التاريخ يعيد نفسه مرتين، مرة كمأساة ومرة كمهزلة.





كارل ماركس

ربما لو عاش ماركس حتى مأساة ملعب الأوليمبيكو في أبريل/ نيسان 2018، حين ذُلَّ الكتلان وخسروا أفضلية نتيجة الذهاب وودعوا دوري الأبطال بهزيمة مروعة على أيدي روما، ربما كان ماركس سيعي أن المهزلة التاريخية يمكن أن تتجسد في المرة الأولى.

يقولون إن التقييم الموضوعي للمعارك يحتاج إلى وقت، إلى أن ينقشع غبار المعركة، وتبرأ جراح المصابين، ويجف عرق المقاتلين، وتزول مرارة الهزيمة من الحلوق. لكن في حالتنا التي نحن بصدد الحديث عنها، فلا الجراح ستبرأ ولا الغبار سينقشع، ولا مرارة الهزيمة الذليلة ستزول.

إننا هنا نتحدث عن مشهد سيخلد في تاريخ الكرة الأوروبية، مكللًا برشلونة بعار تلقي الصفعة الأكثر إذلالًا عبر تاريخ المسابقات الأوروبية، عار قائم بذاته حتى لو لم يأتِ في الموسم التالي مباشرة لفضيحة الأوليمبيكو. إننا بصدد فريق جبار انحدر حتى صار أضحوكة، يلهو بها ألكسندر أرنولد وجامع الكرات في ملعب الأنفيلد.

ليفربول، دون اثنين من أفضل أربعة لاعبين في موسمه كله، ودون نابي كيتا، يسحق برشلونة ويفككه بلا عناء، ويقلب هزيمة بثلاثية نظيفة إلى انتصار برباعية تاريخية. تكتمل أبعاد المشهد حين تعلم أن الكتلان قد حلوا على الأنفيلد رفقة أعظم من مارس اللعبة على الإطلاق، ليو ميسي، هنا يصبح المشهد جريمة نكراء تضاهي في سوئها ضرب اليابان بالسلاح النووي بعد استسلامها!


هل يكمن الشيطان في التفاصيل حقًّا؟

عبر 180 دقيقة، تفوق ليفربول طولًا وعرضًا، قهر البارسا على مستوى حيازة الكرة والضغط وصناعة الفرص في الكامب نو قبل أن تؤتي جسارتهم ثمارها في أنفيلد. لعب الكتلان بشكل سيئ، هذا ليس جديدًا، برشلونة تحت قيادة البيروقراطي الجبان إرنيستو فالفيردي لم يلعب جيدًا أبدًا. والجودة بالنسبة للكتلان هي أمر محدد جدًّا، يبدأ بالاستحواذ على الكرة، وخلق الفرص والسرعة في الافتكاك. يا إلهي، لقد فشلنا في كل هذا، حتى إن الأمر قد يلتبس علينا كثيرًا، هل ما زلنا قادرين على الاستحواذ، أم أن الأمر محصور في خيارات مدرب؟ هل هو مدرب بالأساس أم موظف لتسيير الأمور أدار البارسا عبر موسمين بأسوأ شكل ممكن؟!

إن خيارات الرجل وتفضيلاته تعطينا تصورات واضحة جدًّا. وقرار إبقاء أرثور على مقاعد البدلاء يشرح كيف أن السيد إرنيستو فالفيردي قد أراد منذ البدء التخلي عن الاستحواذ، لأن قرار عدم إشراك أكثر لاعبيك قدرة على التعامل تحت الضغط، والدفع بمتوسط ميدان بدني هو قرار مدروس تمامًا، ولو أن البارسا لديه نسخة أخرى من فيدال أو من رجل كرواتيا «المريض»، لأُحيل بوسكيتس إلى الاستيداع ودفع فالفيردي بمتوسط ميدان لا يفهم سوى الركل والسحل وإنتاج لقطات مثيرة للازدراء كاللقطة التالية.

من مباراة الإياب بين برشلونة وليفربول بدوري أبطال أوروبا

داخل التحديد في الصورة المرفقة أعلاه راكيتيتش والكرة في حيازته، إلى يمينه مساحة شاسعة وميسي على دائرة المنتصف بلا رقابة، بدلًا من التمرير له يختار التمرير لألبا المجاور له والمضغوط من لاعبي الليفر لترتد الكرة ويحرز الليفر.

