محمد سليمان عبد المالك هو أحد الأسماء الشهيرة في عالم التأليف التلفزيوني، والذي لم يقتصر على نوع محدد من الكتابة لكي يُعرف به أمام الجمهور، فاستطاع خلال سنوات قليلة أن يقدم الرعب والتشويقي والاجتماعي، ونجح فيها جميعًا، حتى حين قرر أن يخوض تجربة الأعمال التاريخية والسياسية كان جديرًا بالمتابعة وإثارة الجدل.

قدم محمد سليمان عبد الملك عددًا من الأعمال التي حققت نجاحًا كبيرًا ومنها «خيط حرير»، «مليكة» وأعمال أخرى أثارت الجدل مثل «ممالك النار» و«اسم مؤقت» و«أبواب الخوف»، كما أنه قدم عملين سينمائيين كان لهما صداهما المختلف وهما «عزبة آدم» و«شد أجزاء»، ليستعد في شهر رمضان المقبل لمسلسل «قصر النيل».

قمنا في «إضاءات» بإجراء هذا الحوار الخاص مع صاحب ممالك النار للتعرف أكثر على آرائه وشغبه الدائم في الواقع وفي الدراما.

تابعنا إشادات الجمهور بمسلسل «خيط حرير»، مؤكدين أنه السبب في عودة نجاح مي عز الدين، ما تعليقك على ذلك؟

أشكر الله بالطبع على الإشادة بمسلسل «خيط حرير».. أما بالنسبة للفنانة مي عز الدين فهي ممثلة موهوبة، وهذا ثالث تعاون بيننا بعد مسلسل «وعد» و«رسايل»، وأنا أرى أنها موهوبة، ولم تستغل كل ما لديها من موهبة حتى الآن، ومن تعاوننا معًا حدثت بيننا كمياء مميزة، جعلتي ككاتب قادرًا على اكتشاف مناطق فنية مختلفة بها، وهذا ما رآه الجمهور في مسلسل «خيط حرير».

عُرض المسلسل خارج السباق الرمضاني، وهذه لم تكن التجربة الأولى لك خارج سباق رمضان، كيف ترى العرض في الأوت سيزون؟

أرى أنه لا يوجد مسلسل أون سيزون أو أوت سيزون، ولكن هناك عملًا دراميًا يتم العمل عليه حتى يظهر بصورة جيدة أمام الجمهور، ويجب على القائمين البدء في العمل منذ اللحظة الأولى بنفس الطاقة والشغف سواء لرمضان أو خارج رمضان.

فنحن لا نعمل على المسلسل لكي يُعرض في توقيت معين، بل على العكس لكي يعيش ويتم عرضه سنوات مقبلة، وأرى أن صناعة العمل الفني لتوقيت معين قد أضر الدراما ولم ينفعها للأسف، ولهذا أحب العرض خارج رمضان لأنه يحقق لي المعادلة التي أبحث عنها.

«ممالك النار».. البعض وجه لك انتقادات بأنك جعلت بعض الشخصيات شريرة بشكل أحادي، بالتحديد شخصية سليم، أي أنه شرير في كل حركاته وأفعاله، في حين ظهر الأشرار مثلًا في ثلاثية الأندلس لوليد سيف بشكل أقل كاريكاتورية، ما تعليقك على ذلك ؟

الحقيقة لست متفقًا على أنني أظهرت سليم الأول في مسلسل «ممالك النار»، بشكل أحادي، بعيدًا عن أي مقارنات مع أعمال آخرى، وذلك لأن التاريخ موجود، فإذا نظرنا إلى شخصيته في كتب التاريخ وهي المصدر الأساسي ومنها بالطبع التركية، سنجد أن شخصيته الحقيقية أكثر شرًا وغلظة، مما طرحناه دراميًا في «ممالك النار».

فقد كنت أقول دائمًا، إن دوري في المسلسل أن أقوم بتحجيم قسوة وغلظة سليم الأول ولذا لم أقوم بزيادتها، لأنه تاريخًا هناك جرائم لا يصدقها عقل قام سليم الأول بارتكابها.


