هناك قصة لطيفة تناولها فيلم رسوم متحركة تحت عنوان

الأقدام المرحة

، تحكي القصة عن بطريق لا يستطيع الغناء على عكس عشيرته بالكامل، ولأن تقاليد طيور البطريق تقتضي أن يعبر كل طائر عن حبه بالغناء أصبح هذا البطريق وحيدًا، بل إن الجميع اعتقد أنه فأل سيئ عليهم.

لكن هذا البطريق كان يملك موهبة أخرى غير الغناء، كان يستطيع الرقص. لم يتفهم أحد تلك الموهبة وتوقعوا له الفشل أينما رحل، لكنه على العكس آمن بموهبته وقرر الرحيل عن عشيرته ونجح وأصبح الأفضل، كل هذا كان بفضل أقدامه المرحة.

بعيدًا عن الثلج والبطاريق، هناك في مدينة إينوجو النيجيرية يولد المرء كي يعمل في المناجم، وكعادة الأطفال الفقراء لا ملجأ للترفيه إلا كرة القدم. من حق كل طفل أن يطمح في ترك المنجم خلف ظهره واحتراف كرة القدم، لكن هل تجيد الغناء كباقي اللاعبين؟ عذرًا، أقصد الركض.

حسنًا دعنا نربط خيوط القصتين حتى تصبح الأمور أوضح، في مدينة إينوجو ولد أوجستين وحلم أن يكون لاعبًا لكرة القدم، لكنه لم يكن فارع الطول قوي البنية مثل لاعبي الكرة في نيجيريا، نعم كانت تلك هي مواصفات اللاعب الأفريقي الناجح، ولم يكن أوجستين كذلك.

لكنه كان يجيد الرقص بالكرة عوضًا عن الركض خلفها، كان أوجستين يلعب كرة قدم مثل اللاتينيين، كان يبدو شديد الاختلاف عن النمط الذي أُعِدَّ سلفًا للاعب كرة القدم الأفريقي. لم يصبح وحيدًا، مثل البطريق في القصة، لكنه لم يطمح في أكثر من اللعب لنادٍ محلي.

ما يملكه أوجستين لا يبحث عنه الأوروبيون في أفريقيا، فماذا حدث حتى أصبح أوجستين الساحر جاي جاي أوكوشا؟ تلك هي القصة التي نتحدث عنها.

العجوز ميلا يخبرك أن ترحل

أصبح أوكوشا لاعبًا في صفوف رينجرز عام 1990، خلال نفس العام كانت أفريقيا تسطر تاريخًا جديدًا في كرة القدم. استطاعت الكاميرون

أن تبهر العالم

خلال كأس العالم 90 محققة نتائج مفاجئة.

وصلت الكاميرون إلى ربع نهائي البطولة، وكانت على بعد شوط إضافي وحيد من بلوغ النهائي، لكن الأهم أنها قدمت اللاعب الأفريقي في شكل جديد للعالم، لاعبًا متكاملًا يلعب كرة قدم جماعية ويستطيع المراوغة، ويملك وعيًا تكتيكيًّا، لا مجرد جسد فارع يركض ويلتحم.

كانت تلك هي الرسالة التي يحتاجها أوكوشا تحديدًا، وكأن الأسد الكاميروني العجوز روجيه ميلا ارتدى حلة حكيم القرية وأتى هامسًا في أذن أوكوشا قائلًا له: إننا لسنا نمطًا ثابتًا، نحن نستطيع أن نلعب الكرة بكل فنونها، وإذا كان هناك رجل قادر على إثبات ذلك، فهو أنت دون شك.

لم يخطط جاي جاي – كما أسماه أخوه الأكبر – للأمر، بل ذهب لزيارة صديقه الذي يلعب في دوري الدرجة الثالثة الألماني في إجازة صيفية، استطاع صديقه أن يؤمِّن له حصة تدريبية، وبالطبع بعد دقائق معدودة كان الجميع منبهرًا، منذ لك اليوم لم يعد أوكوشا إلى نيجيريا أبدًا.

كان أوكوشا في عامه السابع عشر، مراهقًا ذهب به الحكيم ميلا إلى أوروبا، فحط الرحال في أراضي الألمان، لكن لم يخبره أحد أنه سيكون وحيدًا في الثلج من أجل كرة القدم.

تلك كانت ميزة أخرى كونه أفريقي المنشأ، فكر جاي جاي قليلًا في نيجيريا حيث الفقر والمعاناة والمناجم، وأدرك سريعًا أن مسألة البرد تلك لن تعود به إلى هناك.


بعد عامين

رفقة فريق بوروسيا نوينكيرشن في الدرجة الثالثة انتقل أوكوشا إلى فريق فرانكفورت لينثر سحره الخاص على أراضي البوندسليجا.

يكفي فقط أن ترمي باسم أوكوشا في خانة بحث اليوتيوب لتشاهد ما فعله بأوليفر كان قبل أن يسجل واحدًا من أجمل أهداف كرة القدم، أو الهدف الأكثر إثارة في تاريخ كرة القدم الألمانية كما وصفه يورجن كلوب في مقابلة من خلال كتاب صُنع في أفريقيا.


