في سلسلة الأفلام الشهيرة Ice age وُجدت العديد من الشخصيات الكرتونية التي مَثّلت أنواعًا مختلفة من الحيوانات التي استطاعت أن تتعايش مع بعضها البعض برغم اختلاف أصنافها في بيئة ثلجية قاسية من ضمنها البشر البدائيون؛ حتى بدأ العصر الجليدي بالانتهاء.

كانت أبرز تلك الشخصيات حيوان الماموث (ماني) الذي استطاع المواجهة والصمود في الظروف البيئية المتغيرة للأرض مع الآخرين.

وبعيدًا عن قصة الفيلم؛ فإن كلاًّ من العصر الجليدي وحيوان الماموث مترابطان؛ فكلما ذُكر العصر الجليدي؛ يتبادر إلى الذهن فورًا الماموث؛ والعكس.

ويبقى الأثر دائمًا حاملًا معه سجلات أصحابه. وبالنسبة للماموث؛ تعتبر أكثر الثدييات حظًا حيث سمحت لها بيئتها وظروفها أثناء حياتها من الحفاظ على سجلها من خلال الجُثث الكاملة التي لم تدع مجالًا للشك عن وجودها، أو هيئتها الضخمة.

إذًا؛ ما قصة العصر الجليدي؛ وكيف ارتبط بوجود حيوانات الماموث؟ هذا ما سنتحدث عنه اليوم عن قصة وجود الماموث على الأرض بفترة قصيرة قبلنا، وأثناء تواجد أجدادنا الأوائل.


عن أول حفرية كشفت عن نفسها


http://gty.im/57019172

بعد عثوره على حفريات عظمية تُشبه عظام الفيلة الحديثة إلى حدٍ كبير؛ صنّف العالم الألماني «يوهان فريدريش» تلك الحفريات بأنها تعود لحيوانات سمّاها «Elephas Primigenius» عام 1799؛ وهي عظام تُشبه عظام الفيلة التي عُثر عليها في أوروبا.

وبمشاركة العالم الفرنسي «جورج كوفييه»؛ خلص الاثنان إلى أن تلك الحفريات تعود لنوعٍ من الحيوانات المنقرضة تُسمى الماموث الصوفي؛ والتي اعتبرت جنسًا متميزًا ومستقلاً، أطلقوا عليها بشكل عام اسم «Mammuthus Primigenius».

أما في العام 1806؛ فقد عَثر عالم الأحياء النباتية «ميخائيل ايفانوفيتش آدامز» على أول جثة كاملة لماموث تم تجميدها في أراضي سيبيريا. ومنذ ذلك الحين بدأ العلماء في العثور على ما يقرب من 12 من الأنسجة الرخوة للماموث.


أصل الماموث

تنحدر حيوانات الماموث تشريحيًا وبشكلٍ عام من مجموعة الخرطوميات؛ وهي مجموعة من الثدييّات تشمل الفيلة، وأقاربهم من الحيوانات المُنقرضة مثل الماموث، و

الماستادونات

أو الحيوانات ضرّعات الأسنان؛ وهي حيوانات ضخمة مُنقرضة وبائدة تُشبه إلى حدٍ كبير الفيلة، عاشت في أمريكا الشمالية والوسطى.

وبالرغم من وجود ثلاثة أنواع فقط من الفيلة ضمن هذه المجموعة (الخرطوميات)؛ إلا أنه تم التعرّف على أكثر من 160 نوعًا من الخرطوميات المنقرضة من البقايا التي وُجدت في جميع القارات باستثناء كل من أستراليا والقارة القطبية الجنوبية.


هائمة بين قارات الأرض

بين ثنايا الأرض في كافة أنحاء القارات باستثناء كل من أستراليا وأمريكا الجنوبية في رواسب العصر الجليدي، وفي رواسب العصر الحديث (الهولوسين) المُبكّر في أمريكا الشمالية؛ وُجدت حفريات ضخمة للماموث، كانت لا تُشبه الديناصورات رغم ضخامتها، لكنها تُشبه إلى حدٍ كبير الفيلة الحديثة.

