في عام 1981 قام «جون هينكلي» الابن بمحاولة اغتيال الرئيس الأمريكي آنذاك «رونالد ريجان»، ولكنه أُصيب بطلق ناري، وقُتل بعض الحرس المحيطين به. أثناء التحقيق معه قال إنه كان يشعر بالوحدة، والانعزال، والاكتئاب، وكان منجرفًا وأراد إعجاب الممثلة «جودي فوستر» حيث قال إنه شاهد فيلم «سائق التاكسي» 15 مرة في سينما تعرض الأفلام القديمة، ويجسد هذا الفيلم رحلة تطهيرية من الغوص داخل النفس المجروحة، سواء كانت على مستوى نفوس الأشخاص أو البلاد كما هي أمريكا هنا، وهذا دليل على تأثير الأفلام على حياة من يشاهدها.

تحليل الأفلام ما هو إلا تحليل للذهن البشري، فلو ركزنا على أن العقول البشرية هي المصنعة للأفلام، لأمكننا النظر إلى كل الأفلام باعتبارها انعكاسًا للذهن البشري، وهذا يأخذنا إلى 3 محاور رئيسية متعلقة بالأفلام.


السلوك البشري في الأفلام

توجد العديد من السلوكيات المنتشرة في الأفلام، لكني سأركز هنا على السلوكيات المنتشرة في الأفلام العربية بشكل خاص مثل الجنس، العنف، المخدرات، الأمومة، الفقر، الجريمة، الغضب، العنف الأسري.

في الدراسات التي أجريت كان تحليل المضمون الأكثر شيوعًا في الأفلام هو الجنس، المخدرات، العنف.

السلوكيات العدوانية في الإعلام

في دراسة ويلسون-2002 وثق حقيقة أن برامج الأطفال التليفزيونية كانت أكثر عنفًا بكثير عن برامج الكبار، بمعدل بلغ ثلاثين فعلاً عنيفًا في الساعة.

كما وُجد أن أفلام ديزني التي تُعرَض على شاشتنا ليل نهار تتضمن مشاهد عنف غير مباشر بمعدل تسع مرات في الساعة، وذلك على حد سواء من الشخصيات الطيبة والشريرة مثل اللعنات والتآمر وإنزال الضغوط مثل مسلسل «سالي».

وقد لاحظت إحدى الدراسات أن الأولاد الذين يشاهدون أكثر البرامج التلفزيونية عنفًا، أكثر عدوانية في المدرسة عن غيرهم. وفي تجربة هيوسمان واسعة النطاق، قامت بمراقبة سلوك الأطفال على مدى 20 عامًا، وجدت أن الأطفال في سن الثامنة الأكثر مشاهدة لبرامج العنف في التلفزيون، يكونون أكثر عرضة للتورط في جرائم خطيرة (مثل: اغتصاب، قتل، سرقة، اعتداء).

وإحدى النظريات المثيرة للاهتمام هي نظرية التهيئة السلوكية، فعلى غرار الطريقة التي يتعين بها ضخ الماء من المضخة (طلمبة الماء) عدة مرات قبل البدء فعليًا في استخراج الماء، فإن الأشخاص الذين يتعرضون للإعلام بصورة مستمرة تتشكل لديهم بعض النماذج السلوكية التي تظل كامنة ومكبوتة في الداخل، إلى أن يطرأ موقف مماثل لما هو في الإعلام، تبدأ تلك النماذج السلوكية في التحرر. فعندما ينشب شجار بين إحدى الشباب مع آخر، يبدأ الشاب بإخراج أداة حادة ويضرب بها الشخص المقابل؛ لأن ذلك النموذج كان محفورًا في عقله بعد مشاهدته فيلم «الألماني» عدة مرات، فقام بتهيئة عقله بالخطوات التي سيقوم بها عندما ينشب شجار؛ وذلك لأن عقله قد هيأ له أن النتيجة حاسمة، وأن الآخرين الذين يحاولون التعرض له سيخافون ويبتعدون في الحال، هذه هي الطريقة التي يعمل بها العقل عند التعرض المستمر للإعلام، وإن كان البعض يظل يكرر أن الإعلام ما هو إلا صورة للواقع، لكن ما خفي عنك أيضًا أنه هو من أكبر العوامل المؤثرة في تشكل الواقع ذاته.

