إنها سياسة سوف تقضي مستقبلًا على الطبقة الوسطى من اللاعبين في غرف الملابس، وهي الطبقة التي لا غنى عنها في دعم فريق ينافس على ثلاث بطولات في الموسم.


هكذا
صرّح

اللاعب الأرجنتيني السابق لريال مدريد، سانتياجو سولاري، على السياسة
التي كان يسير بها النادي إبان الفترة التي كان يلعب خلالها للنادي الملكي، والتي
سُميت إعلاميًا بـ «

الزيدانات
والبافونات

» La filosofía de los Zidanes y Pavones، وهي السياسة التي كانت تقضي بأن يتم تدعيم الفريق بصفقات كبيرة
مثل زيدان وفيجو ورونالدو وبيكهام، واستكمال القائمة بلاعبين من خريجي الكاستيا
مثل المدافع فرانسيسكو بافون وراؤول
برافو وخافيير وبورتيو.

ورأى سولاري، الذي شغل منصب المدرب في الفريق الملكي في فترة سابقة، بأن تلك السياسة سوف تخلق طبقة وسطى من اللاعبين في قائمة الفريق، بل وسوف تقضي عليهم، لأن تلك الطبقة لن ترضى بأن تكون في ظل الطبقة الأولى، سواء من حيث الراتب أو الاهتمام الإعلامي أو الجماهيري أو حتى الإداري.

وآثار تلك السياسة كانت مدمرة في فترة بيريز الأولى، فلاعبون من تلك الطبقة تعرضوا لسوء تقدير ومعاملة أدى إلى رحيلهم، مثل «كلود ماكيليلي»، الذي تعرّض لإهانة صريحة من «خورخي فالدانو»، بأنه يجب أن يلعب مجانًا لريال مدريد، وأنه سيتركه يرحل إذا وصل عرضًا بـ 15 مليون يورو، وكان هذا ردًا على طلب بسيط من اللاعب الفرنسي الذي أراد تجديد عقده وتحسين راتبه بناءً على وعد سابق من فلورنتينو بيريز رئيس النادي، ولكنه سرعان ما تراجع عن كلمته بسبب تعاقد النادي مع ديفيد بيكهام، وكانت النهاية بانتقال ماكيليلي إلى تشيلسي.

لاعب آخر سقط ضحية لتلك السياسة وهو المهاجم «فيرناندو
مورينتيس»، والذي أراد ريال مدريد استخدامه في الأساس لجلب الظاهرة رونالدو في صيف
2002 ببيعه إلى برشلونة من أجل توفير بعض من الأموال المطلوبة، قبل أن يسحب
برشلونة عرضه لضم مورينتيس، ولكنه لم يمنع بيريز من جلب هدّاف كأس العالم 2002،
وبعد عام واحد رحل مورينتيس إلى موناكو على سبيل الإعارة.

وكانت النتيجة ثلاثة مواسم بلا ألقاب لريال مدريد، أدت
إلى استقالة بيريز من منصبه في 2006، في الوقت الذي ساهم فيه ماكيليلي في تتويج
تشيلسي بلقبين في البريميرليج ولعب نصف نهائي دوري الأبطال في مناسبتين، أمّا
مورينتيس فقاد موناكو للعب نهائي دوري أبطال أوروبا 2004 وقاد الفريق لتخطي ريال
مدريد وغالاكتيكوس بيريز في ربع النهائي بتسجيله ذهابًا وإيابًا، فضلًا عن إنهائه
الموسم كهداف لدوري أبطال أوروبا.

تعديلات بسيطة

عندما عاد فلورنتينو بيريز لرئاسة النادي الملكي في صيف 2009، عمل على مشروع غالاكتيكوس جديد بالتعاقد مع كريستيانو رونالدو وريكاردو كاكا وكريم بنزيما، لكنه تعلّم من دروس الماضي بعدما ضم لاعبين مثل تشابي ألونسو من ليفربول لإضافة التوازن في منتصف الملعب، بالإضافة إلى لاعبين آخرين مثل أربيلوا وغرانيرو وراؤول ألبيول.

الهدف من صفقات أربيلوا وغرانيرو وألبيول، كانت لتقوية
الصف الداعم للفريق، وإعادة خلق الطبقة الوسطى من اللاعبين، مع تقدير أكبر سواء
على المستوى المادي من حيث الراتب، أو المعنوي من حيث المشاركات، أو تسهيل الرحيل
في حال أرادوا المشاركة بشكل أفضل، مع توفير البدائل حال خروجهم.

