من الصعب جدًّا الحديث عنه بصيغة الماضي لأنه كان حاضرًا للغاية

هكذا تحدث الممثل الأمريكي «بيللي كريستال» عن صديقه «روبن ويليامز»، روبن المؤدي الكوميدي العبقري والممثل الدرامي الكبير.

روبن الذي رحل عن عالمنا منذ ما يقرب من ثلاث سنوات نتذكره اليوم في ذكرى ميلاده، ونحكي قصة مذهلة ترك بها قدرًا غير محدود من السعادة، ليس فقط على شاشة السينما، ولكن أيضًا في الحياة الواقعية.


شابان مغموران ونجم

منذ ما يقرب من عشرين عامًا ظهر فيلم «Good will Hunting» كمفاجأة سعيدة لعشاق السينما، مفاجأة لم تكن في الحسبان كونه فيلمًا كتبه شابان غير معروفين، لم يكتفيا ببطولته بل كانا يريدان إخراجه أيضًا، لولا أنهما لم يجدا شركة إنتاج ترضى بهذه المخاطرة.

وسط هذه المفاجأة السعيدة كان هناك اسمٌ واحدٌ له من الثقل ما يكفيه لجذب شركات الإنتاج لتحويل هذه المغامرة الشبابية لفيلم حقيقي، وله من القوة ما يكفي لجذب أنظار الجمهور. هذا الاسم كان -بلا شك- «روبن ويليامز».

في هذا التوقيت كان ويليامز واحدًا من أبرز ممثلي هوليوود، فالرجل الذي تنقل بين أدوار الكوميديا والدراما كان قد حاز على ثلاثة ترشيحات لجائزة الأوسكار عن فئة أفضل ممثل في دور رئيسي، عن أفلام Good Morning Vietnam عام 1987، Dead Poet society في عام 1989، وThe Fisher King في عام 1991.

بدأت الحكاية بشابين في بداية العشرينيات، «بن أفليك»، و«مات ديمون»، يتجولان في لوس أنجلوس بحثًا عمن يقرأ قصتهما التي يحلمان بتحويلها لفيلم، أعجب بعض شركات الإنتاج بالقصة، ولكن أحدًا لم يقبل أن يخاطر بإنتاج فيلم من بطولة هذين الشابين، القصة جيدة، ولكنكما لا تصلحان للبطولة. هكذا جاء الرد دائمًا، حتى أنهما تلقيا

عرضًا

من إحدى شركات الإنتاج لشراء القصة، على أن يقوم «براد بيت»، و«ليو دي كابريو» ببطولتها!

رفض الصديقان كل هذه العروض، لقد كتبا القصة أملًا في تمثيلها، هذا هو هدفهما.. استمر الوضع هكذا حتى وصلا بشكل ما إلى روبن ويليامز.


أريد أن أرى هويتيكما أولاً

هكذا رد روبن مازحًا على طلب أفليك وديمون قراءة نصهما، لم يكن يعرف حتى أسماءهما. قرأ روبن النص، ولأنه كان فنانًا بحق وجد أنه يجب أن يساند هذين الشابين لتحقيق حلمهما، وقَّع روبن على النص بعد أن طلب بعض التعديلات التي حسنت حبكة الفيلم كثيرًا، وبدءًا من هذه اللحظة انطلق أفليك وديمون لتحويل مشروعهما إلى فيلم حقيقي.

كان روبن ناجحًا جدًّا في هذا التوقيت، وكانت شركات الإنتاج تجد في اسمه ضامنًا للربح، لدرجة أنه كان يقوم ببطولة أكثر من ثلاثة أفلام في عامٍ واحد، وفي الوقت نفسه يقوم بجولات يؤدي فيها عروضًا كوميدية على مسارح مختلف الولايات.

قبل تصوير الفيلم ذهب أفليك وديمون برفقة روبن لتفقد بعض مواقع التصوير في إحدى ضواحي بوسطن، اندفع الناس لتحية روبن وطلب توقيعه والتقاط الصور برفقته، حتى أن البعض سألوه أين ترك طائرته الخاصة، وفي ركن بعيد وقف أفليك وديمون يتساءلان هل يمكن أن نصبح بهذه الشهرة يومًا ما؟

تحقق حلم الصديقين وتحولت قصتهما إلى فيلم حقيقي، وفي أول أيام التصوير ذهبا لمشاهدة ما يجري، لم يكن لأي منهما مشاهد في هذا اليوم، كان مشهد البداية خاص بروبن، وحينما شاهداه وهو ينطق كلماتهما لم يتمالكا أنفسهما من البكاء.


يحكي

مات ديمون أن روبن ويليامز شاهدهما وهما يبكيان في هذه اللحظة، وحينها أنهى مشهده ثم ذهب إليهما، عانقهما، ثم همس: لقد فعلتماها، هذه حقيقة وليست هلاوس.


ملايين، أوسكار، وكرسي حديقة


عُرض الفيلم وحقق ما يزيد على 250 مليون دولار من الإيرادات، ورشح الفيلم أخيرًا لتسع جوائز أوسكار. وفي نهاية الحفل فاز الفيلم بجائزتين، إحداهما للصديقين مات ديمون وبن أفليك عن أفضل سيناريو، والأخرى لروبن ويليامز عن أفضل ممثل في دور مساعد.

كان للجائزة نصيب كبير من اسمها في هذا العام، لم يكن دور روبن ويليامز «مساعدًا» فقط على الشاشة، ولكنه كان مساعدًا في الحقيقة، وبفضله تحول شابان غير معروفين إلى اثنين من أشهر وجوه هوليوود على مستوى العالم الآن.

يتذكر الجميع الآن Good will Hunting كواحد من أفضل أفلام هوليوود في العقدين الأخيرين، كما يتذكر غالبية محبي السينما أحد مشاهد الفيلم بشكل خاص كدرس تمثيلي وإنساني من روبن ويليامز، هذا المشهد هو مشهد كرسي الحديقة.

في هذا المشهد نرى درسًا في الحياة من «سين ماجوير»، المعالج النفسي الذي يقوم بدوه روبن ويليامز، أثناء حديثه مع «ويل»، الشاب العبقري الأرعن الذي يقوم بدوره مات ديمون، يبدو المشهد وكأن روبن وديمون بمفردهما في الحديقة، لكن

الحقيقة

أن وجود روبن يومها جذب أكثر من 3 آلاف مشاهد في هذه اللحظة، ولكن روبن لم يتأثر، وأدى هذا المشهد العظيم من المرة الأولى.

اليوم وبعد مرور ما يقرب من عشرين عامًا على الفيلم، وما يقرب من ثلاث سنوات على رحيل روبن ويليامز، يظل هذا المقعد في إحدى حدائق بوسطن شاهدًا على هذا المشهد، يتوقف الناس لديه بين يوم وآخر لتذكر روبن، يترك بعضهم ورودًا، في حين يكتب الآخرون رسائل وكلمات، وأحيانًا نكات، ويتركونها له، ليظل أثر روبن سعيدًا حتى بعد رحيله.