محتوى مترجم
المصدر

Newyorker
التاريخ
2010/12/13
الكاتب
John Lehrer

في الثامن عشر من سبتمبر 2007 اجتمع العشرات من علماء الأعصاب والأطباء النفسيين ومديري شركات الأدوية في قاعة مؤتمرات بفندق في براسل ليستمعوا إلى بعض الأخبار المذهلة عن فئة من العقاقير عرفت كنموذج غير قياسي أوجيل ثاني من مضادات الذُهان ظهر في الأسواق في مطلع التسعينات؛ وقد بيع ذلك العقار بأسماء تجارية مثل «أبيليفاي» و«سيروكويل» و«زايبريسكا». وقد تم اختباره على مرضى الفصام في الكثير من التجارب السريرية، وقد أظهرت جميع الحالات الخاضعة للتجربة انخفاضًا هائلًا في الأعراض النفسية، ولذا فقد أصبح الجيل الثاني من مضادات الذهان أحد أسرع الفئات الدوائية انتشارًا وأكثرها ربحًا. وفي عام 2001 أصبح «زايبريكسا» الذي تنتجه شركة «إيلي ليلي» يدر ربحا أكثر من «بروزاك»، وظل متصدراً قمة مبيعات الشركة.

لكن المعلومات التي تم عرضها فياجتماع براسل أوضحت أن شيئًا غريبًا كان يحدث؛ فقد اتضح أن قوة الدواء العلاجية تتراجع باضطراد، وقد أظهرت دراسة حديثة أثرًا أقل من نصف ما تم تسجيله في التجارب الأولى في مطلع التسعينات، وقد قالت بعض الدراسات أن تلك الأدوية المكلِفة لم تكن أفضل بأي حال من الجيل الأول من مضادات الذهات التي تم استخدامها في الخمسينيات. «في الواقع تبدو أكثر سوءًا الآن» هكذا أخبرني

جون دايفز

أستاذ الطب النفسي بجامعة إلينوي بشيكاغو.

قبل أن يتم تأكيد فعالية دواء ما يجب أن يتم اختباره مرارًا، ويلزم إعادة الإجراءات ونشر النتائج على يد علماء مختلفين وفي معامل متعددة، فيما يُعرف باختبارقابلية التكرار، و هو أمر أساسي في البحث الحديث. قابلية التكرار هي الكيفية التي يفرض بها المجتمع نفسه، فهي نوع من الوقاية من غلبة الذاتية، ففي الأغلب يعرف العلماء النتائج التي يريدونها مما قد يؤثر على النتائج التي يتوصلون إليها، وقابلية التكرار هي القاعدة التي يمكن من خلالها أن يصحح المجتمعي العلمي هذه الأخطاء.

لكن ما لبثت جميع الحقائق الراسخة متعددة التأكيد أن تبدو غير أكيدة الآن، وذلك على نحو متزايد كما لو كانت حقائقنا تفقد مصداقيتها! تلك الفرضيات التي نصت عليها الكتب أضحت غير قابلة للإثبات فجأة. لم تتخذ تلك الظاهرة إلى الآن اسمًا رسميًا مع أنها تحدث على نطاق واسع من المجالات من علم النفس إلى علم البئية. تبدو تلك الظاهرة سريعة الانتشار في مجال الطب، ولا تقتصر فقط على تأثير مضادات الذهان ولكن أيضًا على الكثير من الأدوية: من الدعامات القلبية إلى فيتامين (هـ) ومضادات الاكتئاب. لدى

دايفز

تحليل منتظر يوضح أن فعالية مضادات الاكتئاب قد انخفض تأثيرها ثلاث مرات في العقود الأخيرة.

بالنسبة للعديد من العلماء يثير ذلك السلوك القلقَ، خاصة لما يكشفه عن «المنهج العلمي». إن قابلية التكرار هي الحد الفاصل بين دقة العلم وميوعة الزيف. أين نذهب بجميع تلك النتائج المحققة بدقة والتي لم يعد في الإمكان إثباتها؟ أي الحقائق يجب تصديقها؟

أعلن

فرانسز بيكون

فيلسوف الحداثة المبكر ورائد المنهحية العلمية أن التجريب شيء جوهري يمكننا من «وضع الطبيعة في محل التساؤل». لكن يبدو أن الطبيعة غالبا ما تعطينا إجابة مختلفة.


