شاركها 0FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram 53 الأمومة حلم يراود الفتيات منذ نعومة أظافرهن، ألعاب الصبية تشجعهم دومًا على الشجاعة والتنافس وتهيئهم لما يتناسب مع متطلبات الرجولة مستقبلًا، أما ألعاب الفتيات تمثلت في دمية صغيرة ذات ألوان زاهية يمكن أن تعتني بها أو تصفف شعرها بطرق مختلفة، وكثيرًا ما تجدهن يحملن هذه الدمى في كل مكان ويرتبطن بها ويتعاملن معها كأنها جزء من تفاصيل حياتهن الصغيرة، لذلك تكبر الفتاة وهي تحلم باليوم التي تصبح فيه أمًا لطفل صغير هو عالمها كله، ولكن سرعان ما تكتشف بزيادة الخبرات في الحياة وعملية النضج المستمرة أن الأمومة هي مسئولية كبيرة تتخطى كونها عملية إنجاب من الناحية البيولوجية، بل تتفرع إلى نواحٍ أخرى تشمل تربية الطفل وتنشئته بشكل سليم، حتى أصبحت أخيرًا الأمومة اختيارًا بكامل إرادة الأم، لديها الحق في أن تنجب طفلًا إلى هذا العالم، أو أن تتبنى خيارات أخرى في هذه الحياة ليس من ضمنها الأمومة، وإحدى الكاتبات التي صرحت بهذه الفكرة هي الكاتبة التركية «إليف شافاق». طرحت إليف شافاق في كتابها «حليب أسود» تجربتها مع الأمومة والزواج والكتابة، وهي تجربة متميزة بعض الشيء لا تخوضها كل أم بالضرورة. حين تجتمع الكتابة والأمومة في جسد واحد، في نظر شافاق كان من الواجب عليها أن تختار بين إحداهما، إما أن تتفرغ كليًا لإنجاب الكتب والروايات التي تخلقها وتحضرها إلى هذا العالم، أو أن تلتزم بتربية طفل صغير يحتاج إلى الرعاية والاهتمام الكافيين لكي ينمو في بيئة سليمة وصحية. تحقيق الاتزان في معادلة الأمومة والكتابة من بين مختلف الثقافات جاءت إلينا شافاق بسِيَر عن كاتبات تعايشن مع أزمة إيجاد التوافق بين الزواج والكتابة والأطفال، وعلى اختلاف جنسياتهن وثقافاتهن التي لها عظيم الأثر على قناعتهن، إلا أنهن قد صادفن العبور بمثل هذه التجربة في حياتهن، ولكن قد تعاملت كل كاتبة منهن مع هذه التجربة بسلوك يختلف عن الأخرى، كانت الحاجة الملحة إلى الكتابة تجمعهن، بعضهن قد نجحن في خلق توازن بين الحياة الشخصية، وحياتهن ككاتبات، وأخريات فشلن في إنجاح المنظومتين معًا، واخترن أن يخلقن كتابات عظيمة تلهم غيرهن من النساء وتساعدهن على خوض الحياة بشكل أفضل، كلٌ منهن حالة منفصلة قائمة بذاتها، لأنه لم يكن هناك أبدًا معادلة ثابتة يمكن تطبيقها على الجميع، وإنما هي خيارات نتخذها لكي ندور دورة كاملة في الحياة. وقعت إليف في المشكلة ذاتها، حيث اختارت دومًا أن تفني نفسها من أجل الكتابة والنجاح الشخصي، دون أن تضطر إلى تعديل خطتها لتوافق ما يمليه عليها الزواج والارتباط والعائلة، ولكن من حين إلى آخر وجدت أن غريزة الأمومة تناديها وتدعوها لتصبح أمًّا يومًا ما، حتى صادفها الحب وقررت أن تتخلى عن هذه القناعات وتخوض تجربة أخرى مختلفة وفصلاً جديد من حياتها لم تظن يومًا أنها ستكتب عنه، لتجد نفسها تكتب عن فصل آخر يحكي تفاصيل شهور الحمل، وما اكتشفته عن نفسها حين قابلت شبحًا جديدًا يتسلل إلى حياتها خفية، وهو اكتئاب ما بعد الولادة. الاكتئاب والسعي نحو الأفضل في كل شيء من هنا دق الاكتئاب دقاته الملعونة ليأذن لنفسه بالدخول إلى حياة إليف وعقلها المشتغل دومًا بخلق الاتزان بين كل شيء، في حياتي وحياتها خط مشترك نتقاطع عنده وهو كوني مولعة أيضًا بذلك الاتزان، الشبح الخفي الذي يتحكم في كل شيء دون أن يلاحظه أحد، هل الأمومة فاشية أم هكذا نتصور ذلك؟ بكل تأكيد هي التزام ومهمة شديدة الصعوبة عندما يتعلق الأمر بتفاصيل دقيقة تختص بنشأة إنسان آخر وحياته الكاملة المستقبلية معتمدة عليها، ولكن هناك أمهات يضغط التفكير عليهن وكثرة المهام حتى يتحولن إلى أشباح صغيرة لم تعد قادرة بعد على السيطرة على كل شيء، تصب كل منهن غضبها على أطفالها دون أن تلحظ ذلك أو تلقي له بالًا، الراحة والاطمئنان رغبة مشتركة بين الأم وطفلها، وليست حكرًا على الطفل وحده، لذلك راحة ذهن الأم ورضاها عن حياتها بشكل كافٍ ينعكس بكل تأكيد على تعاملها ونسبة عطائها لأطفالها. ولكن ماذا إذا كان خيار الأمومة ليس هو أفضل شيء كما يصوره لنا المجتمع على الدوام؟ بمعايير تربوية تدفعنا ألا نبحث عن الأفضل والممتاز في كل شيء لكوننا نساء، لأن الجانب الآخر يبدو أكثر اخضرارًا دائمًا، ما الذي يضمن أنه لن يكون هناك ندم في المستقبل وألا نقارن أنفسنا بالأمهات الأخريات التي استطاعت كل منهن أن تبدو أمًّا أفضل أو أن توازن بين كونها أُمًّا وبين خياراتها الشخصية الأخرى؟ ألا يصيبنا الحسد على إنجازاتهن أو نشعر بالخزي من تقصيرنا نحو أنفسنا؟ ربما تستطيع شافاق إيجاد جواب لهذا السؤال. اكتشاف الذات من جديد إلى جانب الأمومة، تحكي شافاق تجربتها في إعادة اكتشاف نفسها من جديد، وإدراك جوانب أخرى كانت غافلة عنها أو سعت إلى منعها من الظهور بإرادتها الحرة، يمكنكِ أن تكوني أُمًّا وكاتبة وقارئة ومهتمة بقضايا الموضة، وفي سعي دائم نحو إيجاد السلام الداخلي والروحانية، ومولعة بحب الطعام وتجربة الأصناف المختلفة؛ لأننا بطبيعة الحال خُلقنا بميول ورغبات مختلفة تتواجد بداخلنا ونسعى طوال مدة بقائنا في الحياة إلى اكتشافها وإرضائها في أغلب الأحيان، وتبقى الأمور فوضوية وعبثية حتى نستطيع أن نحقق توازنًا فعليًا بين كافة الأشياء، لا أن نسعى لتهميش البعض منها لعدم توافقها مع المرحلة التي نعيشها باختلاف المراحل العمرية، لأن السعادة والرضا في الوصول إلى نتيجة مرضية في مختلف النواحي، لا أن أصبح أمًا ناجحة وأقضي على طموحاتي الأخرى لصالح كوني أمًا وزوجة رائعة. الاختيار هو أصعب الأشياء لأننا مطالبون بتحمل عواقبه والتعامل معه مهما اختلفت النتائج أو لم تكن في الحسبان لأن الحياة مليئة بالأشياء غير المتوقعة. المرأة إنسان فريد قبل أن تكون أمًا هناك مِرجَلٌ يغلي في رأسي. ماذا لو فشلتُ في أن أُصبح أمًّا جيدة وزوجة رائعة؟ لا أريد أن أخون نفسي أو أن أدّعي أنني شخصٌ آخر غيري. ما يُرعبني حقًا هو احتمالُ أن يحدث تفاعلٌ كيميائي بين تأليف الكتب ومهامي المنزلية. ستوجَدُ المرأةُ يومًا ما، في زمنٍ لا يعني فيه اسمها شيئًا عكس الذكورة وحسب، بل شيئًا خاصًا بنفسه، شيئًا يُفكّر فيه ويوصف بكلماتٍ لا تهدف إلى التحديد والشمول، بل إلى الحياة والوجود. قد حان الوقت للخروج من القالب التقليدي الذي بقينا فيه منذ زمن بعيد، حيث توضع المرأة في صورة الأم التي تتخلى عن كل شيء في الحياة من أجل أمومتها، أو القالب الآخر الذي أصبح لا يقل تقليدية عن غيره وهو محاولة تصوير المرأة بالـ«super woman» التي تسعى لإرضاء الجميع في البيت والعمل، يجب أن نسعى لخروج المرأة من القوالب المذكورة، ووصفها بكونها إنسانًا فريدًا قادرًا على اختيار ما يناسبه ويتوافق معه، والسعي للنجاح الشخصي على كافة المستويات، دون أن يُصبح مطالبًا بالمستحيل ومرفوض منه أن يكون معرضًا للخطأ بأي صورة، دون أن تصبح الأمهات مُحملات بعبء إرضاء الجميع إلى جانب الأمومة وأعبائها الخاصة. كتبت إليف شافاق عن حليبها الأسود دون أن تشعر بالخزي أو تعبأ بأي شيء سوى الفخر بشجاعتها لمواجهة شبح الاكتئاب والخروج إلى الحياة من جديد، لتنجح في خلق إلهام في نفس كل امرأة ما زالت تقف في المنتصف حائرة بين كونها أمًا وبين شغفها بالاستمرار في طريق ما. أقول لكِ إن الحياة لا تتكرر مرتين، ولأن الندم قد يقابلكِ في وقت ما من العمر، ابذلي دائمًا ما في الإمكان، واحرصي على أن تكوني أمًا تستحق الفخر من أولادها قبل الجميع، وهذا لن يتحقق إلا حينما تصبحين راضية عن كونكِ أنتِ. مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير. قد يعجبك أيضاً صورة الشرق في الخطاب الاستشراقي «ومن بعدنا الطوفان»: ماذا تُعلّمنا حكايات نهاية البشرية؟ هل تُنهي تطبيقات الويب التقدمية عصر تطبيقات الهواتف؟ دراما رمضان: هل ستواصل تشويه الصعيد؟ شاركها 0 FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram نادين عبد الحميد Follow Author المقالة السابقة الإنسان الطائر: هل قتل الحلم صاحبه؟ المقالة التالية العمامة والأفندي: سوسيولوجيا خطاب وحركات الاحتجاج الديني قد تعجبك أيضاً احفظ الموضوع في قائمتك كيف شيد مشروع كانط جسرًا إلى ما بعد الحداثة؟ 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك ذات البيت الأزرق: فريدا كاهلو 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك فيلم «حكاية برونكس»: «روبرت دي نيرو» بين دور المخرج والأب 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك حرب اقتصادية: كيف وصل البرتغاليون إلى أبواب جزيرة العرب؟ 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك عائشة – قصة قصيرة 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك الألم وصل العظم: المقاومة تدعو جمهورها للتبرع عبر البتكوين 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك رواية «عالم جديد شجاع»: الحرية أم الرخاء؟ 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك «ومن بعدنا الطوفان»: ماذا تُعلّمنا حكايات نهاية البشرية؟ 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك لماذا نفشل في التعاطف مع الآخرين في أغلب الأحيان؟ 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك عملية عوفرا: الكبار يموتون والصغار يستمرون في المقاومة 27/02/2023 اترك تعليقًا إلغاء الرد احفظ اسمي، البريد الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح للمرة القادمة التي سأعلق فيها.