محتوى مترجم
المصدر

صحيفة العامل الأسبوعي
التاريخ
2015/06/11
الكاتب
موشيه ماتشوفر

فلنبدأ باستدعاء أربعة تواريخ حديثة. في ديسمبر العام الماضي، اختلق رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أزمة وزارية، وكان ذلك قبل أن تقام انتخابات عامة بوقت طويل (إذ كان لديه تكليف لعامين إضافيين لحكومته)، لكنه دعا لانتخابات مبكرة تكون بتاريخ 17 مارس 2015. هذه الانتخابات ذاتها، هي التاريخ الثاني، وأما التاريخ الثالث هو 3 مارس 2015 تحديدا قبل أسبوعين من يوم التصويت، حين ظهر نتنياهو أمام الكونغرس الأمريكي، ملقيا خطابه الناري ضد إيران.

كان هذا هو السببَّ وراء تسلسل كل تلك الأحداث. ما يعني أن نتنياهو أراد أن يبذل قصارى جهده لتخريب الاتفاق مع إيران. ولذلك تعين عليه الظهور في الكونغرس في محاولة علنية لكسب تأييد النخب الأمريكية ضد إيران داخل الكونغرس. وكانت

هذه الخطوة تعني مبارحة السياسة الاسرائيلية التقليدية، التي كانت تعني، ولو ظاهريا على الأقل، الاتفاق مع كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري وبالتأكيد عدم إهانة البيت الأبيض.

وهذه السياسة كانت مدعومة بوزيرين ألقى بهما خارج حكومته في ديسمبر المنصرم. بكلمات أخرى، لولا طرد هذين الوزيرين لما كان ليحصل على تصريح وزاري بإدلاء ذلك الخطاب.

مما لاشك فيه، ألا مكان لأي شيء تقريبا، يكون فيه السبب واحدًا حين يتعلق الأمر بالسياسة. فقد كانت لديه أيضا حسابات انتخابية داخلية لم تجرِ على النحو الذي أراد. إلا أن السبب الرئيسي، مع ذلك، كان إجراء منعطف هام في السياسة الاسرائيلية حيال الولايات المتحدة؛ منعطف يقوم على التخلي عن مجاملة مزدوجة للديمقراطيين والجمهوريين، والاصطفاف جهرًا مع متشددي الحزب الجمهوري. أقول “متشددي”، لأنّه حتى الحزب الجمهوري ليس لديه إجماع بخصوص الرأي القائل أن الاتفاق مع إيران يجب أن يخرَّب. وعلى سبيل المثال، أحد مرشحي الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية، رون باولRon Paul ، هو بالتأكيد ضد تخريب الاتفاق وهو بشكل عام ضد التدخل العسكري في بلدان الشرق الأوسط.


إلا أن نتنياهو أهان البيت الأبيض متعمدًا

. وفي انتقاص لم يسبق له مثيل لباراك أوباما، ظهر في مجلس النواب الأمريكي بعد دعوة من المتحدث باسمه والجمهوري كذلك، دون إعلام الرئيس الأمريكي. دبلوماسيا، تعتبر هذه صفعة على الوجه. وقبل ذلك بيومين فقط كان السفير الاسرائيلي في البيت الأبيض يحادث أوباما دون أن يأتي على ذكر هذه الزيارة أمامه. لذا من الواضح أن هدف نتنياهو كان تخريب المفاوضات مع إيران.

لطالما قلت، أنه وإن كان ثمة بعض نقاط الالتقاء بين الولايات المتحدة واسرائيل في علاقتهما بإيران، إلا أنهما غير متطابقتان. فإسرائيل وبشكل جلي أكثر تشددا تجاه إيران، بينما المؤسسة الأمريكية، والتي تعبر عن الاتجاه السائد، قد تكون مستعدة لعقد اتفاق تحت بنود معينة مع إيران، أما إسرائيل فهي أشد عدوانية تجاه هكذا اتفاق.

ليست هذه بأسباب عابرة وسيعمل نتنياهو عليها سواء مضى الاتفاق أم لا (على الأرجح أنه سيتعثر، ومع ذلك لا شيء مؤكد). الموعد النهائي الأخير سيكون نهاية يونيو، لذا سيكون ثمة متسع من الوقت لكل أنواع المكائد من قبل متشددي الحزب الجمهوري حلفاءِ حكومة نتنياهو.


