عرف المجتمع السوداني بتسامحه الشديد وتصوفه العميق، ولم تعرف السلفية الجهادية انتشارًا في أراضيه إلا بعد الغزو الأمريكي للعراق في 2003م. ورغم أن الدكتور الظواهري والشيخ أسامة بن لادن كانا يقيمان في السودان في التسعينات، إلا أنهما لم يتمكّنا من استقطاب السودانيين لفكرهم، حتى أن أول عملية إرهابية على الأراضي السودانية في 1997م بفتح الرشاش على المصلين في جامع أنصار السنة المحمدية، قام بها إرهابي ليبي الجنسية، هو محمد عبدالرحمن الخليفي، بعد أن اتهم أنصار السنة بأنهم عملاء للأسرة المالكة في السعودية.

لم تكن هناك سلفية جهادية في السودان كتلك الموجودة في مصر والجزائر، رغم أن هناك عددًا كبيرًا من السودانيين ممن ينتمون لتيار الإخوان المسلمين ذهبوا إلى أفغانستان، إلا أنهم ذهبوا وعادوا إخوانًا مسلمين، ولم ينضموا إلى قاعدة بن لادن وعبدالله عزام.

بل إن المؤسِّسين المفترَضين للتيار الجهادي السوداني: علي السماني محمد عمر، عبد الله إبراهيم فكي، أحمد عثمان مكي، وفكي محمد نور فكي، اختاروا ترك الفكر الجهادي والانضمام للجبهة الإسلامية القومية، ثم حزب المؤتمر الوطني، بعد أن ظهر لهم فشل تجربة الجماعة الإسلامية في مصر التي حاولوا استلهامها.

تشتت تيار السلفية الجهادية في السودان في خمسة أقسام كبرى، ترفض غالبيتها وصمها أنها تيارات جهادية رغم أنها تقدم محتوىً فكريًا جهاديًا بامتياز؛ فهي ترفض الدولة الوطنية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وترى أن السبيل الوحيد للاستيلاء على السلطة هو القوة المسلحة. فقسم يرى وجوب أن تكون هذه القوة هي الجيش والشرطة، وقسم آخر يختار أن تكون هذه القوة مليشيات مسلحة مثل تنظيمات داعش والنصرة في سوريا.


1. حزب التحرير الإسلامي

رغم أن حزب التحرير هو حزب سياسي مبدأه الإسلام، وتزخر أدبياته برفض استخدام العمل المادي ضد الأنظمة الكافرة (كما يصفها)؛ إلا أن المرء ليعجب من التقارب الفكري بينه وبين الجهاديين. فحزب التحرير يتشابه مع الجهاديين، لا في الراية السوداء فقط، بل في الموقف من قضايا الديمقراطية وحقوق المرأة وحقوق الإنسان. فكلا الطرفين يرفضان هذه المسائل رفضًا مبدئيًا.

فحسب ما قال الناطق الرسمي باسم حزب التحرير في السودان، الأستاذ إبراهيم عثمان أبو خليل، للكاتب، أن موقف حزب التحرير من الديمقراطية هو موقف الإسلام منها، وقد بيَّن الحزب فساد النظام الديمقراطي، وأما حقوق المرأة فقد حرر الإسلام المرأة قبل أن يحررها الغرب، وأما العلم الأسود فهو راية رسول الله (العقاب).

وأما عن الموقف من الجهاديين، فقال الأستاذ أبو خليل: نعم، هناك تعاطف من الحزب مع جبهة النصرة و مع كل من يقاتل النظام السوري باعتبارهم يقاتلون نظامًا ظالمًا. لكن هذا التعاطف برأيه لا يعني التوافق الفكري الكامل مع أطروحات الجهاديين. فحسب كلام الأستاذ أبو خليل، الدولة الإسلامية لا تقام بالجهاد، بل بما سماه الطريق الشرعي، وهو طلب النصرة من أهل القوة والمنعة (الجيش).

والمتمعن في أفكار حزب التحرير يجده يشابه في أفكاره تنظيم صالح سرية الجهادي في مصر، والمسمى «تنظيم الفنية العسكرية»، الذي كان يخطط للاستيلاء على السلطة بانقلاب عسكري في الثمانينات.