كان توقيت «ممالك النار» شديد الحساسية في العرض، هل كنت تقصد ذلك، وهل ترى رابطًا بين أحداث المسلسل وما يحدث في الحاضر السياسي في الشرق الأوسط ؟

التاريخ يعيد نفسه على كل حال، ولم يكن مقصودًا تاريخ عرضه، فالعمل مصنوع لكي يُعرض في أي وقت، لكن إذا كان هناك تشابه مع الواقع، فهو متروك للمتلقي لكي يراه، نحن فقط كنا نحاول أن نقرأ التاريخ في مسلسل «ممالك النار» بعيدًا عن الدعايا التركية ودعايا الإسلام السياسي التي كانت تُمجد الدولة العثمانية، وهذا يُستغل من قِبلهم في الدعايا السياسية، فوجود عمل يطرح الأمر من وجهة نظرنا نحن للتاريخ، هذا كان الغرض الأساسي من العمل، بغض النظر عن التوجه السياسي المباشر.

حاز المسلسل على نجاح جماهيري، وتعرض لهجوم كبير أيضًا، ما تفسيرك لذلك؟

النجاح الجماهيري للمسلسل أنا لم أكن أتوقعه، فكان تنبؤي بأنه مسلسل تاريخي نخبوي، سيراه عدد من المثقفين، ومحبو المسلسلات التاريخية، ولكني تفاجأت بنجاحه الجماهيري بمستويات مختلفة عمرية وفكرية، واجتماعية، وجاء نجاحه لأن صنّاعه أخلصوا في عمله.

وعن الهجوم على العمل، هو سياسي بالمقام الأول، لأنه الساحة كانت متروكة تمامًا للمسلسلات التركية التي كانت تنشر دعاية الإسلام السياسي في منطقة الشرق الأوسط، ووجود مسلسل للمرة الأولى يواجه الفكرة بالفكرة، وأمر تاريخي غير متروك للاجتهاد من قبل صناعه فهذه كانت مفاجأة لهم.

كتاباتك أهم ما يميزها التنوع، ولكن أحيانًا يكون لها بعد سياسي، هل تتخذ من ذلك منهجًا؟

أنا لا أحب أن يتم تصنيفي مكاتب أكشن أو رومانسي أو ما شابه، فهذه الأمور جميعها مستحدثة، فالكاتب الدرامي، يجب أن يجرّب ويغير ويجد أراضي جديدة يكتشفها ويكتب عنها، وإذا قمنا بالمقارنة مع قطبي الكتابة أسامة أنور عكاشة في الدراما، ووحيد حامد في السينما، فلا يوجد تصنيف في هذه الأجيال، نحن الآن نستسهل، فإذا أردنا عملًا كوميديًا نكلم هذا الكاتب، وهكذا، فإني طوال الوقت ضد التصنيف ومع أن أجدد وأغير من جلدي الكتابي، والأبعاد السياسية هي جزء من الحياة، وبالتالي تظهر في كتاباتي.

مع رحيل السيناريست الكبير وحيد حامد، تذكر كثيرون الأعمال المصرية السينمائية والتلفزيونية التي ازدهرت بشكل خاص في التسعينيات والتي حوت نقدًا سياسيًا واجتماعيًا ضمن لها الخلود الفني لدى الجمهور المصري، هل تعتقد أن صناعة أعمال على شاكلة «البريء» و«الإرهاب والكباب» و«ضد الحكومة» ممكن الآن؟

الآن من الصعب جدًا صناعة مثل هذه الأفلام، لوجود المحاذير الرقابية الصارمة جدًا، فمن قبل كانت مرنة أكثر من ذلك، ولكن هذا مفهوم في الفترات الانتقالية، فنحن عانينا من حالة فوضى منذ بداية الألفية وحتى 2016، فحدث رد فعل مضاد به مصادرة لكل الأفكار الجريئة من هذا النوع، هل هذا سيدوم أم لا؟، أظن أنه لن يدوم، ولكننا نحاول أن نتحرك في هوامش الحرية المتاحة على قدر المستطاع، وأتمنى أن يكون لدينا في المستقبل هوامش من الحرية نستطيع من خلالها صناعة مثل هذه النوعية من الأعمال.

