تحكي الأسطورة الصينية عن قريةٍ كانت آمنة، فجاءها تنينٌ ضخم. ألزم أهلها كهوفهم ومساكنهم. وخرج شابٌ فتيّ من بينهم فقتل التنين. ودعاهم للخروج من مخابئهم. ذلك أنه قتل التنين ولم يعد لخوفهم سبب. تردد أهل القرية وقال أحدهم: «إنك قتلت التنين، ومعنى هذا أنك أقوى منه، فحُق علينا أن نخافك أكثر مما كنا نخافه». تكتمل الأسطورة على نحوٍ مغاير لما تسير عليه حرب التنانين السعودية، حيث يؤكد الفتى أنه الأقوى مع كل مرة يقتل فيه تنينًا أو يسجنه أو يسلبه المال والنفوذ.

في ظل تغيرات جذرية جرت في المملكة العربية السعودية صعد على إثرها الأمير الشاب «محمد بن سلمان» على سلم السلطة، تغيرت خريطة الأحلاف العربية. حوصرت دول ودمرت أخرى، وتلخصت السياسة في الولاء للحلفاء، لا انتقادهم فضلًا عن مخالفتهم في التوجهات والرؤى. ولما كان لصعوده أثر لا يُرجى زواله قريبًا اختارته «إضاءات» شخصية هذا العام.


الشخصية العربية الأبرز

ظهر الأمير «محمد بن سلمان» كأبرز شخصية عربية في 2017؛ أطلق «رؤية السعودية 2030» لتقليص اعتماد المملكة على النفط، ووضع برنامجًا للتحول الوطني لتحقيق أهداف تنموية بحلول عام 2020، وكان مهندس التحالف الدولي ضد الحوثيين، وتنقل بين مناصب عدة، كان أبرزها صعوده إلى ولاية العهد بعد تنحية ولي العهد ووزير الداخلية السابق الأمير «محمد بن نايف»، في ظل تقارير متجددة -لا يعلم مدى صحتها- حول تنازل الملك سلمان عن العرش السعودي لابنه محمد، بعد أن هيمن على السياسات الاقتصادية والدبلوماسية والأمنية الداخلية بوجه عام.

ومنذ ظهور ابن سلمان على الساحة أصبحت قرارات السعودية تتسم بالتسرع والغرابة التي لا تتسق مع تاريخ النظام السعودي في التروي والتأني الدبلوماسي، وزادت خطورة الأمر بعد أن صار الملك «الفعلي»، وصاحب القرار الأول الذي يتولى كل الملفات؛ فهو رئيس المجلس الاقتصادي الأعلى، وهو الذي ربط الأمن العام والنائب العام بالديوان الملكي الذي يشرف بنفسه عليه، كما كان صاحب فكرة مؤسسة «أمن الدولة» بالسعودية، إلى جانب كونه وزيرًا للدفاع.


شبكة «بلومبرج» الأمريكية

المتخصصة في الشئون الاقتصادية وصفت صعود محمد بن سلمان بـ «الحياة المهنية سريعة المسار»، مشيرةً إلى أنه في أقل من 3 سنوات أصبح وزيرًا للدفاع، وأدخل البلاد في حرب اليمن، وأطلق برنامجًا للإصلاح، كما سارع لحصار قطر، وأصبح وليًا للعهد من خلال «مؤامرة كلاسيكية دُبرت في وقت متأخر من الليل».

ورغم هذه السيطرة شبه الكاملة فإن التقارير التي يتم تداولها تشير إلى أن ابن سلمان سيحتاج إلى تعزيز الدعم الجماهيري له، وتهيئة الأوضاع الداخلية، وقد يتطلب ذلك إسكات الأصوات المعارضة داخل العائلة المالكة وكامل الأراضي السعودية، وهو ما دفع البعض إلى تفسير حملة الاعتقالات في سبتمبر/أيلول الماضي، والتي شملت رجال دين ومثقفين وكتّابًا ومعارضين، بأنها تطبيق لهذا الغرض، خاصة أنها جاءت بعد 3 أشهر فقط من توليته ولاية العهد، في يونيو/حزيران 2017، ما يشير إلى استعداده وتجهيزه المسبق لها.

