هذا المنظر المخيف لأعمدة الدخان المتصاعدة وألسنة اللهب التي لا تهدأ ولا تترك أخضر إلا سوّدته، يشكل ذروة المأساة، التي تحيق الآن بغابات الأمازون المطيرة. تقول وسائل الإعلام العالمية: هاكمُ انظروا، هذه رئة العالم توشك أن تختنق!


التهمت الحرائق الهائلة مساحات شاسعة من غابات الأمازون، و

أدخل الدخان الأسود

المنبعث منها مدينة ساو باولو، إحدى أكبر المدن البرازيلية، في ظلام دامس بوضح النهار. وأمام احتراق أكبر غابة في العالم، تحاول فرق الإطفاء بشتى الوسائل إبطاء تمدد النيران لكن دون جدوى.

اتهم الرئيس البرازيلي، جايير بولسونارو، جماعات حماية البيئة بالوقوف وراء الفاجعة، نكاية فيه، لقطعه الدعم الحكومي المالي عنهم. دفع بولسونارو باتهامه ولم يدفع بدليلٍ واحد، لكن أيًا ما كان المتسبب فلن يكون رجلنا، اليميني المتطرف، بريئًا.

في هذا التقرير نسلط الضوء على زعيم البرازيل الحالي، اليميني التطرف، المعروف في الإعلام العالمي بترامب البرازيل، أو ترامب المناطق الاستوائية.

أكثر السياسيين كرهًا للنساء

عدد من التصريحات المنسوبة لبولسونارو

عام 2015 اضُطر المظلي السابق، وعضو الكونجرس في ذلك الوقت، جايير بولسونارو،

لدفع تعويض مالي

لزميلة في الكونجرس، قال إنه لن يغتصبها، «

فقط لأنها لا تستحق الاغتصاب

». لهذا الموقف ولغيره استحق بولسونارو لقب أكثر المسؤولين المنتخبين كرهًا للنساء في العالم الديمقراطي.

لم يكن صعود بولسونارو لحكم أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية سوى تتويج لحالة الانقسام الحاصلة في البلاد، وفشل مساعي اليسار الذي قاد البلاد في السنوات الأخيرة قبل جايير، في عهد لولا دا سيلفا وخليفته ديلما روسيف وثالثهما ميشيل تامر. وُلد بولسونارو عام 1955، بولاية ساوباولو. تخرج في الأكاديمية العسكرية، وخدم في مدفعية الجيش البرازيلي وفرق المظليين. عُرف أول ما عرف للجمهور عام 1986 – وكان حينها ضابطًا في الجيش – بمقالة كتبها بإحدى الصحف المحلية ينتقد فيها الأجور المنخفضة لضباط الجيش، مما أدى إلى سجنه 15 يومًا.

عام 1991 فاز بولسونارو بمقعد في الكونجرس البرزايلي عن ولاية ريو دي جانيرو، وظل عضوًا في الكونجرس حتى عام 2018، لحظة ترشحه لرئاسة البلاد. جدير بالذكر أن بولسونارو شأنه شأن أي سياسي شعبوي، لا يحمل مشروعًا حقيقيًا يتبناه، فلم يقدم خلال هذه الفترة الطويلة داخل الكونجرس سوى اقتراحين اثنين لقانونين تم إقرارهما، وخلاف ذلك اقتصر دوره في الكونجرس على الهجوم الحاد والخطابات الرنانة، وهو بالفعل يمتلك كاريزما مبهرة وأداءً بهلوانيًا مُطعمًا بحس فكاهي.

خلال جولاته الانتخابية تعرض بولسونارو لهجوم مميت، من رجل يحمل سكينًا، اخترق حشود المؤيدين وطعنه بالسكين، مخترقًا معدته وبعض كبده. وبمبدأ «ما لا يقتلك يقويك» ارتفعت أسهم المرشح الرئاسي، الذي بالكاد كان يواجه منافسة تُذكر. في الأول من يناير 2019، حلف بولسونارو القسم الرئاسي وخلف ميشيل تامر على كرسي الرئاسة البرازيلية.

في بلد به 19 مدينة من أكثر 50 مدينة عنفًا حول العالم، فإن بولسونارو يعني للبرازيليين النظام والقوة. يبدو هذا متناقضًا، لكن يزول العجب عندما ترى الأمريكيين من الطبقة المتوسطة والعمال يصوتون لدونالد ترامب – الرأسمالي – لأنه يعدهم بحمائية اقتصادية وحرب ضروس على المهاجرين.