عُرف عنك رأيك الجريء دائمًا، وأنك لا تخشى من فقدان أي من الفئات.. ألا ترى ذلك متعارضًا مع كونك كاتبًا لا بد أن يحافظ على جميع أطياف الجمهور؟

أحيانًا كثيرة آرائي لا أضع بها حسابًا لردود الأفعال، وهذا يثير غضب كثير من الجمهور أو حتى قائمين على إنتاج الأعمال الفنية، لكني أرى أنه يجب أن يكون هناك هامش من النقد وسماع بعضنا البعض، ومساحة لتبادل الآراء مهما كانت مختلفة، وإذا أصبحنا أصحاب رأي واحد فهذا أمر خطأ، ويؤدي إلى تسلل أفكار هدامة كثيرة.

يحسبك البعض كاتبًا منحازًا للسلطة، أم أن الأمر يتعلق بشكل أكبر برفضك للإسلام السياسي؟ ألا يمكن الخروج من هذه الثنائية على الأقل لدى المبدع الفني ؟

بالفعل هناك البعض الذي يضعني في موضع الانحياز للسلطة، ولكن هذا غير حقيقي، لدي بعض الآراء التي لم تكن على يمين السلطة، ولم تكن على اليسار بشكل كبير، ولكني شخص ناقد بطبيعتي ولا أستطيع أن أقول «حاضر» طوال الوقت، ويحسبونني أحيانًا مشاغبًا، وهذا خطر في الوقت الحالي.

فالاستقطاب الحاد الذي أصبحنا نعانيه حاليًا ناتج طبيعي لعشر سنين ماضية، وتعاطي السياسة والفن على طريقة الأهلي والزمالك، والانحيازات التعصبية الكبرى، سيحدث مراجعة مع الوقت طبقًا للتاريخ، فالوقت هو الحل الوحيد لذلك الاستقطاب.

ككاتب، كيف ترى التحولات في سلوكيات المصريين من بداية الألفية الثالثة إلى اليوم؟

أرى أننا أصبحنا ننحاز للشكل على حساب المضمون، للقوة على حساب الضعف، وللصخب على حساب الهدوء والسكون والنعومة، وهذا تزامن مع انفتاح العالم والتكنولوجيا وما صاحبها من صخب، وبالتالي كان يجب أن نعاني من الفوضى، ولكني أرى أننا في آخر تلك المرحلة، ينقصنا بعض الوقت، وستتم فلترة تلك السلوكيات مع الوقت ليس إلا.

كانت بداياتك مع «تامر وشوقية» وهو عمل كوميدي، وبعد ذلك فوجئ الجمهور بـ«عزبة آدم» وما به من قدر كبير من الحزن، كيف جاء هذا التحول؟

أنا ضد أن يكون للإبداع منطقة محددة، وبالتالي فأنا أود أن أقدم دائمًا كل ما هو جديد ويدهشني ويدهش الجمهور، وأن أكون قادرًا على اكتشاف مناطق جديدة وأراض فنية مختلفة، فإذا تم تحديد الكاتب في منطقة محددة سيتحول الإبداع إلى وظيفة وهو عكس أن يكون مجرد روتين.

مي عز الدين من أكثر الفنانات تجسيدًا لمؤلفاتك وتتبعها دينا الشربيني، هل تفضل العمل معهما أكثر من غيرهما أم أن الأمر غير مخطط له؟

الأمر لم يكن مخططًا له، ولكن هناك مساحة تفاهم بيننا كبيرة، وهما فنانتان موهوبتان جدًا، وإذا جمعتني أعمال أخرى بهما سأكون سعيدًا.

مع النجاح الكبير لـ«ما وراء الطبيعة»، تذكر عديدون مسلسلك المميز «أبواب الخوف»، هل ننتظر جزءًا ثانيًا، وهل تفكر في تكرار تجربة كتابة مسلسل رعب؟

هو مسلسل من التجارب التي أحبها، وهو أول عمل درامي يقدم رعبًا في المنطقة العربية، يمكن تزامن عرضه جاء مع أحداث سياسية، جعله لم يأخذ حظه الكافي من العرض، وما زلت حتى الآن أتلقى عليه إشادة أنا وصناعه.

وبالفعل هناك تفكير في جزء ثان، ولا أعلم هل سأكون جزءًا منه أم لا، ولكن في النهاية أرى أنها تجربة مختلفة تمامًا وبذل فيها المخرج عملًا عظيمًا، حيث إنها كانت تقدم عملًا طبيعته مختلفة لأول مرة في الوطن العربي.

