عاصفة كبرى من الجدل تسببت بها شبكة HBO

الأمريكية، عقب إصدار مسلسها الأخير «

تشرنوبل – Chernobyl

» الذي تناول تفاصيل اندلاع كارثة التسرب الإشعاعي في مدينة تشرنوبل الأوكرانية حاليًا السوفيتية سابقًا، بعدما حقّق العمل حالة التفاف احتاجت ملحمة كلعبة العروش إلى

8 أعوام لبنائها، أما هو فاكتفى بـ5 حلقات فقط ليتصدر قوائم التقييم في كل أبرز المواقع الفنية العالمية.

هذا الإقبال العالمي حول الشاشات لمتابعة العمل الذي كسر جدران الصمت السوفيتية التي استمرت لـ33 عامًا لم يستثنِ روسيا بالطبع، فعلى الرغم من أنه لم يُعرض على قناة تليفزيونية بها، فإن طُرق المشاهدة الإنترنتية المدفوعة كفلت حق مشاهدته لقاطني الأراضي البيضاء، ليشاهدوا تفاصيل مأساة كُبرى وقعت على بعد أمتار منهم مات فيها آباؤهم، لكنهم رغم ذلك لا يعلمون عنها أي شيء.



لا يمكننا تحديد نسب الإقبال الشعبي الروسي على مشاهدة العمل، لكننا يمكننا رصد مدى تأثيره الشاسع بزيادة


نسبة



الإقبال السياحي على مواقع المدينة

المنكوبة إلى


40%


، ومن أنها بلغت حدًّا

أثار



غضب


الدولة البوتينية شخصيًا، فبالرغم من أن العمل الأمريكي احتفى بعددٍ من الأدوار البطولية والتضحيات التي قام بها رجال المفاعل إلا أنه في المقابل فضح طريقة الإدارة السوفيتية الكارثية للأزمة ورفضهم الاعتراف بحدوث أي أخطاء


.

اقرأ أيضًا:

مسلسل «Chernobyl»:بروفة مصغرة ليوم القيامة

اعتبر الحزب الماركسي الروسي أن العمل شهد «تلاعبًا أيدولوجيًا لشيطنة الاتحاد السوفيتي»


، أما عن موسكو الرسمية

فقالت عبر



وزير



ثقافتها

، إن العمل لم يقدم الحقيقة كاملة، وحوى أمورًا غير صحيحة،

كما



أطلقت


عليه سهام نقدها عبر وسائل الإعلام التي تسيطر على معظمها، ولو بشكل غير رسمي.

صحيفة «البرافدا» الأكثر شعبية بالبلاد اعتبرت أن العمل ما هو إلا محاولة «لتشويه روسيا كقوة نووية»، فيما وصفت صحيفة «Argumenty i Fakty» المسلسل بأنه «كاريكاتيري»، أما المحلل السياسي الروسي أناتولي فاسيرمين فقد قطع جهيزة كل خطيب بقوله الباتر: «طالما أن الأمريكان هم من صنعوه، فهو خاطئ»، وبالنهاية قامت موسكو بالخطوة المتوقعة وهي الإعلان عن إنتاج نسختها الخاصةمن العمل، التي ستسير بالطبع على نفس خطى تحفة الـHBO ولكن بممحاة.

الأشرار بالنسخة الروسية هم الأمريكان طبعًا أما السوفييت فهم ضحايا لمؤامرة عالمية تسعى لحرمانهم من التقدم التكنولوجي والأسرار النووية، فالتسريبات الأولى لها تتوقع أن أحداثه ستدور حول مخرب أمريكي مما ينجح في الوصول لمنصب حساس داخل المفاعل يلعب دورًا في إحداث الكارثة، في الوقت نفسه كان فريق من ـKGB يجرون تحقيقاتهم لمعرفة هويته، وبالطبع فإنهم لا يتوصلون له بالوقت المناسب لأنه ينجح في مبتغاه المزعوم وتقع الكارثة.

القناة الروسية التي تصدّت لإنتاج هذا العمل هي NTV المملوكة للذراع الإعلامية لعملاق الغاز الروسي «غاز بروم»، وهي معروفة بصلاتها شديدة القوة بحُكّام الكرملين، وهي قناة مجانية تُصنف كواحدة من أهم 3 قنوات تليفزيونية روسية، يصل بثها إلى 99.2%


من أنحاء البلاد،

و



يشاهدها



50




مليون مواطن

روسي شهريًا، أي أكثر بقليل من ثلث إجمالي عدد السكان، وفقًا لآخر


إحصاء



رسمي حكومي

حصرت به موسكو مواطنيها عام


2018.

