نجحت عناصر توتنهام أخيرًا في كسر عقدة الكبير، ريال مدريد، وتمكنوا من تسجيل هدفهم الأول في شباك الفريق الملكي، في اللقاء الذي كان قمة الجولة الثالثة من المجموعة الثامنة بدوري أبطال أوروبا، والذي انتهى بالتعادل الإيجابي بهدفٍ لكل فريق.

إذا ما تم إغفال كل المعايير التي تضع اسم ريال مدريد عاليًا على الدوام، سيتم عنونة هذا اللقاء بأن ريال مدريد عجز تمام العجز عن الظفر إلا بنقطة وحيدة، وهو حامل اللقب لنسختين متتاليتين، على أرضه ووسط جماهيره، أمام فريق ما زال يتحسس خطواته في بطولة لا يعرف عنها الكثير بقوام متكامل من الشباب.

لكن لأن الأغلبية العظمى تُعَنون اللقاءات حسب النتيجة أحيانًا أو حسب أسماء الفرق وتاريخها في أحيان كثيرة أخرى، سنجد أن المعظم يؤكد أن توتنهام فلت بنقطة عظيمة من ملعب سنتياجو بيرنابيو، وأنه لولا كريم بنزيما لانتهت المباراة بنتيجة مغايرة تمامًا عن تلك التي كانت.


رهان بوتشيتينو الناجح عكس التوقعات

دخل الضيوف بتشكيلة بها بعض الغيابات التي تبدو وللوهلة الأولى مؤثرة، أهمها بكل تأكيد، هو غياب الإنجليزي الشاب «ديلي آلي»، ليقرر الأرجنتيني، ماوريسيو بوتشيتينو، الاعتماد على رسم تكتيكي 3-5-2ـ، والدفع بالإسباني فيرناندو لورينتي كمهاجم ثانٍ متأخر بعض الشيء خلف الإنجليزي هاري كين، مع معاونة من مناطق قريبة على جهة اليسار من إيركسن، وبتأمين دفاعي في خط الوسط من سيسوكو والشاب هاري وينكس. فيرتونخين وأوريه على طرفي الملعب وثلاثي دفاعي مكون من إيريك داير في العمق ويمينه سانشيز ويساره ألديرفيرلد، مع الحارس لوريس.

في حين حافظ زيدان على رسم 4-3-1-2 بوجود إيسكو كصانع لعب حر في كل جنبات الملعب ومن أمامه رونالدو رأس حربة صريح بجانب كريم بنزيما وثلاثي خط الوسط المميز كروس، مودريتش وكاسيميرو، ومن ثم فاران وراموس كقلبي دفاع، مارسيلو وأشرف حكيمي ظهيري الطرف الأيسر والأيمن على الترتيب، بالإضافة إلى أحد أهم لاعبي ريال مدريد الليلة، كيلور نافاس.

تشكيلة ريال مدريد وتوتنهام في بداية القمة.

تشكيلة ريال مدريد وتوتنهام في بداية القمة.

قبل اللقاء وبالنظر على التشكيلة من رؤية بعيدة وسطحية، تتعجب من تواجد ثنائي هجومي لتوتنهام في مواجهة ريال مدريد على أرضه وسط جماهيره، لكن بعد الدقيقة 20 تقريبًا، تجد أن تفاصيل توتنهام قد رسمت بشكلٍ ممتاز من قبل المدير الفني الأرجنتيني.

توتنهام كان يتعامل مع كل تفاصيل ريال مدريد بشكلٍ ممتاز، رصد مناطق القوة وكثف فيها عدد اللاعبين: ثلاثي وسط من إيركسين وسيسوكو ووينكس يزيد بتواجد داير في أوقاتٍ عدة لمواجهة أقوى نقط ريال مدريد وهو خط الوسط، تكثيف الهجوم عند الجبهة الأضعف لريال مدريد والتي يتواجد فيها الجديد، أشرف الحكيمي، الذي لا يلام لقلة خبرته في مثل هذه المعتركات ولصعوبة الدور التكتيكي المطلوب منه بكل تأكيد، بجانب إشغال راموس بملازمة مواطنه لورينتي ليتسنى لكين التفرد بمواجهة فاران وحده وهي التي نجحت في خطف الهدف الغالي.

كذلك تواجد ثلاثي في خط الدفاع نجح جدًا لمواجهة ثنائي هجوم ريال مدريد، ومع الأداء الذي قدمه بنزيما، السيئ بكل تأكيد، أدى إلى اختفاء ثنائي ريال مدريد أغلب طوال دقائق المباراة، إلا لتواجد لاعب بقمية رونالدو الذي كان يظهر بإمكانيات فردية في لقطات معدودة، قبل أن يزيد زيدان من سوء إدارته للمباراة ويقوم بإخراج السيئ كريم بنزيما وترك رونالدو وحيدًا في منطقة الجزاء ليساعد في اختفائه ما تبقى من المباراة.


ريال مدريد يضرب من الطرف، ويُضرب منه أيضًا

غياب لاعب مؤثر مثل كارفاخال وعدم تواجد بديل حقيقي بنفس قيمته، كان مفترضا أن يجبر زيدان على تغيير نهجه الهجومي أو التكتيكي لا سيما إن كان يواجه مديرا فنيا بنفس جودة بوتشيتينو، كما تم التنويه سابقًا، الحكيمي كان فيه مواجهة في منتهى الصعوبة عليه، لم يتقن بعد ما يطلب منه في الزيادة الهجومية الكاملة التي اعتاد زيدان أن يضرب بها خصومه من الأطراف، بالتالي كان النقطة الأضعف في قوام ريال مدريد اليوم، لكن بفعل مدربه.