ووفقًا لدراسات مكثفة لمعرفة تاريخ هذا الجنس الجديد من الحيوانات؛ تبيّن أن الماموث تعود في الأصل إلى نوع من الماموث الأفريقية التي عاشت في شمال أفريقيا واختفت منذ نحو 3 أو 4 ملايين سنة.

أما من بقي من أحفاد تلك المخلوقات؛ فقد تحركوا خارج القارة الأفريقية حتى انتشروا في أوروبا وآسيا (أوراسيا) شمالًا. عند وصولها لتلك المنطقة؛ أُطلق عليها اسم «الماموث الجنوبية – M. meridionalis».

وفي أوراسيا؛ ظهر نوع من الماموث سُمّي ماموث السهول؛ والذي عاش في الفترة الزمنية منذ 200 إلى 130 ألف سنة.

وقبل نحو 1.8 مليون سنة عند بداية العصر الجليدي (أوائل العصر الحديث المُبكر – early Pleistocene)؛ ظهر الماموث الصوفي (woolly) أو السيبيري في أوائل العصر الجليدي، والذي يعتبر أصغر أنواع الماموث حجمًا.

حاولت الماموث الاستفادة من منسوب مياه البحر المنخفضة (خلال العصر الجليدي حيث غطى الجليد معظم المناطق، وقلّت وفرة المياه) حيث عبروا إلى أمريكا الشمالية عبر جسرٍ بري مُؤقت من خلال مضيق بيرينغ؛ ثم بدأوا في الانتشار في جميع أنحاء أمريكا الشمالية.

بدأت الماموث في التطّور في أمريكا الشمالية، وظهرت أنواع أخرى منها خلال العصر الجليدي الأوسط حيث ظهر الماموث الإمبراطوري (M. imperator) أو الأمريكي الشمالي.

وفي أواخر العصر الجليدي -بدأ العصر الجليدي قبل نحو 2.6 مليون سنة، وانتهى عند قدوم عصر الهولوسين (العصر الحديث) المُبكّر، قبل نحو 11700 سنة، ويستمر حتى وقتنا الحاضر؛ ظهر الماموث الكولومبي الذي يُعرف أيضًا باسم (الماموث جيفرسون). وأثناء وجودها؛ غطت الماموث معظم الولايات المتحدة الحالية؛ وصولًا للجنوب حتى نيكاراغوا وهندوراس.


كيف استطاعت حيوانات الماموث التكيّف مع بيئتها؟

ماموث

يُصنّف الماموث ضمن الحيوانات الضخمة في تركيبها؛ لكنها لا ترتقي أبدًا إلى ضخامة الديناصورات مثلاً!

ويُعتبر الماموث الصّوفي هو الأشهر على الإطلاق نظرًا لوفرة عيناته وأنسجته المُجمدة والتي حُفظت بحالةٍ سليمة؛ والتي ساعدت على فهم الحيوان وتركيبه، وطريقة معيشته وغذائه وغيرها من الخصائص.

أيضًا ساهمت كثرة الرسومات التي رسمها البشر البدائيون في كهوفهم والذين عايشوا فترة وجدوها في معرفة هيئة تلك المخلوقات الضخمة. وتُشير معظم الأدلة العلمية إلى أن مجموعات صغيرة من حيوانات الماموث الصوفي قد نجت في أمريكا الشمالية في الفترة الزمنية بين 11000 و 7600 عام.

حيوانات الماموث تُشبه في هيئتها الفيلة الحديثة بدرجةٍ كبيرة؛ حيث يتراوح ارتفاع الذكر البالغ منها ما بين 2.7 و4 متر، ويُصنفها العلماء ضمن فئة الفيلة الأفريقية الذي يتراوح ارتفاعها من 3 و4 أمتار أيضًا.

أمّا الوسائل التي امتلكتها كي تتمكن من التكيّف مع العصر الجليدي، والنجاة من برودة القارس؛ فتكْمُن في غطائها الذي يتكوّن من معطف من الجلد السميك الذي يبلغ سُمكه نحو 2.5 سم، ويكسوه شعرٌ بني داكن كثيف يغطي كامل جسدها يصل طول الشعرة فيه إلى نحو 50 سم. كما توجد طبقة عازلة من الدهون أسفل هذا المعطف الجلدي يصل سُمكها لنحو 8 سم.

