معوض عادل، كان طالبا مصريا في السنة الرابعة من كلية الصيدلة، لم يرتكب ذنبا سوى تلبية نداء الواجب الإنساني بالمساهمة في إنقاذ الضحايا والمصابين في دولة تعادي الإنسانية بكل أشكالها، وخلال أحد الاشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن عام 2011 تطوع بالمشاركة في إسعاف الضحايا داخل المستشفى الميداني، إلا أن قدره شاء أن يقع ضحية لمجرمين لا يعرفون الرحمة، فأطلقوا عليه الرصاص مباشرة لتستقر داخل رأسه اثنتان منه.

ولما لم تكفيا لقتله انهالوا عليه ضربا بالعصي والشوم حتى هشّموا جمجمته، إلا أن إرادة الله شاءت أن يكون في عمره بقية، وتمسك بحقه في الحياة، وهو ما أزعج مسئولا آخر يسعى بكل جهده منذ سنوات لإنهاء حياته بعد أن استجابت حالته للعلاج وتقدمت بشكل ملحوظ، وذلك بمبرر دنيء لا يعرف الإنسانية ولا الحياء، إلا وهو توفير مصاريف علاجه التي تُدفع من ميزانية الدولة، تلك الميزانية التي صارت مرتعا لكل أشكال الفساد والنهب.

بعد إصابة معوض تم نقله إلى أحد مستشفيات مصر التي يصفها الأطباء قبل المرضى بخرابات وزارة الصحة، حيث دخل في غيبوبة لمدة 18 يوما عاد بعدها إلى الحياة، إلا أن إهمالا طبيا تسبب في إصابته بفيروس في المخ تطلب إرساله للخارج لعدم وجود علاج له في مصر، وبعد رفض الدولة إرساله للعلاج رفعت الأسرة دعوى قضائية طلباً في الاعتراف بحقه في الحياة، ورغم حكم المحكمة وإرساله للخارج، ظهر السيد حسام المصري، المستشار الطبي لرئيس الوزراء، والذي أخذ على عاتقه استكمال مهمة الدولة في إنهاء حياة معوض، فسعى بكل ما يملك من صلاحيات للضرب بحكم المحكمة عرض الحائط وإعادة معوض إلى مصر بالرغم من علمه أن مستشفيات مصر لا تتوفر على علاج لحالته.

فرفعت الأسرة دعوى أخرى أمام القضاء تطلب من أجهزة الدولة المجرمة استكمال العلاج الذي هو حق له في كل الأعراف الإنسانية، ورغم حكم المحكمة لصالحهم واصل سيادة المستشار جهوده مرة أخرى لإعادته غير عابئ بأحكام القضاء ولا بحياة هذا الشاب، وطالب السفارة المصرية بإنهاء إجراءات استرجاعه إلى مصر، ولما رفعت الأسرة دعوى ثالثة، طالب سيادته السفارة باستعجال إجراءات عودته قبل نظر القضية، وهي الجريمة التي لا يخجل منها سيادته، لعلمه بحق معوض في استكمال العلاج.

إن الدولة التي يُنفق المسئولون فيها عشرات الملايين من ضرائب الشعب وقوته على كل سفاهة وحماقة لا تملك من الحياء نقطة تمنعها من إنهاء حياة شاب تحت مبررات مالية، ولم يخجل سيادة المسئول في وصف علاج معوض بالنصب والقول لذويه: «هانرجعه وبعدين ندور ونشوف حتة نوديه فيها»، في الوقت الذي تدفع فيه حكومته 18 مليون جنيه من أموال معوض وغيره من دافعي الضرائب في شراء سيارات مصفحة لرئيس البرلمان، و300 مليون يورو (6000 مليون جنيه تقريبا) لشراء طائرات عالية الرفاهية لرئيس الجمهورية، و

يقوم

وزير صحتها بتجديد مكتبه بمليون و700 ألف جنيه، بل بلغ الحد في تبديد المال العام إلى سير رئيس الجمهورية بسيارته فوق سجادة يبلغ

ثمنها

200 ألف دولار (4 ملايين جنيه)، فلطفا من سيادتكم أخبرونا كم مواطن في نظركم يساوي سجادة من سجاجيد سيادة الرئيس؟

إن السعي الحثيث من هذا المسئول لحرمان معوض من العلاج وإعادته لمصر كأنه ثأر شخصي لا معنى له إلا الإصرار على قتله عمدا، كما أن سعيه لإنهاء إجراءات عودته قبل موعد جلسة النظر في القضية يوم 21 مايو/أيار القادم هو قمة الوقاحة التي يمكن أن نسمع عنها، فبغض النظر عن أن هناك حكمين لصالح معوض باستكمال علاجه فإن الاستعجال قبل نظر الدعوى الثالثة لا يُنظر إليه إلا كونه تدليسا بغرض الالتفاف على القضية وعلى حق معوض في الحياة، وهو ما يوجب سؤال سيادة المستشار عن سبب ذلك العداء، هل هو فقط لأن قدر هذا الإنسان أن ولد رحيما ويعرف معنى الواجب الإنساني في دولة لا يعرف مسئولوها معنى الرحمة؟ أم أنه فقط انتقام منه بالنيابة عن شباب مصر الذين طالبوا يوما بالعدل والرحمة حتى لأعتى خصومهم؟

سيادة المسئول، لا شك أنك ومنصبك إلى زوال حتمي، وأنه لا يدوم إلا السيرة طيبة كانت أو كريهة، إلا أن ما تقاتل من أجله جريمة صريحة بحرمان إنسان من حقه في العلاج لا معنى لها إلا الإصرار على القتل العمد، وكل الأسباب التي تسوقها هي أسباب وقحة مفضوحة لا معنى لها أمام حياة إنسان استجابت حالته للعلاج بعد أن كان ضحية لمؤسسات حكومتك إجراما وإهمالا، تلك الجريمة التي ستحاكم عليها أنت ومن يُعاونك أو يُحرضك أجلا أم عاجلا، وقبل أن تحدثنا أنت ومن معك من المسئولين والدبلوماسيين عن التكاليف والأموال انظروا إلى سياراتكم الفارهة وإلى مكاتبكم الفخمة التي أنفقتم عليها ملايين الملايين من أموالنا، ورغم كل مساعيكم الإجرامية سيبقى حق معوض في الحياة أبقى وأعظم منكم ومن دولتكم الفانية بلا أدنى شك، طال الزمن أو قصر.