شهد الشهر الماضي انتصارًا كبيرًا للحزب الديمقراطي على غريمه التقليدي، في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، واكتسبت هذه الانتخابات أهمية كبيرة نتيجة الانقسام السياسي المشتعل على خلفية سياسات ترامب. حقق الديمقراطيون نتائج مرضية وانتزعوا أغلبية مجلس النواب الأمريكي لأول مرة منذ ثمانِ سنوات، ولأول مرة 110 سيدة أمريكية في غرفتي الكونجرس، ولأول مرة نائبة مسلمة في الكونجرس، ولأول مرةٍ أيضًا نائبة محجبة في الكونجرس.

شهدت الانتخابات أكبر ارتدادة للخطاب الشعبوي الذي يمثله ترامب على رأس هرم السلطة؛ رشيدة طُليب المسلمة من أصول فلسطينية، لأبوين هاجرا من الضفة بعد الاحتلال الإسرائيلي عام 1967. إلهان عمر الأمريكية لأب صومالي وأم يمنية، أول نائبة محجبة في الكونجرس، هي الأخرى وصلت إلى مجلس النواب من بوابة الديمقراطيين.

احتفى المغردون العرب بنتائج هذه الانتخابات كونها مثلت كبحًا لجماح ترامب، وفي زاوية من الصورة احتفوا بوصول النائبتين من أصول عربية إسلامية إلى أروقة المجلس، لكن الأنظمة العربية لم تفرح لهذا الانتصار، كونها حليفة لدونالد ترامب، لكن ليس ذلك وفقط كما نشرت مجلة

فورين بوليسي

أمس الثلاثاء.

قالت المجلة الأمريكية إن التعامل الخليجي مع الديمقراطيين من ذوي الأصول الشرق أوسطية كان على غير المتوقع، فلم تفتأ هذه الأنظمة تربط بين هؤلاء والجماعات الإسلامية المنبوذة من قبل هذه الأنظمة. إلهان عمر، عضو الكونجرس عن ولاية مينيسوتا، لاقت الكثير من التعنت من جانب وسائل الإعلام المحسوبة على المحافظين، لاسيما في مواجهة المساعي الديمقراطية التقدمية لرفع حظر الحجاب داخل أروقة الكونجرس. فبعدما كانت القضية نظرية، باتت الحاجة إلى مناقشتها اليوم ملحة أكثر من أي وقتٍ مضى، فإلهان عمر وحجابها حاضران تحت مظلة التشريع الأمريكي.

تعرضت إلهان كذلك لحملة تشويه متعمدة من الأنظمة الخليجية، ونشرت قناة العربية المحسوبة على النظام الحاكم في السعودية تقريرًا يشي بأن إلهان ورشيدة طُليب كانتا جزءًا من تحالف بين الحزب الديقراطي والجماعات الإسلامية للسيطرة على الكونجرس، وانتقد التقرير الميول السياسية لكلتا النائبتين، المعادي لترامب ولسياساته الخارجية. وفي إحدى حلقات التوك شو المذاعة على محطة MBC المملوكة لمقربين من النظام السعودي، ناقش الإعلامي المصري عمرو أديب مسألة صعود الديمقراطيين مع أستاذ العلوم السياسية المصري المعتز بالله عبد الفتاح، ورأى الأخير (الضيف) أن الحرب الناجحة التي شنها ترامب على الإسلاميين يقوضها الفوز الديمقراطي الأخير.

وأخذت الحرب الإعلامية على إلهان مسارًا جديدًا عندما ربطها أمجد طه (محلل سياسي سعودي مقرب من النظام) بالحرب الدائرة في اليمن، وادعى أن إلهان صومالية الأب، لأم يمنية حوثية ستسعى من داخل الكونجرس لفتح ملف اليمن، وتشن من داخله حربًا على المملكة والتحالف العسكري الذي تقوده.


وصل الهجوم على النائبتين إلى مستويات رسمية، فهذا فيصل الشمري، المستشار الثقافي ضمن البعثة الثقافية السعودية في الولايات المتحدة، والتي هي بعثة رسمية تابعة لسفارة المملكة بواشنطن، يقول في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي تويتر إن إلهان عمر، أول ما ستفعله في الكونجرس بعد فوزها، أنها ستعادي السياسات الخليجية وتناصر الإسلام السياسي.


الاتهامات التي سيقت للمسلمين الديمقراطيين من قبل المعسكر الذي تقوده السعودية ركز على كون هؤلاء النشطاء مرتبطين بدرجة أو بأخرى بجماعات الإسلام السياسي، وتحديدًا الإخوان المسلمين، والناشطة السعودية نجاة السعيد توثق هذه الاتهامات في تغريدة لها على تويتر:


وكي لا تُفهم الحملة الخليجية على النائبتين في سياق منفصل، فإن الطبيب الأمريكي لأبوين مهاجرين ذوي أصول مصرية عبد الرحمن السيد، المعروف باسم عبدول السيد، بينما كان يخوض سباقًا (لم يُوفق فيه) لحكم ولاية ميتشجان عن الحزب الديمقراطي، تلقفته وسائل الإعلام المصرية بعدد من التهم تركزت حول علاقاته بجماعة الإخوان المسلمين، وكانت صحيفة اليوم السابع المصرية قد علقت على خسارته للانتخابات، بأنها جاءت نتيجة لعلاقاته بالإخوان المسلمين، والناشطة الإسلامية في أمريكا ليندا سرور.

يقول عبدول إن سر الهجوم عليه وأمثاله أنهم يبطلون حجج الأنظمة العربية التي تدعي أمام العالم عدم جهوزية شعوبها للديمقراطية، فهو وأمثاله نجحوا في المشاركة ضمن أعتى الديمقراطيات العالمية، بينما تجثم الأنظمة العربية على صدور شعوبها. كذلك فإن الأنظمة الخليجية سعت لسنوات من خلال مجموعات الضغط التي تشتريها بالمال لفرض سرديات منافية للواقع في المنطقة، واليوم الذي وصل فيه سياسيون من أصول عربية إلى الكونجرس باتت هذه السرديات أمام اختبار صعب، محتمل أنها لن تصمد ولو قليلًا.