هل يتعود الكون على نتائجنا؟

كان

جوناثان سكولر



طالب دراسات عليا حديث بجامعة واشنطن في عام 1990 عندما اكتشف حقيقية مفاجئة عن اللغة والذاكرة. كان الاعتقاد في ذلك الوقت أن القيام بوصف ذكرياتنا يحسنها، ولكن عن طريق سلسلة من التجارب الذكية أثبت سكولر أن العينات التي عُرض عليها وجه وطُلب منها وصفه كانت احتمالية تعرفها عليه عندما عُرض عليها مؤخرًا أقل بكثير من تلك العينات التي رأته مرة فقط. أطلق سكولر على تلك الظاهرة اسم «التعتيم اللفظي verbal overshadowing».

جعلت منه تلك الدراسة نجمًا أكاديميًا، فمنذ أن نشرها للمرة الأولى عام 1990 تم ذكره أكثر من أربعمائة مرة بعدها. وسرعان ما قام سكولر بتوسيع النموذج لمجموعة من الأشياء الأخرى، مثل تذكر مذاق النبيذ، التعرف على أفضل برطمان مربى، وحل الألغاز الإبداعية الصعبة، في كل حالة كان الطلب من الناس أن يقوموا بصياغة تصوراتهم في كلمات يؤدي إلى انخفاض هائل في الأداء.

لكن بينما كان سكولر ينشر هذه النتائج في المجلات المرموقة كان هنالك قلق خفي يزعجه؛ ألا وهو صعوبة تكرار إثبات نتائجه المبكرة، حيث أخبرني قائلًا: «غالبًا ما زال بإمكاني أن أرى أثرًا، لكنه لا يكون بنفس القوة فحسب. لقد كان الأمر كما لو أن التعتيم اللفظي، فكرتي الجديدة الكبرى، تغدو أضعف». في البداية افترض أنه قام بخطأ في تصميم التجربة أو أخطأ في التقدير الإحصائي، لكنه لم يتمكن من إيجاد أي شيء خطأ في أبحاثه. عندها استنتج أن الحزمة الأولى من عينات البحث لابد أن لديها تأثر غير طبيعي بالتعتيم اللفظي (خمن جون دايفز أن هذا الجزء من التلاشي في فعالية مضادات الذهان يمكن أن يتم عزوه إلى استخدام عينات تعاني من نوع أقل قوة من الذهان؛ حيث تكون احتمالية إظهارها لتحسن قوي أقل). وفقًا لما قاله سكولر: «لم يكن هذا تفسيرًا مرضيًا تمامًا. فقد أخبرني أحد أساتذتي أن خطأي الحقيقي هو محاولة تكرار تجربتي. حيث أخبرني أن قيامي بذلك كان يهيئ نفسي لخيبة أمل فحسب».

حاول سكولر أن ينحي تلك المشكلة جانبًا حيث أكد له زملاؤه أن أشياء كهذه تحدث طوال الوقت. بعد ذلك بعدة سنوات وجد مسائل بحثية جديدة، وتزوج وأنجب أطفالا، لكن مشكلة التكرار ظلت تسوء، وقد أدت محاولته الأولى لإعادة تجربة 1990 في عام 1995 إلى تأثير أقل بنسبة 30 في المائة. وعندما أعادت مختبرات أخرى تجارب سكولر حصلوا على امتداد مشابه من البيانات مع ميل قوي للانخفاض. يقول سكولر: «وكان هذا محبطًا بشدة، لقد كان الأمر كما لو أعطتني الطبيعة نتيجة عظيمة ثم حاولت استعادتها».

على نحو خاص بدأ سكولر في الإشارة إلى تلك المشكلة كنوع من «التعوّد الكوني cosmic habituation»، بالنظر إلى الانخفاض في الاستجابة الذي يحدث عندما يتعود الأفراد على مؤثرات خاصة. يقول سكولر: «إن التعود هو السبب في عدم ملاحظتك لتلك الأشياء التي لطالما كانت موجودة، إنها عملية من التكيف الحتمي؛ تناقص مضطرد للاهتمام، لقد بدأت في المزاح بأن الكون كان يتعود على أفكاري، وأخذت الأمر على محمل شخصي».