إسرائيل ضد إيران

مع أن إيران ليست بدولة

مسيطرة

إقليميا (

إضاءات:

بالإنجليزية: hegemon هي نوع غير مباشر من الحكومة ذات السيادة الامبراطورية حيث تمارس الدولة المسيطرة-المشار إليها بـ hegemon القيادة الجيوسياسية على الدول المسيطر عليها باستخدام القوة بدل السيطرة العسكرية المباشرة)، إلا أن إسرائيل مؤمنة بإمكانية إيران أن تصبح قوة معتبرة في الشرق الأوسط. فإن كان سيجري اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران، سيكون حينها من الممكن- إن لم يكن تحت هذا النظام فتحت نظام آخر- لإيران أن تصبح قوة مهمة في المنطقة. هذا من شأنه، بشكل عام، أن يقلل من مكانة اسرائيل بوصفها الحليف الأشد خصوصية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

بادئ ذي بدء، تلي إيرانُ اسرائيل مسبقًا في كونها قوة محلية رئيسية. إسرائيل قوة عظمى فيما يخص القطاع العسكري، وبما يتضمن إنتاجها العسكري، وهي كذلك الكيان الرأسمالي الحديث الوحيد في المنطقة. مع ذلك،

إيران –


تحت درع نظامها الثيوقراطي- أيضا واحدة من من إحدى البلدان الرأسمالية المتقدمة في المنطقة

. ولديها عدد سكان بعشرة أضعاف إسرائيل، إنها كبيرة جغرافيا ولديها جيش ضخم. ومجموع القوات المسلحة الإيرانية يقارب النصف مليون.

مصر فقط هي الدولة التي تملك عدد سكان وعدد جنود مشابه، مع ذلك، مقارنة بالجيش الإيراني، تعتبر مصر دولة من الدرجة الثانية. لم تنتصر مصر في أي حرب في الذاكرة القريبة، عدا حرب أكتوبر المفاجئة على إسرائيل، التي فازت بها مبدئيا، لكنها خسرتها بعد تلقي إسرائيل حزمة إمدادات عسكرية من الولايات المتحدة. خسرت مصر كذلك في اليمن، وخسرت نهائيا في مواجهة اسرائيل عامي 1956 و 1967. وعلى النقيض منها فالجيش الإيراني مقوى بحربه ضد العراق، التي فازها عمليا، برغم كلفتها الباهظة.

إسرائيل عملاق عسكري مقارنة بحجمها بما لا يدع مجالا للشك، بما أنها قوة نووية. مع ذلك، لديها حوالي 170.000 شخص نشطين في الخدمة العسكرية، بما يشمل خبراء ومجندين، وهي قادرة على حشد 450.000 احتياطي لفترة زمنية قصيرة.

هذا يعني أن إسرائيل قادرة على القتال في حروب قصيرة فقط

. إن كل الاستراتيجية الإسرائيلية متعلقة بالقتال في هكذا حروب قصيرة لأنك لا تسطيع أن تحشد نصف مليون مواطن في سن الخدمة العسكرية لفترة زمنية طويلة قبل أن يهوي الاقتصاد على ركبتيه.

إيران قصة أخرى، إذ لديها ذات العدد تقريبا نشطًا في الخدمة العسكرية. وإيران هي البلد الوحيد في المنطقة عدا اسرائيل الذي يمتلك صناعة عسكرية ضخمة. قارن إيران بتركيا (بلد بحجم مشابه): لدى تركيا صناعة عسكرية صغيرة نسبيا. إلا أن الفرق يعزى إلى العزلة الدولية التي تعانيها إيران مقابل تعاون تركيا مع قوات حلف شمال الأطلسي الناتو. لقد تلقت تركيا الكثير من العتاد العسكري، ما قاعصها عن تشييد صناعة عسكرية كبرى، ذلك رغم محاولاتها اللحاق بالركب منذ العام 1980.

