم؟

سلطان هو الابن الأكبر. شخص مغرور، مندفع، تحركه نشوة القوة، ويتعجل أن يحل محل أبيه، حيث السلطة والنفوذ. وضاحي هو الأكثر مكرًا وذكاءً، كما أنه يختلف عن أبيه وإخوته في مساحة الجانب الطيب من شخصيته التي تظهر مع ارتباطه العاطفي بأزهار. أما هلال، الابن البدين، فهو شخصية بسيطة، ﻻ تحمل الكثير من التفاصيل، هو أيضًا مندفع، ومغرور بالقوة، ولكنه يفتقد إلى ذكاء ضاحي، ودائمًا ما يأتي تاليًا لهما في الترتيب.

هذا عن الطويل، والقصير، والبدين. ولكن ماذا عن الأبناء الأربعة المتبقين؟ ﻻ نكاد نعرف عنهم أي شيء، حتى أننا ﻻ نعرف أسماءهم إﻻ في الحلقة السادسة، وفي مشهد أقرب إلى الكوميديا عندما يحاول الضابط الإيقاع بمن هم على تواصل مع حربي من مخبري الشرطة، فيقوم بتسريب معلومة خاطئة عن كل ابن من أبناء حربي بالاسم، ولكن بالرغم من ذلك، لا يمكن للمشاهد إلصاق هذه الأسماء بشخصياتها، فلا يستطيع أن يعرف أيهم حسن، وأيهم همام، إﻻ في الحلقات الأخيرة من المسلسل، عندما يقوم طايع بقتل كل منهم على حدة.

أي عمل فني هو في الأصل اختيار، والاختيارات غير الموفقة هي أعباء إضافية على عاتق صناع العمل، ومقبلات عسيرة الهضم على المشاهد، واختيار آل دياب والمخرج عمرو سلامة لهذا العدد الكبير من الأبناء لشخصية حربي، هو بالتأكيد اختيار غير موفق.