سكولر الآن أستاذ دائم بجامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا، بشعره المجعد، وعينه الخضراء الشاحبة، وذلك السلوك المطمئن كما لو كان شخصا يعيش على بعد خمسة دقائق من شاطئه المفضل. عندما يتحدث يميل إلى أن يشتت نفسه باستطراداته الخاصة، فقد يبدأ من نقطة تتعلق بالذاكرة فتُذكره بعبارة ويليام جيمز (الفيلسوف الأمريكي الكبير) المفضلة التي تلهمه بخاطرة طويلة عن أهمية التفكر. منذ فترة كنا نشاهد صورة لرجل محترق على هاتفه الآيفون فأعادنا ذلك إلى طبيعة الذاكرة الهشة.

على الرغم من أن التعتيم اللفظي يظل نظرية مقبولة –غالبًا ما يُحتج به في سياق شهادة الشاهد العيان على سبيل المثال– فما يزال سكولر غاضبًا من الكون، حيث يقول: «أعلم أنه ينبغي عليّ أن أمضي للأمام فحسب. ينبغي عليّ حقّا أن أتوقف عن الكلام في هذا الأمر، لكني لا أستطيع». وذلك لاقتناعه بأنه قد عثر في مشكلة خطيرة، تلك المشكلة التي باغتت علم النفس بالعديد من الأفكار الأهم والأكثر إثارة في علم النفس.


تلاشي الحاسة السادسة

واحد من أول التفسيرات لتلك الظاهرة الغامضة ظهرت في مطلع الثلاثينيات من القرن العشرين، حين قام

جوزيف بانك راين

المتخصص في علم النفس يإجراء تجربة عن الإدراك اللاشعوري (ما نُطلق عليه عادة: الحاسة السادسة). قسم راين التجربة باستخدام

بطاقات زينر

( كروت مزخرفة مكونة من خمسة وعشرين بطاقة مرسوم عليها رمز من خمسة رموز). هنالك بطاقة تم سحبها و طُلب من الحالة أن يخمن الرمز، معظم الحالات بنسبة عشرين بالمائة خمنت البطاقات الصحيحة كما كان متوقعًا؛ لكن كان هنالك طالب اسمه

آدم لينزماير

بلغ متوسط تخميناته الصحيحة خمسين بالمائة خلال جلسته الأولى، حيث قام بسحب عدد من البطاقات الصحيحة على نحو غير معتاد، فقد خمن تسعة بطاقات صحيحة من صف واحد على سبيل المثال. احتمالات حدوث ذلك بالصدفة حوالي اثنين في المليون، قام لينزمار بذلك ثلاثة مرات.

دوّن راين تلك النتائج المذهلة في دفتر ملاحظاته، وقام بإعداد العديد من الأوراق البحثية للنشر. لكن بعد ذلك بمجرد أن بدأ يؤمن بإمكانية الإدراك اللاشعوري فقد الفتى موهبته الغريبة. بين عامي 1931 وعام 1933 قام لينزماير بتخمين هوية ألف بطاقة متنوعة أخرى، لكن معدل نجاحه كان بالكاد يتجاوز مستوى الصدفة. كان راين مجبرًا على الاستنتاج بأن قدرة إدراك الطالب اللاشعورية قد تلاشت بانحدار لافت للانتباه. ولم يكن لينزماير الحالة الوحيدة التي يحدث بها انحدار كهذا. تقريبًا في كل حالة قام بتوثيقها راين وآخرون للإدراك اللاشعوري تقلص التأثير بصورة مذهلة طوال الوقت. أطلق راين على ذلك السلوك «تأثير التلاشي Decline Effect».

كان سكولر مفتونا بكفاح راين التجريبي، حيث أنه عالم قام بتدوين تلاشي بياناته بصورة متكررة. لقد بدا له أنه يمتلك موهبة بإيجاد النتائج التي تنهار. في عام 2004 شرع سكولر في محاكاة ساخرة لبحث راين، فحاول أن يكرر ذلك الفشل في التكرار. واحترامًا لتركة راين قرر أن يختبر كذلك ظاهرةـ «الاستبصار». كانت التجربة في حد ذاتها واضحة؛ حيث عرض مجموعة من الصور سريعًا على حالة وطلب منها أن تتعرف على كل منها. غالبًا كانت الاستجابات سلبية –تم عرض الصور بسرعة أكبر من أن يتم تسجيلها– ثم قام سكولر باختيار نصف الصور عشوائيًا ليتم عرضها مرة أخرى. ما أراد معرفته هو ما إذا كانت احتمالية أن يتم التعرف على الصور التي تم عرضها مرة أخرى أكبر من المرة الأولى؟ هل التعرض الثاني للصور لديه كيفية ما تؤثر على النتيجة الأولى؟ هل يمكن أن يصبح الأثر هو السبب؟

