يعلن المتحدث العسكري المصري بوتيرة تصل أحيانا إلى الإعلان اليومي، خاصة بعد العمليات الكبرى للجماعات الجهادية، عن هجمات تشنها قوات الجيش والشرطة على الإرهابيين يسقط على إثرها «عدد من العناصر التكفيرية». لا يأخذ كثير من المتابعين تلك البيانات على محمل الجد، فالمؤسسات الأمنية في مصر لا تخفي أن بياناتها تصدر بما لا يضر بمعنويات المصريين وأفراد تلك المؤسسات؛ لكن ذلك لا ينفي أن قوات الجيش والشرطة المصرية تقوم بعمليات قوية ضد تلك الجماعات تسفر عن سقوط أعداد كبيرة من أفرادها.

هنا يبزغ التساؤل عن مدى احتمالية أن تنتهي تلك الحركات بالاستنزاف والتدهور الذاتي، بأن ينتهي رصيدها البشري؟ يدعو هذا إلى التفكير في الطرق التي تقوم بها تلك الجماعات بتجنيد أعضاء جدد، أو تحصل من خلالها على متطوّعين جدد. بتعبير آخر، ما هو الخزان الذي يجدد منه الجهاديون دماءهم؟ وهل يمكن على المدى المنظور أن ينضب ذلك الخزان وفقا للاستراتيجيات الرسمية والاجتماعية المتبعة اليوم؟


من أين يأتي المتطوعون؟

تُعتبر «أنصار بيت المقدس» التي ستتحول لاحقًا إلى «ولاية سيناء» امتدادًا لـ «

جماعة التوحيد والجهاد

» التي قامت بتفجيرات جنوب سيناء بين عامي 2004 و2006، وهي التي أُسست على يد طبيب الأسنان السيناوي خالد مساعد وآخرين، أغلبهم من أبناء سيناء، بعد خروجهم متشبعين بالأفكار الجهادية والتكفيرية من سجون نظام مبارك التي دخلوها في التسعينيات بقضايا ملفقة من ضباط بمباحث أمن الدولة بسيناء، بحسب الباحث في الشأن السيناوي إسماعيل الإسكندراني.

قتل خالد مساعد في مواجهات مع الشرطة في شمال سيناء في آب/أغسطس 2005،

وقتل خليفته

«نصر خميس الملاحي» في آيار/مايو 2006، فتفككت «التوحيد والجهاد» وتفرق أعضاؤها بين قرى سيناء النائية ورفح الفلسطينية التي هربوا إليها عبر الأنفاق خوفًا من الأمن.

تصاعدت الأزمة بين حكومة حماس المسيطرة على قطاع غزة وبين جماعة «جند أنصار الله» التكفيرية في رفح بقيادة عبد اللطيف موسى في العام 2009، وانتهت بمقتل الأخير وعدد من أتباعه داخل مسجد ابن تيمية القريب من الشريط الحدودي مع مصر، فبدأ الهروب العكسي للتكفيريين من غزة إلى المنطقة الحدودية من شمال سيناء.

وفي الوقت الذي ظنت فيه السلطات المصرية أنها قضت تمامًا على الخطر الأيديولوجي المسلح في سيناء، كانت «أنصار بيت المقدس» وجماعات جهادية أخرى أصغر، تتأسس على يد خليط من الجهاديين والتكفيريين أغلبهم من أبناء سيناء وغزة، من بقايا «التوحيد والجهاد»، و«جند أنصار الله»، مستفيدة من خبرات قتالية وأمنية متقدمة حصل عليها أفرادها الذين حضروا حرب غزة (معركة الفرقان) في (2008 – 2009)،

بحسب الإسكندراني

.

استقطبت «بيت المقدس» في بداياتها عددًا من أبناء شبه جزيرة سيناء، بسبب المظالم التي كانوا يعانوا منها بدءًا من التهميش في خطط الدولة وانتهاءً بالانتهاكات الشديدة التي ارتكبتها بحقهم قوات الشرطة في أواخر عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك من دون قدرة على الرد. كما كانت بوصلة «الأنصار» الموجهة إلى إسرائيل – في ذلك الحين – تحمل بريقًا يجذب إليها المتدينين، ومن يبحثون عن مكانة اجتماعية وسط نظام قبلي لا يعترف بأصولهم غير العريقة.