استمرت السنوات وأخذت تلك الطبقة من اللاعبين مكانة مهمة
في الفريق مع تغيير الأسماء المتناوبة عليها، حيث مر لاعبون مثل خوسيه كاييخون ومايكل
إيسيان ولاسانا ديارا وصولًا إلى عام 2013.

ومع رحيل مورينيو، خرج لاعبون مثل كاييخون وألبيول، وكان قد سبقهم لاسانا ديارا وإيسيان وإستيبان جرانيرو، وقرّر ريال مدريد تدعيم تلك الطبقة الوسطى بلاعبين من الكاستيا، مثل ألفارو موراتا وخيسي رودريجيز وناتشو فيرنانديز وكاسيميرو، وصولًا إلى ماتيو كوفاسيتش وماركو أسينسيو وأخيرًا لوكاس فاسكيز.

الفارق بين «بافونات» الغالاكتيكوس السابق و«بافونات» الجيل الحالي أتى من ناحيتين، التقدير من الإدارة والإعلام أولًا واكتساب الخبرات ثانيًا، فلاعبون مثل بورتيو وبافون وراؤول برافو تم إقحامهم في الفريق الأول والزج بهم في المباريات دون اكتساب خبرات سابقة، بعكس أبناء الكاستيا من الجيل الجديد، حيث أُعير كارفاخال إلى ليفركوزن ولعب فاسكيز وأسينسيو في إعارات مع إسبانيول، بالإضافة إلى انتقال موراتا إلى يوفنتوس حيث اكتسب الخبرة والحدة، قبل إعادة شرائه ومن ثَمَّ بيعه لاحقًا بمقابل كبير. حتى منْ لم يخرج مثل ناتشو، لعب مع الفئات العمرية للمنتخب الإسباني، كما احتك بلاعبين كبار في الفريق الأول مثل راموس وبيبي، بعكس فرانسيسكو بافون، الذي تم تصعيده بعد رحيل الكبار، مثل كارانكا وكامبو وفيرناندو هييرو، مما حرمه من التعلم أولًا، من هؤلاء ومن الحماية الإعلامية ثانيًا، في ظل عدم وجود اسم كبير في الدفاع، مما ساهم في حرق بافون ورفاقه.

كفاح وبقاء

عندما ترى قائمة الفريق الأول الحالية في ريال مدريد ستجد ثلاثة لاعبين فقط هم من استطاعوا الصمود من بين أقرانهم في الكاستيا حتى استطاعوا أن يكونوا جزءًا لا يتجزأ من تركيبة الفريق الأول، وهم كارفاخال وناتشو ولوكاس فاسكيز، وباستثناء كارفاخال الذي استطاع ترقية نفسه ليصبح من «زيدانات» الجيل الحالي، بقي ناتشو وفاسكيز كـ «بافونات»، ولكنهم استطاعوا النجاح فيما فشل فيه فرانسيسكو بافون فيما سبق، وبعيدًا عن ناتشو، نريد التركيز قليلًا مع حالة لوكاس فاسكيز.

عانى هذا اللاعب في بدايته، حيث رأى زملاءه في الكاستيا يتم تصعيدهم واحدًا تلو الآخر عدا هو، وربما نقول بأن الظروف لم تخدمه حينها، فهو يلعب في مركز الجناح الأيمن وفي وقت تصعيد زملائه كان ريال مدريد يتعاقد مع جاريث بيل لهذا المركز، في حين وجد موراتا مركز رأس الحربة الثاني شاغرًا بعد رحيل هيجواين، وتمكن خيسي من الحصول على بعض الدقائق بتألقه في فترات غياب رونالدو، كما تأقلم ناتشو في دور المدافع الرابع بعد رحيل راؤول ألبيول خلف راموس وبيبي ورافاييل فاران، وهي نفس الظروف التي ستخدمه هو لاحقًا.

أراد فاسكيز خوض تجربة الفريق الأول، فرحل مُعارًا لمدة
موسم إلى إسبانيول، ومن ثم عاد لريال مدريد من بوابة الفريق الأول بطلب من رافاييل
بينيتيز مدرب الفريق حينها والذي لم يطل المكوث، ومن ثَمَّ تولى زيدان قيادة ريال
مدريد، وهنا بدأت الظروف في السير لمصلحة فاسكيز، بعدما بدا وكأنها لن تخدمه أبدًا.