تغاضى الكل عن سلسلة الأداءات المزرية أمام ريال مدريد؛ لأن النتائج كانت تخدم رغبة الجمهور في إذلال الخصم، لكن أحدًا لم ينتبه إلى أن هذا الخصم قد اعتاد (في الحقبة الأخيرة بالأخص) «الذل» من برشلونة أداءً ونتيجة، وأن شيئًا أساسيًّا مفقودًا في البارسا الحالي؛ أن هذا البارسا لم يعد قادرًا على فرض نسقه في المباريات، بل أصبح خاضعًا للخصم والرتم الذي يفرضه. سواء كان هذا الخصم هو بيتيس كيكي سيتين، أو روما دي فرانشيسكو، أو ليفربول يورجن كلوب.

هل تعتبر تلك اللقطة ضمن التفاصيل؟ لا، إنها صلب استراتيجية فالفيردي، الاستراتيجية التي تفضل اللعب بمتوسط ميدان مسطح لا يستطيع تدوير الكرة لانعدام مثلثات التمرير، واستراتيجية الرجل هي قبول اللعب، تلك الاستراتيجية التي قرر جزء من جمهور برشلونة تمريرها والتغاضي عنها لأن النتائج كانت مرضية، حتى كارثة ككارثة الأوليمبيكو، أن يخضع الكتلان لروما ويفشلوا في الحفاظ على أفضلية الذهاب، ناهيك عن تعزيز النتيجة، كل هذا تغاضت عنه الجماهير.

لم يعد برشلونة The Master Of Spaces، تلك السيادة التي اكتسبها الفريق عبر سنوات، بذل بيب في ترسيخها جهدًا ضخمًا. كيف تتحكم في الفراغات، وكيف تخلقها وتستغلها، لم يعد هذا موضع الدرس لأننا انتهينا في 2019 إلى نظرية فالفيردي، وهي أنني لا أحتاج الى تلك المفاهيم المعقدة طالما توفرت لديَّ آلات جري عملاقة كباولينهو، كفيدال والدمية الكرواتية الخربة.

ماذا تلدين الآن، طفلًا … أم جريمة؟

أم تنوحين على بوابة القدس القديمة؟





أمل دنقل

لم يعد نموذج بيب صالحًا، نحن نلعب في إطار المتاح. سيقولها المدافع عن فالفيردي وراكيتيتش وهو يبكي بعد أن تضعه أمام حقيقة مؤسفة، وهي أن قطاعًا عريضًا من جمهور برشلونة قد انجرف في تيار تمجيد النتائج، والنزعة البرجماتية، وطالما بدأنا في تمجيد النتائج فلا بد للكليشيهات المعتادة من الظهور.

إن حديث الإمكانيات لا يمكن التعلل به في فريق أنفق ما يقارب نصف مليار يورو في موسمين، حجة الإمكانيات البائسة تلك لا تصلح للبارسا، ناهيك عن عدم صلاحيتها في أي مكان آخر. فمن يريد أن يلعب كرة قدم حقيقية سيلعب، حتى لو لم يمتلك بين صفوفه أعظم لاعبي التاريخ. لذا فالأمر مرتبط أساسًا بقناعات فالفيردي، وهي قناعات مغايرة لكل ما جعل هذا النادي عظيمًا.

لقد بدا الأمر غريبًا، البارسا الذي يزلزل ملاعب أوروبا أينما ارتحل يدخل الأولد ترافورد بشكوك ومخاوف، بعد موسم من الفضيحة في الأوليمبيكو، وما سبقه من الدمار في تورينو وحديقة الأمراء. فيما مضى من الأيام كان البارسا يحل كابوسًا على تلك الملاعب، وفي حضوره كان الخصوم يرتعدون وكأنهم هم من يلعبون خارج الديار، لكن الآن على ساندرو روسيل أن يشعر بالفخر بعد أن خرج من السجن!

لا بد أن يشعر فعلًا بالفخر، فثمار عمله، وعمل تلميذه بارتوميو قد أينعت وتم قطافها، وها هي تسعة أعوام من معاداة الكرويفية – نسبة لكرويف – قد قلبت الأمور رأسًا على عقب، وأصبح البارسا بحاجة إلى دستة أهداف على أرضه كي يدخل الإياب بشيء من الطمأنينة! وبالتالي فلا حاجة بنا لتحميل ديمبلي أكبر من ذنبه، فلو سجلنا الرابع لتلقينا خمسة في الأنفيلد، ولكان الأمر قد أصبح أكثر بشاعة.