أما عن جمجمتها فكانت كبيرة وتُشبه القبة. ووفقًا لرسومات الكهوف فقد أظهرت أن حيوانات الماموث كانت تمتلك ما يُشبه السنّام المُكون من الدهون على ظهرها؛ حتى وإن لم يظهر هذا السّنام بوضوح في الحفريات التي عُثر عليها!

امتلكت حيوانات الماموث آذانًا صغيرة مقارنة بآذان الفيلة الحديثة؛ والتي مكّنتها من التكيّف في الطقس المُتجمد؛ حيث عمل صِغر الأذن على تقليص مساحة الجلد؛ والتي بدورها عملت على تقليص كمية الطاقة الحرارية المستهلكة للحيوان.


عن حفرياتها التي أشبعت فضولنا

ماموث

حفرية لماموث

بعد وفاة الماموث؛ ظلّت بقاياها مُجمدة بين ثنايا الأرض حتى عثر عليها البشر سواء كانوا صيادين أم علماء متخصصين في علم الحفريات. وبخلاف الحفريات التي عثرنا عليها نحن البشر للمخلوقات الضخمة مثل الديناصورات التي تناثرت عظامها في أماكن عدّة في الأرض؛ فإننا عثرنا على حفريات الماموث في هيئتين:

الأولى: هي بقايا أجزاء من الهيكل العظمي والأسنان (القرون) العاجية التي وُجدت بوفرة في سيبيريا حتى أصبحت تُصدّرها للصين وأوروبا في العصور الوسطى.

الثانية: هي جُثث كاملة مُحنطة مُجمدّة ومحفوظة جيدًا في باطن الأرض في سيبيريا أيضًا؛ والتي حافظت على هيكلها جيدًا.


http://gty.im/173332405

في العام 2010؛ تم

العثور

على جثة مُحنطة لماموث صوفي مُجمدة جزئيًا على الساحل القاري لمضيق ديمتري ابتيف في ياقوتيا، روسيا من قِبل السكان.كما كشفت هذه الجثث عن وفرة الموقع بعظام الماموث المحفوظة فيه.

وُجدت تلك الجثة مُلقاة على بطنها، وتندّس قدمها اليمنى تحتها، وتقع على الحافة الجليدية في الجزء العلوي من المنحدر الذائب.

وبعد فحص العلماء للجثة التي عُثر عليها؛ تبيّن أنها لم تكن كاملة،حيث فقدت أجزاء من الجسم مثل جزء كبير من العمود الفقري، والأضلاع، الفخذين، والعضد الأيسر، وجميع العضلات والأعضاء الداخلية من الجذع. كما فُقدت أجزاء كبيرة من الجلد على الظهر والرقبة، وتدّرج لونها من الأسود الخفيف في الساقين؛ إلى اللون البني الداكن في الفخذين والرقبة.

بالرغم من الضرر الذي لحق بالجثة؛ كانت هناك أجزاء أخرى سليمة من الماموث يوكا سمحت بدراسته مثل الجذع، والشفتين، والذيل، والأذن اليسرى، وكذلك حلمات الثدي، والغدة الصدغية على الجانب الأيسر من الرأس.

وبالكشف الكربوني على الجثة؛ وجد العلماء أن عُمرها حين توفيت بلغت نحو عامين ونصف، وتوفيت منذ نحو 10 آلاف عام.

