يا خوفى من يوم النصر ترجع سينا و تضيع مصر.





يوسف القعيد، أطلال النهار، 1997

يا خوفى من يوم النصر لا ترجع سينا ولا ترجع مصر.





يوسف القعيد 2013

إن القول بأن ما حدث فى 3 يوليو 2013 هو انقلاب عسكرى، يعنى أن المسار السابق عن هذا التاريخ كان مسارًا ديمقراطيًا تم الانقلاب عليه! إن كل الوقائع فى الفترة من 11 فبراير 2011 إلى 3 يوليو 2013 تقول -لمن يرى- أن كل ما تم، كان التفافًا على «ثورة» 25 يناير. كان مواجهة غير مباشرة «التفافًا» على ملايين المصريين الذين خرجوا إلى الشوارع والميادين، والذين يستحيل معهم المواجهة العنيفة المباشرة.


الحراك الشعبى في 25 يناير: العامل المفسِّر لكل التطورات اللاحقة

لم تكن مشكلة النظام المصرى فى 25 يناير 2011 مع القوى السياسية -إخوان، يساريون، قوميون، ليبراليون .. إلخ. كانت مشكلة النظام تحديدا في التقاء هذه القوى السياسية مع ملايين المصريين الذين خرجوا إلى الشوارع والميادين فى 25 يناير ورفضوا الانصراف حتى 11 فبراير.

للخروج من مأزق 25 يناير، ركز النظام على جماعة الإخوان المسلمين، كونها أكبر هذه القوى السياسية عددًا وأكثرها تنظيمًا، معتمدًا عليها فى انصراف هذه الملايين من الشوارع والميادين إلى ميادين ومزانق «السياسة». لقد راهن النظام فى كل ذلك على تاريخ هذه الجماعة من البراجمتية «الانتهازية السياسية». وقد كان، وابتلعت الجماعة الطعم!

أسَّست الجماعة حزب الحرية والعدالة، وبدأت الدوامة السياسية، من تأسيس لجنة التعديلات الدستورية والاستفتاء عليه فى مارس 2011، إلى انتخابات مجلس الشعب، ثم تشكيل لجنة الدستور والاستفتاء عليه فى 2012، ومن بعدها انتخابات رئيس الجمهورية في يونيو 2012. وكان الشعار الذى تبنته الجماعة: «الثورة فى البرلمان مش فى الميدان». وكانت هذه المرحلة هى خريطة طريق للصراع السياسى، والانقسامات، واستدعاء لكل عوامل الفُرقَة والتناحر السياسي، والانتهازية السياسية لمعظم القوى السياسية، مرحلة الإيهام بـ «تقسيم التورتة» لكل القوى السياسية؛ تلك القوى التي كان من المنوط بها قيادة ملايين المصريين الذين خرجوا من أجل التغيير.

بدون خروج الملايين فى 25 يناير 2011 ما كان لمبارك أن يتنحى، وما كان للإخوان أن يصلوا إلى الحكم –الوصول المؤقت والمحسوب- فلم يتمكن الإخوان منذ عام 1928 من الوصول إلى الحكم إلا بعد 25 يناير 2011. إن تاريخ الإخوان مع المؤسسة العسكرية هو تاريخ من الاستخدام ثم الإقصاء، من قبل 52، منذ تأسيس حركة الضباط الأحرار. وهو ما يعنى أن المشكلة لدى النظام مع ملايين 25 يناير، وليست مع الإخوان المسلمين، فهم موجدون منذ 83 سنة، ولم يحكموا خلالها ولا ليوم واحد، حكموا فقط بسبب ملايين 25 يناير.

