في حلقة جديدة من حلقات انتهاك خصوصية وحرمة المواطنين، أذاعت قناة صدى البلد المملوكة لرجل الأعمال المقرب من القوات المسلحة محمد أبو العينين، عدة تسجيلات خاصة بالدكتور محمد البرادعي، خلال برنامج على مسئوليتي الذي يُقدمه أحمد موسى، والتي كان من بينها مُكالمة مع الفريق أول سامي عنان، رئيس أركان القوات المسلحة الأسبق، وهو ما يفتح الباب للتساؤل حول هذه النار المُحرمة التي أُريد بها أن تحرق الخصوم السياسية فطالت الجميع من بعض المُعارضين السياسيين وحتى أعلى المناصب في مصر.

عبر برنامجه الصندوق الأسود، قام المذيع عبد الرحيم علي

بإذاعة

عدة مُكالمات هاتفية بين عدد من النُشطاء والسياسيين، كان أبرزهم الدكتور مصطفى النجار النائب البرلماني السابق، والشاعر عبد الرحمن يوسف، والناشط السياسي وائل غُنيم، وغيرهم، كان أغلبها يدور حول نقاشات سياسية حول ما يجري في مصر عقب ثورة يناير 2011 وخلع حسني مبارك من كرسي الحُكم.

وهو ما قلل من شأنه

القوى

السياسية، إذ أن الفترة الزمنية التي جرت فيها تلك المكالمات كان المجلس الأعلى للقوات المُسلحة يُجري لقاءات ومشاورات دائمة مع أولئك الشباب، وبالرغم من أن تلك التسريبات لم تحتوِ على ما يُدين أحدًا منهم، ولم يتم تقديم أي منهم إلى المحاكمة على خلفيتها، ظل على على مدار أشهر طويلة يُذيع تلك المُكالمات مُضافة إليها اتهامات منه لهم بالتخوين والعمالة غير عابئ بالتنديد من قبل كل القوى السياسية.

ثم سار في دربه عدد كبير من المُذيعين المحسوبين على نظام ما بعد 30 يونيو/حزيران 2013، كان أبرزهم أحمد موسى ومُصطفى بكري، في حملات شرسة لتشويه المُعارضين والسياسيين خارج التحالف الحاكم بل وداخله أيضًا؛ مثل رجل الأعمال نجيب ساويرس، وسيد البدوي رئيس حزب الوفد.


تسريبات في الاتجاه المُعاكس

إلا أن النار التي أشعلها النظام لإحراق خصومه سرعان ما طالته هو الآخر حتى وصلت لرأس النظام نفسه وكبار معاونيه، والتي بدأت بتسريب بعض التسجيلات لعبد الفتاح السيسي وزير الدفاع آنذاك من داخل الندوات التثقيفية للقوات المُسلحة، أفصح

خلالها

عن بعض الشؤون الاقتصادية للقوات المسلحة.

ثم

تسريب

لمُقابلة بينه وبين ياسر رزق رئيس تحرير جريدة الأخبار احتوت على بعض الأفكار الخاصة به لم يتضمنها

الحوار

المنشور، إلا أنه سرعان ما اشتد لهيب التسريبات بعد أن بدأت قناتا الشرق ومكملين المحسوبتين على جماعة الإخوان المسلمين، ويتم بثهما من تركيا في إذاعة تسجيلات من داخل أروقة وزارة الدفاع بين كبار الشخصيات العسكرية؛ مثل الفريق أول صدقي صبحي والفريق محمود حجازي واللواءات ممدوح شاهين ومحمد العصار.

وتضمن بعضها

أسرارًا

حول طريقة احتجاز الرئيس المعزول محمد مرسي، وأخرى عن ضغوط وتدخلات من كبار القادة العسكريين في بعض القضايا مثل

قضية

عربية الترحيلات التي راح ضحيتها 37 شخصًا وكان المتهم الرئيسي فيها أحد ضباط الشرطة نجل أحد لواءات القوات المسلحة.

كما فضحت تسريبات أخرى لكل من وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي ومدير مكتبه اللواء عباس كامل عن بعض الأسرار الخاصة بـ

المساعدات

المالية من دول الخليج وعن أموال لدعم حركة تمرد، وعن التوجيه الإعلامي الذي يقوم به اللواء عباس كامل لعدد كبير جدًا من

المذيعين

والإعلاميين مثل أحمد موسى ووائل الإبراشي ويوسف الحسيني وإبراهيم عيسى.

كما تطرقت التسريبات إلى ملفات أكثر حساسية ومناطق أكثر سخونة بعد أن بثت

تسريبًا

لمُكالمة هاتفية بين اللواء وائل الصفتي، مسؤول الملف الفلسطيني بالمخابرات المصرية، ومحمد دحلان المسؤول السابق في حركة فتح.


