بدأ الأسبوع الماضي عرض الموسم الثاني من مسلسل «Mr Robot» من تأليف وإخراج «سامي إسماعيل» صاحب الجنسيتين المصرية والأمريكية، وبطولة النجم الأمريكي ذو الأصول المصرية «رامي مالك». وقد لاقي المسلسل نسب مشاهدة مرتفعة في كل أنحاء العالم، وبالأضافة لتميزه فنيا، فقد ساهم طاقم العمل ذو الأصول العربية في زيادة متابعته في الوطن العربي ومصر.

حصل المسلسل علي العديد من الجوائز، من بينها جائزتي «جولدن جلوب» كأفضل مسلسل درامي، وأفضل ممثل في دور مساعد والتي حصل عليها «كريستين سلاتر». كما رشح «رامي مالك» للجائزة كأفضل ممثل في دور رئيس. كذلك ينتظر المسلسل ست ترشيحات لجائزة «إيمي» والتي ستعلن نتائجها في 18 سبتمبر/أيلول القادم.

برغم تميز المسلسل في أمور كثيرة كتناول أمور «الهاكرز» والجرائم الإلكترونية والبرمجة بشكل شبه أكاديمي ودقيق علمياً بدرجة كبيرة، والاختيارات المناسبة للممثلين، ورسم الشخصيات بطريقة مميزة، ولكن عاني المسلسل من بعض الاختيارات الآمنة المباشرة جدا في رسالته السياسية التي بدت أحيانا كأنها حكم ملقاه بغرض وضعها في مواقع التواصل الأجتماعي.

بالتأكيد هنالك أماكن رمادية. لكن بنظرة مقربة إلى داخلها ستجد أن خلف كل اختيار هناك إما واحد أو صفر، إما أن تفعل شيئاً أو لا تفعله. إن غادرت الآن فأنت لم تعد جزءاً من هذا، تصبح صفراً. أما إن أردت تغيير العالم، حينها فقط تصبح (1). والدك قُتل ولم يفعل شيئاً حيال الأمر، لماذا؟ لإنه كان (0)، تماماً مثلما تحاول أن تفعل أنت الآن.





من مسلسل «Mr Robot»


إليوت: الصفر والواحد

شخصية «إليوت» الهاكر المسالم الذكي الوحيد الذي يعمل كمبرمج أمن وحماية تقنية للمؤسسات الضخمة في أحد الشركات، الذي يعاني من عقدة الانفصال عن المجتمع، السبب في هذه العقدة التي تقوم بدور الدافع للأحداث طوال الموسم الأول بطريقة غير مباشرة، هو موت والده بسرطان الدم والذي كان يعمل في شركة «E– crop»، يلقي باللوم علي الشركة التي لم تمنح والده الأمان أو الرعاية الطبية الكافية.

منذ اللحظة الأولي يعلن إليوت عن تصوراه الخاص للعالم، حيث يري أن قلة قليلة هم الذين يديرون هذا العالم في الخفاء دون أن يعلم أحد، وهم رؤساء و مجالس إدارات الشركات الكبري. بطريقة أو بأخري، وضع المسلسل رؤية للرسالة السياسية أقرب للتصورات الشعبية في الوطن العربي مثل المؤامرة الكبري أو السيطرة الخفية علي العالم، ولن نستغرب كثيرا لو رأينا في الموسم الثاني «مجلس إدارة العالم».

تصور تحكم الشركات والمؤسسات الكبري لم يكن جديد ومبتكر كما أراد ان يشعرنا صناع المسلسل، فهو تصور معروف وله دراسات محترمة سواء في العلوم السياسية أو الاقتصادية، وبالتالي لم يكن الأمر يحتاج هذا التصور «مدعي العمق»، كان يستطيع أن يقول ببساطة أن المؤسسات الكبري هي التي تتحكم في العالم، بدون مؤامرات خفية ولاشيء، حتي في تصاعد الحبكة والمشاهد النهائية للموسم، صمم المسلسل علي تقديم شخصيات خفية وإعادة صيغة الرجل الثاني والخفي، وبالتالي يبدو أن هذا عنصر هام جدا ولن يستغني عنه المسلسل بسهولة بالرغم من تقليديته الشديدة.

علي خلاف السطحية الشديدة في الرسالة السياسية، تم رسم شخصية إليوت بشكل جيد ومليىء بالتفاصيل الإنسانية، فأجاد المسلسل تصوير عقدة البطل وجعلنا نتعاطف معه، وكذلك أقنعنا بذكائه وحتي بتلصصه علي حياة الآخرين، فإليوت يعوض فشله الاجتماعي باختراق حسابات من حوله ليعلمهم بشكل أكبر، وبالتالي ينقذ أحدهم من الخطر «كما حدث لطبيبته النفسية» أو يعلم الخطر الذي يواجهه من بعض الشخصيات.

