أغسطس/ آب 2016 عشرات المسلمين تم قتلهم على يد عصابات بحجة الدفاع عن «الأبقار المقدسة». «ناريندرا مودي» المعروف بسرعة رد الفعل سواء في أرض الواقع أو عبر موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» لم يتحدث عن الحادثة إطلاقًا. استغرق الأمر عامًا كاملًا منه حتى يخرج بتصريح إدانة خجول لهذه الحادثة. في يونيو/ حزيران 2017 قال مودي في وسط خطابه في ولاية «غوجارات» إنّه ليس من المقبول قتل أشخاص بحجة عبادة البقر. لم يُتبع التصريح بحديث عن عقابٍ للجناة أو تعويضات للمجني عليهم. كما لم يُوقف التصريح حوادث مشباهة شهدتها الهند على مدار عامين متتابعين.

عامان تكثفت فيهما الهجمات حتى طالت «جُنيد خان»، 15 عامًا. طعنه مجموعة من الهندوس في محطة قطار بحجة حمله للحم البقر، مما اعتبروه إهانةً لدينهم. وفي أبريل/ نيسان 2017 هاجم 200 شخص قافلةً تنقل أبقارًا وقتلوا من فيها بحجة إهانة الأبقار. وفي مايو/ آيار 2017 ضُرب شابان مسلمان حتى الموت بتهمة سرقة الأبقار. تلك الحوادث التي لم تتوقف، لم تبد تصريحات مودي الخجولة، لا أحد يمكنه تطبيق القانون بنفسه في هذا البلد، مخيفةً بما يكفي.

هذا التواطؤ بالصمت المُتهم به مودي ليس جديدًا في تاريخه. منذ 17 عامًا، في 2002، اشتعلت النيران في قطار يحمل الحجاج الهندوس في حادثةٍ سببها فنيّ متعلق بصيانة القطار. لكن ولاية غوجارات وسكانُها لم يروا الأمر كذلك، فسمح لهم مودي، رئيس وزراء الولاية آنذاك، بمهاجمة مساكن المسلمين وممتلكاتهم.

أسفرت الهجمات

عما يُقارب 2000 قتيل، وآلاف المصابين والمطردوين المُشردين.

التقارير المُوثقة

أكدت أن مودي لم يتواطأ بالصمت فحسب، بل شجع ورعى هذه الهجمات بصورة مباشرة. وفي المقابل بقي ناريندرا مودي قائدًا للولاية لمدة 13 عامًا.

الهندوتفا


مودي هو ابن

عقيدة «الهندوتفا»

. الهندوتفا تقوم على القومية الهندوسية. انقضّت تلك العقيدة على العقائد الأخرى مثل الجاينيه والبوذية والسيخية واعتبرتها جزءًا من العقيدة الهندوسية لذلك سمحت لهم بالتواجد جنبًا إلى جنب معها. لكنّها ترفض رفضًا حاسمًا المسيحية والإسلام باعتبارهما ديانتين أجنبيتين غريبتين عن الهند. قررت باكستان أن تُعلن عن نفسها دولة إسلامية فتبعها قرار الهند بتعريف نفسها دولة علمانية. في تلك اللحظة وُلدت الهندوتفا أنشأها متطرفون هندوس لتكون دينًا قوميًا للجميع.

استطاعت الهندوتفا أن تخلق لنفسها جناحًا عسكريًا، منظمة «

راشتريا سوايامسيفاك سانغ

» المعروفة اختصارًا بـ«

ر س س

». المنظمة العسكرية هي الأب الروحي والمرشد الأعلى لحزب «بهاراتيا جاناتا» الذي ينتمي إليه مودي. المنظمة تأسست عام 1925 كأكبر منظمة دينية في البلاد لحماية الثقافة الهندوسية. لكن الهدف الإضافي الذي يُجمع عليه 5 ملايين عضو فيها هو عداء المسلمين. المنظمة هي المسئولة عن اغتيال المهاتما غاندي بتهمة التعاطف مع المسلمين. كما هدمت أحد أقدم مساجد الهند، مسجد بابري المُؤسس منذ القرن السادس عشر. عملية الهدم أثارت أحداث عنف شنيعة عام 1992، لكن مودي لم يبالِ بها حينها ولا لاحقًا.