تعتبر إيران متقدمة في بعض فروع الإنتاج العسكري. فيما تعتري إسرائيل تفصيلية خاصة: إذ إنها لا تنتج الشيء الكثير من الصناعة العسكرية الثقيلة، لكنها عوض ذلك تعمل على تحديث تلك القطع التي تردها من الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى

. هذا ويجدر الإشارة إلى أنه ليس لدى إيران كمية محددة من الإنتاج العسكري الثقيل، إذ تعتمد جزئيا على روسيا فيما الجزء الآخر من التكنولوجيا المحلية.

لا تسئ فهمي. فليس السؤال المطروح هنا فيما إذا كانت اسرائيل ستخسر مواجهة عسكرية مع إيران. (هكذا مواجهة ستكون مطروحة على الطاولة فقط إن هاجمت اسرائيل إيران، والقصص المثارة حول سلاح نووي إيراني يهدد اسرائيل محض ثرثرة، وهو الأمر الذي يبدو جليا حينما يتحدث ضباط عسكريون اسرائيليون كبار بمنتهى المهنية، وهذا لا ينفي أن وجود قوة عسكرية لإيران يعطي تلك السردية شيئا من سطوتها في الوعي الجمعي الاسرائيلي)

كلنا يعرف التنويه القديم المعروف

بديبلوماسية مدافع الأسطول


Gunboat diplomacy

(

إضاءات:

يقصد بها استعراض القوة العسكرية للضغط النفسي على الطرف الآخر في اتفاقية أو صراع ما)، ليس عليك أن تملك مسدسا لتطلق النار، لوّح وحسب بعصا كبيرة، كما قال الرئيس الأمريكي

فرانكلين روزفلت

ذات مرة.

والصناعة العسكرية


مورد اقتصادي


هام

، وهو الأمر الذي تعيه إسرائيل جيدا انطلاقا من خبرتها الخاصة. لذا فإن إيران منافس محتمل قوي لإسرائيل إقليميا.

إن الترتيب الإمبريالي في المنطقة ليس ثابتا، ليس هرميا. كل بلد له دوره الخاص في المنظومة. ذلك أن دور السعودية ودول الخليج بعيدا عن إنتاج النفط، يكمن في كونها مصدرا لرأس المال ومحورا مهيمنا على المشرق العربي وشمال أفريقيا؛ اقرأ/ي الكتب الرائعة التي ألفها

الماركسي الفلسطيني آدم هنية

في هذا الصدد. في حالة إسرائيل دورها مختلف بعض الشيء، إنها قوة إسرائيل العسكرية ما يكسبها الأهمية. فالدور الرئيسي الإسرائيلي ليس اقتصاديا في المقام الأول، بل دورها ككلب حراسة للإمبريالية (مع أن دورها يتخطى ذلك، سأتطرق لهذا لاحقا). إسرائيل بحاجة هذه الهيمنة على المنطقة كي تحمي مكتسابتها العسكرية في الأراضي الفلسطينية. إنها في حاجة للهيمنة العسكرية كي تفزع جيرانها وتبقي على الأراضي التي بحوزتها (مع احتمالية دائمة بالتوسع أكثر).


إذا، ما المرجح حدوثه خلال الشهور القليلة الآتية؟

إن أسوأ ما يمكن حدوثه أن يفشل اتفاق 5+1 مع إيران وتجد “الجنونياتُ” طريقها. قد يؤدي ذلك إلى هجوم نووي على إيران، مع أنني بجدية، أشك بشأن هذ ا الأمر. بعض الهجمات الاسرائيلية ممكنة، مع ذلك، قد يؤدي هذا إلى انتقام إيراني واحتدام ضخم في المنطقة.

كنتيجة ثانوية لهذا الاحتدام قد يضطر نتنياهو للقيام بعملية تطهير عرقي كبرى في الضفة الغربية. هذا ليس مجرد تصور: إن ثمة خططا معروفة من أجل ذلك، كما يشرحها

مارتن فان كريفلد


Martin van Creveld

في


مقال


نشر سنة 2002 في سياق اجتياح العراق. نتنياهو ذاته معروف بتأييده تطهيرا عرقيا ضخما في الضفة الغربية حينما كان وزيرا صغيرا آنذاك، مستخدما أزمة عالمية ستارا لذلك التطهير.