الثعالب لا تحرس حقل الكروم

الفوضى عارمة، يبدو أن إقليم كتالونيا يغلي كمرجل، الكثير من الرءوس مطلوبة، حتى البولجا الذي أبقى تلك السفينة المهلهلة متماسكة، الرجل الذي جرَّ جثة فريق حتى سيمي فاينال الأبطال، هذا الرجل لم يسلم من الأذى، وهي ظاهرة تستحق التأمل. قطاع من الجمهور، تخلى بمحض إرادته عن الإيمان بفلسفة النادي، وسار في موكب تهليل لفالفيردي الذي ينتصر، ثم حين تنكشف الخدعة ويظهر للجميع أن انتصارات فالفيردي ليست انتصاراته حقًّا، وأنه إن لم يهب ميسي لإنقاذه في كل مرة يبدو هذا الفالفيردي كالطفل الذي يبول في سرواله، فتهب هذه الجماهير لتطالب برأس ميسي؛ أنقذه في تسع مرات فقط من عشرة؟! حقًّا «متخاذل».

إن النظر للأمور بالقطعة سوف يسقطنا في فخاخ من التناقضات، والنظر لمسيرة بارسا فالفيردي من منظار مباراة الأنفيلد ليس واقعيًّا، إنهما موسمان من الانهيار المتسارع الذي تجسد في ذروتين، الأوليمبيكو والأنفيلد، لكن هاتين الذروتين لهما سياق، إنه خيانة إرث البارسا الذي جلب له أول لقب أوروبي في 1992، والذي فرض السيادة الكتالونية بدءًا من 2009 وما تلاها.


من يجفف المستنقع؟ وكيف؟

دوري أبطال أوروبا، برشلونة، ليفربول، رياضة، كرة القدم العالمية

دوري أبطال أوروبا، برشلونة، ليفربول، رياضة، كرة القدم العالمية

إن التأكيد على ضرورة رحيل فالفيردي هي مأساة في حد ذاتها، وهي مأساة لأنه حتى كتابة هذه السطور لم تصدر عن النادي بيانات تفيد بأنه تم التخلص من هذا «الكانسر»، كل ما يأتي هو مجرد تكهنات، لماذا؟ لأن فالفيردي هو البروفايل الذي اختارته الإدارة، وهي ترى – كما تنص كل تصريحات بارتوميو – على أن فالفيردي يحترم فلسفة النادي وإرثه، وبالتالي فإما بارتوميو يخدعنا أو أنه لا يفقه شيئًا عن هذا النادي وتاريخه، وفي كلتا الحالتين نحن بصدد كارثة تجعل كارثة الأنفيلد أشد وطأة لأننا قد نجد أنفسنا بصدد حماقة جديدة، تصدر من إدارة مسلطة بشكل مباشر ضد هذا النادي وضد كل ما كان يمثله!

إن الحل الجذري هو إسقاط إدارة بارتوميو، واستعادة نهج اللابورتية – خوان لابورتا – وبالطبع تفكيك كل إرث عصابة روسيل المتمثل في فالفيردي ودميته الكرواتية. ورد الاعتبار للاماسيا التي لم تخذل النادي إلى أن خذلها. هذا حل المدى الطويل، أما المدى القصير الذي هو في أيدي هذه الإدارة فلن يخرج عن مزيد من التعاقدات، مع التضحية بكوتينهو، وجلب أحد الأسماء اللامعة بجانب دي يونج. إننا بحاجة إلى رأس حربة، ولاعب طرف مميز كساني أو مارسيال.

لكن كل ذلك سوف يتوقف على المدرب القادم الذي سوف تواجهه معضلة، هي أنه لا بد من تجميد سواريز؛ لأن الفريق لن يستطيع العودة لمنظومة الضغط العالي في وجود كل من ميسي وسواريز؛ لأنهما لم يعودا قادرين بدنيًّا على الضغط كما كان. وبما أنه ميسي، فإن سواريز يجب أن يُنحَّى، وتتنحى معه رباعية الوسط الخطية، ويخرج سيرحي روبيرتو من خانة الظهير. باختصار، سيعمل المدرب القادم في أرض محروقة، وسيكون عليه استعادة شخصية الفريق وإعادة تركيبه من الداخل. لكن إذا جلبوا لنا مورينهو أو أيًّا من أشباهه، فإن الجولف سيكون ملاذًا آمنًا.



مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.