اقرأ أيضًا:

أزمة كشمير: على أعتاب الحرب الرابعة بين الهند وباكستان


دخل المنظمة

وهو ابن الثامنة،عام  1958، وأمضى شبابه كاملًا في أحضان منظمة «ر س س». ساعدته المنظمة أن ينتقل من بيع الشاي مع والده في محطة القطار إلى صفوف المدارس النظامية. كان طالبًا متوسطًا بشهادة تقاريره الدراسية. موهوبًا في الخطابة والتمثيل المسرحي بشهادة العديد من المسرحيات التي أدّاها. لم يحصل على شهادة جامعية إلا عام 1978 عبر بوابة التعليم المفتوح، متخرجًا بأقل تقدير بين دفعته. ثم حصل على درجة الماجستير في العلوم السياسية عام 1983 من جامعة غوجارت، الولاية التي حكمها، بتقدير ممتاز. تزوّج مودي مبكرًا لكنه هجر زوجته دون أن يتطلقا رسميًا. ظل زواجه سرًا غير مُعلن حتى أعلنه في 2014 قُبيل الانتخابات بوقت قصير.

أشياء كثيرة تغيرت في 2014 منها أن جاء أوان
ردّ الجميل للمنظمة التي احتضنته طفلًا وشابًا ومرشحًا لرئاسة الوزراء في سن 56. تعهد
بشكلٍ مباشر في برنامجه الانتخابي أن يبني معبد الإله «رام» على أنقاض مسجد بابري.
وبعد فوزه زاد نفوذ المنظمة حتى بلغ ذورته عام 2016 بعد عامين من فوز مودي برئاسة
الوزراء. 150 ألف فرد في قلب المدينة يستمعون لخطاب زعيم المنظمة في استعراضٍ شبه
عسكري. ألقى الزعيم خطابه من منصةٍ كالحصن المنيع. وسط عزف فرقةٍ موسيقية مكونة من
2000 فرد، وعلم «الزعفران» العملاق، إشارة للهندوسية، يرفرف على سارية بطول 20
مترًا.

الـموديتفا

مودي استطاع أن ينقل العنصرية واضطهاد
الأقليات إلى مرحلة أسوأ من كل سابقيه. ولاية غوجارات

تحت
حكم مودي

لم تهتم أبدًا باحتواء الخلافات أو محاولات التهدئة الصورية حتى بعد
الصراعات الضخمة. فمودي قام بتهميش الأقليات، المسلمين خاصةً، لدرجة احتلال الولاية
المرتبة 133 على مؤشر الجوع، وارتفع الفقر بين الأقلية على 400% خلال عشر سنوات.

كما حرم مودي 52 ألف طالب من الحصول على أي منحة دراسية أو وظيفية تقدمها الحكومة المركزية. لم يلتق مودي مع قادة الأقليات إلا مرةً واحدةً أرغمهم فيها على حضور أحد مؤتمراته الانتخابية. صور حضورهم تم استغلالها للتعبير عن تغيّر فكر مودي تجاه الأقليات. لكن لم يستطع أن ينافق طويلًا

، ففي مقابلة له

سُئل عن أحداث عنف 2002 فأجاب أنها تلقى اهتمامًا أكبر مما تستحق. وشبّه الحادثة بأنها كـ«كلب صدمته سيارة».

