«قمع الحراك السلمي للشعب القطري ستكون عاقبته وخيمة» وهو «جريمة حرب». غرّد «سعود القحطاني»، المستشار بالديوان الملكي بالسعودية، فرُدت طلقاته إلى صدره، وسمعه طيفٌ من المعارضة السعودية.


يبدو أنه على شاكلة «من حفر حفرة لأخيه وقع فيها» قد نالت من نظام الحكم السعودي، دعوات رموزٍ معارضة لحراك سلميٍ معارضٍ داخل السعودية، ورغم محدودية الدعوات وانخفاض سقف التوقعات من ورائها إلا أن ثمة بادرة على قلقٍ ما يجتاح الخليج الملتهب. في فرصة يراها كثيرون نقلًا للمعارضة السياسية من وسائل التواصل الاجتماعي إلى أرض الواقع.

«حراك 15 سبتمبر» كما سماه دعاته في وسمه على توتير، لاقى تفاعلًا من مواطنين عاديين يبدو أن رقعتهم بدأت في الاتساع عن ذي قبل، مطالب ذلك الحراك تمثلت في الدعوة إلى الإصلاح بشكل عام، كمعالجة أزمة الفقر والبطالة والسكن وفتح سقف في حريات التعبير وعدم اضطهاد أصحاب الرأي المعارض في السعودية وحقوق المرأة.

قد تبدو تلك المطالب غريبةً بعض الشيء على ممالك الخليج الهادئة والغنية بمواردها، هل حقًا لا يجد السعوديون منزلًا وعملًا في دولتهم الغنية بالبترول؟ أم أن أيدي خبيثة تعبث في الشأن السعودي للإطاحة بنظام حكمه المستقر؟


الوظيفة والسكن

تشير الإحصاءات الرسمية في الدولة السعودية إلى أن

معدل البطالة

في السعودية يصل إلى 12.7%، أغلبهم من الشباب. على أرض الواقع هذه النسبة أكبر بكثير والحل الأفضل لتلك الأزمة، الذي تفتق له ذهن الحاكم السعودي، يتمثل في إقصاء الوافدين من أعمالهم لإتاحة الفرصة أمام السعوديين، غير أن هذا لا يمكن أن يكون حلًا، فهل يُعقل أن تكون سياسة فرص العمل في المملكة قائمةً على الإحلال لا خلق الفرص؟

يُعرف عن أراضي المملكة السعودية مساحتها الشاسعة، وأيضًا يعرف المجتمع السعودي مقولة «أمراء الشبوك» وهي كلمة تعني وضع أحد الأمراء سلكًا شائكًا على مساحة من الأرض كبيرة ويكتفي بوضع لوحة إرشاديه تدل على أن هذه الأرض تتبع أملاك الأمير هذا أو ذاك. في المقابل

تبلغ نسبة

تملّك المواطنين لمساكنهم نحو 63.2% على المستوى الكلي للمملكة. تلك النسبة ليست في الحقيقة تعبر عن تملك الأفراد للمنازل، بل تعبر في حقيقتها عن نسبة الأسر في السعودية التي تسكن في بيوت صفتها «مملوكة».

تلك الإحصاءات حتى وإن كانت متدنية فهي لا توثر كثيرًا في دولة تجيد فن السيطرة على الوضع العام، ويعلم نظامها الحاكم متى يواجه العاصفة ومتى يحني رأسه لرياح التغيير.

الحراك السياسي المعارض والانقلابات في الدولة السعودية بدأت مع بداية تلك الدولة الشابة الغنية. غير أن أهم تلك المحطات التي حازت على بعض التغطية الإعلامية، هي محاولة الانقلاب التي قادها

جهيمان العتيبي

.

