هو صحفي استقصائي، منتج أفلام وثائقية، كاتب، مراسل، مقدم برامج وثائقية، دومًا يبحث عن مناطق الحرب والخطر ليطير إليها ويتوغل في عمقها رغم ما يواجه من مخاطر، سافر إلى مناطق ساخنة مثل الشيشان، ليبيريا، الصومال، العراق، أفغانستان، أوغندا، غينيا الاستوائية وغيرها، وتعرض في أوغندا لمحاولة اغتيال أفلت منها بمعجزة.

قضى فترات من الوقت مع مقاتلي طالبان قبل 11 سبتمبر/أيلول، ومع عملاء CIA خلال مطاردتهم أسامة بن لادن، ومع «متعاقدي» بلاك ووتر في العراق بعد الاحتلال الأمريكي له. عمل مع أكثر من قناة وثائقية وإخبارية مثل ناشيونال جيوجرافيك، ديسكوفري، ABC news, CNN ، فضلًا عن مشاركته بالكتابة في مجلة National geographic adventure.

لروبرت بيلتون عدة كتب بشأن المناطق الساخنة والحروب وما يرتبط بها، أشهرها «أكثر الأماكن خطورة بالعالم» – وهو اسم برنامجه كذلك -، «عد إلينا حيًا»، «المغامر»، وكتب أخرى أبرزها كتابه «المرخّص لهم بالقتل .. قتلة مستأجرون في الحرب على الإرهاب».

بدايةً فإن الكتاب القوي دائمًا ما يكون صعب التلخيص، فضلًا عن رغبة المستعرض للكتاب تجنب «حرقه» للقارئ، لهذا سأكتفي بتقديم فكرة عامة عنه.

هذا الكتاب – الصادر في العام 2010 – يتناول موضوعًا مثيرًا للمهتم بالشأنين الأمني والحربي؛ هو «المرتزقة»، ذلك التعبير الذي يبدو فجًا للبعض فيحاولون تجميله بوصفهم بـ «المتعاقدين الأمنيين» باعتبار أنه وصف أكثر أناقة.



أصدر بيلتون كتابه في 2010 متناولا موضوع «المرتزقة» أو «المتعاقدين الأمنيين» ليس فقط من خلال مشاهداته، بل أيضا من خلال لقاءات مع أصحاب الشركات والمقاتلين أنفسهم.

ينقل بيلتون تبرير هؤلاء للتفرقة بين المرتزق والمتعاقد، بأن الأول يقاتل لمن يدفع له الثمن، بينما الآخر يقوم بأعمال الحماية والوقاية ولا يهاجم. ويحدثنا عن بداية الفكرة، حيث بدأت في نهايات القرن العشرين عندما كانت تراود البعض إشكالية هي «لماذا نهدر طاقات فرد مدرب في الجيش النظامي للقيام بأعمال يمكن أن تقوم بها شركات متخصصة في خدمات الأمن؟؟ بالتالي فإن أعمالا كالحراسة الشخصية، تأمين المواكب، تأمين العملاء الميدانيين في مناطق الحرب، حماية المواقع، يمكن أن يتولاها «متعاقد أمني» ولنوفر طاقة جنودنا للعمليات العسكرية الحقيقية».

كذلك فقد كانت بعض الشركات الأجنبية العاملة في مناطق شديدة السخونة -على رأسها العراق-تضطر للعمل في ظروف بالغة الخطورة؛ مما اضطرها بعد ذلك لإنشاء أجنحة أمنية لها -وليست مجرد قطاعات أمن عادية تقليدية- بل وقام بعضها بتقديم خدمات قطاعه الأمني من الباطن لشركات أخرى بمقابل مادي.

هذا الخيط التقطه رجل الأعمال الأمريكي الشاب إيريك برنس، والذي يبدأ المؤلف كتابه بالحديث عنه وعن نشأة مؤسسته الأشهر في هذا العالم: شركة «بلاك ووتر Black-water».