نهضة منظمة «ر س س» غير المسبوقة تنذر أن عقيدة «الهندوتفا» قد دخلت طورًا جديدًا أكثر تشددًا وجرأة هو طور «الموديتفا». وأحداث كشمير الأخيرة تعطي برهانًا دامغًا على تلك الحقيقة. مودي صرّح بأن إلغاء الحكم الذاتي لكشمير من أهم الخطوات التي اتخذتها حكومته على الإطلاق. وأن القرار تاريخي ولا تراجع فيه. صرّح مودي بأنّه بعد 70 عامًا من الإخفاق في خلق تجانس بين الهند وكشمير لا بد من تفكير جديد. ما قاله الواقع ولم تقله تصريحات مودي حتى الآن أن التفكير الجديد هو فرض هذا التجانس على كشمير. أو بصورة أدق هو تطبيق الثقافة الهندوسية عنوةً على سكان كشمير فإما القبول أو الإبادة.

لا يتأثر مودي بالمناشادات الدولية بضرورة ضبط النفس أو الجلوس للمفاوضات. كما لا يفكر في أنّه يدفع جارته النووية لزاويةٍ مُحرجة قد لا تملك فيها اختيارات دبلوماسية كثيرة. باكستان أكدّت أن استمرار طريقة التعامل الهندية مع كشمير يعني القتال، وباكستان سوف تقاتل حتى النهاية. لكن لم يظهر حتى الآن أي تغييرات على خطط مودي، بل بدا واثقًا وغير مبالٍ تمامًا في

خطابه من «الحصن الأحمر»

بمناسبة الاستقلال في 15 أغسطس/ آب 2019.

بدلة حسني مبارك


هذه الثقة إما ناتجة عن خطةٍ مُحكمة يعلمها مودي ويسير وفقًا لها، أو ناتجة بسبب نرجسيته.  25 يناير/ كانون الثاني 2015 مودي يستقبل باراك أوباما، الرئيس الأمريكي آنذاك. عادةً ما يكون أوباما هو من يخطف الأضواء في جولاته الخارجية، لكن مودي استطاع أن يخطفها تلك المرة. إطلالة مميزة ببدلة مُطرزة بخطوط ذهبية تُمثل حروف اسمه كاملًا. الاسم

«Narendra Damodardas Modi»

لم يكن في أحد جوانب البدلة بل كان مدمجًا في قماش البدلة بالكامل.

البدلة أثارت موجة سخط عارمة داخل الهند، لكن لم يبالِ بها مودي. بتتبع لقاءات مودي نجد أنّه يهتم بأناقته بصورة ملحوظة. فعلى سبيل المثال قام بتغيير ملابسه 3 مرات على مدار اليوم  أثناء لقائه مع أوباما. الأمر الذي جعل الصحف الأجنبية تصفه بأنه المنافس الشرس لـ«ميشيل أوباما» على عرش الأناقة. الأمر كان ملفتًا لدرجة تعليق أوباما عليه قائلًا بأن مودي رمز للأناقة.

على ذِكر البدلة فمودي أول رئيس وزراء هندي يفعلها، لكنّه ثالث ثلاثة عالميًا. يسبقه الرئيس المصري الأسبق، محمد حسني مبارك، ورئيس الأرجنتين الأسبق، كارلوس منعم. وصرّحت دار  أزياء «هولاند آند شيريل» المختصة بتنفيذ تلك البدلة أن البدلة الواحدة تتكلف 16 ألف دولار، وأنها تستغرق 3 أشهر لتطريز القماش بالأحرف المطلوبة. طبعًا بجانب البدلة يجتمع الرؤوساء الثلاثة أنهم تميّزوا بدعوتهم للتقشف وضرورة قيام المواطنين بـ«ربط الحزام» من أجل تحقيق البلاد للتنمية الاقتصادية.

اقرأ أيضًا:

العين بالعين: هونج كونج تثور على الصين

نرجسية مودي باتت

استنتاجًا يخلص إليه

كل مُقدم برامج أو صحفي جمعه لقاء مع مودي. لكن لا يجرؤ أحد على النطق بالكلمة صراحةً فيُكنّون عنها بجُمل أطول. فكثيرون تحدثوا عن إشارته لنفسه في الحديث بصيغة التعظيم، كما يُصر أنّ الإله هو الذي اختاره لقيادة الهند. كما صرّح مستشاروه بأنّه قليلًا ما يلجأ إليهم حتى في الأمور التي لا يمتلك فيها خبرةً كافية. وكثيرًا ما يشير إلى أفكاره الرائعة وإنجازاته المتميزة في كل حواراته سواء كان السياق يحتاجها أو لا.