خلال الدقائق الـ40 الأولى، تواجد مودريتش في أماكن دفاعية أكثر من تواجده في عمق الملعب أو مناطقه الهجومية، كان الدور المطلوب من لوكا هو التواجد خلف أشرف الحكيمي لأنه لم يتقن الأدوار المطلوبة منه بالكامل بعد، ومما ساعد على إجبار مودريتش على عدم الخروج من تلك المنطقة هو ذكاء ماوريسيو في جعل هناك تواجد شبه المستمر لإريكسين على الجانب الأيسر لتوتنهام والأيمن لريال مدريد.

بعد الهدف الأول لتوتنهام، كان لابد من خروج لوكا إلى مناطق بناء الهجمة، ذلك ساعد بكل تأكيد في الحصول على ركلة جزاء من جملة شارك فيها كل من كروس ومودريتش من قلب الملعب، لكن ذلك سبب أيضًا في زيادة التركيز الهجومي من الطرف الأيسر للسبيرز وزيادة تواجد توتنهام في نفس الجهة بعدما مال هاري كين إلى الطرف ذاته مع ضمان تأمين دفاعي بوجود فيرونخين على نفس الجهة، النتيجة بكل تأكيد: وضوح أكبر لكارثية تواجد الحكيمي بدورٍ كهذا.

المساحة التي يتركها أشرف الحكيمي خلفه.

المساحة التي يتركها أشرف الحكيمي خلفه.

الحال على الجانب الأيسر لم يكن أفضل كثيرًا من نظيره الأيمن، ماوريسيو رصد جيدًا الخطورة التي يخلقها البرازيلي المخضرم، مارسيو، على الجانب الأيسر، كان لابد من وجود حل على الجانب الأيمن من وسط ملعب توتنهام لمعاونة الظهير في مواجهة مارسيلو، ووقع الاختيار على المتحرك موسى سيسوكو ليعاون الفيل الإيفواري أورييه.

كل المعطيات تشير إلى نجاح الثنائي في إيقاف حل من أهم حلول ريال مدريد طيلة السنوات الماضية، أوريه سريع وكذلك سيسوكو، بالتالي هناك صعوبة في كسر نمط هذا الثنائي وإيجاد ثغرة على طرف الملعب الأيمن لصالح الضيوف، النتيجة كانت عزل شبه كامل لمارسيلو وإبعاده في الكثير من الأحيان عن مناطق الخطورة من أجل التواجد بالقرب من وسط الملعب فقط.

الاستغلال الهجومي من هذا الجانب من قبل توتنهام لم يكن مثل نظيره في الجانب الأخر، بالطبع يعود ذلك لتمرس مارسيلو في أداء الدور المطلوب منه أكثر من الحكيمي بمرات لا يمكن حصرها، لكنه مثل الصغير الشاب، لم يتمكن من خلق خطورة كبيرة من جهته الهجومية.


الصدارة لم تُسكت ناقوس الخطر

الخريطة الحرارية لتحرك مارسيلو، سيسوكو وأورييه

الخريطة الحرارية لتحرك مارسيلو، سيسوكو وأورييه

بعد هذا التعادل يستمر تشارك ريال مدريد وتوتنهام على عرش المجموعة بالتساوي في كل شيء، لكن لذلك معطيات مختلفة على كل جانب، توتنهام يستعد للعودة للبريميرليج بنشوة التعادل مع بطل النسختين الماضيتين وسط جماهيره، وريال مدريد لابد أن يلحظ أن ناقوس الخطر يدق بقوة.

ريال مدريد في مستوى ينخفض شيئًا فشيئًا منذ بداية الموسم، الفريق لا يقدم مستويات جيدة في كل الأحوال، مع وجود علامات تعجب كثيرة على أمور متعددة في عقل زيدان أهمها بكل تأكيد، العند التكتيكي وكريم بنزيما.

نفس الشكل الذي نفذه بوتشيتينو الليلة كان ذاته الذي يحاول فالفيردي تطبيقه في إياب السوبر الإسباني قبل بداية الموسم، لكن حين ذلك تفطن زيدان للأمر وعدل طريقة اللعب لـ4-3-3 فسمح لنفسه بفرصة عظيمة لاستغلال أطراف الدفاع عند البرسا. السؤال الآن: أين ذلك الذي تمكن من كسر نفس المشكلة من قبل؟ أين زيدان المعتاد؟

ريال مدريد -بقيمته- لا يمكن أن يتوارى خلف سوء أداء مهاجمه الذي بات واضحًا للجميع، عدا زيدان تقريبًا، الأكيد أن زيدان اليوم لم يكن في أفضل حالاته التكتيكية، بل إنه كان في أحد أسوئها، لكن بالرغم من ذلك كان يمكن أن يفوز بالمباراة وهو سيئ إلى هذا الحد، تلك صفات الفرق الكبرى التي تملك لاعبين كبارا، فهل عجزت أرحام الأمهات عن ولادة مهاجم يمكنه مرافقة رونالدو ومساعدته في خط الهجوم لكنه في الوقت ذاته لا يهدر ذلك الكم من الفرص؟ هل انتهى الكون على ذلك الكريم مثلًا؟

الجانب البدني كذلك عليه علامات استفهام كبيرة، وجدنا اليوم لاعبي ريال مدريد وكأن في أقدامهم الرمل، الحركة بطيئة وبصعوبة بالغة، النقيض تمامًا لما كان في الموسم الماضي والذي كان إحدى مميزات الميرنجي.

فهل يستيقظ زيدان لكل هذا؟ أم يستمر الفريق في الخفوت شيئًا فشيئا لندرك أن الفريق قد وصل إلى أعلى منحنيات أدائه من قبل وقد حان وقت الهبوط المعتاد؟ الأيام تُجيب.