في وقت لاحق من تأسيسها، وخاصة بعد تموز/ يوليو 2013، جذبت «بيت المقدس» إلى صفوفها بعض أبناء الوادي والدلتا، أشهرهم هشام العشماوي، الضابط المفصول من الجيش المصري، والمتهم بالتخطيط وقيادة عدد من الهجمات المسلحة ضد الجيش والشرطة في سيناء وخارجها لصالح «الأنصار» قبل تحولها إلى «ولاية سيناء».

كان عدد المقاتلين في صفوف «بيت المقدس» حين أعلنت تغيير ولائها من «القاعدة» إلى «داعش»، أواخر العام 2014 يقدر بنحو 1000 مقاتل،

وفق تقدير

لمعهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط في واشنطن.

وفي تقرير حديث

نشرته بي بي سي هذا العام، فإن عدد المنتمين إلى «ولاية سيناء» يتراوح بين 1000 – 1500 شخص، ما يعني أن التنظيم يستطيع التغلب على تناقصه العددي نتيجة الضربات الأمنية، ويجند عناصر جديدة باستمرار.

أغلب العناصر المجندة حديثًا كانت من أبناء الوادي والدلتا، حيث سعت «ولاية سيناء» إلى تجنيد الشباب الساخطين على الحكم العسكري والناقمين على ما يوصف بأنه «تفريط وميوعة» من جماعة الإخوان المسلمين في التعامل مع الأوضاع في مصر. وتعد السجون أحد الأماكن الأساسية التي تتم فيها عمليات التجنيد هذه، وفق

تقارير صحفية

.

ووفق شهادات أدلى بها عدد من المتهمين بالانضمام إلى «ولاية سيناء» من أبناء الوادي والدلتا، فإن التنظيم نجح في تجنيد العشرات، إذ قال أحد المتهمين إنه تلقى تدريبات قتالية مع نحو 70 فردًا في أحد معسكرات «الولاية» بمنطقة الوقف بالشيخ زويد.

ويستعين التنظيم

التنظيم ببعض مهربي السلاح لتسهيل تسفير الشباب إلى شمال سيناء، وهو ما كشفته تحقيقات النيابة المصرية، العام الماضي، عقب ضبط متهمين بتهريب شحنتي سلاح وذخيرة ضخمتين من الدلتا والإسماعيلية إلى شمال سيناء.

على مستوى آخر، عملت «ولاية سيناء» على استقطاب الموالين لتنظيم «داعش» والرافضين لنهج حركة «حماس» من أهل غزة، مستفيدة من تضييق «حماس» الخناق عليهم. فوفق

تقرير نشره

مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط، تحت عنوان «جهاديو غزة وتقويض العلاقات المصرية الحمساوية»، فإن 130 فلسطينيًا على الأقل قد انضموا لتنظيم «ولاية سيناء» خلال السنوات الثلاث الماضية، بعضهم كانوا أعضاء بارزين في كتائب القسام.

تدّعي بعض الصحف المصرية أن هنالك العديد من العناصر الأجنبية في صفوف «ولاية سيناء»، من تركيا والشيشان وفلسطين والصومال واليمن والجزائر وليبيا وجنسيات أخرى، لكن باستثناء الجنسية الفلسطينية، لا يوجد ما يؤكد صحة هذه الادعاءات؛ فلا دليل على وجود مقاتلين من جنسيات أخرى غير المصرية والفلسطينية، إذ لم يظهر في إصدارات التنظيم ما يشير إلى وجود مهاجرين – كما يُطلق عليهم في الأوساط الجهادية – من جنسيات غير الفلسطينية إلى الآن.

يمكننا استثناء أبو هاجر الهاشمي، زعيم «ولاية سيناء» الجديد، من هذا التعميم، إذ تشير كُنيته إلى أنه ليس مصريًا أو فلسطينيُا، وأنه قد يكون أردنيًا أو عراقيًا. وتشير بعض التقارير الصحفية إلى أنه كان ضابطًا سابقًا في الجيش العراقي، لكن لا يوجد تأكيد لصحة هذه المعلومة.


من قصص الأعضاء



في الوقت الذي ظنت فيه السلطات المصرية أنها قضت على الخطر الأيديولوجي المسلح في سيناء، كانت «أنصار بيت المقدس» تتأسس على يد خليط من الجهاديين.

التحقق من صحة القصص التي نسجت حول حياة قادة وأعضاء «ولاية سيناء» وقبلها «أنصار بيت المقدس» أمر صعب المنال، وعلى الرغم من ذلك، يظل هنالك بعض المعلومات الأساسية التي يمكننا ذكرها عن بعض من هؤلاء «الجهاديين».

