نظريًا؛ الطريق سهل، لكن قلّ من يُبصره، المال والصحافة والزواج من ابنة أحد الأثرياء (الأثرياء جدًا)، ثم ينتهي بك الطريق كـ «أحد كبار مستشاري الرئيس الأمريكي». ولأن الطريق من الناحية التطبيقية ليس على ذات النحو من السهولة، فصهر ترامب واحدٌ فقط، زوج ابنته إيفانكا، اليهودي ذو السحنة الهادئة، جاريد كوشنر.

الصيف الماضي، بينما كان السباق الانتخابي بين ترامب وكلينتون في أوجِه، استأذن كوشنر ليغادر حملة صهره،

متجهًا

لعقد اجتماع سري مع واحد من أكبر الداعمين لهيلاري كلينتون، رجل الأعمال الإسرائيلي – الأمريكي حاييم سابان، والذي كان لتوه قد تبرع للمجموعة الداعمة لهيلاري بـ10 ملايين دولار. حرص كوشنر في لقائه بالرجل على إيضاح نقطة واحدة، وهي كيف يمكن لصهره أن يكون مفيدًا للعلاقات الأمريكية الإسرائيلية، إذا ما كان رئيسًا للبلاد بنهاية السباق، لكنه لم يحدد الآلية، التي سيحقق ترامب بها ذلك، ولم تتبين حينها ماهية الرجل وموقعه في فريق ترامب، وحرص كوشنر خلال اللقاء على تكرار هذه الفكرة أكثر من مرة، كأنها الرسالة التي جاء من أجلها.

لكن في ذلك الحين، لم يكن يُعلم من هو كوشنر، سوى أنه زوج إيفانكا، وأحد أكبر الداعمين ضمن حملة ترامب الانتخابية، حتى كان لاحقًا بعد فوز ترامب، ضمن فريقه الانتقالي، ثم أحد كبار مستشاريه، ثم توكل إليه مهمة إحلال السلام في الشرق الأوسط، وحل القضية الفلسطينية الإسرائيلية، ثم هو بالأمس يتلقى ترحيبًا عابرًا من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، فمن هو؟ وأي رسالة يحملها من الرئيس الأمريكي؟


أن يكون طريقك مفروشًا بالورد

درس الشاب اليهودي الأرثوذكسي، ذو الـ36 ربيعًا، في إحدى المدارس اليهودية بولاية نيوجيرسي قبل أن ينتقل للدراسة الجامعية بإحدى أعرق الجامعات الأمريكية، هارفارد. اللافت للنظر أن العلامات المدرسية لكوشنر كانت سيئة، مما يجعل انتقاله لـ«هارفارد» أمرًا مثيرًا للريبة!

كان هذا الشك بالطبع قائمًا قبل أن ينشر الصحفي الأمريكي، دانيال جولدن، تحقيقًا صحفيًا في

دورية بروبوبليكا

المحلية، يكشف خلاله النقاب عن التسهيلات التي حصل عليها كوشنر ليلتحق بالجامعة، إذ تبرع والده عام 1998،بمبلغ من المال، قيمته 2.5 مليون دولار، لصالح الجامعة.

ولد كوشنر، عام 1981، لأبوين يهوديين، كانا ضمن الناجين من محارق هتلر النازي، بولاية نيوجيرسي،

تنتمي

العائلة للحزب الديمقراطي، وترتبط بعلاقات وثيقة مع رجال السياسة في إسرائيل، تزوج من إيفانكا ترامب في العام 2009، بعدما اعتنقت الديانة اليهودية وله منها ثلاثة أبناء.

