من المقاربات الشائعة في فهم تجربة الحركة الإسلاميّة السودانيّة في الوصول إلى الحكم؛ تلك المقاربة التي تنظر إليها كتجربة وصول إلى الحكم عن طريق «استغلال أو توظيف» للجيش السودانيّ واحتواء لكبار قادته وكوادره داخل الحركة الإسلاميّة.

هنالك مقاربة أخرى، أكثر نقديّة ودقة، تفسر التجربة على أنها «تحالف» تم بين الحركة الإسلاميّة السودانيّة وقيادات في الجيش السودانيّ ولكنها كثيراً ما تتغافل عن أثر هذا «التحالف» في التطور التاريخيّ للنظام الحاكم في السودان وموازين القوى داخل ذلك النظام.

كلتا المقاربتين تعطيان صورة غير مكتملة وغير دقيقة للتطور السياسيّ لنظام الحكم في السودان في الثلاثين سنة الماضيّة، هذا المقال يحاول أن يرسم مقاربة ثالثة ترى بأن العلاقة بين طرفيّ ذلك التحالف كانت مضطربة من أولى سنواتها، وأنه مع التطور التاريخيّ للأحداث، أصبحت القيادات العسكريّة هي صاحبة الكلمة الأقوى في ذلك التحالف، بل انقلبت الآية حيث أصبحت هي من يوظف الحركة الإسلاميّة السودانيّة لتعمل كحاضنة شعبيّة لنظام الحكم الذي يديره ويسيطر عليه تلك قيادات المؤسسة العسكريّة.


الجيش والسياسة: تاريخ من الانقلابات

علينا أن نبتدئ أولاً بتوضيح حقيقة أن الجيش كيان سياسيّ، وليس مجرد مؤسسة عسكريّة مُحايدة يوجهها النظام الحاكم كيفما أراد، وللمفكر السوداني عبد الله علي إبراهيم مقولة مهمة في فهم تاريخ الثورات السياسيّة في السياق السودانيّ، يقول فيها إن الجيش هو «الفيل داخل غرفة السياسة السودانيّة»، وعبارة «الفيل داخل الغرفة» هي مجاز إنجليزي للتعبير عن المسألة أو الحقيقة العظيمة التي يجري تجاهلها أو يقل النظر فيها.



ينتقد عبد الله علي إبراهيم التصور الشائع بأن الانقلابات العسكريّة الثلاثة التي حدثت في تاريخ السودان هي انقلابات قامت بها الأحزاب السياسيّة.

ينتقد عبد الله علي إبراهيم التصور الشائع الذي ردده كثير من المفكرين والصحفيين السودانيين بأن الانقلابات العسكريّة الثلاثة التي حدثت في تاريخ السودان، انقلاب عبود ونميري والبشير، هي انقلابات قامت بها الأحزاب السياسيّة، فالفهم الشائع هو أن «حزب الأمة» هو من خطط لانقلاب عبود 1958، وأن الشيوعيين والبعثيين رتبوا لانقلاب نميريّ 1969، وأن الإسلاميين هم من دبروا انقلاب البشير 1989.

ينتقد عبد الله إبراهيم هذا التصور ويقول بأن «أكثر ما حجب السياسة عندنا من فهم المؤسسة العسكرية اعتقاد شائع بأنها خلو من السياسة، فمتى استولت على الحكم كان ذلك وحياً من السياسيين». ثم يبدأ عبد الله نقده بفكرة راديكاليّة مفادها بأن الجيوش ليست مؤسسات محايدة أبداً، بل هي مؤسسات سياسيّة بامتياز، لأن طبيعة النشاطات التي تقوم بها هذه الجيوش من إخماد للتمرد وحفظ للسلام وإدارة الحروب والمعارك هي أساس السياسة فكيف نصف من يقوم بهذه المهام بأنه غير سياسيّ!

ثم يضرب عبد الله إبراهيم أمثلة من صريح تجارب التاريخ السودانيّ لتأييد فكرته، فيذكر مثلاً بأن انقلاب عبود في العام 1958 كان من كبار الضباط الذين أخمدوا لتوّهم «تمرداً» في الجنوب، ورأوا التفرق الحزبيّ وخشوا أن يسبقهم صغار الضباط إلى استثماره مقتدين في ذلك بجمال عبد الناصر. ولم تكن ذلك مجرد مخاوف من كبار الضباط؛ فقد قامت بعض الرتب الصغرى بمحاولة انقلابيّة بالفعل في العام 1957 ولكنها لم تنجح.

