اتخذت المملكة العربية السعودية منذ تولي العاهل السعودي «سلمان بن عبد العزيز» نهجًا أكثر تشددًا، داخليًا وخارجيًا، متطلعةً إلى دور قيادي أكثر صرامة في ظل تنامي التهديدات المختلفة، وخاصة تزايد النفوذ الإيرني بالمنطقة، وفي ظل تعثر دول كبرى بالمنطقة كمصر وسوريا.

إلا أن استعراضًا سريعًا لسياسات المملكة خلال العام الحالي يؤكد أنها لم تستطع تحقيق الأهداف المرجوة من هذه السياسات، بل كانت لها عدد من التداعيات السلبية عليها، نقدم لكم إذن رؤية تحليلية لسياسات السعودية خلال عام 2016 وتداعياتها.


السياسات السعودية بين الإنجاز والإخفاق


http://gty.im/459013922

فعلى الرغم من مرور أكثر من عام ونصف على «عاصفة الحزم» التي أطلقتها المملكة لحماية الشرعية في اليمن، إلا أنها لم تنجح، حيث

استطاع

الحوثيون في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي تشكيل ما يسمي بـ«حكومة إنقاذ وطني»، هذا بالإضافة إلى الخسائر البشرية والمادية التي تكبدتها.

ورغم مساعيها لتحجيم النفوذ الإيراني، إلا أنها لم تنجح كذلك في هذا، ويُستدل على هذا بتوالي التصريحات الإيرانية بالسيطرة على اليمن، فقد

أعلن

رئيس هيئة الأركان الإيرانية «محمد باقري» مؤخرًا «أن طهران تتجه نحو بناء قواعد بحرية في سواحل سوريا واليمن»، كما

أكد

مسئول البحث عن المفقودين في الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية العميد «باقر زاده» بسيطرة إيران على مضيق هرمز والخليج.



في عام 2016، بحثت المملكة عن دور ريادي في المنطقة، محاوِلةً مجاراة المد الإيراني بالمنطقة، لكن بدت في الأخير غير قادرة على التفوق على خصمها

وبدلًا من أن تعمل المملكة على جذب المزيد من الحلفاء لمواجهة هذا النفوذ المتنامي لطهران، اتبعت مجموعة من السياسات التي أدت إلى تدهور وفتور العلاقة مع عدد من الدول، على رأسها مصر، حيث بدأ الفتور في العلاقات على خلفية

استياء

المملكة من تصويت القاهرة مؤخرًا بمجلس الأمن لصالح مشروع قرار روسي بشأن سوريا، واتخذت المملكة عددًا من السياسات التصعيدية، وقامت بوقف إمدادات شركة «أرامكو» من البترول لمصر.

وقد شهدت هذه العلاقات محاولة

وساطة

من جانب الإمارات للتوفيق بين الطرفين، وذلك خلال زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للإمارات، للمشاركة في مراسم العيد الوطني الـ45، إلا أن هذه المحاولة باءت بالفشل إذ لم يكن لدى العاهل السعودي المرونة الكافية تجاه هذه الوساطة.

اقرأ أيضًا:

كيف نفهم الوضع الحالي للعلاقات المصرية السعودية

وبالإضافة إلى مصر فقد تدهورت علاقات السعودية مع لبنان، حيث

قررت

المملكة في فبراير/شباط الماضي إيقاف الهبة التى كانت قد أقرتها عام 2013 لتمويل تسليح الجيش اللبناني، والتي بلغت نحو 4 مليارات دولار، عقب تحفظ وزير الخارجية اللبناني «جبران باسيل» على القرار الصادر عن اجتماع وزراء خارجية الدول العربية الذي أدان الاعتداء على المقار الدبلوماسية السعودية بإيران.

وقد ترتب على هذه الخطوة فقدان لبنان لصالح إيران، من خلال

تجديد

طهران عرضها بتمويل الجيش اللبناني، ومع هذا فقد حاولت المملكة إزالة هذا الفتور عقب انتخاب الرئيس «ميشال عون» من خلال زيارة عدد من المسئولين السعودين إلى لبنان مثل وزير الدولة لشئون الخليج «ثامر السبهان» ومستشار العاهل السعودي «خالد الفيصل»، حيث تم التأكيد على أهمية لبنان وعودتها إلى إطارها العربي.