أما وقد عرفنا سيناريو أسوأ ما قد يحدث،


ما السيناريو الأقل سوءا إذن


؟

أن يمر اتفاق إيران. ربما تخبو الهيمنة الجمهورية في الولايات المتحدة، بالنظر إلى ما ينويه نتنياهو، ويحافظ الديمقراطيون على مقعد الرئاسة، وربما أيضا يفوزون بأغلبية في الكونغرس (مع أن هذا غير مرجح). في هذه الحالة سيخسر نتنياهو رهانه. هل سيعاقب من قبل الولايات المتحدة عبر هذا السيناريو؟ أقول، أرجوك لا تحبس أنفاسك. دور إسرائيل للولايات المتحدة، إقليميا وعالميا، مقام على أسس صلبة.

من شأن اسرائيل أن تظل الشريك المفضل للولايات المتحدة في المنطقة مع بقاء تنتياهو في دوره متسببا بالمشاكل على المدى الطويل


و


برغم استمرار محاولاته ضعضعة علاقات الولايات المتحدة وإيران

، كي لا يتم التخلي عن موقع اسرائيل بوصفها الشريك الوحيد المحظي للولايات المتحدة.


المجمع الصناعي العسكري

إذا ما هي أسس هذه العلاقة؟ لقد كان ثمة جدل قائم حول هذا منذ العام 2006، منحه الشرارة مقال ثم كتاب ألفه اثنان من علماء السياسة الأمريكيين، من أتباع المدرسة الواقعية،

جون ميرشايمر


John Mearsheimer


وستيفن والت


Stephen Walt

.


لقد جادلا مبدئيا بشأن كون السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط موجهة عبر اللوبي الداعم لاسرائيل. بتعقلٍّ، لا يشير الكاتبان إلى “اللوبي اليهودي” لأنهما يدركان أن أغلبية هذا المعسكر/اللوبي ليس في الحقيقة مشكلا من اليهود. إن فيه مسيحيين متزمتين أشد دعما لإسرائيل من اليهود أنفسهم. ثمة مؤسسة هامة في هذا المعسكر هي

لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية


American Israel Public Affairs Committee


(Aipac)


والتي تعتبر اللجنة التنسيقية لحشد الدعم لاسرائيل (2).

أيصحُّ تحليل ميرشايمر-والت؟ ثمة بعض اليساريين اليوم الذين لديهم تحليل مشابه.

جين بريكمونت


Jean Bricmont

لديها رؤية أولية يضيف عليها

جيمس بيتراس


James Petras

وهو أكاديمي أمريكي متقاعد يكتب حول أمريكا اللاتينية، لكن عندما يتعلق الأمر بالعلاقة مع اسرائيل يصبح فجأة أمريكيا وطنيا، مدعيا أن الشعب الأمريكي ‘مستعمرٌ من قبل اسرائيل. سأقول أن هذه النظرة ستكون شبيهة بأن يهاجم الذيل الإسرائيلي الكلب الأمريكي. ويعرف

إيان دونوفان


Ian Donovan

أيضا بتأييده هذه النظرية.

إن جزءا آخر من هذه النظرية يشير إلى أن اللوبي الاسرائيلي يؤثر في السياسة الأمريكية بطريقة هي ضد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية.

بيتراس

حاد بشكل خاص بهذا الصدد، كما هو الحال بالنسبة لـ

والت

و

ميرشايمر

. لكن هذه النظرية تظهر خللا في كل من أبعادها المادية والدياليكتية.

فدونوفان قد وضع نوعًا من التفسير المادي: إنه يجادل بشأن كون كل هذا صنيعة اليهود الرأسماليين الأمريكيين، والذين هم رأس حربة الإمبريالية. هذه النظرية تبدو مادية لإتيانها على ذكر الرأسماليين. إنه مصيب حينما يقول بأن اليهود كثيفو الظهور ضمن الطبقة الرأسمالية الأمريكية. فنسبة اليهود (بالاعتماد على من تعرفه كيهودي) ضمن التعداد السكاني الأمريكي العام حوالي 2.5%.

وحين نقيسه على الرأسماليين الأمريكيين فإن النسبة بالتأكيد ستكون أعلى

(بالطبع، اليهود في أمريكا ليسوا الجماعة الإثنية أو الدينية الوحيدة التي لديها هذا الحضور الكثيف في الطبقة الرأسمالية).