نعرف من الآباء المؤسسين لـ «بيت المقدس» ثم «ولاية سيناء»،

سالم سلمي الحمادين

(أبو أنس الأنصاري السيناوي)، ابن قبيلة السواركة وأحد أفراد تنظيم «التوحيد والجهاد» الذين سجنوا أكثر من مرة قبل الثورة، ثم خرج بعدها ليصبح قياديًا بـ«بيت المقدس»، والداعي الأول للانضواء تحت لواء «داعش» ومبايعة أبو بكر البغدادي كخليفة للمسلمين، ليصير بعد تأسيس «ولاية سيناء» أحد قادتها المؤثرين قبل أن يقتل على يد الجيش المصري في آذار/مارس الماضي.

ومن القادة الذين نعرف مقتطفًا من سيرتهم،

شادي المنيعي

(أبو مصعب)، أحد أكثر الأسماء ترددًا عندما يذكر اسم «بيت المقدس» أو «ولاية سيناء»، والمسئول الإعلامي للتنظيم. ولد في الأردن عام 1988، لأب مصري من قبيلة السواركة، وأم فلسطينية. عمل في تهريب البضائع عبر الأنفاق، وقبض عليه في العام 2005 للاشتباه بمشاركته في هجمات حركة «التوحيد والجهاد»، وظل في السجن عامًا ونصف العام، احتك خلال تلك المدة بالجهاديين وتأثر بأفكارهم.



لا نعرف عن أبناء الوادي والدلتا الذين ينتمون إلى «ولاية سيناء» سوى أقل القليل، نظرًا لبُعدهم عن المناصب القيادية في التنظيم.

يعد المنيعي من مؤسسي «أنصار بيت المقدس» ثم «ولاية سيناء»، وأعلن الجيش المصري أكثر من مرة عن قتله، لكنه بعد كل مرة يظهر في قريته أو يسجل فيديو مكشوف الوجه ليتحدى مثل هذه الأخبار. و

يقول عنه

الباحث إسماعيل الإسكندراني إنه «معروف جيدًا في المنطقة الحدودية بوصفه من كبار تجار الأفارقة، وأن معاونيه الذين انضموا للتنظيم معه كانوا ممن يتلذذون بتعذيب الضحايا بأيديهم سعيًا وراء أموال ذويهم لفديتهم».

أما أبناء الوادي والدلتا الذين ينتمون إلى «ولاية سيناء» فلا نعرف عنهم سوى أقل القليل، نظرًا لبُعدهم عن المناصب القيادية في التنظيم، لكن

من واقع التحقيقات

مع عناصر التنظيم المقبوض عليهم في القاهرة، فيمكن القول إن أغلبهم من الشباب الرافضين لما حدث في مصر بعد إطاحة الجيش بالرئيس الأسبق محمد مرسي، وشارك أغلبهم في اعتصامات رابعة والنهضة حتى فضها، والمظاهرات المناهضة للنظام بعد ذلك، ولما يئسوا من جدوى طرقهم في معارضة النظام انضموا إلى «ولاية سيناء».

وعن الفلسطينيين الذين يقاتلون في صفوف «ولاية سيناء»، فيمكن القول إنهم كانوا مكسبًا حقيقيًا للتنظيم، إذ يمتلك أغلبهم خبرات قتالية رفيعة بسبب مشاركتهم في صد الحروب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة. ومن أبرز الأسماء التي يمكن ذكرها في هذا السياق، صبحي العطّار، أحد أعضاء كتائب القسام، وابن شقيق عضو المجلس العسكري الأعلى للكتائب، والقائد العام للواء رفح، رائد العطار، الذي استشهد في العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014.


وقال مسئول أمني

في «حماس» لـ «مدى مصر» إن «العطار كان من أعضاء القسام، لكنه خرج من الكتائب، وسافر إلى سيناء عبر الأنفاق وعمل هناك مع المسلحين، وربما يكون ساهم في تدريبهم على عمليات القنص»، يدعم ذلك «تزامن ظهور اسم العطار واحتمالات علاقته بعمليات القنص مع نشر التنظيم في أبريل الماضي تصويرًا دعائيًا بعنوان «صاعقات القلوب»، ركز على عمليات القنص المستهدفة لجنود القوات المسلحة المصرية».