اقرأ أيضًا:

نهاية عهد الطائف في لبنان

فيما كانت علاقة المملكة مع العراق أحد مؤشرات هذا الإخفاق، فبينما شهد عام 2015 عودة وتطور في العلاقات بين البلدين، بتعيين السعودية «ثامر السبهان» سفيرًا لها لدى بغداد، حدثت بعض التوترات بين «السبهان» والمسئولين العراقيين، على خلفية إنتقاده لدور «الحشد الشعبي» و

توالت

المطالبات من الجانب العراقي بسحب السفير حتى استقر الأمر في النهاية إلى إستبدال المملكة سفيرها بالقائم بالأعمال.

وتكمن الخطورة في هذا الإطار، فيما ترتب عليه، من تزايد للنفوذ الإيراني ببغداد حتى تم تقنيينه بشكل غير رسمي مؤخرًا، عبر إقرار مجلس النواب العراقي «قانون الحشد الشعبي» والذي أعطى هذه القوات شرعية، معتبرًا إياها قوة رديفة للجيش العراقي، وهو ما كانت طهران تضغط لحدوثه.

وعلى الصعيد الدولي واجهت المملكة تصعيدًا خطيرًا في علاقاتها مع الولايات المتحدة عقب إقرارالكونجرس الأمريكي قانون «جاستا»، وما

ترتب

عليه من تداعيات سلبية. إذ بموجبه يُفتح الباب لتصنيف المملكة كدولة راعية للإرهاب خاصة أن 15 من المنفذين لهجمات سبتمبر/أيلول 2001 يحملون الجنسية السعودية، وبالتالي يتم مقاضاتها، هذا بالإضافة إلى تداعيات القانون السلبية على الاستثمارات والأموال السعودية بالولايات المتحدة.

اقرأ أيضًا:

هل نرى آل سعود في المحاكم الأمريكية قريبًا؟

أما على الصعيد الداخلي فقد

أعلنت

المملكة مجموعة من السياسات التقشفية، والتي تقضي برفع أسعار منتجات الطاقة والكهرباء وهو ما سبب عددًا من التوترات لدى المواطنيين بالمملكة خاصة محدودي الدخل، الأمر الذي كان يستلزم خلق برامج اجتماعية لهذه الفئة وأن يكون تخفيف الدعم تدريجيًا.

ومع هذا فقد حققت المملكة العديد من النجاحات الداخلية والخارجية؛ كان على رأسها العلاقة مع بريطانيا، وهو ما تجلى مؤخرًا من خلال الدور البريطاني المؤيد للمملكة في حربها في اليمن، و

تأكيداتها

المتكررة بأن المملكة لا تتعمد استهداف المدنيين وأن عمليات التحالف العربي لم تتجاوز الخط الأحمر.

كما توّج ذلك مشاركة رئيسة الوزراء البريطانية «تيريزا ماي» في القمة الخليجية الـ37، حيث شددت ماي على أهمية أمن دول الخليج، مشيدةً في هذا السياق بدور السعودية بصفة خاصة في التعاون الأمني مع بريطانيا ومجال مكافحة الإرهاب.

اقرأ أيضًا:

قمة خليجية لبحث الاتحاد بحضور بريطانيا البركسيت

وقد

شهدت

العلاقات مع تركيا أيضًا نقلة نوعية بتشكيل «المجلس التنسيقي الإستراتيجي» بين البلدين في أبريل/نيسان الماضي، والذي يضمن مزيدًا من التفاهم في المجالات السياسية والاقتصادية، هذا بالإضافة إلى تطابق وجهات النظر بين البلدين في أزمات المنطقة في سوريا واليمن، كما كانت المملكة من أوائل الدول التي وقفت مع أنقرة عقب محاولة الإنقلاب الفاشلة التي تعرضت لها منتصف يوليو/تموز.