كان إيصال الإخوان إلى الحكم هو السبيل الوحيد لمواجهة ملايين 25 يناير، مواجهة غير مباشرة، بإلقاء «التورتة» (السلطة) الوهمية أمام القوى السياسية، ومن المؤكد أن الجميع سيتصارع للانقضاض عليها، لاغتنام أكبر قطعة منها، وقد كان! بدءًا من معركة «الدستور أم الانتخابات أولًا»، إلى موقعة «الصناديق»، إلى معركة «الشرعية في الميدان ولا البرلمان».. إلخ. وكان من المؤكد أيضًا أن الإخوان هم من سيحصلون على أكبر قطعة من «التورتة»، ومن المؤكد أيضا أن ذلك سوف يقلب باقى القوى السياسية على الإخوان، ومع بعض التشجيع (المادى/ المعنوى)، يمكن أن ينقلب كل ذلك إلى فُرقة بين الإخوان وباقي القوى السياسية التي تحالفت معها في 25 يناير. عندها يصبح من اليسير إزاحة الإخوان واسترداد قطعة «التورتة» الكبيرة، وأيضا استرداد باقي القطع الصغيرة؛ وقد كان!


«اللي كلِّف مامتش»

هل المسار الديمقراطي يبدأ بأن يكلف المخلوع، – والذى ثار عليه ملايين المصريين فى 25 يناير، بعد 30 سنة فساد وقمع -، أن يكلف هذا المخلوع نفسه، من يدير شئون البلاد؟! هل يمكن أن يفضى هذا إلى أى مسار ديمقراطى؟!

تشهد ساحة التحليلات السياسية فى الفترة الأخيرة، سيلاً من التحليلات بشأن التطورات المفترضة لجماعة الإخوان المسلمين، وسياق عملها السياسي فى المرحلة القادمة، وهو النقاش الذى يتناول مدى إمكانية فصل النشاط الدعوي للجماعة، عن نشاطها السياسي، وهى القضية التى سبقت فيها حركة النهضة التونسية خطوة الى الأمام، عن جماعة الإخوان المصرية، وهو ما يمكن أن يفسره فى جانب أساسي منه، هو انفتاح المجتمع التونسى عموماً على شمال البحر المتوسط والثقافة الأوروبية، فى حين ينفتح المجتمع المصري، خاصة بدءاً من سبيعنيات القرن الماضي، على شرق البحر الأحمر والثقافة الصحراوية.


لم يكن هناك مسار ديمقراطي أصلا!

للأسف، رغم مرور أكثر من 5 سنوات على 25 يناير، مازال هناك الكثير من المحللين السياسيين يلتبس عليهم الأمر، فى رؤية حقيقة ما حدث بعد 25 يناير 2011. يرجع ذلك، في جانب منه، إلى «خطة الخداع الكبرى» باستخدام السلاح الثلاثى (التضليل، التمويه، الإلهاء)، الذى تم استخدامه بشكل «مُلهم» في مواجهة مأزق النظام مع 25 يناير. هذا اللَّبس الذى جعل -على سبيل المثال- المحلل السياسي المتميز «عمر عاشور» يتساءل باستنكار ودهشة، في دراسته التحليلية القيمة الصادرة عن مركز بروكنجز الدوحة مارس 2015، تحت عنوان «

من التعاون إلى القمع: العلاقات ‹الإسلامية-العسكرية› في مصر

»، في أكثر من موضع من الدراسة، عن السبب الذي يقف وراء «الانقلاب العسكرى» في 3 يوليو 2013؟! بل ويعدد أيضًا بعض النماذج التفسيرية له.

المشكلة أنه حتى الآن، لم ير الكثير من المحللين السياسيين أن ما جرى في 3 يوليو 2013

كان مقررًا وفقًا لاستراتيجية محددة سلفا بدهاء مذهل

، في تفاعل مع الأحداث والتطورات، كل ذلك قبل وبعد تولي «مرسي» الرئاسة. وبهذا المعنى، لم يكن هناك مسار ديمقراطي أصلا، وهناك عشرات الأدلة على ذلك، بدءًا من التصريحات العديدة المنشورة والموثقة، والتى اعترف فيها أصحابها بإقرارهم فى اتصالات مع مسئولين دوليين، بانتهاء حكم «مرسى» قبل 6 أشهر من يوليو 2013، أى قبل مرور نصف السنة التى تم فيها إجلاس «مرسى» على كرسى الرئاسة، مرورا بكل إجراءات الإفشال التى تمت ممارستها ضد حكم «مرسى» من كل أجهزة الدولة، وصولا إلى مغزى حل مجلس الشعب ذي الأغلبية الإسلامية قبل ساعات من إعلان «مرسى» فائزًا. إنها خطوة ضرورية، وكاشفة، كخطوة تمهيدية أساسية فى عملية الإقصاء التالية، بحرمان «الجماعة» من قوة السلطة التشريعية، من ناحية، ومن ناحية أخرى، انتقال السلطة التشريعية للمجلس العسكرى لاستخدامها فى الخطوات التالية.