لقد كان جنون الفرضية هو المقصد. لقد علم سكولر أن الاستبصار يفتقر للتفسير العلمي، لكنه لم يكن يختبر قوىً لاشعورية؛ لقد كان يختبر تأثير التلاشي. يقول سكولر:

«في البداية بدت النتائج مذهلة كما توقعنا تمامًا، لم أتمكن من تصديق حجم الاستبصار الذي توصلنا إليه، لكن بعد ذلك عندما ظللنا نختبر الحالات أصبح حجم التأثير –مقياس معياري موحد– يغدو أصغر فأصغر باضطراد». مع الوقت قام العلماء باختبار أكثر من ألفي طالب جامعي. يقول سكولر: «في النهاية بدت نتائجنا مثل نتائج راين فحسب. لقد وجدنا ذلك التأثير الخارق للعادة، لكنه تلاشى من بين أيدينا».

لم تتلاش قوى حالات سكولر اللاشعورية؛ كان هنالك وهم تلاشى بمرور الوقت فحسب.إن التفسير الأكثر احتمالا لذلك التلاشي تفسير واضح، هو: الانحدار نحو الوسط regression toward the mean. فكلما تم تكرار التجربة فإن هنالك صدفة إحصائية مبكرة يتم إلغاؤها. لم تتلاش قوى حالات سكولر اللاشعورية؛ كان هنالك وهم تلاشى بمرور الوقت فحسب. ورغم ذلك فقد لاحظ سكولر أن العديد من مجموعات البيانات التي انتهى بها الحال إلى التلاشي بدت ثابتة إحصائيًا؛ هذا هو ما في الأمر. لقد احتوت تلك التجارب على ما يكفي من البيانات التي لا ينبغي أن يكون أي انحدار نحو الوسط معها ملحوظًا. يقول سكولر:

«تلك هي النتائج التي أدت إليها جميع الاختبارات. لقد أبدت الاحتمالات العشوائية تكرارا صعب التحقق، مثل واحد في المليون، الأمر الذي يعني تقريبا أن تأثير التلاشي يجب ألا يحدث أبدا؛ لكنه يحدث طوال الوقت! اللعنة؛ لقد حدث معي عدة مرات»

وهذا هو السبب في اعتقاد سكولر بأن تأثير التلاشي يستحق المزيد من الاهتمام؛ إن وجوده في كل مكان ينتهك قوانين الإحصاء. يقول سكولر:


هل حقا تفضل الإناث الذكور المتناسقين؟

«كلما بدأت بالتحدث عن هذا الأمر يصبح العلماء أكثر عصبية. لكني ما زلت أريد أن أعرف ما الذي حدث لنتائجي. كغالبية العلماء أفترض أنه سيكون من السهل توثيق أثري طوال الوقت، وسأمضي إلى الأمام في إجراء التجارب عندما يتم تصفير الشروط التي تولد التعتيم اللفظي. لذا لم لا يحدث العكس؟ أنا على اقتناع بأنه في إمكاننا استخدام وسائل العلم في اكتشاف هذا الأمر. لكن مبدئيًا أعتقد أن ينبغي علينا أن نعترف بأن لدينا مشكلة»

في عام 1991 قام عالم الحيوان الدانماركي

أندريس مولر

بجامعة أوبسالا بالسويد باكتشاف مثير عن «الجنس Sex» (طيور السنونو والتناسق). كان من المعروف لأمد طويل أن المظهر الغير متناسق لمخلوق ما يرتبط مباشرة بنسبة التغير في جيناته، لذا كلما زاد التغير كلما أدى ذلك إلى «اللاتناسق المتغير» ( طريقة سهلة لقياس اللاتناسق في الكائنات البشرية عن طريق مقارنة سمك الأصابع لكل يد). ما اكتشفه مولر هو أن احتمالية التزاوج لإناث طيور السنونو مع الذكور التي لديها ريش طويل ومتناسق تكون أكثر. أدى هذا إلى الاعتقاد بأن الإناث (صعبة الإرضاء) تستخدم التناسق كدليل على جودة جينات الذكر.