مع ذلك، هل يحتاج هؤلاء الرأسماليون اليهود بالفعل للتأثير على السياسة الأمريكية بهكذا طريقة؟ هل لدى الرأسماليين اليهود مصالح متمايزة عن الرأسماليين الأمريكيين بشكل عام؟ ألديهم مصالح “مادية” خاصة في اسرائيل؟ إن ليس ثمة من دليل على هذا. (بالإضافة، إلى أن فكرة كون السياسة الخارجية لدولة امبريالية منوطة ببعض الأفراد الأثرياء لكوميدية)

خذ، على سبيل المثال الحكاية الشهيرة لـ

شيلدون آديلسون


Sheldon Adelson

، وهو رأسمالي كبير وداعم كبير أيضا لإسرائيل. ألديه أية استثمارات في إسرائيل؟ نعم لديه: إذ يستثمر الرجل في صحيفة يومية مجانية، هي

إسرائيل اليوم


Israel Hayom

، والتي تعتبر ورقة دعاية لصالح نتنياهو. لكن هذا الاستثمار قد قدم على شكل مساهمة سياسية، ليس لديه ركيزة مادية في اسرائيل، إلا أنه أحد أثرياء لاس فيغاس المعروفين بالمقامرة. وهو ليس بالمنصب الاستراتيجي الذي يخوله التأثير على سياسة بلاده في الشرق الأوسط.


أي جزء من رأس المال من شأنه أن يؤثر فعلا على سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط؟

والجواب موثوق كل الثقة: إنه

المجمع الصناعي العسكري Military-industrial complex

(

إضاءات:

مصطلح يصف العلاقة السياسية والمالية القائمة بين المشرعين والقوات المسلحة الوطنية والصناعات العسكرية التي تدعمها. ويستخدم المصطلح للإشارة إلى المنظومة التي تدعم القوات المسلحة الأمريكية). وفي خطابه الوداعي، حذر الرئيس الأمريكي

دوايت آيزنهاور

سنة 1961 من أن هذه المنظومة من شأنها أن يكون لها




تأثيرات غير مُجازة




ويجب إيقافها فورا (فيما يتعلق بالشرق الأوسط كنت لأضيف تأثيرات شركات النفط).

إنها الشركات، لا الأفراد الرأسماليون، من يملك التأثير الخفي على السياسة، وثمة الكثير من الأدلة بأن المجمع الصناعي العسكري له ركيزة مادية في إسرائيل. قد لا يكون شيلدون آيلسون امتلك استثمارات مادية، لكن هذا القسم من رأس المال الأمريكي له، وإسرائيل مُدمجة فيها بقوة.

إن أكثر الأدلة تركيزا في هذا الرأي، سنجدها في تقرير نشر سنة 2011 عبر

معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى


The Washington Institute for Near East

، ومؤلفا هذا التقرير هما

روبرت بلاكويل


Robert Blackwill

و

والتر سلوكومب


Walter Slocombe

. ملخص التقرير كان قد نشر على موقع صحيفة

لوس آنجلس تايمز

. لكنّ هنالك دليلا أقدمَ. قدمه رئيس مجلس المشاريع الخاصة في

مركز آرييل لأبحاث السياسة

،

يورام إيتينغر


Yoram Ettinger

، إذ كتب سنة 2005 أن العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة لم تكن يومًا أحادية. فإسرائيل توفر الكثير من الخدمات الهامة.

ويقتبس عن وزير الخارجية الأمريكي وضابط الناتو الأسبق

ألكساندر هايغ


Alexander Haig

، الذي قال بأنه يدعم اسرائيل لأنها:




أكبر ناقلة طائرات أمريكية لا يمكن إغراقها في العالم، وهي لا تحمل على متنها جنديا أمريكيا واحدا حتى

(هذا لم يعد صحيحا، بالمناسبة)

وهي متموقعة في منطقة حرجة جدا بالنسبة للأمن القومي الأمريكي


إن ما يركز عليه

إيتينغر

بشكل رئيسي هو


مساهمة إسرائيل في المجمع الصناعي العسكري الأمريكي


، خصوصا فيما يتعلق بتكنولوجيا المعلومات، وتكنولوجيا الروبوتات. إسرائيل رائدة في إنتاج طائرات بدون طيار للاستخدام الجاسوسي وتنفيذ الاغتيالات، وبالتحديد الآن لحاجة الولايات المتحدة هذه الطائرات في بسط هيمنتها العالمية. في هذه التفصيلية، لعبت اسرائيل دورا حيويا لصالح المجتمع الصناعي العسكري. فنائب رئيس الشركة التي تنتج طائرات F-16 حاضر قائلا: “