لم يكن هناك مسار ديمقراطي، كانت هناك خطة جهنمية للإلهاء. كان هناك دستور وهمي، يمكن إلغاؤه فى الوقت المناسب. كانت هناك مؤسسات تشريعية (شعب وشورى) وهمية، يمكن حلَّها فى الوقت المناسب. كان هناك رئيس وهمي، يمكن إقصاؤه فى الوقت المناسب. إذًا، لم يكن هناك انقلاب، وإنما كان هناك «خارطة طريق»، هدفها الاستراتيجى، والذي تحقق بالفعل -حتى الآن على الأقل- هو استمرار سلطة يوليو 1952 في نسختها الأحدث: يوليو 2013. أما وَهم المسار الديمقراطى، لم يكن سوى وسيلة للالتفاف على 25 يناير، ولكن عن طريق «رأس الرجاء الصالح»، عن طريق «خطة الخداع الكبرى»، باستخدام السلاح الثلاثى (التضليل، التمويه، الإلهاء).

كل ذلك يجيب بشكل قاطع ولا لبس فيه، على السؤال لذى لم يتم الإجابة عليه من قبل: لماذا لم يهرب مبارك وعائلته من مصر، كما هرب بن على وعائلته من تونس؟!


خلل النظر للأشياء بشكل عكسي

عندما ينظر إلى عملية الالتفاف على ثورة 25 يناير، بتحريك «المسرح السياسي» وفقا لقواعد شديدة الضبط والسيطرة، لإجراء انتخابات نيابية أو رئاسية، محددة السقف متى تبدأ ومتى تنتهى، أو صياغة دساتير يجري الالتفاف عليها أو إلغاؤها، مستخدما فى هذه العملية «خطة الخداع الكبرى»، باستخدام السلاح الثلاثى (التضليل، التمويه، الإلهاء). عندما يُنظر إلى كل ذلك على أنه عملية ديمقراطية، وأن إنهاء العملية فى الموعد المحدد لها سلفًا هو انقلاب على الديمقراطية، وكأن المؤسسة العسكرية من الممكن أن تسلِّم السلطة أصلا – إن النظر بهذه الطريقة يعني النظر للاشياء بشكل عكسي.


«النوبة دي بجد، مش حنسبها لحد»

هل من استطاع أن يحافظ على سلطته المنفردة لأكثر من 60 عاما، ألا يستطيع أن يلتف على 25 يناير ممتطيا صهوة الإخوان، ومستندا على انتهازية يساريين وقوميين وليبراليين، ليتم الإقصاء العنيف للإخوان بعد استخدامهم، محققا عدة أهداف بضربة واحدة: التخلص من الإخوان أو إضعافهم لفترة على الأقل، وذبح القطة لكل من تسول له نفسه حكم المحروسة من خارج المؤسسة العسكرية وبإرادتها المنفردة، والتخلص من مشروع التوريث، وقبل كل ذلك، والأهم بما لا يقاس: الالتفاف على 25 يناير وإجهاض نتائجها المفترضة واكتمال «الثورة».

من الأقوال المذمومة عن ثورة 25 يناير:

– من مزايا الثورة أنها لم يكن لها قيادة! (قُصر ديل ..)

– فشل المجلس العسكري فى إدارة المرحلة الانتقالية! (اللي مايشفش م الغربال ..)

– صفقة مع الإخوان للخروج الآمن للمجلس العسكري (عشم إبليس ..)



مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.