بأوامر ملكية جديدة، أصدرها العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز يوم 22 أبريل/نيسان الماضي، جاءت لتخط واقعًا جديدًا ولتثبت ما كان متوقعًا من قبل الكثيرين، وهو تهيئة الأمور لتولي نجله محمد بن سلمان منصب ولي العهد، بدلاً من كونه ولي ولي العهد، ومن ثم يصبح الملك المقبل للسعودية مكان ابن عمه محمد بن نايف ولي العهد الحالي.


البداية كانت بوفاة الملك عبد الله

مع وفاة الملك عبد الله بن العزيز في يناير/ كانون الثاني 2015، وتولي أخيه سلمان مقاليد الأمور، بدأ في ترتيب البيت الداخلي لنجله وإزاحة الموالين للملك الراحل من القصر، ففي الشهر ذاته حينما نصّب ملكًا على السعودية،

أصدر

34 أمرًا ملكيًا تضمنت إعادة تشكيل مفاصل الدولة من جديد.

ومن أبرز هذه الأوامر تغيير مدير الاستخبارات ورئيس مجلس الأمن القومي، وتعيين وزراء جدد، وإلغاء أكثر من 12 مجلسًا وجهازًا في الدولة، وإعفاء أميري منطقتي الرياض ومكة المكرمة وهما ابنا الملك الراحل عبد الله من منصبيهما، وفي خطوة لإظهار نجله محمد على الساحة أمر الملك بإنشاء مجلس الشؤون السياسية والأمنية برئاسة محمد بن نايف والذي كان وقتها ولي ولي العهد، والثاني مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة نجله محمد بن سلمان، والذي كان وقتها وزيرًا للدفاع فقط.

وفي أبريل/نيسان 2015

عيّن

الملك سلمان، بن نايف وليًا للعهد ونجله ولي ولي العهد، ليحدد بذلك مسار الحكم في المملكة، بعد أن أعفى شقيقه الأمير مقرن من منصب ولاية العهد ومن منصب نائب رئيس الوزراء، ليمهد لنجله دورًا أكبر في قيادة المملكة، ومحاولة ترويجه للخارج وخاصة لدى الحليف الأمريكي.

ومنذ ذلك الوقت بدأ محمد بن سلمان في الترويج لنفسه داخليًا وخارجيًا، فعلى المستوى الداخلي أعلن أنه يحمل رؤية جديدة لاقتصاد المملكة ومحاولة استمالة الشباب، لذا أطلق رؤية 2030، ومشروع 2020 لاستكمال الترويج لذاته، سواء على مستوى الداخل أو الخارج.

ويبدو أن هذه الخطط الاقتصادية كان لها جزء سلبي على محمد بن سلمان، وعلى العائلة الحاكمة ككل، فقد ساهم خفض رواتب الموظفين والمنح والدعم المقدم إلى الشعب في إثارة سخط المواطنين وهو ما قد يؤثر بشكل كبير على شرعية النظام الحاكم، مما استلزم تحركًا من قبل دائرة الحكم لتدارك الوضع وإصدار قرارات جديدة تعيد الثقة في الملك سلمان وأركان حكمه وخاصة ابنه المفضل.


قرارات ملكية لإعادة نجم بن سلمان

حاول الملك سلمان في القرارات الجديدة الصادرة في أبريل/نيسان الماضي العمل على شقين؛ وهما محاولة ضبط الأوضاع الاقتصادية والتي أثارت سخط الكثيرين نتيجة لتخفيض مستوى الدعم وخفض الرواتب والمزايا الممنوحة لموظفي الدولة، إلى جانب تثبيت أبنائه في الحكم لدعم تولي نجله المفضل محمد حكم المملكة، وتقوية هذا الأمر بأجهزة جديدة للدفع في هذا الاتجاه.

فبالنسبة إلى السياسات الاقتصادية التي كان يقف وراءها محمد بن سلمان ساهمت في إثارة سخط السعوديين، وللخروج من هذا المأزق أصدر العاهل السعودي مرسومًا ملكيًا بإعادة جميع البدلات والمزايا المالية والمكافآت إلى موظفي الدولة، والتي استقطعت سابقًا في إطار إجراءات تقشفية في المملكة.

وفيما يخص دعم وجود أبناء الملك في أركان الحكم، أعفى الملك سلمان سفير المملكة في واشنطن من منصبه وعيّن نجله الأمير خالد بدلاً منه، حيث يعتبر ممثل المملكة لدى واشنطن من أهم المناصب على مر تاريخ المملكة لأن الولايات المتحدة هي الضامن الحقيقي لنظام الحكم في السعودية ولن يقفز محمد بن سلمان على الحكم بدون دعم أمريكي، وإن فعلها بدون موافقتها فلن يستمر طويلاً في السلطة.

كما أصدر سلمان أمرًا ملكيًا آخر، بتعيين نجله الآخر الأمير عبد العزيز وزير دولة لشؤون الطاقة في وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية بمرتبة وزير، وذلك للاهتمام بملف الاقتصاد ومحاولة السيطرة على مركز وقوة المملكة وهي النفط والمعادن،

ورأت

صحيفة فايننشال تايمز أن تعيين عبد العزيز وزيرًا للطاقة سيجعل له رأيًا في سياسات النفط والغاز والطاقة، وسيكون له رأي في خصخصة جزء من شركة «أرامكو» والإصلاحات المحلية الأخرى.