أطلقت ورقة مولر التي تم نشرها في مجلة Nature موجة من البحوث. كان الأمر هنا سهل القياس، وله مؤشرات واسعة يمكن تطبيقها عن جودة الجينات، وعن الإناث التي تظهر جاذبية باتجاهها. لقد كان معيار الجمال حقًا عن الجينات. في الثلاث سنوات اللاحقة كانت هنالك عشرة اختبارات مستقلة عن دور اللاتناسق المتغير في الانتقاء الجنسي. وقد توصلت تسعة اختبارات إلى إيجاد علاقة بين التناسق وصحة الذكر الإنجابية. لم يكن مهمًا إذا ما كان العلماء ينظرون إلى شعر ذبابة الفاكهة أو يقومون بتكرار دراسات السنونو؛ فقد كانت الإناث تفضل الذكور ذات التناسق.

قبل مدة طويلة تم تطبيق تلك النظرية على الإنسان، وتوصلت الأبحاث على سبيل المثال إلى أن النساء يفضلن رائحة الرجال المتناسقين؛ لكن ذلك يحدث فحسب خلال مرحلة التخصيب من الدورة الشهرية.وادعت بعض الدراسات الأخرى أن النساء يصلن إلى حالة أعلى من «الأورجازم» عندما يكون أزواجهن متناسقين. بينما ادعت ورقة أخرى أعدها علماء أنثروبولوجيا في «روتجرز»، عن طريق تحليل أربعين رقصة من جمايكا، أن الرجال المتناسقين تم تصنيفهم باستمرار كأفضل راقصين.

ثم بدأت النظرية بعد ذلك في الانهيار. في عام 1994 كان هنالك حوالي أربعة عشر تجربة منشورة عن التناسق والانتقاء الجنسي، وقد حققت نتائج إيجابية في ثمانية منها فقط. في عام 1995 كانت هنالك ثمان أوراق عن الموضوع، وتوصلت أربعة منها فقط إلى نتائج إيجابية. أما في عام 1998 فقد كان هناك اثنا عشر تحقيقا عن اللاتناسق المتغير، وقد أكد ثلاث منها فقط على النظرية. والأسوأ من ذلك أنه حتى تلك الدراسات أسفرت عن بعض النتائج الإيجابية التي أظهرت تلاشيًا مضطردًا لحجم التأثير، فقد تقلص متوسط حجم الأثر بين عام 1992 وعام 1997 بنسبة ثمانين بالمائة.

ولم يتوقف الأمر على اللاتناسق المتغير. ففي عام 2001 قام عالم الأحياء بجامعة أستراليا الوطنية

مايكل جينينوس

بوضع تحليل على نطاق واسع من العينات عن «التوجهات الزمنية» في علم البيئة وعلم الأحياء التطوري، حيث بحثوا في أربعة وأربعين تحليلًا وصفيًا (خلاصات إحصائية من الدراسات ذات الصلة) والمئات من الأوراق. وكما اكتشف أيضًا تلاشيًا ثابتًا للأثر طوال الوقت، بدا أيضًا أن العديد من النظريات قد تلاشت أهميتها. في الحقيقة حتى عندما تم مراقبة العديد من التجارب، علم جينينوس أن نفس الكاتب قد ينشر العديد من الأوراق الهامة والتي قد تشوه تحليله، لكن بقي هنالك انخفاض كبير في صحة تلك الفرضية غالبًا خلال عام نشرها.

وقد اعترف

جينينوس

بأن نتائجه مقلقة، لكنه عبر عن عدم رغبته في التحدث عنها علنًا. يقول جينينوس:

«إن هذه قضية حساسة جدًا بالنسبة للعلماء، أنت تعرف أنه من المفترض أننا نتعامل مع حقائق صارمة، يجب أن تصمد تلك النتائج أمام الاختبارات طوال الوقت، لكن عندما ترى تلك الاتجاهات تصبح متشككًا قليلاً بخصوص الأشياء»


* في الجزء الثاني يشرح جون ليرر الأسباب المتوقعة لتلك الظاهرة وأثرها على المنهج العلمي التجريبي السائد حاليا.