لقد كانت أفكار حزب التحرير، وما زالت، محل سخط التيار الغالب من الجهاديين، وخصوصا موقف الحزب من العمليات النوعية كتفجير العبوات في قوات الأمن أو استهداف المصالح الغربية، حيث أن الحزب يرفضها ويرفض أي عمل مادي فردي لإقامة الخلافة، ويؤيد استخدام العنف من قبل حَمَلة السلاح الشرعيين من جيش وشرطة، للوصول لدولة الخلافة.


2. تيار الأمة الواحدة

هو تيار أسسه الشيخ محمد علي الجزولي بهدف توحيد الجماعات الإسلامية طريقًا لتكوين الأمة المسلمة ثم تكوين الدولة الإسلامية. هناك تقارب كبير بين حزب التحرير الإسلامي وتيار الأمة الواحدة، لدرجة تدريس الدكتور محمد علي الجزولي لكتب حزب التحرير.

ورغم رفض الدكتور الجزولي في تصريحات خاصة وصف تياره بأنه تيار جهادي، فإن المتمعن بمحتوى أفكار الدكتور الجزولي سيجدها أقرب للجهاديين منها لأي تيار إسلامي آخر.

ويختلف الدكتور محمد علي الجزولي مع حزب التحرير و الجهاديين في مسألة إقامة الدولة الإسلامية فورا. فالدكتور الجزولي يرى أن هدفه الأسمى حاليا هو تحريض الإسلاميين على التوحد وتكوين الأمة قبل إقامة الدولة.

وكذلك لا يرفض الدكتور الجزولي القيام بالأعمال المادية ضد المصالح الأمريكية، ويتفق الدكتور محمد علي الجزولي مع الجهاديين وحزب التحرير في رفضهم لكل قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان الغربية.

وأما الموقف من الحالة الجهادية في بلاد الشام، فقد صرَّح الدكتور الجزولي للكاتب، أنه لا يدعم تنظيم الدولة الإسلامية كما يُشاع، إلا في إطار حربه مع النظام السوري، وأنه لا يدعم هجوم التنظيم على بقية الفصائل الإسلامية، وأنه قدم مبادرة من 15 نقطة إلى الفصائل الإسلامية في بلاد الشام للتوحد بما فيها تنظيم الدولة، وكانت هذه المبادرة بعد تواصل بينه وبين زعيم أحرار الشام الراحل، الشيخ أبي عبدالله الحموي (حسان عبود).

لكن الدكتور الجزولي لا يرى بأسا في قتال تنظيم الدولة لما يسميهم بالصحوات باعتبارهم خونة وعملاء للمخابرات الغربية.


https://www.youtube.com/watch?v=OiwSfVKUuTk

لقد كان تيار الدكتور محمد علي الجزولي محل سخط الجهاديين السودانيين رغم أنه يتمتع بشعبية خارج السودان؛ فقد صرّح مَن يُطلق على نفسه أبي عبد الله السوداني (ناشط مؤيد لتنظيم الدولة)، للكاتب، أن منهج الدكتور الجزولي هو منهج مداهنة الحكام، المبتدعة، عند الجزولي، مثل الترابي، هم مجتهدون مأجرون. واعتبر تياره هو تيار المتناقضات.

والشيخ الصادق عبدالله الهاشمي (مؤيد للقاعدة) يتفق مع أبي عبدالله السوداني في هذا الموقف من الدكتور الجزولي حيث أصدر كتيب بعنوان (الرد على المفتون المتلون معركة مفتعلة في غير معترك ) رفضا لموقف الدكتور الجزولي من الشيخ حسن الترابي الذي يكفره عامة الجهاديين.


3. جماعة الاعتصام بالكتاب والسنة

هي فصيل من جماعات الإسلام السياسي أسسه الشيخ الراحل سليمان أبو نارو، عقب التنازع بينه وبين قيادات التنظيم الدولي للإخوان، عقب فوزه وتياره بالمؤتمر العام للإخوان في 1991م، وإرسال التنظيم الدولي للإخوان الدكتور محمد حبيب للتفاوض معه على التراجع عن بعض الأفكار؛ لكنه رفض.

