قد تكون هذه قصة حمار عمل لمدة 30 عامًا، لكنه لم ينجح في أن يصبح حصانًا أبدًا






البرتغالي جوزيه مورينهو

مدرب بورتو الأسبق، فبراير/ شباط 2005.

في 2005، كان البرتغالي «جوزيه مورينهو» قد تحوَّل لأحد أهم وجوه لعبة الكرة القدم البرتغالية والعالمية؛ بفضل إنجاز التتويج بدوري أبطال أوروبا الشهير رفقة «بورتو» البرتغالي. لذا كان منطقيًا أن يتهكَّم- كعادته- في عموده الأسبوعي بمجلة «Record Dez» البرتغالية على مسيرة مدرب خبير، لم يفصِح عن اسمه. لكن الجميع توقَّع أنّ ضحية «مورينهو» هو البروفيسور «جوسفالدو فيريرا».

بغض النظر عن الدوافع التي امتلكها «سبيشال وان» حين قرّر انتقاد أستاذه بمعهد لشبونة العالي للتربية البدنية، يظل طرحه منطقيًا، حتى بعد مرور عقدين من الزمن؛ لماذا يوصف «فيريرا» بالبروفيسور على الرغم من مسيرته التدريبية التي تبدو لوهلة عادية؟

«البروفيسور باردال»

على الرغم من تعلقه بها،

لم تمنَح كرة القدم

«جوسفالدو فيريرا» الكثير، فمنذ البدايات، لم يكُن لاعبًا ممتازًا، حيث اضطر أن يتوقَف عن ممارستها بداية عقده الثالث، ليتحوَّل إلى طالب علم بالمعهد العالي للتربية البدنية في لشبونة. قبل أن يتخرج في عمر الـ24. وقتئذ، اعتقد أن احتراف التدريب هو المستقبل الذي يجب أن يسعى لأجله.


تلقيب «فيريرا» بالبروفيسور يعود في الأساس لعمله الأكاديمي. فقبل أن يحظى بأي فرصة كمدير فني للفريق الأول بأي نادٍ في مطلع نهايات عقده السادس، كان «فيريرا» مُعلمًا لـ«كارلوس كيروش» و«روي كاكادور»؛ مؤسسي مدرسة «المدربين والمعلمين»، اللذين شكلا أفكار الجيل الثالث من المدربين البرتغاليين، أمثال «جوزيه مورينهو»، «جوزيه بيسيرو» وغيرهما.

وربما يعود الفضل في كُل تلك النجاحات البرتغالية بمجال التدريب

لقرار اتخذه البروفيسور

نفسه في 1979، حين أخذ على عاتقه إنشاء مكتب منهج تدريب كرة القدم بنفس المعهد الذي تخرج فيه معظم المدربين البرتغاليين المرموقين.

في عام 1979، في المعهد العالي (ISEF)، قدت أنا  جوزيف ويلسون وميرانديلا دا كوستا، عملية تهدف إلى إنشاء هيكل داخلي. مدرسة لكرة القدم؛ مدرسة بالمعنى  المفاهيمي: من شأنها أن تؤثر على التدريب الممنوح للمدربين الجدد.






البرتغالي جوسفالدو فيريرا

.

ومع ذلك، كان منطقيًا أن يظل «فيريرا» مثار سخرية على المستوى الإعلامي، لأنّه حتى وإن كان خبيرًا، إلا أنّه لم يحظ -حتى وصوله لمنصب المدير الفني لـ«بورتو» عام 2007- بأي نتائج تُبرهن على عبقريته المزعومة.

ليلقب بالبروفيسور «باردال»

.

«باردال»، هو أحد أشهر شخصيات الرسوم المتحركة البرتغالية؛ يُكِّن الكثير من الود للآخرين، يمتلك أفكارًا عبقرية، لكنه نادرًا ما ينجح في تحقيقها لنتائج ملموسة. هذا هو «فيريرا» -على الأقل في نظر منتقديه- خبير لم تشفع له خبرته. وربما هذه هي أكبر مغالطة يتم ارتكابها في حقه.

أن تترك أثرًا


الهدف من كونك مدربًا هو تعليم اللاعب والمشاركة في عملية تطويره.





جوسفالدو فيريرا.

يمتلك البروفيسور نظرة أشمل عن كرة القدم، بخاصة في ما يتعلّق بالفوز أو الخسارة، فحسب وجهة نظره،

لا يُمكِن تفسير

كُل ما يحدُث داخل أرض الملعب؛ ما يعني أن خسارة الفريق لا تعني -في بعض الأحيان- أنّه فريق سيئ.

لذا، يعتقد البرتغالي أنّه إذا كان ما هنالك طريق واضح لنجاح المدرّب والفريق بالتبعية، فإنه يقتصر في الأساس على بناء فريق يفهم مبادئ اللعبة؛ بمعنى أن يصبح كل لاعب على دراية كاملة بمهام زملائه داخل أرض الملعب، عندئذ، قد يتمكّن أي عنصر من تدارك المشكلات اللحظية التي يقع بها الفريق داخل الـ90 دقيقة.

حظيت بفرصة التدريب تحت قيادة بعض المدربين،

لكِن فيريرا كان بمثابة المعلم.

كان جوسفالدو يسأل دائمًا: إلى أين أنت ذاهب؟ لماذا؟ إذا كان هناك مهاجم آخر هنا، فمن ستراقب؟ ولماذا؟





أبيل فيريرا، لاعب براجا البرتغالي السابق، ومدرب بالميراس البرازيلي.