بعد أن عثر الفريق على كل هذه الأضرار في جثة يوكا؛ كان لابد من وجود سيناريو مُقنع يروي اللحظات الأخيرة ليوما قبل وفاتها. ويروي هذا

السيناريو

الدكتور «دانيال فيشر» الأستاذ الجامعي ومدير متحف جامعة ولاية ميتشيغان للحفريات؛ والذي عمل أيضًا مع الفريق الذي درس الجثة؛ قائلًا:

انطلاقًا من الجروح العميقة والخدوش الملتئمة، والعلامات على الذيل؛ يبدو أن أسدًا واحدًا أو أكثر قد تتبعوا يوكا في حقل كبير آخر وتمت مهاجمتها حتى فرّت هاربة، ويبدو أنها كسرت إحدى ساقيها الخلفيتين نتيجة سقوطها عند المنحدر. وعند تلك اللحظة في هذه المنطقة، يبدو أن البشر قاموا بمهاجمتها أيضًا؛ حيث تم قتل الحيوان واستخدام أنيابه العاجية، والأجزاء التي يُمكن الاستفادة منها


حين كشفت ولاية ميتشغان الأمريكية عن كنوزها

حفريات العصر الجليدي في ملعب كرة القدم في ولاية ميتشغان

حفريات العصر الجليدي في ملعب لكرة القدم

بما أننا نتحدث عن حفريات؛ فهذا يعني أنها موجودة في أي مكان تحت أقدامنا، وبما أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت موطن الماموث الصوفي فترة العصر الجليدي؛ فهذا يعني أنها تعتبر بيئة مناسبة للعثور على حفريات الماموث بوفرة.

في الخامس والعشرين من يناير من العام الماضي؛

تم العثور

على مجموعة من عظام الماموث الصوفي في ملعب كرة قدم في الجامعة في ولاية ميتشيغان.

كان مسؤولو المدرسة يعملون على تجديد الملعب وتوسيعه حين عثروا على مجموعة من العظام صنفها الباحثون بأنها تعود لفخذ الحيوان الكبير، بالإضافة لمجموعة أخرى من العظام تعود لحيوانات وثدييات العصر الجليدي المنقرضة منها بقايا لحيوان «البيسون»، والحصان القديم.

يقول «لورين ديفيس» أستاذ مشارك في علم الإنسان في جامعة ولاية أوهايو:

«هناك عدد غير قليل من العظام، وعشرات من القطع الأحفورية، بعض تلك العظام ليست في حالة جيدة جدًا؛ لكن بعضها فعلًا محفوظة بشكلٍ جيد للغاية».

وعمل ديفيس وطلابه على تحديد أيّ من الحيوانات تعود لها تلك الحفريات؛ وكانت تعود للماموث الكولومبي، والصوفي برغم أن ذلك الأخير يميل للعيش في أقصى الشمال.

حفريات الماموث في مزرعة قمح

ماموث

ماموث


وفي ولاية ميتشيغان أيضًا؛

خُبّئت

حفريات العصر الجليدي أسفل مزرعة قمح لاثنين من المواطنين، وتم العثور عليها أثناء قيامهما بأعمالهما في المزرعة.

يقول دانيال فيشر من جامعة ميتشيغان:

تعود تلك العظام لعمالقة العصر الجليدي التي تم اصطيادها وذبحها على يد قدماء البشر. وبدراسة الحفريات وتحليل العظام؛ تبيّن أنها تعود لماموث ذكر بالغ لقي حتفه بطريقة سيئة على يد الصيادين. نحن نعتقد أن البشر كانوا هنا، وربما تم اصطياد الماموث وذبحه، وتم تخبئة لحومه في بحيرة متجمدة للعودة إليها لاحقًا.

وفي ولاية ميتشيغان؛ تم العثور على نحو 300 حفرية لحيوانات الماموث، و30 حفرية من الماستودونات. هذه المخلوقات التي جابت أراضي أمريكا الشمالية قبل أن تنقرض منذ نحو 11700 عام.

أخيرًا؛ لم تنته القصة عند هذا الحد؛ وفي الحلقة القادمة من قصة حياة الماموث؛ سنتناول ظروف انقراضها تحت عوامل مختلفة، والسيناريوهات التي وضعها علماء الحفريات لتقريب الصورة أكثر، وكيف توفي آخر ماموث؟


المراجع




  1. about mammoths

  2. mammoth

  3. Woolly Mammoth Fossils Raise Red Flags on the Road to Extinction

  4. Facts About Woolly Mammoths

  5. Proboscidean