عمار الجلداوي

من عادة السعوديين، أن يتهموا طهران بالسعي لامتلاك الأسلحة النووية، لكن العام 2003 شهد استثناء عن هذه القاعدة حين صرحت مصادر إيرانية بأن معلومات استخباراتية أفادت بأن السعودية قد قررت اختصار الطريق إلى السلاح النووي فقررت شراءه بدلا من تصنيعه. حيث اتهم مسئول إيراني الرياض بعقد صفقة سرية مع باكستان -العضو الجديد في النادي النووي آنذاك- لتزويدها بتقنيات نووية تعينها علي الوقوف في وجه التهديد الإيراني النووي المحتمل.

بالطبع رفضت الرياض الموقعة علي اتفاقية حظر الانتشار النووية تلك الاتهامات جملة وتفصيلا. واعتبرته الخارجية الباكستانية مختلقا. لكن الأكيد أن الهواجس الإيرانية لم تأت من الفراغ تماما, وأن الإيرانيين لم يكونوا الوحيدين الذين يرقبون العلاقات الوثيقة بين البلدين بكثير من الشك والريبة. فتقارير استخباراتية إسرائيلية وغربية أشارت كذلك إلي ما تخوف منه الإيرانيون. فالعلاقات بين البلدين هي علاقات خاصة جدا أكثر من كونها مجرد دبلوماسية روتينية بين بلدين إسلاميين كبيرين.

الأصول التاريخية للعلاقات السعودية – الباكستانية

ترجع أصول العلاقات بين البلدين إلي بدايات تكوين الدولة السعودية، حيث لعب الباكستانيون دورا في تأسيس سلاح الجو الملكي السعودي وتدريب طياريه. وتوطدت العلاقات بين البلدين رغم تعاقب الحكومات في إسلام آباد. فوقعت اتفاقية للشراكة الاستراتيجية في عهد الجنرال ضياء الحق, ثم جددت في عهد الجنرال برويز مشرف. وقد ساهم الباكستانيون دوما في الدفاع عن الممكلة في أوقات التوتر. فخلال السبعينيات والثمانينيات -تخللتها فترة قيام الجمهورية الإسلامية في إيران- استقبلت المملكة العربية السعودية نحو خمسة عشر ألف جندي باكستاني. كما وظف السعوديون الآلاف من الجنود الباكستانيين إبان حرب الخليج في بداية التسعينيات. وتستعين المملكة بالمئات من العناصر الباكستانية للمساعدة في تدريب وحدات الجيش السعودي.

السعودية كذلك استثمرت في السلاح النووي الباكستاني, حيث يعتقد علي نطاق واسع أنها مولت أبحاث عبد القدير خان النووية أواخر التسعينات, وزار وزير الدفاع آنذاك الأمير سلطان بن عبد العزيز أحد معامل تخصيب اليورانيوم في كاهوتا، وبعدها بأشهر زار العالم النووي عبد القادر خان الرياض. كما تعهدت المملكة بمساعدات مالية ونفطية تعين إسلام آباد علي تجاوز تأثير العقوبات الاقتصادية الغربية عقب اختبارتها النووية. ومع كل زيارة من مسئولين سعوديين إلى باكستان أو العكس، تثور التكهنات والتقارير الغربية حول إمكانية أن تستغل السعودية السلاح النووي الباكستاني في توفير مظلة نووية ضد أي تهديد إيراني محتمل، رغم نفي السعوديين والباكستانيين للأمر مؤكدين أن السلاح الباكستاني النووي هو لأغراض دفاعية.|

كذلك ساعد التنسيق السعودي–الباكستاني على نجاح الجهاد الأفغاني في دحر الغزو السوفيتي، وكانت البلدان إضافة إلى الإمارات، هي الدول الوحيدة التي اعترفت بنظام حكم طالبان قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وشاركت الدولتان في الحرب التي قادتها الولايات المتحدة على “الإرهاب”، وحظيتا بعلاقات استخباراتية وثيقة في هذا الإطار.