جهيمان، شابٌ لم يتلق من حظه في التعليم إلا القليل، استطاع أن يضع النظام السعودي في مهب الريح عندما احتل ساحة الحرم المكي ولم تستطع الحكومة وقتها التعامل معه إلى بعد دعوة أصدقائها الأمريكيين والفرنسيين، بعد أن تحول الحرم إلى ساحة نزاع على الحكم. حركة جيهمان العتيبي كانت حركة انقلابية مسلحة وُلدت مع الترتيب لأحداث الحرم ووُئدت مع نهاية الأزمة خلال خمسة عشر يومًا.

تمضي الأيام وتهب رياح الربيع العربي في الدول المجاورة، من تونس إلى مصر وليبيا واليمن وسوريا، لكن النظام السعودي منع الإعصار المدمر للأنظمة العربية القائمة من إكمال طريقه، بفضل قدراته المالية والأمنية الداخلية القوية.

تبدأ الدعوات للتغيير في المملكة بعد حين من الثورة المصرية، فيُصدر الملك عبد الله آل سعود حينها سيلًا من القرارات والأوامر الملكية أهمها كان في صورة إعفاءات من الديون للمواطنين وأخرى في صيغة دعم لنسبة العاطلين في المملكة.

ولكن هذا لم يُثنِ الرجل الذي وقف في مدينة الرياض وحيدًا وسط كم غفير من الأمن السعودي بشتى طوائفه، في أن يعبر عن رأيه في حكومته وطلباته التي لم تجد سوى كاميرات البي بي سي لتسمعها. يختفي

خالد الجهني

بمطالباته وآرائه عن أعين أسرته لمدة قاربت السنة، ليظهر بعدها في لندن هاربًا من أنياب السلطة ويحكي عن تجربته المريرة في سجون آل سعود.

ولكن ألم تؤثر تلك الدعوة فقط للتظاهر على وسائل التواصل الاجتماعي إيجابيًا على المواطن السعودي وتجبر حكومته لإطلاق هذا السيل من المغريات للمواطنين ليحافظ آل سعود على سيادتهم في دولتهم؟


كيف يرى المواطن السعودي حكومته، وكيف تراه حكومته؟


المجتمع السعودي المبني في الأساس على القبلية تنعكس تلك الثقافة القبلية في زعامة فرد على القبيلة وتسيير شئونها تتماشى كذلك مع حالة من الرضى بزعامة قبيلة على القبائل الأخرى. يرى آل سعود أنهم أصحاب الدولة وأن إيراد تلك الدولة هي في الأساس حق مكتسب، ولهم كامل الحق في كيفية صرف ذلك المال وفقًا لرؤيتهم.

أما المواطن في المملكة فيرى أنه ما دامت العائلة المالكة لا تبخل بصرف جزء من أتلال ذلك المال لتلبية احتجاجاتهم فإنه في غنى عن الدخول في نزاع مع حكومته لا يعلم عواقبه.

حقيقة الرفاهية السعودية

يستطيع المواطن السعودي بشكل عام أن يحظى بقدر من الرفاهية في حياته، ولكن في الحقيقة هي رفاهية زائفة. فلا رفاهية في المملكة دون ديون بنكية وأقساط شهرية تؤرق نوم المواطن كل ليلة. فبين ليلة وضحاها قد تزول تلك الرفاهية بحجز من البنك على سيارة أو منزل أي مواطن.

وفي فلكٍ آخر، يرى مواطنون وإن كانوا قلة في المملكة أن هذا لا يتناسب مع مبدأ أحقية المواطن في حقوقه في وطنه، فهذا المال الزائف لا يغني عن الإقصاء من المشاركة السياسية للمواطنين في دولتهم ولا الحق في انتخاب حتى الحكومة التي تسيّر شئون الدولة بعيدًا عمن أسسها وعن الاختفاءات والإعدامات بحق من يخرج ضد هذا النظام.