ولنجاح دعم جناح أبناء سلمان في الحكم لابد من سياسة وأجهزة أمنية قوية، ويسيطر عليها الآن ولي العهد محمد بن نايف، ولهذا نص مرسومًا ملكيًا على إنشاء مركز للأمن الوطني يرتبط بالديوان الملكي، واستحداث وظيفة في الديوان باسم مستشار الأمن الوطني، إلى جانب إصدار أمر آخر بتعيين اللواء الركن أحمد بن حسن عسيري نائبًا لرئيس الاستخبارات العامة، وإحالة نائب رئيس الاستخبارات الفريق ركن يوسف الإدريسي للتقاعد.

ويرى

مراقبون

أن مركز الأمن الوطني قد يكون بمثابة جهاز أمني موازٍ للأجهزة الخاضعة لوزارة الداخلية والتي يرأسها بن نايف إلى جانب ترؤسه مجلسًا للشؤون السياسية والأمنية، ولن يستطيع بن سلمان إحكام سيطرته على مفاصل المملكة بدون التغلغل في الملف الأمني والذي يهم بشكل كبير الغرب وخاصة الحليف الأمريكي، فهو الآن يسيطر على الشق العسكري والاقتصادي وبحاجة لدعم سيطرته الأمنية.


حرب اليمن تحسم مستقبل بن سلمان

تشكل الأزمة اليمنية معضلة كبيرة للسعودية، فبعد مرور أكثر من عامين على عاصفة الحزم لم تحقق المملكة أهدافها هناك، ويعتبر محمد بن سلمان المتولي الفعلي لإدارة الحرب، وهي التي ستحدد مستقبله وموقعه في حكم المملكة مستقبلاً، وليس هو فقط بل مستقبل المملكة بأكملها.

انتهاء الحرب اليمنية لصالح السعودية سيصب في خانة بن سلمان؛ لأنه المتصدر لواجهة هذا الصراع، وفي حالة إطالة أمد الصراع لن يقدم أحد من داخل المملكة على الانقلاب على الأوضاع السياسية القائمة؛ لأن المملكة لن تحتمل مزيدًا من الهزات وخاصة بعد استنزاف قواها العسكرية والاقتصادية في مستنقع لن تخرج منه بسهولة.

ولهذا من المتوقع ألا يقدم الملك سلمان على إثارة المزيد من الانقسام والسخط على ابنه، عن طريق إصدار قرارات جديدة ومنها ترقيته لمنصب ولي العهد، ما لم تحل الأزمة اليمنية لأنه لن يقدر على السيطرة على الأوضاع داخليًا وخارجيًا.

وتخشى السعودية من الدخول في حرب برية في اليمن لأنها غير قادرة على ذلك، رغم تصريح ولي ولي العهد وزير الدفاع محمد بن سلمان بأن المملكة قادرة على القيام بعملية برية في اليمن لكنها لا تريد سقوط قتلى من جنودها أو من اليمنيين، وبالنسبة لها معركة «النفس الطويل» أفضل لها.

وهذا صحيح جزئيًا، لكن يخشى بن سلمان من تعرضه لانتكاسة عسكرية كبيرة ولهذا سيستمر في سياسته الحالية، وهذا في غير صالحه، لتصاعد مطالب الجنوبيين بالانفصال عن شمال اليمن بدعم إماراتي، مما ينسف ما قامت به المملكة منذ إطلاق عاصفة الحزم؛ لأن هذا سيخلق دولتين الشمالية مجاورة للسعودية ويسيطر عليها الحوثيون، وهو ما سينتفي معه حجتها بالدفاع عن الشرعية لأنه حين تنقسم اليمن لن تكون هناك شرعية وستنشأ شرعيات وكيانات جديدة ليست في صالح السعودية عامة ومستقبل ابن سلمان خاصة.


هل هي قرارات عادية أم فاصلة؟

من المؤكد أن أوامر الملك سلمان الأخيرة تعتبر مفصلية في مستقبل المملكة كالتي أصدرها في بداية توليه عرش المملكة، وخاصة تثبيت أبنائه في الحكم، إلى جانب ربط عودة المنح والمزايا مرة أخرى بتحسن الاقتصاد ونسب الفضل في ذلك لسياسات نجله محمد، وهو ما يسهل ترويجه في الداخل.

وكما

أوضح

الكاتب البريطاني ديفيد هرست أن أي أمير سعودي يحتاج إلى رضى ثلاثة مصادر للقوة حتى يصبح ملكًا؛ وهي الولايات المتحدة، والعائلة الحاكمة والشعب السعودي.

وبالتالي ما زال الطريق طويلاً أمام ولي ولي العهد ليصبح ملكًا للسعودية ما لم يحظى بثقة النظام الأمريكي والاعتماد عليه في حماية مصالحها وعدم الإضرار بها، بجانب الحصول على ثقة وتأييد العائلة الملكية واحتواء أي خلاف قد ينشب، كما حدث من قبل حينما أصدر والده أوامر تغير ولاية العهد والتي اعترض عليها بعض الأمراء مثل الأمير طلال بن عبد العزيز، لكن نجح في احتواء هذا الغضب.