إن إسرائيل مسئولة عن 600 تحسين في نظام هذه الطائرة، قيمة هذه التحديثات تقدر بمليارات الدولارات، والتي توجت سنوات من جهد البحث والتطوير

“. هنا تتخصص اسرائيل في ظل غياب صناعتها العسكرية الثقيلة. وفرت الشركات الأمريكية السلاح، لكن الشركات الاسرائيلية توفر الخبرة الإلكترونية والحيوية العلمية وقد صارت مسئولة عن العديد من التحسينات. وهذه التحسينات تساوي مليارات من الدولارات.

يتابع قائلا:

“إن انتفاع اسرائيل بالسلاح الأمريكي يضمن وجودنا، لكنه في الوقت ذاته يمنح الجيش الأمريكي ميزة تنافسية مقارنة بالصناعات الأوروبية، في الوقت الذي سيعني فيه أيضا زيادة الانتاج العسكري الأمريكي، وتوفير وظائف للأمريكيين وتحسين الأمن القومي الأمريكي. فاليابان وكوريا الجنوبية على سبيل المثال فضلتا طائرة Hawkeye هوك آي (عين الصقر) الجاسوسية و هيلوكبتر الـ MD-500 وكلاهُما طُلبتا وحُسِّنتا في اسرائيل،على طائرات مقاتلة فرنسية وبريطانية”

هذا كان الدور العالمي لإسرائيل وصلتها بالهمينة الأمريكية العالمية. لا علاقة للأمر باليهود-الصهاينة الرأسماليين؛ إنه مرتبط بالمجمع الصناعي العسكري.


مساهمة إسرائيل

دعوني الآن أقتبس من


تقرير بلاكويل




وسلوكومب


. بادئ ذي بدء، لدى الاثنين نقطة صائبة فكرت بها أيضا، وباستخدام كلمات أخرى، علاقة إسرائيل بأمريكا محتلفة عن علاقتها بأي بلد آخر في المنطقة:



في السياق السياسي، سيكون من المهم ملاحظة أن إسرائيل -على عكس بلدان شرق أوسطية أخرى تعتبر حكوماتها حليفا للولايات المتحدة الأمريكية- هي كيان ديمقراطيته مستقرة مسبقًا، ما يعني أن الإطاحة به بعد موجة احتجاجات مفاجئة أو ثورة مسلحة أمر غير وارد؛ وهي حقيقة سيكون لها أهمية أشد في الفترة العاصفة التي تلوح في الأفق.


في إشارة لما حدث في إيران، التي كان نظامها “شريكا” مع الولايات المتحدة، حتى جرت الإطاحة به في ثورة عام 1979

يتابعان قائلين:



والأكثر من ذلك،


لأجل كل تلك المشاحنات الدورية التي حظيت بها الولايات المتحدة، رسخ الاسرائيليون وسياسيوهم تطلعات مناصرة لأمريكا، وعليه، غدا دعم إسرائيل لمصالح الولايات المتحدة محبوكا بإحكام في نسيج الثقافة السياسية الديمقراطية الاسرائيلية. يكسب هذا التمازج أهميته من كونه ليس موجودا في أي بلد آخر في الشرق الأوسط الكبير في وقتنا الحاضر

يمضيان لاحقا نحو تفصيل الطرق المختلفة التي تساعد بها اسرائيل المجتمع الصناعي العسكري الأمريكي. وهذا ملخص من صحيفة لوس آنجلس تايمز

:



لقد استفادت الولايات المتحدة عبر التدريب المشترك، والتمرين وتبادل العقيدة العسكرية، في مجالات “مكافحة الإرهاب” والاستخبارات وحروب الشوارع. وعلى نحو متزايد، أصبحت أمن الوطن



homeland security




(

إضاءات:

هو تجمع لتضافر الجهود الوطنية لمنع وقوع هجمات ارهابية داخل الولايات المتحدة، والحد من الضعف في حرب أمريكا على الإرهاب)