نشط كوشنر في مجالات الاستثمار العقاري، وترسخت يومًا بعد يوم امبراطوريته الاقتصادية، التي تعاظمت بسجن والده، شارل كوشنر، في العام 2005 بتهمة التهرب الضريبي، واستثمر كوشنر في عقارات منهاتن بنيويورك، واشترى ناطحة سحاب قرب أبراج ترمب بمبلغ 1.8 مليار دولار، كما

اشترى

أسبوعية «نيويورك أوبزيرفور» بمبلغ 10 ملايين دولار عام 2008. ليزاوج المال بالإعلام تمهيدًا للعب دور متقدم من السلطة، بإسناد صهره له منصبًا كبيرًا ضمن الفريق الرئاسي، في سابقة نادرة، لم تعهدها الإدارات الأمريكية السابقة، لكن ما سهل حدوثها، أن المنصب الذي اختير له كوشنر لا يحتاج للتصديق من مجلس الشيوخ، مما يجعله أمرًا رئاسيًا فرديًا من قبل ترامب.

منذ ستة أشهر، قررت أنا والحاكم كريستي أن هذه الانتخابات أكبر بكثير من أي من الخلافات التي حصلت بيننا في الماضي، وعملنا منذ ذلك الوقت معًا، وقد تكهنت وسائل الإعلام بالعديد من الأشياء، وبما أني لا أتحدث مع وسائل الإعلام فإنهم ينشرون ما يريدون. لكني لم أكن سببًا في طرده

في العام 2005، سُجن شارل كوشنر، والد صاحبنا، بتهمة التهرب الضريبي، وكان حينها المدعي الفيدرالي وحاكم ولاية نيوجيرسي، كريس كريستي، حاضرًا في المشهد، الأمر الذي لم يسقط بالتقادم، وفي أول مواجهة بينهما في الحملة الانتخابية لترامب، استُبعد بشكل فجائي كريستي من إدارة الحملة، الأمر الذي صورته الصحافة الأمريكية على أنه انتقام شخصي.


الذراع اليمنى لـ«دونالد ترامب»


http://gty.im/632412120

هينري كيسنجر

رجلٌ غريب الأطوار مثل ترامب، لا يمكن اقتحام مجاله الخاص فجأة، ثمة من يمكن الاستعانة به لإنجاز هذه المهمة الصعبة، ألا وهو جاريد كوشنر. وهذا ما تفسره التقارير المسربة والصور الرسيمة، التي لطالما حرص كوشنر على الظهور فيها، كمرافق لترامب. نجده حاضرًا في مشاهد مهمة، كهذا الذي جمع الرئيس ترامب بسابقه في البيت الأبيض، وهذا الذي جمعه برئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، بخلاف الصور العائلية الكثيرة التي كان حاضرًا بها.

يفسر ذلك أيضًا، لقاءه السري مع رجل الأعمال اليهودي حاييم سابن، الذي تعرضنا له آنفًا، وما

ذكره

الملياردير بيتر ثيل، مؤسس «باي بال» والداعم الوحيد لترامب من داخل وادي السيليكون؛ «من الصعب أن نتمكن من تقييم دور جاريد في الحملة، ومن الصعب أيضًا تلخيصه. وإذا كان ترامب مديرًا تنفيذيًا، فجاريد هو من تولى دور رئيس العمليات»، إشارةً للدور المتعاظم لجاريد في حملة ترامب الانتخابية التي بدت مهلهلة في بداياتها على خلاف حملات المنافسين.

وتأتي إشادة بيتر ثيل بدور كوشنر، لأن الحملة الانتخابية بعد انخراطه في العمل ضمنها لم تكن بذات القوة التي ظهرت عليه لاحقًا، وكتتويج لنجاحاته في إدارة الحملة، فإن تكاليف حملة ترامب لم تتعد نصف ما تم إنفاقه في حملة كلينتون، كما جاء في تقارير لجنة الانتخابات الفيدرالية.

ومن هنا

ذهب الصحفي

لدى مجلة فوربس، ستيفن برطوني، إلى أن غياب الخبرة السياسية عند كوشنر تحول في إدارته للحملة كميزة، فهو لم يعتد إدارة الحملات التقليدية، وهو ما جعله يتعامل مع إدارته كما يتعامل رجال الأعمال، لتعظيم أحجام شركاتهم.