قررت NTV إخراج المسلسل للنور عقب سنوات من التعثر بسبب نقص التمويل، بالرغم من سابق تلقي صنّاعه دعمًا من وزارة الثقافة الروسية قدره 30 مليون روبل روسي (460 ألف دولار أمريكي تقريبًا)، إلا أنه لم يكن كافيًا فظلَّ كل شيء مُجمّدًا حتى أتى الهوس بالمسلسل الأمريكي ومدد «غاز بروم»المفاجئ فتغيرت الحسابات وخرج المشروع من الأدراج المغلقة.

المخرج المُختار لهذا العمل هو أليكسي مردوف، من مواليد موسكو عام 1963


م، له


باع



طويل

في تقديم أعمال فنية عن الحقبة السوفيتية معظمها من فئة الـ


12 حلقة نفّذ بعضها كتابةً وإخراجًا وإنتاجًا، والذي نال عددًا ضخمًا من الجوائز المحلية والعالمية، و


الذي كان قد انتقد

في



حوارٍ



قديم

له


عدم احترافيةالدولة الروسية في دعمها الفنون، واصفًا إياها بأنها لا تمنح صناعة السينما الاهتمام الكافي، ضاربًا المثل بعناية أمريكا بهوليود واستخدامها لإعطاء الأمل للجمهور والتغلب على الأوقات الصعبة.

كشف مردوفعن أن عمله يسعى لتقديم رؤية بديلةللمأساة عبر تبنّي إحدى النظريات التي زعمت أن عملاء المخابرات الأمريكية CIA تواجدوا داخل الموقع قبل الكارثة بأيام، وأنهم لعبوا دورًا في إحداثها.



تقارير محلية


روسية أكدت أن معظم المشاهد الرئيسية سيتم تصويرها في بيلاروسيا، وأن


مردوفسيُحافظ على تيمة الـ12 حلقة الخاصة به في العمل المقبل، وأن الأحداث ستبدأ قبل أشهر من الانفجار تحديدًا في 1986، وسيستمر بعدها بأشهر أيضًا، وأنه سيُعرض عبر الصراع الثنائي بين ضابطي المخابرات الأمريكي ألبرت لينز والسوفيتي أندريه نيكولاييف حول مدى نجاح أيهما في تحقيق مبتغاه بتفجير المفاعل أو عدمه، وهو الذي سيستمر حتى وقوع الكارثة في ديسمبر.

وسيلعب دور البطولة الممثل الروسي إيجور بيترينكو الذي كان أبوه أحد المصابين الحقيقيين بمأساة تشرنوبل، بالإضافة إلى نظيره ديمتري أوليانوف الذي صرّح لصحافة بلاده بأنه سيقوم بدور الجاسوس. وتضيف التقاريرأن صنّاع العمل يحاولون إخراجه إلى النور منذ العام 2016 لكن نقص التمويل أعاقهم منذ هذه الفترة حتى الآن.



بعض



التقارير

الإعلامية


حاولت



الترويج

إلى أن موسكو ليست وحدها التي تبنت نظرية مؤامرة بحق


تشرنوبل، وإنما أطلقها من قبل صانع أفلام وثائقية أمريكي هو المهندس فيليب جروسام وذلك عبر عمله الذي أذاعه عام 2017


بشأن الحادثة، معتبرة أنه رجّح هذه الفرضية اتساقًا مع حالة الصراع التاريخي التي اكتنفت هذه الفترة، وتمخضت عنها

محاولات أمريكية عدة لتدمير أي خطوة متقدمة تحققها التكنولوجيا السوفيتية

. وهو ما نفاه جروسامفي حديثٍ مع «إضاءات»، أكد خلاله بوضوح أن الولايات المتحدة لم يكن بيدها ما تفعله بشأن هذه الحادثة، وأن عرضَه اهتم بإثبات أن هذه الفرضية خاطئة تمامًا، وأنها نابعة بالكامل من أوهام نظرية مؤامرة تملأ عقول القادة الروس.