حققت نجاحًا كبيرًا مع يوسف الشريف في «اسم مؤقت»، متى تتكرر التجربة التشويقية البوليسية مجددًا؟

هو كان مرحلة مهمة من مشواري الكتابي، وهو يحسب ليوسف الشريف والمخرج أحمد نادر جلال، حاولت بعد ذلك مع أحمد السقا في «الحصان الأسود» كتغيير للتنويعة وفي «مليكة»، وأظن أنه يستهويني هذا النوع من الكتابة وإن كنت أحب ألا أصنف بهذا النوع إذا نجحت به، وهناك تجارب قادمة، بإذن الله، وإن كنت أرى أنه يجب أن تقدم بطريقة مختلفة عما سبق.

ماذا عن «قصر النيل»، وما الجديد الذي سيقدمه هذا العمل؟ وهل سيثير الجدل كغيره من أعمالك؟

قصر النيل هو تجربة مختلفة، وهو التعاون الأول مع المخرج خالد مرعي، وأتشرف بهذا التعاون والأول أيضًا في التعاون مع المنتج محمد مشيش، وهو له أعمال مهمة على مدار السنوات الماضية، كما أنني لأول مرة أقدم عملًا تشويقيًا يحدث في حقبة الستينيات، فأنا متحمس جدًا لتجربة جديدة عليّ وعلى صناعها، لأن هذه الحقبة لم تقدم بهذا الشكل من قبل، فلدي حالة من الترقب والحذر، وفي ذات الوقت لدي آمال كبيرة بأن يحقق النجاح في شهر رمضان.

ما الذي يستعد له محمد سليمان في الفترة المقبلة، وما الحلم الذي يود تحقيقه؟

لدي كثير من الأحلام، ولكني منشغل بالعمل الذي أقوم به «قصر النيل»، ولكن من ضمنها أن أقوم بعمل فيلم سينمائي مختلف، وعمل تاريخي، في زمن آخر غير زمن «ممالك النار»، ومن ضمن أحلامي أن أقدم عملًا فرعونيًا ولكني منتظر ما سينتج عنه شهر رمضان من عمل، وكيف سيتم تناوله، يمكن لذلك أن يفتح الباب أمام الأعمال التاريخية بشكل أكبر. ولكني آخذ أحلامي خطوة بخطوة.

من هم أقرب الكتاب إليك ويمكن اعتبارهم مثلك الأعلى؟

كثير من الكتاب أعتبرهم مثلي الأعلى، فأنا لا يوجد كاتب لا أقرأ له، ولكن على رأسهم نجيب محفوظ، وحيد حامد في الكتابة السينمائية، أسامة أنور عكاشة في الكتابة التلفزيونية، وأرى أنه لا بد لأي كاتب أن يتأثر بهم لما لهم من تاريخ كبير.

ما رأيك في الورش الكتابية، وهل تعتبرها «سبوبة»؟

أنا من غير المتحمسين لها إطلاقًا، لأن ورشة الكتابة من المفترض أن لها مميزات، وهي وجود أكثر من مبدع في عمل واحد وهذا يحتاج وقتًا أطول للكتابة وفي ذات الوقت ميزانية أكبر لهؤلاء الكتاب، نحن للأسف نستخدم هذه الورش بشكل خطأ ونعتبر أن هناك 3 أو 4 أشخاص يقومون بالكتابة، وهكذا سيتم الإنجاز بشكل أسرع على طريقة خط الإنتاج في المصنع، وهذا غير حقيقي ويؤثر على جودة العمل، والناتج يكون أقل من المتوقع، وبالتالي أنا غير متحمس إطلاقًا للورش وبشكل شخصي أفضل الإبداع الفردي عن الجماعي في الكتابة تحديدًا.

وأين أنت من السينما؟

لدي تجربتان «عزبة آم» في 2009، و«شد أجزاء» في 2015.. واضح أن لدي عملًا سينمائيًا كل 6 سنوات، ولدي مشروع أعمل عليه هذا العام، ولكني أفضل أن أنتظر لأرى ما ستذهب إليه السينما والإنتاج بعد وباء كورونا، وكنت بدأت في تحضير الفيلم مع المخرج كريم الشناوي هذا العام، ولكن قررنا تأجليه لبعد موسم رمضان، وسيكون أيضًا بعد 6 سنوات من العمل السينمائي السابق.