مرت كرة القدم بعصور من تطور مراكز اللاعبين وتعدد أدوارهم داخل الملعب. إلا أن اللعب في مركز حارس المرمى يتضمن دومًا جزءًا كبيرًا من الحظ والمخاطرة. خطأ واحد من حارس المرمى خلال بطولة بأكملها يعرض صاحبه للعنات أبدية. ربما تصبر على مهاجم واعد حتى يصل لقمة مستواه مع الوقت، لكنك لن يطمئن قلبك أبدًا لمشاهدة حارس مرمى أخطأ في مباراته السابقة.

عام 1950 فشل المنتخب البرازيلي في الفوز بكأس العالم على ملعب الماراكانا وسط جماهيره، ذلك بعد أن خسر المباراة النهائية بسبب خطأ لحارس المرمى مواسير باربوسا. قضى باربوسا بقية عمره يتلقى اللوم حتى أنه رُفِض طلبه زيارة المنتخب البرازيلي عام 1993 قبل مونديال أمريكا.

العقوبة القصوى لأي جريمة في البرازيل هي 30 سنة سجنًا فقط. ولكنني أدفع منذ 43 عامًا ثمن جريمة لم أرتكبها.





تصريح مواسير باربوسا.

على الجانب الآخر حارس المرمى الجيد أو الاستثنائي بشكل أدق يضفي نوعًا من الثقة على أداء فريقه. تستطيع أن تلمح ابتسامة الثقة على وجه أحد المشجعين عندما تقترب المباراة من ركلات الترجيح؛ لأنه يثق في حارس مرماه.

هكذا هو حال جماهير أتلتيكو مدريد الإسباني منذ ما يقرب من عشر سنوات، فمنذ أن صُعِّد الحارس الإسباني ديفيد دي خيا موسم 2009 / 2010 ومركز حراسة المرمى يشهد أسماء تُعد من الأفضل في العالم في هذا المركز، فبرحيل دي خيا بعد موسمين خلفه البلجيكي تيبو كورتوا، وبرحيل كورتوا وجد النادي الإسباني ضالته في السلوفيني أوبلاك.

في حفل جوائز الفيفا للأفضل عام 2018 «The best» تُوِّج كورتوا أفضل حارس في العالم، أما فريق العام فشغل مركز حارس المرمى فيه ديفيد دي خيا، أما أوبلاك فهو الرجل المرشح في سوق الانتقالات ليصبح أغلى حارس مرمى في التاريخ نظرًا لمستواه الثابت والمبهر.

نحن نتحدث عن أفضل 3 حراس في العالم طبقًا لرأي الكثيرين بالطبع. فما هو السر وراء مركز حراس المرمى في نادي أتلتيكو مدريد؟ ذلك ما سنحاول أن نجيب عنه بقدر ما نستطيع.


ثنائية بورجوس وبابلو فيرسيلون

جيرمان بورغوس, دييجو سيميوني, أتلتيكو مدريد

جيرمان بورجوس المدرب المساعد للأرجنتيني دييجو سيميوني

الحديث عن مساعد المدرب الأرجنتيني جيرمان بورجوس وشراكته مع مواطنه المدير الفني لأتلتيكو مدريد دييجو سيميوني قد يطول. إلا أن كل الشواهد تؤكد أن الرجل يشغل ما هو أكثر من منصب مدرب مساعد.

فالمسئولية متساوية


تقريباً بين الرجلين

.

إنه لا يتعامل وكأنه يرأسني، نحن لا نتجادل لأننا نتحدث كثيرًا.





تصريح سابق لبورجوس عن علاقته بدييجو سيميوني.

الميزة الأهم هنا في بورجوس أنه كان حارس مرمى في الأصل، كما عمل في بداية مشواره التدريبي كمدرب حراس مرمى لنادي الكوركون، ثم بدأ يتقلد منصب مساعد المدرب بفضل صداقته مع دييجو سيميوني.

يعرف بورجوس أنه يعطي الكثير من التحفيز والتشجيع اللاعبين نظرًا لشخصيته القتالية؛ لذا فلا نستبعد أبدًا أن يكون لبورجوس وهو حارس المرمى السابق يد في التدريب الجيد الذي يحصل عليه مدربو حراس المرمى في أتلتيكو مدريد. خاصة مع ثنائية أخرى مكونة مع مدرب حراس مرمى الفريق الإسباني بابلو فيرسيلون.

الأرجنتيني بابلو فيرسيلون كحارس مرمى لا يملك تاريخًا معقولًا،

ولا نملك من تاريخه

سوى أنه بدأ في نادي إستوديانتيس دي لا بلاتا، وأنهى مسيرته في نادي أول بويز، ثم بدأ يتردد اسمه كمدرب حراس مرمى في الطاقم الفني لدييجو سيميوني، ثم أثبت نفسه كمدرب حراس مرمى ممتاز بعد أن صقل موهبة تيبو كورتوا وأوبلاك على الترتيب، لينتج لنا نسختين لحراس مرمى تملكان مستويات ثابتة وجيدة في آن واحد.

هذا التناغم بين الطاقم الأرجنتيني يؤثر بالطبع في مستويات اللاعبين، وتلك الخبرة في مجال حراسة المرمى التي يتمتع بها ذلك الطاقم تؤثر في مركز حارس المرمى بالطبع. هذا بالطبع ينطبق على أوبلاك، ومن قبله كورتوا، لكن أتلتيكو حظي بحارس عظيم قبل الاثنين، وهو الإسباني دي خيا، ما يجعلنا نذهب للفرضية الثانية، وهي عين أتلتيكو الخبيرة دائمًا.