فلسفة إيريك برنس

رغم رفضه للقاءات الإعلامية إلا أن برنس قد وافق أن يقابل بيلتون ويتحدث إليه، ويفسر الأخير ذلك بأنه قد قضى شهرًا في بغداد مع بعض أفراد الفريق الأمني للشركة، ومقابلته برنس أكثر من مرة في مناسبات اجتماعية سابقة.



إريك برنس هو صاحب شركة بلاكووتر التي كانت تعمل أولًا في مجال تصنيع أهداف الرماية ومساحات التدريب القتالي، قبل أن يقرر تحويلها إلى أشهر شركة «جيوش خاصة» في العالم.

برنس ينتمي لأسرة ثرية تعمل بمجال لوازم السيارات، وقد تأثر بحديث أبيه رجل الأعمال الحاذق عن قيم مثل «نوعية المنتج، كمياته، رضاء العميل»، ومن هنا تأثر الابن بأبيه ولكن في مجال مختلف. فقد كان إيريك فردًا سابقًا في الصاعقة الأمريكية، وهو الوريث الوحيد لإمبراطورية آل برنس، وهو كذلك صاحب شركة بلاكووتر التي كانت تعمل أولًا في مجال تصنيع أهداف الرماية ومساحات التدريب القتالي، ثم قام هو بتوسيع نشاطها لتتحول أشهر شركة «جيوش خاصة» في العالم.

يستعرض بيلتون فلسفة برنس القائمة على فكرة أن استخدام المقاتل «المأجور» ليست بالبدعة الجديدة، بل إنها أسهمت في انتصارات كبيرة، ويضرب أمثالًا من الثورة الأمريكية والحرب العالمية الثانية. يؤمن برنس بأن فكرة الجيوش الخاصة تختصر تعقيدات بيروقراطية تحاصر عمل الجيوش النظامية الرسمية، بالتالي فإن توسيع نطاق عمل تلك الجيوش الخاصة يؤدي لإنجاز المطلوب دون تباطؤ أو إهدار للوقت.

من هذا المنطلق استطاع برنس أن يوسع من عمله، مستغلًا الأحداث الجسيمة كهجمات الحادي عشر من سبتمبر وغزو أمريكا لأفغانستان ثم العراق، وحالة «الطلب» على جنود غير نظاميين خفيفي الحركة وسريعي الانتشار، وقد توسع سريعًا في هذا المجال وسيطر على قطاع كبير من «سوق العمل» به، خاصة مع علاقاته القوية داخل البنتاجون والمخابرات المركزية، حيث استطاع أن ينشر فكرته تلك وأن يحصل بموجبها على تعاقدات مع الحكومة الأمريكية، بل وأن يحوّل بلاك ووتر إلى أكاديمية أمنية قادرة على تدريب ونشر آلاف المقاتلين في مختلف التخصصات الحربية والأمنية بل والاستخباراتية، ويصف برنس علاقة مؤسسته بالإدارة الأمريكية أنها أشبه بعلاقة شركة «فيديكس» بمصلحة البريد الأمريكي من حيث أنها -على حد قوله- حل ناجح فعال مخصخص للبيروقراطية الحكومية المتصلبة والمبذرة.


أداة للمهمات القذرة

وبينما يدافع برنس عن فكرة الجيوش الخاصة أو الشركات الأمنية، يسوق المنتقدون أوجه رفضهم للفكرة أو تحفظاتهم عليها.

فمن ناحية، يقول البعض إنها تسمح للإدارة الأمريكية بالإفلات من الرقابة فيما يتعلق بقيامها بأعمال عسكرية، فبينما يخضع تحرك الجيش لرقابة الكونجرس، فإن التعاقد مع شركات خاصة للقيام بمهام حربية لا يقع تحت نفس مظلة الرقابة البرلمانية.

ومن ناحية ثانية فإن تلك الشركات التي تقدم خدماتها اليوم تحت مسمى «الدفاع» غالبًا ما ستوظَف غدًا تحت مسمى «الهجوم»، وبالتالي ستصبح أدوات لتنفيذ الانقلابات والفوضى.