أعلن أوكوشا نفسه الساحر الأفريقي صاحب المهارات الاستثنائية أمام الجميع. كان الرجل يستمتع ويمتع الجميع دون حساب لتفاصيل كرة القدم المعقدة، وكأنه برازيلي المنشأ لا يعبأ بكرة أوروبا، كثرت المشاكل بين فرانكفورت وأوكوشا بسبب الاتهامات بالإهمال في الحصص التدريبية، هبط فرانكفورت للدرجة الثانية وقرر أوكوشا الرحيل نحو رحلة جديدة.

صاحب الحذاء الأحمر في الأراضي التركية

قرر أوكوشا الرحيل نحو فناربخشة التركي. يقولون في تركيا إن من فرط جودة النيجيري ينطق اسمه مرتين جاي جاي، كان أوكوشا ملك تركيا دون شك، لاعبًا مهاريًّا يرتدي حذاءً أحمر دون غيره ويهين دفاعات الخصوم دون رحمة، كان مثاليًّا للدوري التركي الذي لا يتطلب مجهودًا وفيرًا، وفي المقابل يمتلئ بالجماهير الشغوفة بالمهارات.

لكن الأمر لم يخلُ من بعض الأزمات.

حاول صحفيان

أن يلتقطا له صورة مع خطيبته دون إذنه، أمسك النيجيري بكاميرا الصحفيين قبل لكم أحدهما في وجهه، بعد التهديد بإجراءات قانونية، مُحِيت هذه القضية بعد أن اعتذر اللاعب للصحفيين.


فشل فناربخشة في الحفاظ على لقبه خلال موسم أوكوشا الأول رغم قدراته الإبداعية المضافة للفريق، ولم ينجح أيضًا في تحقيق اللقب خلال العام التالي الذي شهد انتقال جاي جاي إلى باريس سان جيرمان كأغلى صفقة للاعب أفريقي حينئذٍ.

لكن لا أحد ينسى أوكوشا في تركيا، بل إنه إلى الآن تتحدث جماهير فناربخشة بأن مسألة بيعه كانت خطأً تاريخيًّا للنادي.

الصفقة الأغلى، فليثبت ذلك

أصبح أوكوشا محط أنظار العالم في باريس دون شك. قد يفكر البعض أن صفقة انتقال لاعب من الدوري التركي للدوري الفرنسي لا تمثل قيمة لجماهير العالم، لكن أوكوشا كان في عامه الخامس والعشرين فقط، وينتظر الجميع خطوته المقبلة بعد تألقه المنتظر رفقة الفريق الباريسي، وهو ما لم يحدث أبدًا.

وُضِع على جاي جاي الكثير من الضغط لأنه كلما لعب مع سان جيرمان أو عاد إلى الوطن ليلعب مع نيجيريا كان يقال له أنت أغلى لاعب أفريقي على الإطلاق، نريد منك أن تثبت ذلك على أرض الملعب.

قدم جاي جاي خلال لعبه لباريس خدمة جليلة لكرة القدم، ربما هي الأهم في مسيرته، كان الراعي الرسمي والأول والأهم للبرازيلي رونالدينيو في فريق باريس سان جيرمان، حتى إنه علمه بعض مراوغاته في كرة القدم، ربما لا تصدق لكنك ببعض من التدقيق قد تجد التشابه بين اللاعبين كبيرًا فيما يتعلق بطرق المراوغة.


هذا المزيج من النشوة التي شعر بها أوكوشا كونه أصبح لاعبًا مهمًّا وسقف التوقعات بالغ العلو الذي ارتفع فوق رأسه، مثَّل عائقًا في مسيرته لم يستطع أن يتعامل معه خلال فترته في باريس، هذا العائق أزاله السيد سام ألارديس في إنجلترا.

بولتون وأوكوشا الأيقونة

قرر سام ألارديس المدرب الإنجليزي المخضرم أن يأتي بأوكوشا إلى فريق بولتون، تزامن هذا مع رغبة باريس في التخلص من النيجيري لارتفاع راتبه، مثَّل ذلك خيبة أمل كبيرة لمشجعي أوكوشا ومتابعيه. توقع الجميع انتقالًا أكبر، لكن بولتون لم يكن في حسبان أحد.

لكن السر في أن بولتون أصبح واحدًا من أهم فرق إنجلترا آنذاك كان في اسم السيد سام دون شك. استطاع سام أن يكوِّن فريقًا جديدًا عوضًا عن فريق يعاني من الهبوط، أصبح بولتون أوكوشا وسام فريقًا ينافس في البطولات الأوروبية.


كان أوكوشا رمزًا مهمًّا في الدوري الإنجليزي حقبة ما بعد عام 2000، كانت مراوغاته وتمريراته وأهدافه الفنية تقدم شكلًا محببًا للجماهير دون شك، اكتسب أوكوشا شعبية كبيرة في الدوري الإنجليزي الذي أصبح خلال تلك الفترة الأكثر شعبية في العالم أجمع.

انتهت مسيرة أوكوشا، لكنه قدم نموذجًا لم يتكرر أبدًا، أثبت للجميع أن البطريق الذي يرقص أمتع كثيرًا من هؤلاء الذين يجيدون الغناء.