رب ضارة نافعة؛ هذه الجملة تنطبق تمامًا على حالة الطرد التي تعرض لها البرتغالي «رونالدو» بعد هدفه الرائع بمباراة الكلاسيكو في ذهاب كأس السوبر الإسباني، الطرد الذي لاقي غضبًا واسعًا بين أنصار الملكي لتسببه بغياب الدون عن مباراة
العودة بالبرنابيو، لكن القرار التحكيمي الذي اعتبره المدريديستا تعسفيًا حمل بين طياته جانبًا إيجابيًا وحيدًا هدّأ قليلًا من حدّة الغضب.

والجانب الإيجابي تلخص باستنتاج بسيط عن تشكيل مباراة العودة، بحيث توقع جمهور مدريد أن يحل الشاب الإسباني
«ماركو أسينسيو» أساسيًا هذه المرة، منتظرين مواصلة عروضه المبهرة، خصوصًا أمام الكبار؛ لم يُكذّب صاحب الـ21 ربيعًا خبرًا.

هذا الإجماع على موهبة «أسينسيو» الفذّة لا يشمل جمهور الميرنجي وحسب، بل
امتد لإعجاب واسع باللاعب داخل وخارج إسبانيا، ولعله يكون السبب لأحد أبرز انتقادات جمهور البلوجرانا لمجلس إدارة ناديهم حين

فشل بضمه

على
حساب الغريم الأزلي!

بل إن الأسابيع القليلة الماضية شهدت اهتمامات أكثر من مدرب بـ«ماركو»، سواء بالتعليق على مستواه أو بمحاولة ضمه، فقد أفصح المدرب المخضرم «ديل بوسكي» عن

رأيه

باللاعب بوصفه «أفضل موهبة إسبانية حاليًا»، قبل أن تحاول أندية ليفربول، أرسنال، سان جيرمان، جس نبض
إدارة «بيريز» بشأن الشرط الجزائي لـ«أسينسيو» الذي خرج


لوكالة أنباء ABC

قائلًا: «لا، شكرًا على الاهتمام، أنا بنادٍ أفضل»!

هذه الشخصية التي أجابت بتلك الثقة بعد أن أطلقت تسديدة خرافية من 30 مترًأ على مرمى «شتيجن» بعد 4 دقائق فقط من المباراة هو ما انتظره جمهور مدريد ليس أمام برشلونة وحسب، بل لبناء مستقبل يبدو مع
«أسينسيو» واعدًا وبراقًا أكثر.


فلاش باك

قبل أن يكرر «ماركو» احتفاله بانضمام «شتيجن» لقائمة شملت سابقًا اسمين يعتليان قمة حراسة المرمى كـ«بوفون
ونوير»، وقبل أن يشدو الكابتن «مدحت شلبي» منطلقًا بارتجالية معهودة وفريدة من نوعها ناعتًا الإسباني بالمفتري تارة، والجبّار تارات، قبل ليلة السادس عشر والثالث عشر من أغسطس، كان هناك مشهد تكسوه الدراما لا الاحتفال، حاوطت خلاله الذكرى الأليمة
«أسينسيو» حتى ولو بدا هذا المشهد الأهم بمسيرته كلها.

لقد قابلت أسرة ماركو قبل 12 عامًا بمايوركا، أخبروني أنك ستكون لاعبًا لريال مدريد يوما ما رُغم أن عمرك وقتها لم يتخطَ 8 أعوام

!

إن هي إلا

كلمات

نطق بها فم «فلورينتينو بيريز»
بحفل تقديم الإسباني لاعبًا للميرنجي، ثم انهمرت الدموع من أعين الشاب، السبب بذلك يعود لأن الأسرة التي أشار إليها «بيريز» افتقدت أحد عناصرها، العنصر الأهم لـ«أسينسيو» بالتأكيد: أمُه!

يروي شقيق
«أسينسيو»

بحوار لقناة ريال

مدريد

قائلًا بأن والده هو من اختار اسمه، أما «ماركو» فإن الوالدة، التي تعود أصولها لهولندا، هي من اسمته تيمنًا بالمهاجم الهولندي المرعب «ماركو فان
باستن»؛ أحيانًا يرتبط لاعبو كرة القدم بالمستديرة قبل أن يخرجوا للدنيا أصلًا!

يقول والده بأن «ماركو» عرف سريعًا كيف تسير الأمور، لم يعد يحتاج أكثر من ساعة فقط لإنهاء الواجبات الدراسية، ليتجه فورًا مصطحبًا الكرة لحديقة المنزل أو لمكان التدريبات،
يستكمل الوالد بأن الأسرة مارست رياضات مختلفة، كالتنس، كرة السلة، السباحة، كرة القدم، كان الصغير يفضل تلك الأخيرة بطبيعة الحال، إذ يعترف الصغير نفسه بأنه كان يقضي ساعات بالكرة داخل الحديقة حالما يعجب بواحدة من مهارات اللاعبين الكبار محاولًا تقليده
حتى يصبح متمكنًا حينها فقط يهرع لينادي أفراد الأسرة مستعرضًا أمامهم ما أتقنه، وبذلك تحوّل يوم الطفل لجدول زمني ينقسم بين المدرسة، الواجبات، التدريب الرياضي، وأخيرًا العودة لغرفته التي احتوت على صورة ضخمة لبطله الأول: «زين الدين زيدان»!

