تنطلق غدًا، في التاسع من نيسان/ أبريل، الانتخابات الإسرائيلية المبكرة التي كان قد دعا إليها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في ظل ظروف سياسية داخلية وخارجية وتطورات عسكرية وأمنية صعبة تمر بها إسرائيل.

ومنذ الإعلان عن الدعوة لهذه الانتخابات كحلٍ للخروج من «مأزق سياسي» عصف بالداخل الإسرائيلي، شهدت الخريطة الحزبية الإسرائيلية الكثير من التغييرات والتقلبات، لتستقر على صورة «ثنائية قطبية حزبية» تتكون من حزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو في مواجهة تحالف «أزرق /أبيض» بزعامة الجنرال المتقاعد بني جانيتس.

أمام هذا المشهد الانتخابي الإسرائيلي، تزايد سعار التخمينات والتوقعات والتحليلات حول نتائج هذه الانتخابات، ومن سيكون الفائز فيها؟ وهل حصانها الأسود سيكون «نتنياهو» الذي يقود كتلة اليمين؟ أم «جانيتس» القادم من صفوف الجيش ليقود كتلتي الوسط واليسار؟


الاستطلاعات الضبابية

لما كان نظام الحكم في إسرائيل برلمانيًا يُخوِّل لمن يحصد أكبر عدد من المقاعد في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) حق تشكيل الحكومة، فخلال الأشهر القليلة الماضية، لم يكن يمر أسبوع إلا ويُعلن عن نتائج استطلاع رأي حول الانتخابات الإسرائيلية المرتقبة والفائزين بأكبر عدد من مقاعد الكنيست فيها.

وبنظرة سريعة على هذه الاستطلاعات، نجدها قد أعطت صورة يمكن وصفها بـ«الضبابية» عن نتائج الانتخابات الإسرائيلية، إذ تأرجحت بين تساوي القطبين المتنافسين نتنياهو وجانتيس في عدد المقاعد، أو تفوق أحدهما على الآخر بعدد قليل من المقاعد.

فعلى سبيل المثال، أشار

استطلاع للرأي

أجرته القناة الإسرائيلية التلفزيونية 13، وأُعلن عنه يوم 29 مارس/ آذار إلى تساوي عدد المقاعد المتوقع أن يحصل عليها نتنياهو وجانيتس في الانتخابات المقبلة؛ إذ يحصل كل منهما على 30 مقعدًا. إلا أن نفس الاستطلاع أشار إلى أن 51% من المشاركين فيه أعربوا عن تفضيلهم نتنياهو في منصب رئاسة الوزراء، في حين أعلن 36% منهم فقط عن رغبتهم في تولي جانتيس نفس المنصب.

كما أظهر استطلاع للرأي نشرته صحيفة معاريف الإسرائيلية يوم 12 مارس، تقدم جانتيس على نتنياهو بحصول الأول على 36 مقعدًا، في حين حصل الثاني على 30 مقعدًا فقط، واصفًا ذلك أن هذا التقدم لـجانتيس هو الأول من نوعه على نتنياهو منذ عشر سنوات كاملة، فمنذ عام 2009 وحزب الليكود بزعامة نتنياهو يتصدر معظم استطلاعات الرأي.

أما صحيفة «إسرائيل هيوم» فقد نشرت يوم 30 مارس، استطلاعًا للرأي أظهر تقدمًا طفيفًا لجانتيس على نتنياهو؛ إذ حصل الأول على 32 مقعدًا في حين حصل الثاني على 28 مقعدًا فقط، ومع ذلك فقد أشار الاستطلاع إلى أمر مهم جدًا، وهو قدرة نتنياهو على تشكيل كتلة يمينية تتكون من 68 مقعدًا، في حين يعجز جانتيس عن ذلك. ليتقلص الفارق إلى مقعد واحد فقط بين الكتلتين في استطلاع نشرته صحيفة معاريف في الأول من أبريل/ نيسان وأظهر حصول الليكود على 31 مقعدًا مقابل 30 مقعدًا لتحالف أزرق /أبيض.

وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن استطلاعات الرأي في إسرائيل لا تعكس الحقيقة في كل الأحوال، وذلك لعدة اعتبارات، لعل في مقدمتها أن كثيرًا منها تكون مدفوعة الأجر لاسيما وأن معظمها يكون صادرًا عن صحف بعضها له ارتباطات حزبية، لذلك فهي تكون في بعض الأحوال مرتبطة بحسابات دعائية ورشاوى انتخابية أكثر من كونها تعكس الحقيقة.

وبالتالي فإن

معظم هذه الاستطلاعات

غالبًا ما تكون محدودة الضمان ومشوهة، ويجب التعامل معها بحذر شديد، فهي ليست دقيقة بكل الأحوال وغير قادرة على قياس معطى مهم ومركزي يتعلق بشريحة الناخبين «المُترددين» والذين لم يحسموا أمرهم بعد فيما يتعلق بالتصويت، والذين تصل نسبتهم إلى 15%.


نتنياهو الأقدر

ماذا يفعل الرئيس عندما لا يوجد أغلبية لأحد، ما الاعتبارات التي يجب أن يعمل بموجبها، ربما تكون الكتلة الأكبر، وهل من يحصل على أكبر عدد من التوصيات قادر على إقناع بقية الأحزاب بالدخول معه في ائتلاف حكومي؟ هذه أسئلة صعبة.