الجنس في الأفلام

شملت إحدى الدراسات التي أجريت على 2000 مشارك، أن المراهقين الذين يتعرضون لمشاهد الجنس في التلفزيون هم أكثر عرضة للانخراط في ممارسات جنسية.

واستنادًا إلى أفلام هوليود المحظورة في حقبة الثمانينات، وجد الباحثون أن العلاقات الجنسية التي تم تصويرها بين غير المتزوجين إلى المتزوجين كانت 32-1، والأفلام العربية لا تخلو من مثل تلك التصويرات، ولاسيما أيضًا أن الشباب العربي متابع للسينما الهوليودية، ولم يعد الأمر يقتصر على الشباب فقط.

وقد آثارت بعض البيانات الديموغرافية بعض التكهنات، ففي الفترة ما بين الستينات والسبعينات، ارتفع معدل الاعتداءات الجنسية التي تم الإبلاغ عنها، في الوقت الذي كانت فيه المواد ذات المحتوى الجنسي الصريح متاحة أكثر من ذي قبل.

المخدرات في الأفلام

من أهم تطبيقات علم نفس الصحة هو الإقلاع عن التدخين والوقاية منه. يتم تقديم التدخين في الأفلام غالبًا في السياقات الأكثر سلبية عند الارتباط بالسلوك العدواني، أو التوتر، أو الغضب.

وفي الدراسة التي أجريت على مدار عامين وجدوا أن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين التاسعة والثانية عشر، الذين يتعرضون للأفلام من نوعية جميع الأعمار، وبعضها قد لا يكون مناسبًا للأطفال، يكونون أكثر ميلاً لتجريب التدخين عن الذين لا يتعرضون لذلك النوع من الأفلام. والمجتمع العربي حاليًا لايفرق بين الأفلام المخصصة للأطفال أو الكبار، فالصغير والكبير يجلس مكبلاً بالتلفاز يشاهد ما يتاح له من أفلام، سواء كانت للأطفال فقط أو لغيرهم.


الأيديولوجيا في الأفلام

تقوم الأيديولوجيا في الأفلام على دراسة أفلام حقب معينة؛ للتعرف على طريقة الفكر أو الثقافة التي كان يعيشها الأشخاص في تلك الفترة الزمنية، وأفضل مثال مشابهة للسينما العربية هو كتاب «من التبجيل للاغتصاب» لمولي هاسكلي، والذي يبين فيه صورة المرأة في الأفلام قديمًا وحديثًا، فالأفلام المصرية القديمة كانت المرأة تمثل فيه دورًا فعالاً؛ كأم، وزوجة، وابنة، كعضو فعال في بناء أسرة قويمة مبنية على الترابط، والحب، والسعادة.

أما الآن فشتان بين هذا وذاك، فلا تمثل المرأة فيه إلا أداة جنسية، ولن تجد أفلامًا تعرض في السينما الحالية وخالية من مثل تلك التشوهات التي ألمت بصورة المرأة في السينما العربية. أتلك هي الطريقة التي تريدها السينما المصرية؟


المشاهدون في الأفلام

سأتعرض هنا لأكبر ظاهرة تأثير للأفلام على السلوك استنادًا إلى وجود تناظرات بين الفيلم والواقع وهي ظاهرة المحاكي.