لم يخلُ المسلسل من بعض الفلسفة، وهذا أعطي للمسلسل جمال آخر، الفلسفة الحقيقة العميقة بدون ادعاء ظهرت في الأختيارات الشخصية للأبطال، وليس في الرسالة العامة كما أراد صناع العمل، فإليوت يتعرض لموقف أخلاقي مابين قبول العمل في شركة «E» براتب وموقع مميز، في مقابل تعرض شركته الصغيرة للانهيار. «أنجيلا» خليلته السابقة هي أيضا تتعرض لبعض الاختيارات الأخلاقية، وفي كل مرة تختار اختيارا لايبدو سيئا ولكنه يظهر لنا في تصاعد الأحداث الجانب المظلم من هذه الشخصية الذي يعوض انخفاض مستوي ذكائها، وقدرتها علي المشاركة في صراع المسلسل بأقل قدر من الإمكانيات العقلية.


مستر روبوت: نادي القتال من جديد.

منذ اللحظة الأولى يظهر بشكل مباشر تشابه المسلسل في حبكته مع فيلم «Fight Club»، يعلن المسلسل عن ذلك من اللحظة الأولى، حيث يرتدي إليوت قميصا كتب عليه «Mr Robot»، في حين يتم الإسراع بإعلان وجود شخص آخر له ذات الاسم، ويريد إدخال إليوت في منظمته السرية «F Society»، ويطلب منه القيام بأعمال عنيفة ربما تتسبب في حوادث قتل من أجل المصلحة العامة.

تشابه ظاهر بين حوارات المسلسل وفيلم «Fight Club»، نفس نمط نقد الرأسمالية بأسلوب خطابي تعليمي، ولكن ما ميز «Fight Club» أنه استطاع إقناعنا بالخطب المباشرة علي لسان «براد بيت» أو «تايلر»، وعرض حبكة مثل هذه لأول مرة وبدون أي إشارات صريحة من البداية، أما في «Mr Robot» فلم تكن الحبكة جديدة، وعليه لم تفاجئنا، ومنذ اللحظة الأولى توقع الجميع أن «Mr Robot» شخصية متخيلة داخل عقل البطل ووسيلة لفعل أشياء عنيفة وربما تبدو لا أخلاقية ولا يستطيع «إليوت» فعلها أثناء وعيه.

المسلسل يستعرض بعض الشخصيات المميزة، كشخصة «دارلين» الهاكر المجنونة العبقرية غريبة الأطوار، التي تلاحق إليوت وتصدمه بقدرتها علي التسلل للمناطق التي يتواجد فيها، شخصية «دارلين» برغم عدم تأثيرها القوي والمصيري علي الأحداث ولكن وجودها ضروري، لإضافة مزيد من الشخصيات الغريبة لتدعيم الرؤية التقليدية للهاكرز «الانطوائيين المجانين»، بالإضافة لأنها الحبيبة المحتملة لإليوت في المواسم القادمة.

ومن الشخصيات المميزة التي ظهرت شخصية «تيريل» وزوجته، الذين يتحدثون بالإنجليزية أمام الجميع، وفيما بينهم يتحدثون بلغة أخري، «تيريل» وزوجته هما الشخصيات الأفضل بعد إليوت من حيث رسمهم، فـ«تيريل» رمز غير مباشر لابن الرأسمالية الجديدة، المجهول الذكي الذي يصعد بثبات، يتعالي علي الجميع، الفقراء بالطبع ومعهم رؤساء الشركة الحاليين، هو يري نفسه الأفضل والأكثر استحقاقا والذي سيحارب الجميع ليصل لمبتغاه، وعندما يصل لمبتغاه بالتأكيد سنرى الكثير من الجنون، نقطة ذكية تمت إضافتها في المسلسل وهي غموض العلاقة بين «تيريل» وزوجته وإليوت في الحلقات الأخيرة من المسلسل وهذه النقطة الوحيدة تقريبا التي تضع العديد من الألغاز فعلا.

مسلسل «Mr Robot» مسلسل مميز بطاقم تمثيلي مميز، ولكنه اعتمد علي الكثير من الاختيارت الآمنة في بناء الحبكة والرسالة السياسية المباشرة، وكلاشيهية الشخصيات، ومع ذلك قد تنفجر كل هذه الأحداث في المستقبل وتتغير، والمسلسل لديه القاعدة الكافية من البناء الدرامي والقابلية لحدوث مثل هذا التطور.