وبحكم منصبه، الذي أُسند إليه مؤخرًا، سيتعاون كوشنر عن كثب مع مايك بينس نائب الرئيس، وستيف بانون، كبير المخططين الاستراتيجيين، في تقديم المشورة للرئيس ترامب، وقال المسؤولون إن كوشنر سيركز على الأقل في البداية على السياسة التجارية والشرق الأوسط.


كوشنر: رسول السلام للمنطقة

كل رئيس عرفته يكون له شخص أو اثنان يمنحهما ثقةً كاملة، بالنسبة لترامب، فإن ذلك الشخص هو جاريد

تحت عنوان «

المهمة المستحيلة لجاريد كوشنر

»، أفردت مجلة بوليتيكو الأمريكية تقريرًا حول مهمة كوشنر المعقدة في الشرق الأوسط، وأوضحت الصحيفة جانبًا من العلاقات الودية التي يحتفظ بها كوشنر تجاه ساسة عرب، أقربهم إليه وأكثرهم معه تواصلًا؛ يوسف العتيبي، سفير دولة الإمارات العربية في واشنطن. ورغم زعم ترامب الحرص الشديد على حل قضية السلام العربي – الإسرائيلي، فإنه لا يُعلم إلى اليوم تفاصيل هذا الحل، وآليات إنفاذه.

لاسيما وأن المهمة أُسندت لشاب لم يختتم عقده الرابع بعد، ولا يمتلك الكثير من الخبرات السياسية، فضلًا عن أن يتولى حل قضية فشل فيها هنري كيسنجر، ودينيس روس، الذي تزعم جهود بيل كلينتون للسلام في التسعينيات والتي لم يكتب لها النجاح، حتى أنه احتفظ بمجلدات من الملاحظات والمدونات الخاصة باجتماعاته بالزعماء الإسرائيليين والفلسطينيين، ونشر مذكراته في كتاب من 900 صفحة، وثّق فيها ما كان يقوم به من جهود.

وكان روس قد

قال

مؤخرًا في إحدى المقابلات: «بكل وضوح، كان سيسعدني أن أتحدث مع أي شخص تناط به مسؤوليةً بهذا الخصوص أو له اهتمام بهذا الموضوع». وأضاف أن الأشخاص الوحيدين الذين تواصلوا معه حتى الآن كانوا بعض أعضاء فريق ترامب الانتقالي والذين لم يرافقوا ترامب إلى الإدارة الجديدة. ومضى روس يقول: «كتاباتي منشورة على الملأ، وحينما تنشر ما لديك فإنك تأمل بأن تساهم بمجموعة من الأفكار، وبأن تلقى هذه الأفكار اهتمام الآخرين. حينما يرى الناس ذلك هم الذين يقررون من هو الشخص الذي يهتمون بالحديث معه ومتى يرغبون في التواصل معه».

طوال عمري وأنا أسمع أن هذه الصفقة هي الأصعب إبرامًا في العالم. إذا كنت لا تستطيع إحلال السلام في الشرق الأوسط فلن يتمكن أحد من ذلك





دونالد ترامب، لزوج ابنته، جاريد كوشنر

يبدو ترامب إذن عازمًا على ترك بصمته في هذا الملف، ويوليه اهتمامًا غير مسبوق، وفي ظل الترتيب لزيارة نتنياهو تحدث كوشنر مع يوسف العتيبي، كما تحدث أيضًا إلى العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وإلى ممثلين عن كل من المملكة العربية السعودية ومصر. كما تحدث أيضًا مع السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة، رون ديرمر. فيما يبدو أنها تحركات حثيثة لبحث القضية في طريق الحل، الذي يبدو أنه لن يكون في صالح الفلسطينيين.

لكن أن يكون مستقبل المنطقة العربية مرهونٌ بشاب كهذا، لم يعرف المثابرة يومًا، ولم ينحت في الصخر بحثًا عن النجاح أو إثبات الذات مرة، لهو أمرٌ في غاية الأسى، في انتظار ما تؤول إليه المنطقة، المهترئة، غائبة القرار، وفاقدة السيادة، في ظل رئاسة ترامب.