جسدت شخصية «عبده موته» الدور الذي قدمه الممثل «محمد رمضان» في الفيلم الذي يحمل نفس الاسم طريقة تفكير معظم الشباب المصري في تلك الفترة، وكثرت الأسلحة البيضاء والقتل العلني، وسجلت بعض الحالات لهذا التجسيد. فقد خرج إحدى الشباب من بيته بمحافظة الشرقية يحمل سلاحًا مرددًا (أنا عبده موته يا بشر)، ثم توجه إلى إحدى مقاهي الإنترنت طالبًا من صديق له أن يلتقط له صورة وهو يضع السلاح على رأس أحد الأطفال فخرجت رصاصة أردت طفلين في الحال.

ثمة عدد كبير لقوا حتفهم، أو تعرضوا لإصابات أثناء قيامهم بمحاكاة مشهد فيلم كرة القدم «البرنامج»، حيث يقومون بالاستلقاء في الحارة الوسطى من طريق مزدحم.

أما فيلم «صائد الغزلان» فقد تسبب فيما يزيد عن 30 واقعة محاكاة لمشهد الروليت الروسي.

في عام 1999 قام شابان إريك هاريس وديلان كليبولد بإطلاق النار في مدرسة كولمبين الثانوية، حيث سقط 13 شخصًا غارقون في دمائهم، وأصيب 21 آخرون، وقيل إن الحادثة أشبه إليها في فيلم «يوميات كرة السلة» بطولة «ليوناردو ديكابريو» حيث كان يخيل إليه أنه يقتحم مدرسته ويبدأ بإطلاق النار على المدرسين والطلبة، كما أنهم كانوا يرتدون معطفًا يشبه معطف «نيو» في فيلم «المصفوفة» وأحدث ذلك ضجة في ذلك الوقت، ورأى البعض أنهم كانوا لا يرون في الضحايا إلا مجرد أهداف.

أظهرت إحدى الدراسات أن ربع المراهقين المحبوسين الذين شملتهم الدراسة حاولوا ارتكاب جريمة محاكاة مرة واحدة على الأقل.

إن معظم مرتكبي جرائم المحاكاة واعون بتأثير الفيلم عليهم، فلو سألتهم لقالوا إن هذا الفيلم هو ملهمنا، وربما يكون مرتكبو هذه الجرائم يعانون من قصور ذهني، أو أخلاقي. ففي حالة هاريس وكليبولد، كانت ثمة عوامل مثل التنمر في المدرسة، والمشاكل النفسية، وإهمال الوالدين.

لذلك شئت أم أبيت فإن مشاهدة الأفلام، أو التلفزيون من الممكن أن يكون لها تأثير عليك، سواء كان إيجابيًا أو سلبيًا، ومقدار ذلك التأثير يتوقف على مدى تماهيك مع الشخصية، وانخراطك في الدور التي تؤديه. ولا أريد منك أن تعيش في طقس مازوخي، محاولًا فهم وتحليل الفيلم أثناء مشاهدته، شاهده لجماله واستمتع به، واختر الفيلم قبل مشاهدته، فأنا لا أتحدث هنا عن تلك الأفلام الهابطة، و كن واعيًا، وحاول أن تفصل بين ما يتم تجسيده في الأفلام، وما تقوم بفعله على أرض الواقع.


المراجع




  1. Violence in Children’s Television Programming: Assessing the Risks

  2. ‘The Program’ Turns 20, Along With Its Notorious Road Scene (Video)

  3. «جمال» حاول أن يقلد «عبده موتة».. مسك سلاحه وصرخ فى الشارع وقتل طفلين: «كنت عاوز أتصور على فيس بوك»

  4. Longitudinal Relations Between Children’s Exposure to TV Violence and Their Aggressive and Violent Behavior in Young Adulthood: 1977–1992
  5. The Psychological Effects of Media Violence on Children and Adolescents

  6. Sexuality, Contraception, and the Media

  7. Film Studies and the Philosophy of Science: Bordwellian Paradigms and Marxist Quarrels
  8. السينما وعلم النفس، سكيب داين يون