وجد زيدان بأن إيسكو وخاميس رودريجيز ليسا مناسبين لخططه،
مما منح فاسكيز فرصة المشاركة، وسرعان ما أثبت اللاعب جدارته بثقة زيدان، كما شارك
أساسيًا في ذهاب نصف نهائي دوري الأبطال في عام 2016 لتغطية غياب كريستيانو
رونالدو المصاب، كما كان ورقة بديلة مهمة في نهائي نفس النسخة، وهو يمتلك لقطة
شهيرة عندما لعب ركلة الترجيح الأولى بقوة أعصاب، تمثلت في مداعبته الباردة للكرة
قبل تسديدها في لقطة شهيرة بين الأوساط المدريدية.

رقم قياسي واتفاق كامل

في

موسم
2017-2018

، كان فاسكيز وصل إلى مباراته رقم 100 في ريال مدريد، وكان أكثر اللاعبين
مشاركةً بقميص الميرينجي منذ تولي الفرنسي زيدان تدريبه في الفترة الأولى، مما
يعكس الأهمية التي اكتسبها اللاعب على الرغم من وجود العديد من النجوم في الفريق.

أهميته لم تتراجع بعد رحيل زيدان في فترته الأولى، فحتى مع انخفاض مشاركاته مع لوبيتيجي، بيد أن هذا الأمر لم يستمر طويلًا، حيث بوصول سولاري لتدريب الفريق كان فاسكيز قطعة أساسية في تشكيلته خلال ما تبقى من موسم 2018-2019، وبعودة زيدان لم يتغير وضع فاسكيز كقطعة إستراتيجية في خطط المدرب الفرنسي حتى رحيله الصيف الماضي.

وحتى الآن مع كارلو أنشيلوتي لا يزال فاسكيز مُحتفظًا بأهميته، نظرًا للخبرات التي اكتسبها، كما نجح في إيجاد مكانة له أكبر في عمق تشكيل الميرينجي بعد إجادته في مركز الظهير الأيمن وتغطيته لغياب كارفاخال المتكرر والمستمر، كما يتمتع اللاعب بمحبة كافة زملائه في الفريق، حيث كان صديقًا مقربًا من القائد السابق سيرخيو راموس.

الوصفة المثالية

ربما نتفق أو نختلف عن قيمة لوكاس فاسكيز الفنية، ولكن
الشيء المؤكد بأنه لاعب مجتهد، ليس باللاعب السوبر، ولكنه أيضًا ليس باللاعب
المزاجي، فهو سيضمن لك تقديم أداء ثابت وفي حدود إمكانياته وما يستطيع تقديمه وهو
ما يتقنه فاسكيز جيدًا، فهو يعرف دوره ويقدم ما يطلبه المدرب لا أكثر ولا أقل
وبدون فلسفة زائدة.

وكما عاندته الظروف وهو يرى أقرانه يترقون للفريق الأول
عندما كان في الكاستيا، عادت لتخدمه في كل مرة كان قريبًا فيها من الخروج، فتارةً
يتعارض خروجه مع خروج لاعب مثل بيل من خطط زيدان، فيبقى ليكون البديل الأول في
مركز الجناح الأيمن، وتارة أخرى في الصيف الماضي عندما كان قريبًا من الخروج أجاد
في مركز الظهير الأيمن في فترة إصابة كارفاخال، فحصل على عقد حتى عام 2024.

ربما ما قدمه ويقدمه فاسكيز هو درس بكل معاني الكلمة، فعندما تطلّب الأمر الخروج من منطقة الراحة لاكتساب الخبرة فعل وذهب لإسبانيول، وعندما كان الصبر على الفرصة هو كل ما يملك فعل وانتظر حتى أتته الفرصة واغتنمها، وعندما أتته الظروف بإتاحة المكان أو فرصة التعلم من اللاعبين الكبار، استغل ذلك، وعندما ألزمته الظروف على تغيير مركزه ولعب دور الجوكر، انتهى به الأمر كظهير أيمن، وهي جميعها أمور احتاجها فاسكيز كـ «بافون» للعيش بين «زيدانات» ريال مدريد.



مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.