باتريك كوكبيرن، الكاتب الصحفي الأمريكي المتخصص في شئون الدفاع،

قال

إن محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي ترامب يُعتبران خطرًا على السلام في العالم، خصوصًا مع التصعيد غير المسبوق ضد إيران، وأشار إلى أنهما تسببا في عدم استقرار الشرق الأوسط بشكل لم يحدث من قبل، وأن كليهما يشترك في اتخاذ مواقف شديدة التهور والعدائية في تصريحاتهما وسياساتهما. وأضاف «كوكبيرن» أن المملكة تعتمد سياسة متهورة في الملفات الإقليمية والدولية، مُحذرًا من سذاجة ولي العهد السياسية.


طموح السيطرة يصطدم بإيران

بعد شهرين فقط من توليه وزارة الدفاع أشرف ابن سلمان على إدارة العمليات العسكرية لـ «عاصفة الحزم»، والتي قادت فيها السعودية تحالفًا من 10 دول لمحاربة الحوثيين في اليمن، فكانت المرة الأولى التي تقود فيها السعودية حربًا بتحالف دولي.

ولم يعبأ مهندس الحرب بالتكلفة المليونية التي تتحملها المملكة من جراء العمليات العسكرية، أو بالتهديدات المتتالية للحدود الجنوبية للسعودية، أو تصاعد الانتقادات الدولية لمقتل مئات المدنيين من جراء الغارات المستمرة، والتي أدت إلى انتشار الكوليرا والمجاعة في مناطق عدة باليمن.

ويعود ذلك إلى رغبة «القيصر السعودي» في الإعلان عن قوة بلاده في مواجهة النفوذ الإيراني بالمنطقة مهما كلّفه الأمر، وهذا يتضح من

تصريحه الشهير

بأن السعودية لن تُلدغ من إيران مرة ثانية، حيث أشار إلى أن إيران تستهدف قيادة العالم الإسلامي، ولن تتمكن من ذلك في وجود السعودية، وأن المملكة لن تنتظر حتى تصبح المعركة في السعودية، بل ستعمل لكي تكون المعركة في إيران.

وقد أثارت هذه التصريحات العنيفة قلقًا إقليميًا ودوليًا، زاد من حدته البيان الرسمي الذي أصدره الحرس الثوري الإيراني، والذي

يتهم السعودية

بالوقوف خلف العمليات الإرهابية التي وقعت عند مرقد الإمام الخميني ومقر البرلمان الإيراني، في 7 يونيو/حزيران 2017.


علاقات وطيدة مع الإخوة والأعداء

علاقات ابن سلمان بالدول الإقليمية وعلى رأسها الإمارات ومصر تدلل بقوة على توجهه الخارجي، فالإمارات ملعب اقتصادي عربي-غربي يُمكّنه من السيطرة المالية والاقتصادية والترفيهية داخل المنطقة العربية وخارجها. وفي الشأن المصري فإن التوافق واضح بين ابن سلمان والسيسي على العداء الشديد للإسلام السياسي، وبخاصة الإخوان المسلمين، ليخوضا حربًا عالميةً على التنظيم، انطلاقًا من

تصريحات ابن سلمان

التي ألمح فيها إلى سعي «الدعاية الإخوانجية لإحداث شرخ في العلاقة بين السعودية ومصر، ولكن القيادة في الدولتين لا تلتفت إلى هذه المهاترات والتفاهات»، هذا فضلًا عن التقارب بين الدولتين في قضية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير.

وعلى جانب آخر، يحظى ابن سلمان بتأييد سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وقد ظهر ذلك من

ترحيب وزير الاتصالات الإسرائيلي

، أيوب قرا، بتعيين ابن سلمان وليًا للعهد، وآماله في أن يساهم ذلك في التقارب بين المملكة وإسرائيل، مشيرًا إلى أن هذا التعيين يعني المزيد من التعاون في الشرق الأوسط، وليس فقط فيما يتعلق بالنفط.

فيما قالت صحيفة هآرتس الإسرائيلية إن صعود ابن سلمان لمنصب ولي العهد يعد خبرًا جيدًا لإسرائيل وللولايات المتحدة، وذلك في ظل تقارب الفكر بينه وبين إسرائيل في ملفات الحرب على الإرهاب والمسألة السورية والدور الروسي في المنطقة. كما أشارت الصحيفة إلى لقاء ابن سلمان بعدد من المسئولين الإسرائيليين في وقت مسبق.


