أصدر اليوم مجلس الوزراء في المملكة العربية السعودية قرارا بشأن «تنظيم الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر». قرار فارق غير تماما من طبيعة عمل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية، إذ حولها من جهة ذات صلاحيات تنفيذية وضبطية إلى مجرد هيئة حكومية للمناصحة، بعد أن سحب جميع صلاحيات الهيئة المتعلقة بالتوقيف والمداهمة. إذ ـ

نص القرار الجديد

على أنه «ليس لرؤساء المراكز أو أعضاء الهيئة إيقاف الأشخاص أو التحفظ عليهم أو مطاردتهم أو طلب وثائقهم أو التثبت من هوياتهم أو متابعتهم».

يأتي هذا القرار على إثر حوادث ارتكبها عدد من رجال الهيئة في الآونة الأخيرة أثارت لغطا واستهجانا في الشارع السعودي. كان أبرزها حادثة «

سحل فتاة النخيل

» التي صورت مطاردة أحد رجال الهيئة لفتاة أمام سوق بمدينة الرياض، بدعوى ارتكابها مخالفة تستوجب التوقيف – بحسب تصريح الاعتذار الذي قدمته الهيئة بشأن الواقعة -، إلا أن هذه المطاردة انتهت بسحل الفتاة في الشارع إثر سقوطها على الأرض وجرها من ملابسها من قبل رجل الهيئة. حادثة كهذه انضمت إلى مجموعة من الحوادث، التي شغلت الرأي العام وحرص الإعلام السعودي على عرضها ومناقشتها مرارا وتكرارا، الأمرالذي قاد إلى قرار مجلس الوزراء السعودي الأخير، والذي أتى ليستكمل سلسلة من الخطوات، اتخذتها الحكومة السعودية في عهد الملك السابق عبد الله بن عبد العزيز، بهدف تحجيم دور الهيئة وتقليص صلاحياتها.


الخلاف الإسلامي الليبرالي في السعودية

أثار القرار جدلا واسعا في المجتمع السعودي بين تأييد من قبل رموز التيار الليبرالي، واعتراض وتعجب من قبل المحافظين ذوي التوجه الإسلامي، إذ تعد هيئة الأمر بالمعروف أحد نقاط الجدل والصراع الأساسية بين التيارين. مباشرة على إثر صدور القرار انطلقت «حرب الهاشتاجات» بين أنصار التيارين. إذ أطلق المحافظون «وسما/هاشتاج» بعنوان #الشعب_ضد_إلغاء_مهام_الهيئة حل في المرتبة الأولى بين الهاشتاجات الأكثر تدوالا في المملكة وشهد تبادلا للهجوم بين مؤيدي القرار ومعارضيه.




يأتي هذا القرار، الذي نزع صلاحيات الهيئة، كتتويج لحملات شنتها صحف وإعلاميون سعوديون طوال السنوات الماضية، فمن جريدة «الوطن»، المحسوبة على الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة، التي أفسحت مساحة كبيرة من المقالات والتحقيقات المتركزة على مهاجمة الهيئة، إلى قنوات الـ «MBC» ،المملوكة لآل إبراهيم صهر الملك فهد، والتي داوم مذيعها المثير للجدل داود الشريان على توجيه الانتقاد لعمل الهيئة مرة تلو المرة.

حملات لم تتوقف سوى لمرات معدودة إثر تدخل بعض الأمراء النافذين. إحدى تلك المرات كانت حين أعرب الأمير نايف بن عبد العزيز – وزير الداخلية السابق – عن استهجانه لحملة حادة اللهجة شنتها جريدة الوطن في مقالاتها وتقاريرها ضد الهيئة لأسابيع متصلة، لتصدر طبعة «الوطن» في اليوم التالي وقد خلت مقالات كتابها تماما من أي ذكر للهيئة.




الملك «المستنير» الذي نزع أظافر الهيئة

الهيئة التي أثارت الجدل، والتي تأسست في عهد الملك عبد العزيز، تمتعت طوال العقود الماضية بصلاحيات كبيرة متعلقة بمروحة واسعة من الوظائف التي تدور حول مراقبة «تطبيق الشريعة»، من ضبط المخلين بالآداب العامة، والمرتكبين لجرائم الزنا والدعارة والابتزاز، إلى مداهمة مروجي المخدرات والخمور، ومن الإشراف على إغلاق الأسواق وقت الصلاة، إلى إلقاء القبض على السحرة والمشعوذين، وبالطبع،مراقبة «التزام النساء بقواعد اللباس الشرعي» كما تراه السلطات الدينية في المملكة.

صلاحيات شهدت أكبر تقليص لها على أرض الواقع في عهد الملك السابق «عبد الله بن عبد العزيز». الملك الذي لطالما حرصت حاشيته على إظهاره للغرب بصورة «الملك المستنير» الذي يرعى مهرجانات الثقافة، ويدخل المرأة إلى مجلس الشورى، عمل في سنوات حكمه ، خاصة الأخيرة، على تحجيم الهيئة بتكرار تغيير رؤسائها، والحد من صلاحيتها ، بل و

حظر تواجدها بالأصل في الأماكن التي ترتادها النخب الثرية السعودية

الأمر الذي أدى إلى انتشار عدد من الفضائح والمخالفات الأخلاقية، التي هزت المجتمع السعودي، في تلك الأماكن كان أبرز قضاياها الأخيرة الفيديو الذي تم تسريبه مصورا عددا من الشباب والفتيات السعوديين مرتدين «ملابس البحر» ويرقصون سوية على أحد الشواطئ الخاصة في مدينة جدة.



يأتي هذا القرار اليوم ليكتب نهاية الدور الذي لعبته هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لسنين طويلة، بعد أن نزعت صلاحياتها وحولت إلى أجهزة الشرطة ومكافحة المخدرات، وينسدل بذلك الستار على أحد المعالم الأساسية التي ميزت وجه المملكة العربية السعودية طوال العقود الماضية. مملكة قررت أن تغير من وجهها، ربما، لتلائم مستقبلا جديدا.


المراجع




  1. 1