التضحية بالبشر ليحيا البقر

لم تشغل السياسة الخارجية جانبًا كبيرًا من خطابات مودي ولا برنامجه الانتخابي. لكن زياراته الخارجية وأحاديثه المتتابعة تركزت حول ضرورة

تحسين العلاقات الخارجية

مع دول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية. تحسن العلاقات بين مودي والإمارات يُلّخصه

القرار الإماراتي

بمنح مودي أرفع وسام في البلاد أثناء زيارته لها في أواخر أغسطس/ آب 2019.

تحدث مودي بودٍ أحيانًا حول إيران لكن تبقى العلاقات مشوبةً بتاريخ دعم شاه إيران لباكستان سابقًا. ركز مودي في برنامجه على التنمية الاقتصادية أكثر من غيرها. يرى الاقتصاد والاستثمار هو ما يمكن أن يوحد الدول أكثر من السياسة. فحرر الاستثمار الأجنبي من قيود عدة ومنح أصحاب الشركات حريات أكبر في فصل وتوظيف العمال.

لكنّه في الجهة المقابلة ضيّق الخناق على
النقابات العمالية وحقوق العمال. كما خفّض الميزانية المخصصة لمواجهة الفقر ومشاكل
الشعب الاجتماعية إلى 12% فقط. كما قلل الإنفاق على الصحة بنسبة 15%. سحب من
ميزانية التعليم الأساسي 16%. وأنقص مخصصات مباردة «التعليم للجميع» بنسبة 22%.
كما قام بتحرير أسعار الوقود. التقشف لم يطل الشركات، بل على النقيض خفضت الحكومة
ضرائب الشركات وضريبة الثروة.

في مدة حكمه الأولى أضاف مودي 17 ضريبةً جديدة على كاهل المواطنين. كما قرر في نوفمبر/ تشرين الثاني بسحب العملات الورقية الكبرى فئة 500 و1000 دولار. القرار هدفه المعلن محاربة الإرهاب والتزوير، لكنّه أدى لنقص حاد في سوق النقد. كما صاحب القرار العديد من حوادث العنف من أجل تسرع المواطنين في صرف مدخراتهم من تلك العملات قبل أن تصبح بلا قيمة. لكن حتى هذه المحاباة للشركات على حساب المواطنين لا تبدو أنها ستصمد. رأس المال الجبان لا يُحب مناطق النزاعات، لذا فرّت العديد من الاستثمارات فور قرار إلغاء الحكم الذاتي لكشمير. كما يُتوقع أن تتأثر السياحة بشدة بسبب أحداث العنف الأخيرة، والسياحة عمود الاقتصاد الهندي.

ما يُنذر بخرابٍ قادم على المستوى الشعبي والرسمي. وإذا كان من غير المتوقع أن تُصرب الهند بقنبلة نووية باكستانية، فإن لا يُتوقع أن تنجو من تبعات حكم مودي وقراراته الحدّية. الناجي الوحيد ربما سيكون تمثال «ساردار فالاباي باتل» الزعيم الذي ناضل لتوحيد الهند بعد الاستقلال عن بريطانيا. التمثال تم بناؤه بأمر مباشر من مودي ليكون أطول تمثال في العالم 182 مترًا، ضعف تمثال الحرية الأمريكي. بُني من الصُلب والبرونز الناتج من صهر أدوات الفلاحين الزراعية. تكلف بناؤه 405 ملايين دولار أمريكي، 30 مليار روبية، تم جمعها من ميزانية الدولة ومن تبرعات شركات القطاع العام.

باستثناء هذا التمثال، ستخرج جميع الأطراف خاسرةً  حتى الأبقار.