لكن اهتمام السيدة

«ماريا

جيرترويدا»

لم يتوقف عند التصفيق لطفلها كلما تمكن من مهارة جديدة، بل اصطحبته دائمًا للتمرينات وسجلت
له تعليمات المدربين، والأهم من ذلك أنها وثقت بموهبته وزرعت داخله إيمانًا بحظوظه ظل مصاحبه حتى الآن، لذلك فقط حين انتصر السرطان بمعركته الشرسة على الأم عام 2011 ظن الكثير أن مسيرة «ماركو» تهشمت، لكنها فعليًا كانت تستعد للإقلاع!

علي اليمين صورة “ماركو أسينسيو” مع والدته، ويسارًا مع شقيقه بقيمص ريال مدريد.

لأن السرطان لا يهزمك مرتين

بدأت عيون المدربين وكشافي المواهب تتزاحم حول الصغير قبل أن يتم عامه الحادي عشر، كان قريبًا
من إسبانيول بعد تجربة معايشة استمرت 5 أيام أبهر خلالها الكل، لكن كأسرة تفضل الاستقرار وتعتني بدراسة الأبناء ظل خيار البقاء بمايوركا واللعب لنادي الجزيرة الإسبانية هو الأول.

في البداية سارت الأمور على ما يرام، انضم سريعًا لفريق تحت 13 عاما، حصل
بفضل إمكانياته على القميص رقم 10، ثم أضاف شارة القيادة على ذراعه، قبل أن تتعرض مسيرته للاختبار الأول، إذ لاحظ أطباء الفريق مشكلة بنمو الركبتين، وهو ما أكدته شكوى الصغير من الإرهاق الزائد عقب التدريبات، لكن الأسرة تمكنت بفضل تماسكها من اجتياز
المحنة الطبية، وعمومًا ذلك لا يعد اختبارًا مقارنة بعام 2011، إذ تعرض تماسك الأسرة ذاته لهزة عنيفة عقب فقدان الأم!

لم يجد «ماركو» وشقيقه مع والدهما بُدا من مواجهة تلك الظروف العاصفة، اجتمعوا على
ضرورة المواصلة والدفع نحو

نفس

الأهداف

التي كانت الأم شريكًا أساسيًا بها، في غضون شهور سيتجاوز «ماركو» محنته، وستتفوق أقدامه على منافسات تحت 17
عاما للدرجة التي دفعت مدربيه للحديث مع المدير الفني للفريق الأول «جوزيه لويس أولترا» بشأن تصعيده فورًا، هذا الأخير لم يجد تعبيرًا ليصف به لاعبه سوى «دُرة تاج مايوركا»!

ليست برشلونة وحسب، بل لم يكن هناك نادٍ أوروبي كبير غير مهتم بماركو

هوراسيو جاجيولي، وكيل
اللاعب.

على غلاف الماركا، ظهرت صورة كبري للاعب في دعوة صريحة لأن تظفر برشلونة بجهوده، يؤكد وكيله أنه بالفعل كان قريبًا من الانضمام لكتيبة «ميسي» لولا مماطلة الإدارة بدفع الشرط الجزائي!

لكن
«بيريز» ومن خلفه «رافا نادال» لم يماطلا أبدًا، فقد تلقى رئيس ريال مدريد شتاء عام 2014

اتصالًا

من أسطورة التنس المعروف
بتشجيعه للميرنجي، يؤكد له ضرورة الحصول على توقيع الشاب بأسرع وقت، أغلق «بيريز» هاتفه وأجرى بعض المشاورات الفنية حول إمكانياته قبل أن يتصل باللاعب قائلًا:«أهلًا ماركو، أعرف حجم التوتر الذي يحيط بك حاليًا، كل شيء سيكون بخير، لقد أصبحت لاعبًا
بمدريد، أهنئك!»؛ انتهي كل شيء!

“أسينسيو” رفقة “رافا نادال”

أمضى عقب ذلك عدّة شهور كإعارة لناديه مايوركا، ثم اختار وكيله الإعارة لعام واحد نحو إسبانيول لاكتساب مزيد من الخبرة، حسنًا فعل حين أظهر لاعبه شخصية قوية بأوقات الفريق الصعبة

مسجلًا

4 أهداف وصانعًا 10 أخرى

ومؤكدًا أن تألقًا ألمع من ذلك سوف يجيء!

