منذ وصول تيار اليمين الهندوسي المتشدد إلى السلطة في الهند ممثلاً في حزب بهاراتيا جاناتا (حزب الشعب الهندي) بزعامة رئيس الوزراء ناريندا مودي عام 2014، تموج البلاد بموجات لاهبة من العنصرية وأعمال العنف الطائفي الموجهة أساسًا ضد الأقلية المسلمة.

الهندوسية السياسية

ويعتنق الحزب الحاكم عقيدة «الهندوتفا»، التي تعتبر أن الهند وطن للهندوس حصرًا وتحرض ضد أتباع الأديان والثقافات الأخرى، وتعد منظمة المتطوعين الوطنيين (Rahtriya Swayamsevak Sangh) الدينية المتطرفة، أكبر الداعمين لرئيس الوزراء الذي تخرج من تلك المنظمة.

وكانت منظمة المتطوعين الوطنيين RSS محظورة لسنوات طويلة بسبب تورط منتسبيها في أعمال العنف الطائفي، فقد قتل أحد أعضائها السابقين المهاتما غاندي، مؤسس الهند، في 30 يناير/ كانون الثاني 1948 بعد عدة محاولات اغتيال فاشلة، واتهمت بهدم المسجد البابري الشهير عام 1992، لكن تم رفع الحظر عنها لاحقًا ووصل أتباعها إلى السلطة.

وتسعى المنظمة إلى إعادة تعريف هوية الهند وكتابة تاريخها
من جديد وفق معتقدات اليمين الهندوسي، فهم يعتقدون أن الجنس الآري أصله من الهند وأنه
أسمى الأجناس ويستخدمون الدين كأداة سياسية ويتبنون سياسة الفصل العنصري فيحتقرون طبقة
الداليت باعتبارها طبقة دنيا ويعتبرون الأقلية المسلمة في المرتبة الأدنى.

ويعد فيناياك دامودار سافاركار (1883-1966) مؤسس القومية الهندوسية، وتعد مؤلفاته بمثابة إنجيل اليمين الهندوسي، رغم أنه كان ملحدًا، لكنه نظّر لهذه الأيديولوجية باعتبارها وسيلة لخلق هوية عامة توحد الهند بغض النظر عما إن كانت هذه الوحدة تأسست على العرق أو الدين أو غيره، ولذا دعا إلى إدخال المواطنين المسلمين والمسيحيين إلى الهندوسية على اعتبار أنها الديانة التي تمثل الهوية الأصلية للبلاد.

فيناياك دامودار سافاركار، رائد القومية الهندوسية
فيناياك دامودار سافاركار، رائد القومية الهندوسية

وتأثر سافاركار بأفكار هتلر وأثنى عليها باعتبارها أنقذت الشعور القومي الألماني، وفي نفس الوقت أشاد باليهود الهنود لأنهم اندمجوا سياسيًا وثقافيًا في الحضارة الهندوسية وأثنى على الحركة الصهيونية لتحويلها الدين إلى هوية سياسية بنفس الطريقة التي سيّس بها هتلر الانتماء العرقي.

وتأثر رئيس الوزراء الهندي الحالي ناريندرا مودي بأفكار فيناياك
سافاركار

وأثنى عليه في
حديث له

عام 2015.

ومن الرموز النسائية التي أثرت كذلك في هذا التيار سافيتري ديفي التي تعرف أيضًا باسم ماكسيماني بورتاس (1905 – 1982)، وهي من دعاة دمج الهندوسية والنازية، إذ اعتبرت عقيدة تناسخ الأرواح الهندوسية شكلاً من أشكال التطور البشري عن طريق تنقل الأرواح من الطوائف العرقية الدنيا إلى أن تولد هذه الأرواح من جديد على صورة أفراد من الجنس الآري أرقى الأجناس.

وتكشف هذه التشابكات الفكرية بين الهندوسية السياسية والنازية
عن التأثيرات العابرة للحدود بين تيارات اليمين المتطرف العالمي والتي لا يمكن اختزالها
في مشاعر الكراهية العنصرية أو الدينية بل تتعداها إلى التأثيرات الفكرية.

وتأثرت كذلك منظمة RSS في بداية تأسيسها بالفاشية الإيطالية بزعامة موسوليني، فأنشأت مجموعات شبه عسكرية وجندت الملايين من الهندوس المتعصبين في صفوفها.