أثّر «فيريرا» مباشرة في مسيرة اللاعبين الذين أشرف على تدريبهم، حتى إن أفكاره أسهمت مباشرة في تشكيل الهوية التدريبية للبعض منهم مثل: «أبيل فيريرا» و«نونو سانتوس».


اعترف نونو سانتوس

، مدرب وولفرهامبتون الإنجليزي السابق، أنّه تعرّف للمرة الأولى على منهجية إعداد التدريبات اليومية تحت قيادة «فيريرا»، بينما قصَّ «أبيل فيريرا» بعض الحكايات عن محادثاته مع البروفيسور حول كل جوانب كرة القدم، وإجاباته عن الأسئلة المتعلقة بالقيادة، استراتيجيات اللعب وكيفية إدارة الاجتماعات مع اللاعبين؛ تلك الإجابات التي لا يزال يحتفظ بها بمذكرة صغيرة.

حمادة طلبة أم فالكاو؟

فيريرا أعظم من درّب الزمالك، لقد جاء للنادي وأنا لا ألعب لمدة عامين، لقد حولني وجعل مني لاعبًا أفضل.






حمادة طلبة، لاعب الزمالك السابق

.

في بورتو، علمني جوسفالدو فيريرا كيف يجب أن يكون المهاجم، والأهم؛ كان دائمًا ما يصحح أخطائي.






راداميل فالكاو، نجم منتخب كولومبيا

لفرانس فوتبول.

حسب وجهة نظر البروفيسور، إذا كُنت بإمكانيّات «فالكاو»، «كواريزما»، «برونو ألفيس» أو حتى «حمادة طلبة» لا يُهم. المدرب بدوره عليه أن يتعامل مع حجم الموهبة التي أمامه، ليخرج أفضل ما فيها.

كان كواريزما فضوليًا، يخطئ كثيرًا لأنه يُقدم على اختراع ألعاب جديدة، بينما كان برونو ألفيس مدافعًا مندفعًا يتحصّل على الكثير من البطاقات. كان دور فيريرا -بحسب رأيه- هو الاستفادة من هذه الإمكانيّات على اختلافها لمصلحة الفريق ومن ثم اللاعب.


يرى فيريرا أنّه من الممكن أن يتسامح في أي شيء باستثناء أن يلعب أحدهم تحت قيادته بعمر الـ24 ويرحل في عمر الـ30

دون أن يتطور

؛ لأن هذا يعني بداهة أنه فشل كمدير فني تمامًا. إما لأنه لم يستطع تطويره تقنيًا، أو لأنه اختار لاعبًا لا يمتلك دافعًا ليتطور من الأساس.

دربنا فيريرا لـ45 يومًا على التسليم والتسلم، والوقوف بشكل صحيح داخل أرض الملعب. في إحدى المرات صحح لي طريقة استلامي للكرة على الخط. فقلت له: هل تريد تعليمي كرة القدم الآن وأنا على مشارف الاعتزال؟





أحمد عيد عبدالملك، لاعب الزمالك الأسبق.

ربما هذا هو الإرث الحقيقي الذي قد يتركه جوسفالدو فيريرا، أن يؤثر في طريقة تعامل كل عمل معه، سواءً كان لاعبًا أو مدربًا. لكن هذا لا يعفيه من التهمة التي اتهمه بها «مورينهو» بالبداية: تهمة الحمار الذي قد لا يتحوَّل إلى حصان أبدًا.

إعادة تعريف النجاح


حتى لا ندفن رؤوسنا بالرمال، من حيث الأرقام، يمتلك البروفيسور

مسيرة تدريبية عادية

جدًا. لكن الحقيقة أن هذه الإجابة بعدد البطولات يجب أن تكون على سؤال يتعلَّق بالفوز، لا النجاح. جملة مبتذلة، صحيح؟

منذ أن كان مدربًا لبورتو البرتغالي، وعلى الرغم من حصده لأكبر كم من البطولات في مسيرته بهذه الفترة، لم ينظر لفيريرا كـ«مدرب تكتيكي» من الطراز الرفيع، بل اعتبر أكاديميًا عجوزًا

استفاد من منظومة

عمل العملاق البرتغالي الناجحة بالأساس.

ومع اختيارات مهنية غير موفقة، تاهت مسيرة فيريرا بين الإشادات والانتقادات، حيث يوصف في رواية بالبروفيسور، وفي أخرى بـ«البائس باردال»، الذي ترك التدريب ليصبح معلقًا على المباريات.

يعتقد «جون وودن»، مدرب كرة السلة الأمريكية الأسطوري، أن

النجاح هو إدراك الإنسان

أنّه قد بذل بالفعل كل ما يستطيع أملًا في الوصول لهدفه، حيث توصل إلى الاعتقاد بأن بذل جهد حقيقي قد يخلق النتائج التي يجب أن تتحقق، ربما لا تكون النتائج التي يريدها الشخص بالفعل، ولكنه على أقل تقدير يسير على طريق التطوُّر الصحيح.

ربما لم يحصد «فيريرا» الكثير من الألقاب مقارنة بأسماء كثيرة أخرى، بعضهم تلاميذه. لكنّه ربما أدرك مبكرًا أنّه لا يجب أن يتحوَّل إلى حصان يركض في مضمار البطولات حتى يوصف بالناجح. وأن بعض النجاحات قد لا تحكيها الكؤوس، بل أشخاص لم نذكر منهُم سوى القليل.