وأُعلن هذا الفصيل بشكله الجديد في عام 2003م عقب مؤتمر صاخب انتهى بالبراءة من فكر جماعة الإخوان المسلمين، وتبني أفكار سلفية سرورية بالتدريج، حتى انتهى بهم الحال إلى السلفية الجهادية. وكان بيانهم الشهير عقب إعلان تنظيم الدولة لخلافته في العراق واالشام، الذي فيه تأييد صريح لخلافة البغدادي.

وتبع ذلك بيان آخر للتنظيم يبارك فيه إحراق الطيَّار الأردني الكساسبة، بعنوان: «التحقيق في جواز التحريق»، ثم بيان سبتمبر/أيلول الماضي الذي يؤكد فيه التنظيم عدم التنازل عن تأييد من سمَّاهم المجاهدين بعد أن خرجت تسريبات صحفية عن حوار وسطاء بين جماعة الاعتصام وبين السلطة لإطلاق سراح أميرها عمر عبد الخالق.

وتتميز جماعة الاعتصام بأنها جماعة جهادية ذات طابع سياسي؛ فهي لا ترفض الحوار مع النظام تماما كما يفعل الجهاديون، ولم تتورط في أي عمل عنيف داخل السودان، ولم تعلن رغبتها في القيام بأي عمليات في السودان. ولذلك، تسمح لها الحكومة بنشاط محدود تحت سقف معين تدركه الجماعة.


4. تيار الشيخ مساعد السديرة الجهادي

غداة الفيلم المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم، أعلن عدد من الشباب السوداني تكوين ما سموه بتيار السلفية الجهادية السوداني في ندوة علنية للشيخ مساعد السديرة، المحدِّث السوداني. ورغم أن الشيخ مساعد السديرة أعلن أن مخاطبته لتلك الندوة لا يعني تأييده لتيار السلفي الجهادي السوداني، فقد قام جهاز الأمن باعتقاله مدة 7 أشهر، ثم أُطلِق سراحه بعفو رئاسي.

والشيخ السديرة هو أحد الشيوخ الذين أيدوا تنظيم الدولة الإسلامية وخلافته في العراق والشام، وله تسجيل بعنوان «النصرة السودانية للدولة الإسلامية» فيه تلميحات بمبايعته لأبي بكر البغدادي، وهجوم شرس على المقدسي وأبي قتادة، شيخي التيار الجهادي، متهمًا إياهم بالوقوع في فخ الإخوان والسرورية.


https://www.youtube.com/watch?v=2pkt8lJHb78

ويمتاز تيار الشيخ مساعد السديرة عن بقية التيارات الجهادية الأخرى بأن لهم جرأة أكبر على تكفير الحكومة والرئيس وقيادات الأحزاب السياسية؛ وهذا ما لا تستطيع التيارات الجهادية إعلانه.


5. المؤيدون لجبهة النصرة

يتميز المؤيدون لجبهة النصرة في السودان بأنهم خليط من ألوان إسلامية شتّى، كالسرورية والإخوان والسلفية، ومن النادر أن يؤيد الجهاديون السودانيون جبهة النصرة؛ ربما لأنهم يعتبرونها مشروع جهاد وطني لا يرضي طموحاتهم.

غير أنه يوجد من مشايخ التيار الجهادي من يجاهر بتأييده للجبهة مثل الشيخ أبي عبد الله الصادق بن عبد الله الهاشمي، ومعه جمهرة من طلابه.

وقد تحدث الناشط الإسلامي عامر الطيب، للكاتب، عن الأسباب التي دفعته لتأييد جبهة النصرة، فقال أن جبهة النصرة هم مجاهدون حقيقيون يقاتلون عدوًا صائلًا، بينما تنظيم الدولة هو عبارة عن دولة خوارج يعقدون الولاء والبراء على خليفتهم البغدادي، ويُلزمون الناس بيعتهم، وبالإضافة إلى ذلك، فإنهم يقاتلون أهل الإيمان ويتركون أهل الأوثان.