ورغم النكبات التي تعرضت لها البلاد تحت حكم اليمين الهندوسي المتشدد فإن شعبيته لا تزال أعلى من حزب المؤتمر الوطني الذي حكم البلاد لعقود طويلة، لأن الشحن الطائفي يدفع بالغضب الشعبي بعيدًا عن الحكومة؛ فالوباء مثلاً ينتشر ليس لتقصير الدولة في مواجهته بل لأن المسلمين يبصقون وينشرون العدوى، والبطالة تزداد لأن أبناء الأديان الأخرى يحتلون وظائف كثيرة وهكذا يُحول الغضب ضد الدولة إلى سياسات انتقامية بين المجموعات الاجتماعية، فمن الأسهل على الجماعات المحرومة بين الهندوس التعبير عن غضبهم ضد المسلمين المحرومين مثلهم بدلاً من الاحتجاج ضد الدولة أو الطوائف المتنفذة.

ويوفر استثناء الأقليات الدينية من حقوق المواطنة إحساسًا بالاندماج للمجموعات الطبقية الهندوسية الأكثر حرمانًا، فعلى الرغم من أن الداليت محرومون من معظم حقوقهم فإنه يشعر الكثيرون منهم بأنهم

منخرطون في الحياة الوطنية أكثر من المسلمين

، وهذه الطائفية المتزايدة تجعل من الصعب على قوى اليسار مثلاً نظم الجماهير خلفها في نضالها ضد التمييز الطبقي وطغيان النيوليبرالية التي أضرت بمئات الملايين من المزارعين، وتخبو أصوات التيارات السياسية الأخرى أمام صيحات «النصر للإله رام» التي أصبحت من أسرع الوسائل لإلهاب مشاعر الحشود الهندوسية وتحشيدها.

صحوة حماة الأبقار

وفي ظل حكم مودي تسعى الحكومة إلى تذويب الكتل الإسلامية
الكبرى على غرار ما وقع في ولايتي كشمير وآسام، إذ قامت الحكومة بتهجير السكان المسلمين
أو تشجيع الهجرة الهندوسية إلى مناطقهم.

ومع نجاح بهاراتيا جاناتا في الفوز أيضًا برئاسة عدد من الولايات تصاعدت حدة التحرشات التي ينفذها أتباع RSS، فجماعات حماة الأبقار تقتل من تشتبه في أنه يأكل لحم البقر الذي يقدسونه، ووقعت حوادث قتل لأن أصحابها ذبحوا أغنامًا ظنتها هذه الميليشيات أبقارًا، وأحيانًا يتم تكريمهم بعد هذه الحوادث من مسؤولين كبار في الحكومة، ومن الشائع أن يتم إطلاق سراح المعتدين في حال وصل الأمر إلى الشرطة.

وتسود الحملات الدينية للتحذير من مخطط إسلامي لإحداث انقلاب
ديموغرافي هدفه أن يصبح المسلمون أغلبية ويتحول الهندوس إلى أقلية مستضعفة في بلادهم،
رغم أن الفارق بين الطائفتين يصل إلى مئات ومئات الملايين ولكن الدعاية اليمينية تبالغ
في تضخيم الأمر وكأنه حقيقة علمية.

وأقرت ولايات يحكمها المتشددون تشريعات تمنع زواج المسلمين من النساء الهندوسيات ويتم اعتقال الذين يقدمون على هذا الزواج ويصبح ذووهم كذلك عرضة للملاحقة أو المضايقات، وقد تصدرت صفحات الجرائد

قصة شابة تعرضت للاحتجاز وأجبرت على إجهاض جنينها

بسبب زواجها من مسلم بعدما تم القبض عليها من قبل متشددين ليسوا من أقاربها ولا يحملون صفة رسمية سلموها إلى السلطات، والمشكلة أن هذه القصة التي لاقت اهتمامًا إعلاميًا لا تعد سوى مثال على واقع يشهد حالات عديدة لم تلقَ تغطيةً كما حدث مع تلك الشابة.

ومع صعود المشاعر القومية في المجتمع، تلجأ الأطراف السياسية الأخرى وعلى رأسها حزب المؤتمر الوطني إلى مغازلة الجماهير الهندوسية لكسب ودها وتثبيط الدعاية السوداء ضدها التي تظهرها بمظهر الخيانة والضعف أمام أعداء الإله رام.