مصنع الأتلتي: إنتاج لا يتوقف

هناك في فيسنتي كالديرون يُصنَع النجوم. تلك مقولة أثبتت صدقها عبر السنوات. تنقسم العاصمة الإسبانية بين ناديي ريال مدريد النادي الملكي ذي الأموال الوفيرة والنجوم المدججة من كل صوب، وبين أتلتيكو مدريد نادي العمال والفقراء، حيث تُصنَع النجوم لا تُشتَرى. كان هذا بالطبع قبل بداية الموسم الحالي تحديدًا.

دعنا نتتبع سويًا

مركزي رأس الحربة وحارس المرمى

لإيضاح قدرة نادي أتلتيكو مدريد على صناعة نجوم أولًا، ثم التربح من بيعها وإيجاد البديل المناسب بشكل سريع للغاية، وصناعة نجم آخر من جديد.

موسم 2001 / 2002 صُعِّد الناشئ آنذاك فيرناندو توريس الذي سيصبح المهاجم الرئيسي للفريق في المواسم التالية. 30 يونيو 2007 رحل توريس إلى ليفربول الإنجليزي كأكبر صفقة يبرمها فريق ليفربول حينئذ. قبل يومين فقط من انتقال توريس للنادي الإنجليزي أعلن نادي أتلتيكو التعاقد مع دييجو فورلان. ربما تجد ذلك مجرد استبدال مهاجم معروف بآخر مثله.

أوافقك الرأي، فالعين الخبيرة ليست من أتت بفورلان، ولكن هي من أتت قبل موسم واحد بسيرجيو أجويرو من قلب الأرجنتين. وهكذا حصل النادي على ربح مادي بانتقال توريس ووفر بديلًا جاهزًا هو فورلان، وأتى بواحد سيصبح فيما بعد من أهم مهاجمي العالم، وهو أجويرو، لتبدأ القصة من جديد.

يرحل أجويرو موسم 2011 / 2012 نحو مانشستر سيتي الإنجليزي، فيُوفَّر بديل بالمستوى نفسه، وهو فالكاو من نادي بورتو، ولكن قبل موسم واحد من كل ذلك كان الإسباني دييجو كوستا قد انضم بشكل رسمي لصفوف الأتلتيكو بعد سلسلة من الإعارات. وبرحيل دييجو كوستا موسم 2014 / 2015 كان الأتلتي يمتلك أنطونيو جريزمان وماندوزكيتش.

أتلتيكو مدريد إذن يمتلك قاعدة ناشئين جيدة وعينًا خبيرة باللاعبين الصغار والقدرة على توفير بدائل جيدة للغاية بشكل مستمر. الأمر نفسه ينطبق على حراسة المرمى. دافيد دي خيا صُعِّد من فريق الناشئين موسم 2009 / 2010، وبعد موسمين من التألق رحل نحو مانشستر يونايتد الإنجليزي، فكان اختيار البديل دقيق تمامًا، وفي نفس الموسم، وهو تيبو كورتوا كعقد إعارة من نادي تشيلسي، وبرحيل كورتوا كان الاختيار أكثر دقة، وفي نفس الموسم أيضًا، بانتداب السلوفيني يان أوبلاك من نادي بنفيكا.


تكتيك الأتلتي

يعتمد نادي أتلتيكو مدريد على تكتيك دفاعي جيد للغاية مع المدرب دييجو سيميوني. ولذا لا نستطيع أن نغفل دور الدفاع الجيد في تحسين أرقام حارس المرمى دومًا. كما أن التكتيك الذي يمتاز بالتكتل الدفاعي واللعب على المرتدات السريعة يصبح مثاليًا لحارس مرمى جيد.

في حراسة المرمى خلف مساحات ضيقة تعطي الحارس الكثير من الثقة، بل إنه يستطيع أن يخطف بقعة الضوء من الجميع إذا ما تصدي لهجمتين خطيرتين خلال المباراة والعشرات من التسديدات المرسلة من بعيد، ربما أن كيلور نافاس انتُدِب لريال مدريد بالطريقة نفسها بعد أدائه مع المنتخب الكوستاريكي. على العكس تمامًا إذا وجد حارس المرمى نفسه في مواجهة 3 من لاعبي الخصم نجحوا في تنفيذ هجمة مرتدة جيدة، تصبح فكرة تألقه حينئذ صعبة للغاية.

على الجانب الآخر فإن كان الحارس غير جيد ربما يُطاح به سريعًا، فخطأ وحيد من فرص قليلة للخصم من المؤكد أنه لن يغتفر. مستويات الحراس الثلاثة الذين نتحدث عنهم جيدة جدًّا بالطبع، ولكن ما نشير إليه هنا أن تكتيك الأتلتيكو ساعد في زيادة لمعانهم.

ربما يستثنى ديفيد دي خيا، حيث رحل من أتلتيكو مدريد قبل وصول سيميوني بـ 6 أشهر، إلا أنه مازال ينطبق على الرجل فكرة حارس المرمى للفريق المكافح – كان الأتلتي يقدم مستويات سيئة حينذاك – الذي يزيد تألقه من لفت الانتباه لمدى جودة مستواه.

ربما أهم ما قد يثير قلق جمهور الأتلتي هذا الموسم هو فكرة تحولهم للانتدابات الباهظة بدلًا من صناعة النجوم وشراء اللاعبين الصغار. عليهم أن يفكروا الآن وهم يشهدون تغير سياسة ناديهم ويسألوا أنفسهم سؤالًا لم يقلق بالهم منذ نحو عقد من الزمان، ماذا بعد أوبلاك؟