ووكالات عسكرية تتجه إلى التكنولوجيا الاسرائيلية لحلّ بعض أبرز مشاكلها التقنية والاستراتيجية الشائكة. يتضمن هذا الدعم تقديم المشورة والخبرة حول تقنيات الفحص السلوكية لأمن المطارات، وكذلك، اقتناء نظام رادار تكتيكي اسرائيلي الصنع. لقد باتت اسرائيل رائدة عالميا في تطوير أنظمة طائرات بدون طيار سواء تلك التي تستخدم في التجميع الاستخباراتي أو تلك المخصصة للاغتيالات، وقد تشاركت تقنيتها، وعقيدتها العسكرية، وخبراتها فيما يتعلق بتلك الأنظمة مع جيش الولايات المتحدة، إن اسرائيل سباقة عالميا في مجال حماية المدرعات، والحماية ضد الصواريخ قصيرة المدى، وتقنيات واجراءات والروبوتات، وهي كلها أشياء تشاركتها أيضا مع أمريكا

و

هنا فقرة بالغ الأهمية

. كنت قد اقتبست عن هايغ مشيرا إلى قوله أن اسرائيل حاملة طائرات غير قابلة للإغراق دون أن تحمل على متنها جنديا أمريكيا واحدًا. لكن هذا لم يعد أمرا واردًا على ما يبدو:



في مجال الدفاع الصاروخي


، لدى الولايات المتحدة شراكة واسعة ومتعددة الأوجه مع اسرائيل. فالدفاع الصاروخي الاسرائيلي -الذي يتضمن توظيف أمريكيين في اسرائيل لأجل نظام X-Radar


المتقدم وأكثر من 100 جندي أمريكي هُم من سيتدربون عليه- سيكون جزءا لا يتجزأ من منظومة دفاع صاروخي أكبر تجوب أوروبا وشرق المتوسط الخليج العربي لمساعدة القوات الأمريكية وحلفائها

وهكذا دواليك، في وسعنا أن نرى أن دور إسرائيل كحليف للولايات المتحدة ليس إقليميا وحسب. لاحظ/ي أن ثمة تآزرًا حميما للغاية بين الصناعة العسكرية الاسرائيلية والمجتمع الصناعي العسكري الأمريكي. إن كنت تظن بأن

آيزنهاور

كان مصيبا، وهذا ما أظنه أيضا، فإن ذلك سيكون بمثابة أرضية صلبة للعلاقة المميزة التي تجمع أمريكا بإسرائيل.

إنني أود الاقتباس عن مصدر آخر: المعلق اليساري،

ويليام غريدر


William Greider

، وهو


يناقش


تقريرا صدر مؤخرا عن معهد تحليلات الدفاع Institute for Defense Analyses في واشنطن يعود إلى العام 1987. ويلحظ أن التقرير يؤكد ضمنيا حقيقة كون اسرائيل تمتلك أسلحة نووية، وهذا بالطبع، لم يكن خفيا على أحد. يقول:



مع ذلك، قد لا تكون رسالة المعهد الأشد قوة ما تقوله حول أسلحة اسرائيل النووية، إنما ما تقوله حول علاقة الولايات المتحدة باسرائيل. إنها تمثل زواجًا تكنولوجيا قام على مدى عقود بتغيير طبيعة الحرب الحديثة بعدد من الطرق

ولاحظ/ي هنا الآثار العالمية لهذا. يتابع المقال:



إن الجزء الأكبر من التقرير، ليعتبر دراسة استقصائية مفصلة حول دور اسرائيل التعاوني في تطوير التكنولوجيا الحيوية؛ فالأساسان الصناعي والبحثي ساهما في توليد تسلح متقدم من شتى الأنواع. ومعظم الأمريكيين، بمن فيهم أنا، معتادون على الافتراض بأن المجمع الصناعي العسكري الأمريكي يخترع ويتقن الابتكارات المذهلة، ومن ثم يشارك بعضها مع حلفائه كإسرائيل.

ليس هذا كله خاطئا، لكن تقرير معهد واشنطن يقترح رأيا أشدَّ وضوحًا. فأمريكا وإسرائيل يبدوان أكثر كشراكة بالغة التفوق في التكنولوجيا المتطورة، إذ يتعاونان في كل أوجه الفيزياء وعلوم أخرى في سبيل إنتاج كل أصناف الأسلحة التي تعرف الحرب الحديثة اليوم. بالرجوع إلى سنة 1980، فإن الدولتين كانتا تتشاركان وتتبادلان التلقيح بأبحاث الدفاع على مستويات جد متقدمة.