المزيد من التقارب .. وإيران السبب

وفي بداية العام 2014، شهدت العاصمة الباكستانية زيارات متتالية لمسئولين سعوديين كللت بزيارة لولي العهد الأمير سلمان -الملك الحالي- شهدت تجديدا لاتفاقية التعاون الاستراتيجي بين البلدين. وقيل أن الرياض طلبت 30 ألف جندي ومدرب باكستاني لمواجهة النفوذ الإيراني المتزايد سيما بعد اعلان الاتفاق المبدئي بين إيران والولايات المتحدة، وتراجع ثقة المسئولين في الرياض في إمكانية الاعتماد علي واشنطن كحائط صد ضدها.

تبدو باكستان حليفا مثاليا للرياض، إذ يتشارك البلدان الخوف من التغلغل الفارسي؛ فكلاهما لديه طائفة شيعية كبيرة يخشى أن تستغلها إيران في إثارة القلاقل – نحو ثلث الجيش الباكستاني من الشيعة.

وفي الوقت نفسه، تفضل السعودية باكستان على تركيا. فتركيا -البلد السني الأكبر في المنطقة- أقل حماسة في مكافحة التنظيمات الإسلامية، وكانت إلي وقت قريب وسيطا بين الإيرانيين والغرب ومعارضا لفرض عقوبات عليها. و هي أيضا غير متحمسة بالفطرة لإرسال مقاتليها إلى خارج الحدود. كما أن الرياض تخشي من أن تنازعها أنقرة زعامة العالم السني, و مواطن نفوذها في العالم العربي، سيما مع اختلافات وجهات نظر البلدين في ملفات عدة أبرزها المسألتين المصرية والليبية.

كما تحظي المملكة بعلاقات وثيقة مع رئيس الوزراء الباكستاني الحالي نواز شريف؛ إذ استضافته بعد أن أطاح به انقلاب برويز مشرف، وظل بها إلى أن عاد إلي البلاد عقب الإطاحة بالأخير.

تشكل العلاقات الوثيقة بين الرياض واسلام آباد أحد مواطن الاتفاق القليلة بين نواز شريف وقادة الجيش الباكستاني؛ تلك العلاقات التي تشمل نواحي الدفاع والاقتصاد والسياسة. لذلك لم يكن مستغربا أن تكون إسلام آباد من أوائل الدول التي أعلنت تأييدها لعملية “عاصفة الحزم” ضد مواقع الحوثيين -المدعومين إيرانيا- داخل اليمن، وإعلان باكستان أن أي تهديد تتعرض له الأراضي السعودية سيواجه بكل قوة من جانب باكستان.

ختاما

ليس معروفا إلى أي مدى يمكن أن تنخرط إسلام آباد في معركة كهذه, سيما مع تخوفها الدائم من معارك مرتقبة مع عدوها الخارجي اللدود “الهند”, وصراعاتها المستمرة مع أعدائها في الداخل “طالبان باكستان”، ومع وضع سياسي هش، يبقي الجيش أحد أطرافه ولو من وراء الستار. لكن المؤكد أنه وفي إطار سعي السعوديون إلى تأسيس حلف “سني” على قاعدة مواجهة خطر إيران “الشيعي”، فالسعودية لا يمكنها بحال أن تهمل الدور الباكستاني وتأثيره المحتمل في معركة كهذه.


اقرأ أيضا:


كيف نفهم حرب اليمن؟ (2) تطورات الثورة اليمنية.. كيف وصلنا للمشهد الحالي؟


كيف نفهم حرب اليمن؟ (3) ما قبل “عاصفة الحزم”.. الصراع الايراني – السعودي في اليمن (مترجم)


كيف نفهم حرب اليمن؟ (4) عاصفة الحزم.. ضربة استراتيجية في اللحظة الفارقة)


كيف نفهم حرب اليمن؟ (5) كيف تمدد الحوثيون من “صعدة” إلى “عدن”؟ (1/ 3)