كذلك في حال قيام «المتعاقد» بارتكاب جريمة بمناسبة عمله فإن أقصى ما سيتعرض له هو إنهاء تعاقده وإعادته لبلاده، حيث أنه ليس فردًا نظاميًا خاضعًا للقوانين المنظمة لعمل أفراد الجيش، ويعرض المؤلف نماذج لذلك بالنسبة لعمل بلاك ووتر في العراق.

وأخيرًا فإن وجود مثل هذه الشركات، واستعداد المتعاقدين بها لتنفيذ أي شيء طالما أن المقابل مجز، يفتح الباب لأن تستغلهم الحكومات للقيام بـ«الأعمال القذرة» التي يجب أن تبقى خارج السجلات الرسمية.


تجارب ميدانية ولقاءات مع «متعاقدين»



الشركات الأمنية العسكرية التي تقدم خدماتها اليوم تحت مسمى «الدفاع» غالبا ما ستوظَف غدا كأدوات لتنفيذ الانقلابات والفوضى.

لا يكتفي روبرت بيلتون بمجرد الحديث النظري عن هذا العالم، بل إن الكتاب شديد الثراء بالتجارب الميدانية له مع تلك الشركات التي كان يقضي مع بعضها وقتًا طويلًا بل وربما صاحبها خلال تنفيذها بعض المهام في بلدان مختلفة أهمها العراق، أفغانستان، وغينيا الاستوائية، بل ويحضر تدريبات لهم في مواقع التدريب الميداني الخاصة بمؤسساتهم.

وهو لا يكتفي بعرض خبراته ومشاهداته، بل يضمّنها خبرات وشهادات لمتعاقدين وأفراد في تلك الشركات، وحتى هنا فإنه لا يقف عند حد عرض شهادة الشخص بل إنه يقدمه لك كحالة إنسانية كاملة يمكنك أن تبغضها أو أن تحبها، أن تدينها أو أن تتعاطف معها، لكنك لا تستطيع تجاهلها، بمعنى أدق فإنه يقدم في كتابه تشريحًا تفصيليًا لحالات واقعية لأفراد انضموا لشركات الخدمات الأمنية كـ«مرتزقة».

وجدير بالذكر أنه لا يقصر حديثه على مؤسسة بلاك ووتر فحسب، بل يتناول في كتابه وَسَط «المرتزقة» كله بمختلف شركاته وأباطرته وجنوده وظروف نشأة وصعود بل وسقوط كل منها.

فضلًا عمّا سبق، فإنه لا يصيغ كل ذلك بشكل تقريري جامد، بل بشكل يجمع بين الأسلوبين المقالي والقصصي، وببراعة في نقل القارئ للجو العام للأحداث والتفاصيل حتى لكأنه متواجد مع المؤلف بالفعل خلال تجاربه الميدانية التي تضمنها الكتاب.

لا أجد ختامًا لعرض هذا الكتاب إلا تلك الأسطر المثيرة التي استهل بها المؤلف كتابه، والتي يقول إنها من رسالة إلكترونية شائعة بين العاملين في الشركات الأمنية الخاصة:

«أنا متعهد أمني أمريكي، أحرص على سلامتي، وسلامة العاملين عن يساري وعن يميني، ولا أحد غيرهم.

سأستغل دومًا مزيتي التي أصبحت تخولني أخيرًا أن آمر ضباط الجيش النظامي بالزحف على الرمال، وسأفعل ذلك كلما سنحت لي الفرصة.

إنني كبش فداء بلدي، المحارب الذي يمكن التنكر له والتبرء منه بسهولة، وأنا أحب ذلك كثيرًا.

إن أي أجر يقل عن 700 دولار أمريكي في اليوم هو أجر غير مقبول!.

لا أعبأ بالأوسمة أو النياشين، ولا بمكافئات البسالة.

سأحمل من السلاح والذخيرة ووسائل القتل ما لا تحمله سرية مدفعية، وحين ألتحم مع العدو سأدمر كل شيء حولي!

سألعب وفق شروطي، وإذا ساءت ظروف العمل سأجد شركة أخرى تدفع لي أجرًا أفضل».