شاركها 0FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram 45 مريمة٬ إحدى نساء رضوى عاشور الخالدات٬ التي تبعث من بين صفحات رواية «ثلاثية غرناطة» التي تحكي سقوط آخر ممالك الأندلس٬ وسيطرة القشتاليين التامة على الأرض والبيوت وتهجير الغرناطيين. مريمة التي عاشت المأساة من بداياتها وتجرعت الهزيمة قطرة قطرة حتى لم يعد في حلقها مكان٬ فماتت قبل أن تخرج عن حدود الوطن٬ بعد أن أجهز القشتاليون عليها وعلى الأرض وعلى جرار الزيتون وباحات البيوت. مريمة٬ التي تتكرر كل يوم منذ سقوط غرناطة وحتى اليوم. الهزيمة التي يمكنك أن تراها اليوم بالتحديد حولك٬ إذا ما نظرت ملياً في وجوه أصدقائك خاصة أن ذكرى يناير لم يفت عليها سوى أيام. هزيمة تشبه هزيمة مريمة٬ وأصدقاء يشبهون شخص مريمة٬ ربما أنت نفسك أحد أوجه مريمة. الوطن الذي هزم مريمة الوطن الذي يوجد منذ الأزل٬ المعنى الذي نفتح عيوننا على وجوده٬ لا نحتاج لأحد كي يعرفنا ما هو الوطن٬ هو أول مكان تراه٬ أول مكان تخطو فوق أرضه. الشوارع التي تحفظها والتي تترسخ في عقلك الباطن فتصبح مسرحاً لأحلامك٬ هو المكان الذي تتزوج فيه وتنجب أول أبنائك. الوطن هو المعنى الذي يشمل وجودك ذاته٬ والذي يتخطى فكرة الحب والكراهية٬ وطنك سيظل وطنك حتى لو كرهته وحتى لو تركته وحتى لو سرق منك. هذا الوطن الذي استقبل مريمة. الاطمئنان في طقوس عرسها وحماتها التي علمتها كل شيء٬ في سليمة أخت زوجها٬ وفي الصغار الذين يتقافزون حولها. كان الوطن الذي استقبل مريمة غريباً٬ هادئًا من الظاهر ولكنه يمور بالخوف والترقب. المرة الأولى التي انهزمت فيها مريمة كانت حين فتحت عيونها على وطن لا تعرف كيف تطمئن فيه٬ رغم أن كل شيء يبدو هادئاً٬ رغم أن الأيام تمر رتيبة والقوم اعتادوا التغييرات وتعايشوا معها٬ رغم ذلك تبقى الهزيمة ساخنة رغم أنها لم تكن معلنة تماماً. الوطن قُتل قبل أن تأتي مريمة للدنيا٬ وظل ينازع الموت لعقود. رأته وهو يلفظ أنفاسه٬ فانهزمت مع كل نفس وظلت تنهزم يومياً حتى أعلن موت الوطن النهائي٬ ففاضت روح مريمة. ورغم أن الرواية تعج بالشخصيات فإن مريمة جمعتهم جميعاً في شخصيتها٬ جعلتها رضوى عاشور تجسيداً لهزيمتهم جميعاً٬ هزيمة شريفة وشجاعة ولكنها مهما تأنقت تظل هزيمة. ألا يذكرك وطن مريمة بأي شيء؟ الموت ضحكًا بعد أن تنهزم٬ خاصة إذا كانت الهزيمة تتعلق بوجودك ذاته يكون أمامك خيار من اثنين٬ إما تموت أو تضحك. لو مت فأنت اخترت الحل الأسهل والأقرب٬ لأن الحل الثاني يعطيك مهلة أكبر فقط٬ ولكنك في النهاية أيضاً ستموت٬ ومريمة اختارت أن تضحك٬ لذلك كانت هزيمتها موجعة٬ ولذلك هي قريبة من قلبك٬ لأنك تراها قوية وشجاعة ومناضلة٬ في حين أنك تعرف يقيناً أنها مذبوحة. كانت مريمة مشاكسة٬ تضايق القشتاليين وتحتال عليهم٬ تشتري خروفًا لتقيم في بيت العائلة طقساً إسلامياً حرمه القشتاليون وتحتال على الحرس وتخترع قصة زائفة وتضحك٬ تضحك من فرط سذاجتهم٬ وتضحك لأنها استطاعت بالحيلة أن تنتصر عليهم. ثم تستخدم مواهبها التمثيلية لتنقذ طفلاً مسلماً جهر بإسلامه وتنقذه من الحرس٬ وتضحك مرة أخرى لسعة حيلتها وذكائها٬ تضحك مريمة دوماً من القشتاليين وتتناقل انتصاراتها عليهم٬ وتشتهر سمعة المرأة المشاكسة التي تستطيع أن تحصل على ما تريد رغم أنف الحرس. يتندر الجميع على مواقف مريمة٬ يشيدون بذكائها وموهبتها في الخداع٬ ومع كل مرة تنجح مريمة في الإفلات من العقاب تنهزم روحها. ترى الهزيمة في دموعها على سليمة وفي وداع حماتها التي اضطرت لدفنها على الطريقة المسيحية٬ وفي رحيل ابنتيها وانقطاع الطرق بينهما. هذه امرأة مهزومة كانت تضحك محض حلاوة روح، فظنها الآخرون فرحة بانتصارها. ألا تذكرك سخرية مريمة وجرأتها بأي شيء؟ الهزيمة تنتصر ظلت مريمة أيقونة النضال الغرناطي في الرواية. بعد العائلة الميسورة ذائعة الصيت، ينجح القشتاليون في التضييق عليهم كما ضيقوا على كل أهل غرناطة٬ ولكن مريمة ظلت واقفة راسخة كالشجرة القديمة في باحة منزلها. كبرت مريمة وتعاقبت الأجيال وظلت مريمة هنا ترعى حسن والجيران ونعيم٬ تصنع الفطائر وتذهب للسوق٬ ظلت حية جداً لا يهزمها الدهر٬ رغم أن في مقاومتها تلك كانت منتهى الهزيمة. لم تنتصر مريمة على الظروف٬ ولكنها انحنت للريح٬ هي لم تنجح سوى في أن تظل حية٬ رغم أن هذا لا يعد نجاحًا. تشبهنا مريمة كثيراً. نحن أيضاً نجحنا في أن نظل أحياء٬ ننجح ونكبر ونتزوج وننجب أطفالاً ونضحك ونمارس كل شيء يمارسه الأحياء٬ رغم أننا مهزومون تماماً. مريمة أيضاً تعطيك انطباعاً بالقوة والصمود٬ رغم أن كل شيء هزمها. لم تنتصر في أي معركة٬ سوى أنها استطاعت الموت على أرض غرناطة. الرواية تحكي سقوط الأندلس الأخير وهزيمة مريمة الخاصة التي تخدعك طوال الرواية وتوحي لك أنها استطاعت الانتصار على كل شيء واجهها٬ رغم أنها انهزمت في معركتها مع القشتاليين ومع الزمن ومع البشر٬ كانت وحيدة خائفة تتحمل المسئولية وتمثل أنها بخير. ألا تذكرك مريمة بأي شيء؟ قد يعجبك أيضاً شريف الدسوقي: أشعر أن عمري الآن عشرون عاماً عمر طاهر: «صنايعي» حِرفته الحنين رواية «ما رآه سامي يعقوب»: الحب والثورة ومخاوف أخرى رواية «الحي الروسي»: الهروب من الديكتاتورية عبر الخيال شاركها 0 FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram إنجي إبراهيم Follow Author المقالة السابقة 7 كتب هامة تخبرك بكواليس وأسرار صناعة السينما المقالة التالية السينما اللبنانية: من الحرب إلى الأوسكار قد تعجبك أيضاً احفظ الموضوع في قائمتك أهم 10 مجموعات قصصية عربيًا وعالميًا في 2018 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك أسطورته: الحوار الأخير في حياة رفعت إسماعيل 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك الآخر في عين نفسه: أثر الاستشراق على موسيقى الشرق 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك حكايات اللاجئين: قوارب نجاة بين ضفتي هلاك 01/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك «لا تطفئ الشمس»: مشاعر متضاربة وأداء باهت 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك كيف رأى نجيب محفوظ السُلطة في رواياته؟ 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك «Hell Or High Water»: نص حداثي لتيمة كلاسيكية 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك أفضل 10 روايات عربية وعالمية في 2018 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك أغنية «يوم تلات»: عمرو دياب يتحدى الترند 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك العساكر في السينما المصرية: فيلموجرافيا الإنسان والبندقية 03/03/2023 اترك تعليقًا إلغاء الرد احفظ اسمي، البريد الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح للمرة القادمة التي سأعلق فيها.