فيما لم تقتصر نجاحات المملكة هذا العام على مجال السياسة الخارجية، بل امتدت أيضًا إلى سياساتها الداخلية وظهر هذا من خلال «رؤية السعودية 2030»، التي أعدها مجلس الشؤون الإقتصادية والتنمية برئاسة ولي ولي العهد محمد بن سلمان، مستهدفةً تجهيز المملكة لمرحلة ما بعد النفط من خلال زيادة نسبة الصادرات غير النفطية ورفع نسبة الإستثمارات الأجنبية.

اقرأ أيضًا:

السعودية 2030 ليست إيران 1963

وتدل هذه الرؤية على فهم جيد ومحاولة للتكيف مع مستجدات الواقع، في ظل تراجع الاهتمام الأمريكي بنفط الشرق الأوسط، وهي الرؤية التي أشادت بها المنظمات الدولية على غرار الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي، والعديد من دول العالم، كما سجلت المملكة نجاح داخلي أخر متعلق بحقوق المرأة حيث قررت لأول مرة في تاريخها فتح باب الاقتراع والترشح للسعوديات في الانتخابات البلدية.


التحديات المستقبلية

ومع هذا، تبقى العديد من التحديات التي تواجهها المملكة، والتي على رأسها فشل سياساتها في مجال النفط ، وإستمرار تورطها في أزمات دول الجوار في ظل أزمتها الإقتصادية التي تستوجب التركيز أكثر على الداخل، لضمان تحقيق الإستقرار. ومن هنا فقد حذر «بروس ريدل»،وهو مستشار السياسة الخارجية السابق للرئيس أوباما، من تداعيات هذا على مستقبل المملكة، مؤكدًا إمكانية حدوث «ربيع عربي جديد» بها.

تُوجت هذه التحديات بفوز الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، وتصريحاته بشأـن ضرورة أن تدفع دول الخليج للولايات المتحدة مقابل الحماية الأمريكية، وتوجهاته الغامضة حتى الأن، في ظل فتور علاقاتها مع العديد من الدول في محيطها الإقليمي والدولي.

اقرأ أيضًا:

أمريكا والخليج: الدفع مقابل الحماية


آليات المواجهة



فرضت بعض المتغيرات الدولية نفسها كالاتفاق النووي، واتهام الكونجرس المملكة بدعم الإرهاب، وهو ما جعلها تحرف بوصلتها إلى بريطانيا العظمى

يبدو جليًّا أن المملكة أدركت هذه التحديات، وبدأت بالفعل في مواجهتها من خلال العمل التعاوني الخليجي، وظهر هذا من خلال الجولة الخليجية للعاهل السعودي، التي بدأها قبل انعقاد القمة الخليجية الأخيرة، التي انطلقت يومي السادس والسابع من ديسمبر/كانون الأول الحالي، ويسعى من خلالها إلى التنسيق مع دول التعاون لتنسيق الموقف من قضايا المنطقة.

وقد ظهر هذا أيضًا خلال فعاليات القمة، التي تحاول المملكة من خلالها تعزيز وتقوية العمل الخليجي بتحويله من التعاون إلى الاتحاد لمواجهة التحديات الدولية والإقليمية.

فيما يجب على الرياض في هذا الإطار ألا تقف عند محاولتها لتعزيز العمل الخليجي المشترك، بل أن تبدأ في خطواته لاستعادة زخم العلاقات مع الدول العربية خاصة القاهرة، في ظل

تأكيد

وزير الخارجية المصري «سامح شكري» على قوة العلاقات مع السعودية، ونفيه لوجود أي خلاف بين الطرفين، وذلك خلال مشاركته في «حوار المنامة لأمن الشرق الأوسط» بالبحرين.

فيما يجب عليها أيضًا البدء في تقوية العلاقات مع واشنطن في عهد ترامب، في ظل تخفيفه من حدة التصريحات تجاه دول الخليج، وانتقاده للاتفاق النووي مع إيران، ما يصب في مصلحة الخليج المُرتاب.