كانت هذه

كلمات الرئيس الإسرائيلي

رأوبين ريفلين التي ألقاها أمام جمع طلابي قبل أيام، حول الآلية المنوط به أن يتبعها لاختيار أحد الفائزين في الانتخابات بعد إجرائها، لتكليفه بتشكيل الحكومة.

وتأتي تصريحات الرئيس الإسرائيلي لتشير إلى ما يعرف في إسرائل بـ«قانون أساس الحكومة»، وهو القانون الذي ينظم عملية اختيار رئيس الحكومة وتشكيلها؛ إذ ينص على أن «رئيس الدولة، وبعد إجراء مشاورات مع ممثلي الكتل في الكنيست، يُلقي مهمة تشكيل الحكومة على أحد أعضاء الكنيست الذي يوافق على ذلك»، وعادة يقوم الرئيس الإسرائيلي بتكليف رئيس أكبر قائمة حصلت على مقاعد في الكنيست، ولكن ذلك ليس ملزمًا، حيث إن المبدأ الذي يعمل بموجبه الرئيس الإسرائيلي هو

اختيار رئيس القائمة

ذي الاحتمال الأكبر أو القدرة الأكبر على تشكيل الحكومة.

في ضوء ما سبق، نجد أن القانون الإسرائيلي يُفضِّل مبدأ «القدرة في مواجهة العدد»، إذ ليس ضروريًا أن يكون من يحصل على أكبر عدد من المقاعد هو من يتم تكليفه بتشكيل الحكومة؛ إذ يتم تكليف من يكون بإمكانه خوض مفاوضات ائتلافية وحزبية مع بقية الكتل والأحزاب، بشكل يمكنه من تشكيل ائتلاف حزبي لا يقل عن 60 مقعدًا (نصف عدد المقاعد) بالكنيست فما أكثر.

وبالنظر إلى خريطة التحالفات السياسية والحزبية في إسرائيل، نجد أن نتنياهو الذي يقود كتلة اليمين هو (الأقدر) على تشكيل حكومة ائتلافية لاتقل عن 68 مقعدًا في الكنيست؛ نظرًا لما يتمتع به من حنكة سياسية ، ولخبراته الحزبية والسياسية الطويلة في المناورات المتعلقة بالمفاوضات الحزبية، نظرًا لأنه في معترك السياسية الدخلية الإسرائلية منذ تسعينيات القرن الماضي، ولأن معظم أحزاب اليمين واليمين الوسط تميل إلى التحالف معه.

يضاف إلى ما سبق، أن استطلاعات الرأي نفسها، رغم أنها أعطت نسبًا شبه متساوية في عدد المقاعد بين نتنياهو وجانتيس، فإنها أكدت

تفضيل الناخب الإسرائيلي

لنتنياهو في منصب رئيس الحكومة. مما يعني أن الرئيس الإسرائيلي سيفضل أن يوكل مهمة تشكيل الحكومة لنتنياهو حتى إن لم يكن قد حصل على العدد الأكبر من المقاعد، لاسيما أنه في حال تفوق عليه جانتيس في عدد المقاعد بالكنيست فسيكون التفوق طفيفًا للغاية، بشكل لا يُجبر الرئيس الإسرائيلي من الناحية القانونية على تكليف جانتيس بهذه المهمة.


سيناريو 2009

في انتخابات عام 2009 كان هناك حزبان إسرائيليان متنافسان، وهما كاديما بزعامة تسيبي ليفني التي كانت تشغل منصب وزيرة الخارجية آنذاك، والليكود بزعامة نتنياهو، وقد حصل الحزب الأول على 28 مقعدًا في حين حصل الثاني على 27 مقعدًا فقط، ورغم ذلك كلف الرئيس الإسرائيلي آنذاك شمعون بيريس زعيم حزب الليكود نتنياهو بتشكيل الحكومة، لكونه الأقدر على ذلك نظرًا لتحالفه مع معظم أحزاب اليمين، وبالفعل

نجح نتنياهو

في تشكيل الحكومة.

وفي هذه الانتخابات المزمع إجراؤها، غدًا، من المتوقع أن يكون حصانها الأسود نتنياهو الذي رغم عدم توقع فوزه بأغلبية مريحة تمكنه من تشكيل الحكومة منفردًا، فهو الأكثر قربًا من السواد الأعظم لأحزاب اليمين ويمين الوسط الإسرائيلي، مما يعني تكرار سيناريو انتخابات عام 2009 بكل ما حمله من تفاصيل.

فرغم أهمية عدد المقاعد البرلمانية لأي حزب في الانتخابات الإسرائيلية، فإن الأهم منها هو عدد المقاعد المتوقع للكتل الائتلافية الحزبية التي يتم تشكيلها بعد إجراء الانتخابات، وذلك في ضوء قواعد البرلمان النسبي التي تُتبع في إسرائيل، فبعد الانتخابات يجب على رئيس الدولة التشاور مع رؤساء الأحزاب الممثلة في الكنيست لاستطلاع رأيها واستبيان مواقفها من التحالفات الحزبية لتعيين من له التأييد الأوسع لقيادة المفاوضات الائتلافية ومن ثم تشكيل الائتلاف الحكومي وترؤسه، وفي هذه الحالة تبدو النتيجة مسبقة باختيار نتنياهو الذي أعربت الكثير من أحزاب يمين ويمين الوسط الدخول معه في تحالف حزبي.