لدينا اليوم نتيجة لهذا كله “أرض المعركة الالكترونية” والعديد من الاختراعات الرائعة الأخرى(…)وقد باتت أرض الشرق الأوسط أرض التجربة المباشرة لهذه الأسلحة، حيث يمكن تطوير أسلحة جديدة:

فقد جاء العلماء في مركز ‘‘رافاييل Rafael’’ وهو مركز اسرائيلي آخر، بطريقة مبتكرة من استخدام خصائص بلازما التفريغ التألقيglow discharge plasma

لالتقاط موجات المايكرو وموجات الميليميتر، أشار التقرير: ‘‘جاذبية المشروع تكمن في قدرة التفريغ على الصمود أمام تأثيرات الأسلحة النووية

لقد منحتني هذه الملاحظة الغبطة، بسبب الدفاع الجاد الذي يتعين على العلماء الآن إقامته عبر إيجاد طريقة يتمكن فيها البشر من “مقاومة تأثيرات أسلحة نووية”.


ديالكيتيكات

بما أنني الآن قد أتيت على ذكر المادية، والأسس المادية التي تربط اسرائيل بالولايات المتحدة الأمريكية، ماذا عن الديالكيتيات؟ لا أحد يستطيع أن ينكر بأن اللوبي الأمريكي المناصر لاسرائيل له تأثير سياسي هائل في الولايات المتحدة-إنها حقيقة ملاحَظة. السؤال هو، لماذا يُسمح له أن يأخذ هذا القدر من القوة؟ وهل يفوق بالفعل قدرة المحركات الحقيقية للرأسمالية الأمريكية على الحشد والدعم، إن أرادوا، تمويلات تكفي لمواجهة اللوبي الاسرائيلي؟ في نهاية المطاف تعتبر الشركات اليوم بمثابة ممثلين عن أشخاص بغرض المساهمات السياسية في أمريكا. وإن كان اللوبي الاسرائيلي يعمل ضد مصالح الولايات المتحدة سيمكن بكل تأكيد مجابهته، إلا أن، لا مصلحة لهم في ذلك على الإطلاق. إن ما تفعله مراكز مثل Aipac)) هو ببساطة إسكات أي معارضين لسياسات أمريكا في الشرق الأوسط ودعمها لاسرائيل لصالح المحركات الحقيقية للرأسمالية الأمريكية.

وماذا عن الادعاء بأن هذه السياسية تتعارض ومصالح الولايات المتحدة بطرق أخرى؟ يتعامل بلاكويل وسلوكومب مع هذا السؤال دياليكتيا، كما يحدث، رغم أنهما ليسا ماركسيان كليا. إنهما يقولان ‘‘حسنا، لدى أمريكا مصالح متشابكة. هذا يحصل في علاقتنا مع اسرائيل أو حتى أي شريك آخر في الشرق الأوسط’’. خصوصا هذه الأيام (رغم أن هذا ما عليه الحال دومًا إلى حد ما). إن مطامع أي قوة امبريالية ليست مترابطة منطقيا دومًا. ليس صائبا القول إن المصلحة الأمريكية: تدور حول مصالح متضارية يجدر الموازنة بينها دومًا. إذ يظهر بلاكويل وسلوكومب أن دعم الولايات المتحدة لاسرائيل لا يمكن بأي حال أن يضر الولايات المتحدة بحيث يكون ذا نتيجة عكسية. إن التناقض مع أي مصلحة أمريكية أخرى ما هو إلا محصلة دياليكتية مصالح أي قوة.

وهذا لا ينطبق على الدول وحسب، بالمناسبة. إن لا طبقة أو أية سلطة في العالم لديها مصالح مترابطة وموحدة كليا. إن هنالك دائما صراع يجب حله بطريقة أو بأخرى.

وعليه؛ أخلص إلى أن إسرائيل ستظل حليف الولايات المتحدة الأبرز في المنطقة حتى المستقبل القريب على الأقل، وستستمر بالتسبب لأمريكا بالمتاعب بسبب العلاقات مع إيران.