انتهت الإعارة، وجاءت اللحظة الفاصلة،
استدعاه «زيدان» قبل بدء موسمه الأول، يروي «أسينسيو» أن أول ما أخبره به الفرنسي رغبته الحقيقية في وجوده هنا وسعيه للعمل على تطوير مستواه، تحولت كلمات «زيزو» لواقع عندما وجد «ماركو» اسمه بقائمة مباراة السوبر الأوروبي 2016 أمام إشبيلية، ظهر أساسيًا،
سجل هدفًا أهداه لأمه، وعاد رفقة أخيه وأبيه بميدالية ذهبية؛ ماذا يريد لاعب بعمر العشرين أكثر من ذلك؟!

السرطان تمثل بصورة الشبح الذي خطف من الصغير أهم دوافعه، لتكشف له الحياة سريعًا عن وجهها
القاسي بعد أن دفعت بمسيرته عقبة حادة كاد أن يتهشم مستقبله عليها، لكنه تمكن من تحويل نفس العقبة لتحدٍ بكل خطوة يخطوها حتى استطاع تحقيق ما ظلت تحلم به أمه، اضطر «ماركو» لبذل مجهود نفسي وبدني مضاعف للدرجة التي دفعت مدربه بمايوركا «فاليري كاربان»


للتصريح

بأن لاعبه بات قادرًا على التأقلم بكل الظروف والتعلم من مختلف الخبرات ليصبح على ما هو عليه.

قديمًا

قال الملاكم الأسطوري «محمد

علي»

إن انعدام الإرادة والإيمان هو ما يجعل الناس تخشى مواجهة التحديات، «أسينسيو» مثال ملهم وحي على صدق تلك الجملة، كما صدق عنوان
هذه الفقرة!


في الميدان

يقول

موقع

ESPN

بأن جهاز «زيدان» مؤمن بقدرات اللاعب الهجومية لشغل أي مركز بمنتصف الملعب أو
على الأطراف، غير أن الفرنسي يفضل الدفع به بالثلث الهجومي، ليس لأن «كروس، مودريتش» يقومان بأدوارهما على أكمل وجه فقط، ولكن لأنه لاعب طرف مثالي خصوصًا بمنظمة الملكي الحالية.

«ماركو» يمتلك تحكمًا
فريدًا بالكرة يمنحه القدرة على التغول واختراق الحصون الدفاعية سواء كانت على الطرف أو بقلب الملعب، لديه قدم يسري على قدر رهيب من الدقة والقوة منحته تسجيل 6 أهداف وصناعة 3 أخرى وتوزيع أضعاف هذه الرقم من فرص على زملائه دون التسجيل فقط


بـ1332 دقيقة

!

دعك من الإحصائية التي تقول بأن الإسباني يسجل مع الميرنجي بأول مشاركاته في أي بطولة يخوضها فريقه، من السوبر الأوروبي ثم الليجا للشامبيونزليج وأخيرًا
السوبر المحلي، ولكن فتش وراء تلك الأهداف، لتفاجأ بتنوع قدرات اللاعب التي لا تتوقف عند أسلوب لعب واحد للفريق، بمعنى أن «ماركو» قد سجل، سواء لعب ريال مدريد بوضعية هجومية تقوم على الاستحواذ أو بأخرى دفاعية تهدف لإغلاق الملعب، أحرز من هجمات منظمة
ولعب مفتوح كما المرتدات والكرات السريعة الخاطفة، وبكل تأكيد ترك بصمته التهديفية عند مشاركته كأساسي أو دخوله كبديل!


https://www.youtube.com/watch?v=8BVLLeJhrLI

ناهيك عن المستوى الفني والمهاري لـ«ماركو»، ولاحظ قدراته البدنية المذهلة خصوصًا عند تنفيذ
الضغط على الخصم، فقد بات أحد أخطر لاعبي «زيزو» في الاستفادة من أخطاء الخصوم بالتسليم أو الاستلام أو التمركز السيئ، وهو الأمر الذي استغله أمام دفاعات البلوجرانا ذهابًا وإيابًا.

ما أكسبه ثقة «زيدان» أيضًا هو تنفيذه لأدواره الدفاعية والحركة
بامتداد الملعب كجزء من الفريق، من النادر جدًا أن ترى «أسينسيو» معزولًا عن زملائه بحالات المباراة المختلفة، والسر وراء ذلك يعود لوعيه التكتيكي مقارنة بسنه وكونه لاعبا جماعيا بحق، فيعرف متى يمرر ومتى ينطلق بالكرة محققًا أفضلية عددية لزملائه، متى
يحصل على مخالفة ومتى يستعرض أمام الخصم.

البعض يردد أن «ماركو» محظوظ لأن ربيع مسيرته قد صادف هذه الصحوة التاريخية لمدريد، بل لمزاملته لهذه الكوكبة القوية من اللاعبين ولمدرب كالفرنسي يجيد التعامل
النفسي والفني مع اللاعبين الصغار، ربما بالفعل يكون محظوظًا، لكنه قبل ذلك لاعب بشخصية تصعد تدريجيًا لسلم المجد وموهبة تستحق العناية ويُنتظر منها الجديد، صدق الكابتن «مدحت» :« إيه أسينسيو ده؟! يا ساتر يا ساتر…على رص الدفاتر…بص بص بص…يخرب عقلك
يا راجل!».