أصحاب ذلك الرأي، المجهولون في صفتهم الأسمية، المعروفون في رؤيتهم، هم من بدأوا الدعوة لذلك الحراك السياسي المعارض مؤخرًا في المملكة السعودية. يعلن أصحاب هذا الحراك عن الدعوة إلى 15 سبتمبر/أيلول والتظاهر لكسب ولو حتى الجزء اليسير من مطالبهم. ولم يدخر جهدًا المعارضون المعروفون في المملكة عن دعم هذا الحراك في وسائل تعبيرهم التي اقتصرت على وسائل التواصل الاجتماعي كـ «مجتهد» و«غانم الدوسري» وهم على رأس تلك القائمة من دعم وإبداء النصائح لإنجاح تلك المحاولة في التظاهر.

مجتهد: الأقربون أولى بالمعروف


مجتهد هو شخصية غير معروفة، ولكنه من أبرز المعارضين داخل المجتمع السعودي وهم قله وما يميزه هو نفوذه داخل الأسرة الحاكمة. وبالرغم من السيطرة القوية للأمن على شبكات التواصل في المملكة إلا أنه لم يتمكن من الوصول لهذا الشخص.

غانم الدوسري

غانم حمود المصارير الدوسري، ترك السعودية في عام 2003 لمعارضته آل سعود، وهو ذو تأثير كبير على وسائل التواصل الاجتماعي وأهما توتير، وقبل أقل من شهر تلقى غانم مكالمة سربها بعد تسجيلها إلى وسائل التواصل بينه وبين أمير يُدعى مشهور آل سعود، يظهر من تلك المكالمة مدى قلق أفراد العائلة الحاكمة من أي دعوات للتظاهر.

على الجبهة الأخرى يطلق النظام السعودي ثلاث طلقات تحذيرية للجميع عن رؤيتها في مبدئها في التعامل الذي سيكون مع تلك المظاهرات، في صيغة من القمع -تحت أي مبرر وإن كان غير منطقي- بحق بعض الرموز المعروفة لدى النظام في معارضتها له حتى وإن كانت على استحياء.

سلمان العودة وعوض القرني وعلي العمري كانوا الأنسب ليكونوا هم تلك الطلقات التحذيرية قبل بدأ تلك المظاهرات.


15 سبتمبر: محاولة استقرائية

لن يقف نظام آل سعود مكتوف الأيدي أمام هذا الحراك، خاصةً «سلمان بن عبد العزيز» الملك الحالي الساعي إلى توريث ابنه الحكم. ذلك السعي الذي أفرز غضبًا داخل العائلة الحاكمة من تخطي رقاب الجميع، ليصل محمد بن سلمان الملك القادم افتراضيًا، فكانت حملة واسعة من الاعتقالات لعدد كبير من مصلحي البلاد، وكان أن استنجد بمفتي المملكة ليظهر على قناة MBC ويدعو الناس لتجنيب البلاد الفتن.

لتجد «15 سبتمبر» نفسها اليوم مدعوّة للتواجد داخل الأسرة الحاكمة دون أي عناء، يتضامن المعارضون داخل الأسرة السعودية مع هذا الحراك حتى وإن كان مؤقتًا وأهم هؤلاء هم من كانوا من المفترض أن يحلوا ملوكًا بدلًا من ابن سلمان ومن اختفوا قسريًا من لندن كالأمير سلطان بن تركي والأمير تركي بن بندر.

الطائفة الشيعية المضطهدة في المملكة كذلك وجدت «15 سبتمبر» بيتًا مناسبًا للنيل من أسرةٍ جردتهم من حقوقهم وقتلت العديد من رموزهم وأبنائهم كـ «نمر النمر» الذي بقتله تقطعت أغلب خيوط الوصل بين آل سعود وهذه الطائفة.

المواطنون في صفقتهم العرفية مع آل سعود في المال والعيش الرغيد مقابل الحكم لآل سعود،يجد العديد منهم الآن تلك الصفقة أصبحت فاسدة واختلت بعد قصور الحكومة في الوفاء بذلك العهد بعد قرارات التقشف التي يسعى إليها نظام الحكم السعودي.

فهل ستحرك «15 سبتمبر» المياه الراكدة في جدول ممالك النفط، أم كسابقيها يكون القول الفصل فيها للمال والسلطان؟