من يضغط زر التسجيل؟

لعل أبرز ما تُشير إليه

التسريبات

التي أذاعها أحمد موسى أمس للدكتور البرادعي مع الكاتب إبراهيم عيسى والسفير شكري فؤاد ورئيس الأركان سامي عنان، وكذلك أغلب ما أذاعه عبد الرحيم علي للنُشطاء السياسيين، أنه قد تم تسجيلها بعد سقوط نظام مُبارك وانهيار جهاز الشرطة المصرية، وبعد أن فقد جهاز أمن الدولة القدرة على مثل تلك التسجيلات، بينما كان هناك جهازان آخران يُديران الدولة، وهما جهاز المخابرات الحربية والذي كان يديره آنذاك اللواء عبد الفتاح السيسي، والآخر جهاز المخابرات العامة والذي كان يديره اللواء مُراد موافي، الذي كان يدير جهاز المخابرات الحربية قبل السيسي مباشرة.

كما أشار

اللواء

منصور العيسوي وزير الداخلية الأسبق في حديث له خلال شهر مارس/أذار 2013 إلى أن جميع التسجيلات التي قام بها جهاز أمن الدولة تمت السيطرة عليها من قبل القوات المُسلحة، إلا أن عبد الرحيم علي قد أنكر أن يكون لأجهزة الأمن دور فيما قام بإذاعته ومتهِمًا النشطاء بالتسجيل لبعضهم البعض،

قائلاً

: «أقسم أن كل منهم كان يسجل للآخر، وكانوا غجر وباعوا بعضهم، هي أجهزة الأمن حنفية هتسرب، وهو ده شغل أجهزة أمن وهتعمل الهطل ده».

كما فتحت التسريبات الواردة من مكتب السيسي بابًا واسعًا من الألغاز، حيث أشارت مصادر إلى أن مكاتب الأمانة العامة لوزارة الدفاع يتم تفتيشها من قبل ثلاث جهات مختلفة لضمان خلوها من أي أجهزة تنصت.

فذهب البعض إلى اتهام

المخابرات

الأمريكية مثلما أشار جمال حشمت القيادي البارز بجماعة الإخوان، وهو ما دعمه تصريح لوزير الخارجية المصري السابق وأمين عام جامعة الدول العربية حاليًا أحمد أبو الغيط حينذاك، حينما قال إن: «البيت الأبيض لا زال يراهن على جماعة الإخوان المسلمين، وأنها تنفي حتى الآن تهمة الإرهاب عنها»، إلا أن المذيع بقناة مكملين، أسامة جاويش، أشار إلى أن التسريبات وصلت إليهم عن طريق أحد القيادات بالمجلس العسكري.


التسريبات بين الدستور والقانون

تنص المادة رقم 57 من الدستور المصري على: «للحياة الخاصة حُرمة، وهى مصونة لا تمس. وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب، ولمدة محددة، وفى الأحوال التي يبينها القانون». إلا أن

أحكامًا

بالبراءة صدرت لصالح عبد الرحيم علي كانت قد أقامها النُشطاء المذاعة تسجيلاتهم جعلت الأمر أكثر تعقيدًا.

فبينما عبر

الدكتور

محمود كبيش، عميد كلية الحقوق جامعة القاهرة السابق، عن اعتقاده بأن هذه التسجيلات قد تكون تمت بإذن قضائي، أو أنها في فترة إعلان حالة الطوارئ، حيث أن حالة الطوارئ تبيح ما لا تبيحه الظروف العادية، أما الدكتور شوقي السيد، الفقيه الدستوري، فأشار

قائلاً

: «إن التسريبات لا تعد جريمة يعاقب عليها من يقوم بإذاعتها».

كما يرى آخرون بأن المادة 46 من قانون الإرهاب قد فتحت المجال واسعًا أمام مثل تلك التصرفات وأكثر منها فداحة، والتي نصت على «للنيابة العامة أو سلطة التحقيق المختصة بحسب الأحوال في جريمة إرهابية أن تأذن بأمر مسبب، لمدة لا تزيد على ثلاثين يومًا، بمراقبة وتسجيل المحادثات والرسائل التي ترد على وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية وغيرها من وسائل الاتصال الحديثة، وتسجيل وتصوير ما يجرى في الأماكن الخاصة أو عبر شبكات الاتصال أو المعلومات أو المواقع الإلكترونية وما يدون فيها، وضبط المكاتبات والرسائل العادية أو الإلكترونية والمطبوعات والطرود والبرقيات بجميع أنواعها».

إلا أن

المحامي

عمرو عبد السلام، نائب رئيس منظمة الحق الدولية لحقوق الإنسان والخبير القانوني، يرى بأن ما قام به أحمد موسى من إذاعة إحدى المكالمات لرئيس أركان حرب القوات المسلحة أثناء توليه المنصب تعد جريمة جنائية ودستورية تستوجب إحالة الإعلامي وكل من شارك في تلك الجريمة إلى المحاكمة، كما أنها تعد إهانة للمؤسسة العسكرية.

إلا أن

تصريحًا

لمصادر مقربة من الفريق سامي عنان، قال إن الهدف من التسريبات هو البرادعي وليس عنان، ونية الفريق بعدم التحرك تجاه تلك الواقعة، وأن هذه التسريبات تصب في صالح الفريق.