مغامرة اقتصادية وقمع

اقتصاديًا، اقترح ابن سلمان طرح أسهم شركة «أرامكو» السعودية للنفط في بورصة نيويورك، وهو ما أثار المخاوف من انهيار الشركة في ظل قانون «جاستا» الأمريكي، لكن ابن سلمان يراهن على قوة العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة بصفة عامة، وبينه وبين ترامب بصفة خاصة، كما أن قرارات ابن سلمان بزيادة إنتاج النفط رغم استمرار انخفاض أسعاره عالميًا أدت إلى انهيار الأسعار، واضطرت السلطات إلى اتباع سياسات تقشفية وتخفيض الدعم لعدد من الخدمات والسلع الرئيسية.

أما داخليًا، ففي

مقاله المنشور

تحت عنوان «السعودية لم تكن قمعية إلى هذا الحد»، قال الكاتب السعودي «جمال خاشقجي»: إنه مع صعود ابن سلمان إلى السلطة وعد بإدخال إصلاحات اجتماعية واقتصادية، ولكن كل ما أراه حاليًا هو الموجة الأخيرة من الاعتقالات، فقد اعتقلت السلطات حوالي 30 شخصًا، وذلك قبل صعود ولي العهد إلى العرش، وهذه الخطوة تصب في خانة تشويه سمعة المثقفين وعلماء الدين الذين تجرأوا على التعبير عن آراء تتعارض مع آراء قيادة بلادي.

اقرأ أيضًا:

لن ينجو أحد: محمد بن سلمان يحكم وحيدًا

وتساءل خاشقجي: «لماذا ينتشر هذا المناخ من الخوف والترهيب، في حين يحظى ابن سلمان بالشعبية، وتم دعم خطته للإصلاح من قبل معظم الذين تم اعتقالهم؟» وذكر خاشقجي مطالبة الكتّاب المقربين من السلطة السعودية باجتثاث الإسلاميين، مشيرًا إلى أنه «ليس سرًا أن ابن سلمان يحتقر الإخوان المسلمين». مضيفًا: «لطالما اعتبرت انتقاد مسئول سعودي للإسلاميين مدعاة للسخرية، خصوصًا أن المملكة هي أم الإسلام السياسي، حتى أنها تصف نفسها بأنها الدولة الإسلامية التي تطبق الشرائع بحذافيرها، تجنبًا لاستعمال مصطلح (الدستور) بسبب معناه العلماني؛ وغالبًا ما نقول إن القرآن هو دستورنا».

قد ترى أن قرارات القيصر السعودي الجديد تتميز بالتسرع والرعونة وعدم الخبرة، خاصةً أنها تأتي بعد فترات قصيرة من توليه المناصب، بحيث لا تتعدى شهورًا، رغم أنها قرارات مصيرية قد تؤثر على صورة المملكة داخليًا وخارجيًا. لكن بنظرة بسيطة على ما يقوم به فلا يمكن أن نغفل عنصر الإعداد الجيد. إذ يبدو أن ابن سلمان قام بالترتيب لكل هذا مُسبقًا، ودرس آثاره الجانبية، والتي تصب أغلبها في إعلان السيطرة الكاملة له على مجريات الأمور في البلاد، فالملك الجديد –على اعتبار ما سيكون– يريد سيطرة مطلقة لا منقوصة أو مُوزعة، فيما يمكن اعتبار الأمر إعادة تشكيل لمستقبل العائلة المالكة أكثر من كونه إعادة تشكيل لسياسات المملكة حاضرًا ومستقبلًا، تشكيلًا يتركز من خلاله المال والنفوذ في يد أبناء سلمان بعد أن فني أبناء عبدالعزيز إلا واحدًا جمع مآثرهم وما بقي منهم.

وبالرغم من أن رؤية ابن سلمان الاقتصادية تحظى بالتأييد والموافقة، إلا أن السيطرة في أعراف الأنظمة العربية لا تكتمل إلا أمنيًا وعسكريًا، بجانب السيطرة على رؤوس الأموال، حتى لو كنت ملكًا ومالكًا لواحدة من أكبر شركات النفط العالمية.