يحكي الصحفي بريان وينتر من صحيفة أميركا كوارترلي

إحدى حِكم فلافيو بولسونار ابن الرئيس البرازيلي: «لدي بنتان صغيرتان، إذا قامت عصابة باختطافهما وأرسلت إلى منزلي كل صباح قطعة من أنف أو أذن البنتين، ثم أمسكت الشرطة بأحد أفراد العصابة والذي بدوره لم يعترف بمكان زملائه أو البنتين، ساعتها سأتطوع لدى الشرطة لتعذيب ذلك المارق. هل حينها ستحدثني عن حُرمة التعذيب؟»

بهذه البساطة يقول نجل بولسونارو مبررًا تأييد والده لتعذيب الفاشية البرازيلية. بهذه البساطة أنا ضد التعذيب لكني سأضطر لاستخدامه. قد يبدو هذا منطقيًا في خضم حديث شعبوي، لكنه بالطبع لا ينبغي أن يكون خطابًا سياسيًا يبيح لمؤسسة تحتكر القوة والقانون ممارسة التعذيب بحق الخارجين عن القانون، وبدلًا من ذلك فأولى بالمؤسسات أن تطور آلتها الأمنية (الإلكترونية والاستخبارية) لتعقب المجرمين ومنع الجرائم قبل حدوثها.

ابن الفاشية العسكرية المخلص

خطأ الديكتاتورية البرازيلية أنها عذبت، ولم تقتل مباشرةً.





جايرر بولسونارو – الرئيس البرازيلي

تغطي غابات الأمازون مساحات واسعة من القارة الأمريكية الجنوبية، أكثر من نصفها في البرازيل، يغطي هذا الجزء ما يقرب من نصف مساحة البرازيل. لو كانت الأمازون البرازيلية بلدًا منفصلًا لكانت سابع أكبر بلد في العالم (4.1 مليون كم مربع)، أكبر من بلد كالهند على سبيل المثال. لكن بالرغم من ذلك فما يعيش فيها من سكان البرازيل لا يزيد على 6 % تقريبًا من البرازيليين، مما يعني أن عددًا كبيرًا من البرازيليين لم يزُرها ولم يتعرف عليها إلا من خلال المناهج الدراسية وبرامج التثقيف المرئية والمسموعة، ومع ذلك فهي تحظى بمكانة كبيرة جدًا في نفوس عموم الشعب البرازيلي، لحضورها في الذاكرة الشعبية البرازيلية.

عُرفت الأهمية الاقتصادية للغابات في القرنين التاسع عشر والعشرين، إبان ازدهار المطاط كمادة خام قابلة للاستخدام، لكن مع ذلك ظلت الغابات البرازيلية بعيدة عن العبث بها واستخراج ما فيها. ظلت كذلك إلى منتصف ستينيات القرن الماضي، عندما حكم جوقة من جنرالات الجيش البرازيلي البلاد في الفترة ما بين 1964 و1985، وهي الفترة المعروفة تاريخيًا بعهد الفاشية العسكرية.


قررت الحكومة العسكرية

أنه لا بد من استخدام الغابات المطيرة المليئة بالخيرات والانتفاع بما فيها، وفي خضم مشروعات قومية أقرها هؤلاء العساكر (سُميت بالمشروعات الفرعونية) بدأوا التخطيط لطريق سريع يمر عبر الأمازون شمالي البلاد. لم يكن المراد فقط هو الطريق، وإنما مجتمعات عمرانية جديدة تغزو الغابات. كانت الخطة أن تُقام على الطريق قرية كل 10كم بطول الطريق، ومدن زراعية، تضم ما إجماليه مليون مواطن برازيلي.

لكن كعادة الأنظمة الفاشية، فشل المشروع ولم تجنِ منه البرازيل إلا أن تضررت طبيعتها. تكلفت الحكومة 1.5 مليار دولار برغم سوء البنية التحتية للطريق. وبمجرد أن سُمح للشاحنات باختراق الغابة المطيرة، بدأت موجات قطع الأشجار، فتقلصت بغضون عقد من الزمن مساحة الغابات بما يقدر بحوالي 56 ألف كم مربع (ثلاثة أضعاف مساحة ويلز – على سبيل المثال).

تاريخيًا، تعتبر هذه بداية العبث برئة العالم (

تنتج ما يقرب من 10% من أكسجين العالم

) التي تحترق الآن، في عهد الرئيس اليميني المتطرف، جايير بولسونارو، ذاك المؤيد للحقبة العسكرية الفاشية من تاريخ بلاده.

لم يكن تأييد بولسونارو حصرًا للديكتاتورية البرازيلية، فقد

أدلى مرارًا بتعليقات مثيرة

حول عدد من الديكتاتوريات الأخرى في أمريكا اللاتينية. امتدح الرئيس البيروفي ألبرتو فوجيموري كنموذج يحتذى به لاستخدامه التدخل العسكري للانقلاب على القضاء والسلطة التشريعية. وفي مقابلة عام 1998 مع مجلة فيجا، أشاد بولسونارو بالديكتاتورية التشيلية لأوغستو بينوشيه، وقال إن نظام بينوشيه، الذي قتل أكثر من 3000 مواطن تشيلي، «كان يجب أن يقتل المزيد من الناس».

الكثير من المواقف المثيرة للجدل افتعلها بولسونارو خلال مسيرته السياسية الطويلة، لكن الثابت أن رجلًا قضى في الكونجرس قرابة الثلاثين عامًا ولم يمرر سوى قانونين هو سياسي بلا هوية أو مشروع، لكن في عالم ترامب لم يعد للانبهار مجال، فالبشرية تبدو ماضية إلى حتفها بسرعة البرق.