شاركها 0FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram 196 تبدو جاذبية الأدب أكثر ما تكون في القصص والحكايات الإنسانية التي يتقارب فيها الناس من بيئات ومجتمعات متباعدة. تختلف ثقافاتهم وتتباين لغاتهم ومعارفهم ولكنهم يلتقون جميعًا في مشاعر إنسانية موحدة، يبحثون عن الاستقرار والخلاص من مشكلات حياتهم المؤرقة، يفاجئهم الغدر والخيانة ويضيقون بها ذرعًا، ويجربون طرقًا مختلفة لتجاوز تلك المشكلات والعقبات والآلام ومواصلة حياتهم قدر ما استطاعوا بسلام. من بلغاريا تختار الروائية إيرينا بابنشيفا حكاية تبدو بسيطة وعادية، تمر بها الكثير من الأسر والبيوت. ثمة رجل قرر التخلي فجأة عن أسرته، ومنذ السطر الأول، ومن خلال الطفل «مارتن»، ندخل إلى عالمهم الخاص، ومن خلال ذلك الحدث المحوري الكبير حيث تركهم الأب، وحيث يحكي الطفل عن تلك المرأة الأخرى «مونيكا» التي احتلت عالمهم فقلبته رأسًا على عقب. تسير الرواية، التي اعتمدت فيها الكاتبة على تقنية المقاطع القصيرة، على مستويين سرديين. يأتي الأول في الوقت الراهن الذي يبدأ فيه البطل الطفل «مارتن» ووالدته محاولة تجاوز تلك المشكلة/الصدمة، وفي المستوى الثاني يعود في لقطات موجزة إلى الماضي لنتعرف على حياتهم السابقة، حيث علاقة الوالدين ببعضهما، وعلاقة مونيكا بالأم وغيرها من علاقات وأحداث أدت بهم في النهاية إلى هذه النتيجة. هناك أمرٌ وحيدٌ نتعلمه على الأقل بمرور السنين، ألا نكون عبيدًا للعواطف. أن نوقف أنفسنا. أن نتمالك أنفسنا. لأن اللوعة سوف تنجم عن سعادتنا الليلة، وستقيم وقتًا أطول. هذا ما أعرفه. هذا على الأقل ما تعلمته.. لهذا السبب سأتوقف عند المدخل وأعانقكِ وألاطف شعرك الناعم والمرفرف. لكن فقط لفترةٍ وجيزة جدًا، لأقطع الطريق على أي غواية، ثم سأحمل الفتى إلى بيتك. وأتمنى ليلة سعيدة، ياعزيزتي، يا حبي غير المتحقق، ليال سعيدة كثيرة وأيام سعيدة كثيرة وحياة سعيدة، لأنكِ جميلة جدًا، هل تعرفين حقًا كم أنتِ جميلة. — من رواية «ريشة طائر البجع» لعل أكثر ما يميّز هذه الرواية بعد ذلك هو فكرة تداخل تعدد الأصوات الحر الذي عمدت إليه الكاتبة. لم يكن ذلك في أصوات أبطال الرواية الرئيسيين فحسب، بل ربما جاءت البراعة فعلاً في استنطاق عدد من أبطال الرواية الثانويين، والذي ساهم حضورهم في توضيح وجهة نظر كل شخصية فيما دار من أحداث من جهة، كما ساهم في توسيع رؤية المشهد الروائي حينما تنتقل إلى أكثر من فئة ربما لم تكن أحداث الرواية لتمنحهم تلك الفرصة الاستثنائية للتعبير عن أنفسهم ببساطة وصدق. جاء اختيار الكاتبة للطفل أن يكون بطلاً رئيسًا للعمل وعينًا على الأحداث اختيارًا موفقًا، حيث يتعاطف القارئ مباشرة مع موقف ذلك الطفل المسكين، واستطاعت من جهةٍ أخرى أن تعبّر عن التغيرات التي يمر بها في حياته، ومحاولته المقارنة بين ما يراه من مواقف وأحداث وما يقوم به، وكيف بدأ يستكشف علاقات الحب من حوله، وكيف سعى وهو الطفل الصغير لكي لا يظلم من أحبها وأحبته في نهاية المطاف. إننا نتغيّر مع الوقت، وتتغير علاقتنا مع الآخر أيضًا. كذلك ربما تقودنا مجموعة من الرغبات والقرارات في البداية، لكن، يمكن أن تكون مختلفة تمامًا فيما بعد في الحياة. كما كان حالي عندما كنت متزوجة. أحببت زوجي وقضينا بعض السنوات الجيدة، لكن بعدها جاء زمنٌ لم أستطع الاستمرار معه مزيدًا من الوقت. وتركته، والآن التقيت والدك. ومع ذلك لم أرغب، وليشهد عليَّ الله، لم أرغب بأن يحدث بهذه الطريقة، شعرنا بشيءٍ مختلفٍ ومميز، أمر جعلنا راغبين أن نكون معًا. جعلنا غير قادرين على ألا نكون معًا. — من رواية «ريشة طائر البجع» لعله من التقنيات المستخدمة في الرواية أيضًا إثارة فضول القارئ، فحتى منتصف الرواية، ورغم أن الأحداث تتلاحق وتتعاقب فإن القارئ لن يكون قد تعرف على سر تسمية الرواية وعلاقتها «بطائر البجع» وعلاقة بطل الرواية بتلك الريشة، حتى يأتي مشهد رؤية البجع على البحيرة، وكيف ستتغيّر علاقته بالبجع بعد أن يهديه صديق خاله تلك الريشة التي ستبقى معه حتى النهاية. لم تقتصر الكاتبة على حكاية روايتها الأساسية، بل استطاعت من خلال تكثيف المواقف والمشاهد والأحداث أن تعكس صورةً واقعية شاملة للمجتمع البلغاري البسيط، وصراعاته الإنسانية بين مشاعر الحب والصداقة والخيانة من جهة، ومحاولات البعض الحصول على حقوقهم في حياتهم التي يرونها تسلب منهم، تمثل ذلك في الموقف من «بركة الطين»، وقد أجادت الكاتبة التعبير عن هذا المجتمع بفئاته المختلفة، وكيف يمكن في النهاية من خلال السعي الجاد والتعاون فيما بينهم تحقيق ما كانوا يرونه مستحيلاً. تجدر الإشارة إلى أن ترجمة النص عن الإنجليزية التي قدمتها أماني لازار جاءت موفقة ومناسبة للقارئ العربي إلى حدٍ بعيد، بل استطاعت أن تصل بالرواية إلى مستوى من الشاعرية لا سيما فيما يتعلق بمشاهد الحب والحوارات بين الأبطال التي ستبقى في الأذهان طويلاً. إيرينا بابنشيفا روائية بلغارية ولدت في مدينة بورغاس عام 1975، حاصلة على الماجستير في الدراسات السلافية، وتخصصت في اللغة التشيكية والأدب. صدر لها كتاب «أنا أتلعثم» للأطفال عام 2005، وحصلت روايتها «شبه عاطفي» على ترشيح الجمهور في مسابقة ربيع الجنوب الأدبية الوطنية البلغارية عام 2008. قد يعجبك أيضاً هكذا تميزت فرقة «إسكندريلا» عن غيرها من فرق الأندرجراوند فيلم «Uncut Gems»: هل سمعت أكاديمية الأوسكار عن السينما؟ «شلّاط تونس»: حكايات عن أجساد النساء ويجز: صوت جيل جديد يواجه ضغط الرقابة والأهالي شاركها 0 FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram إبراهيم عادل Follow Author المقالة السابقة فينس جيليجان: رجل الواقع بعيون الديستوبيا المقالة التالية فيلم «Midsommar»: كيف يصير الانفصال العاطفي بهذا الرعب قد تعجبك أيضاً احفظ الموضوع في قائمتك «شادية»: مراحل اكتمال القمر في سماء الطرب والسينما 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك «حلم الجنوبي»: أين اختفت سينمات الصعيد؟ 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك فيلم «Judas and the Black Messiah»: إرهاب منظومة العدل الأمريكية 05/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك 8 من أفضل أفلام الأنمي تتخطى آفاق الخيال 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك «صيف تجريبي»: السينما المستقلة في مواجهة الدولة 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك فيلم The Ballad of Buster Scruggs: ست حكايات تتأمل الوجود 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك غادة عبد العال: أنا وعلا عبد الصبور قد تغيرنا 05/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك أدب الصحراء: 10 روايات عربية عن الأمان في عالم الوحشة 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك فيلم «The Lighthouse»: الانتصار لجماليات الأسطورة 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك هؤلاء «الكتّاب» يقدمون لكم دراما رمضان 2018 03/03/2023 اترك تعليقًا إلغاء الرد احفظ اسمي، البريد الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح للمرة القادمة التي سأعلق فيها.