المهم في كل ما سبق هو التأكيد على فكرتين مركزيتين: الأولى، هي أن الجيش ليس مؤسسة محايدة تنحاز لمصالح الشعوب متى ما رأت أن الشعوب خرجت للشارع، بل هو مؤسسة سياسيّة بامتياز تمارس السياسة والتحليل وموازنة المصالح وشبكات القوة في كل تحركاته. وما دام أن الجيش مؤسسة سياسيّة، فإن الانقلابات العسكريّة لا تنجح فقط بسبب التخطيط أو الحراك الخارجيّ الذي تقوم به الأحزاب أو الثوار، بل لابد أن تتوفر شروط وظروف داخل الجيش نفسه حتى يتفاعل الجيش مع تلك العوامل الخارجيّة.


حسن الترابي والجيش: الزمن المشحون

يذكر التاريخ أنه وبعد شهور قليلة من نجاح انقلاب 30 يونيو 1989، كان عدد معتبر من ضباط «المجلس العسكريّ العاليّ» أو «مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطنيّ» الذي كان يضم 15 ضابطاً ويشرف على عمليّة إدارة البلاد بعد الانقلاب، قد أبدوا تذمرهم وتضايقهم الشديد من التدخّل الذي كان يُمارس من قِبل «الحركة الإسلاميّة السودانيّة» في القرارات الحكوميّة، كما كان من أكثر القضايا التي تثير حنقهم وغضبهم حديث الإعلام المتكرر بأن الدكتور حسن الترابيّ كان هو من صنع الانقلاب العسكريّ، وأن دورهم كان فقط هو تنفيذ الأوامر التي يطلبها منهم حسن الترابيّ، حتى أن نائب رئيس الجمهوريّة في ذلك الوقت، الفريق الزبير محمد صالح، اعتبر هذا الأمر إهانة متعمدة للضباط ولم يقبل بها نهائياً.

حسن الترابي وعمر البشير

الرئيس السوداني عمر البشير (يمين)، والمفكر السياسي الإسلامي حسن الترابي

ومن أشهر الحالات التي تُذكر في هذا السياق هي قصة العقيد أركان حرب فيصل أبو صالح الذي كان وزيراً للداخليّة واستقال من منصبه بسبب التدخل الذي كان يمارسه إبراهيم شمس الدين، أحد ضباط الإسلاميين ووزير الدفاع وقتها، في شؤون وزارته.

كما استقال العميد عثمان أحمد حسن والذي كان رئيساً للدائرة السياسية بمجلس الانقلاب، وقيل وقتها إن سبب استقالته هو رفضه لوقوف السودان مع العراق ضد بقية الدول العربيّة في حرب الخليج المعروفة، وذلك الموقف قد اتخذته «الحركة الإسلاميّة السودانيّة» في العام 1992، وكلاهما قدّم استقالته للعميد عمر البشير، إلا أن البشير كان يرفض الاستقالة ثم ينتظر مدة من الوقت ويصدر قراراً رئاسياً بالعزل.

الفكرة وراء ذلك الفعل هو أن عمر البشير كان لا يحب أن يظهر الأمر وكأن أحداً من وزرائه غير راضٍ عن العمل معه، ويفضل أن يظهر الأمر كأنه عزل أو طرد ذلك الوزير. وهذا السلوك قريب جداً مما كان يفعله الرئيس العسكريّ السابق جعفر نميريّ الذي قاد انقلاب مايو/آيار 1969، الذي كان يقول: «ما عندي زول بقدم استقالة… أنا بطرد!».

لم يتوقف الأمر على العقيد فيصل والعميد عثمان أحمد. فمن أهم الأمور التي أدت إلى تفاقم الخلاف بين الجيش السودانيّ والحركة الإسلاميّة في الفترة 1989-1999، هي أن هذا المجلس العسكريّ كان يجتمع ليناقش قضايا معينة مع علمهم أن القرار قد حُسم في هذه القضايا، بل بلغ تهميش المجلس لأعضائه، وعلى رأسهم عمر البشير نفسه، أن بعض القرارات كانت تُذاع قبل انعقاد المجلس.

فعلى سبيل المثال، لم يكن عمر البشير على علم حين تم إعدام 28 ضابطاً من البعثيين كانوا قد حاولوا الانقلاب في رمضان 1990. واكتفى البشير بالمعلومة التي أخبره بها الرائد إبراهيم شمس الدين الذي كان وزيراً للدفاع وقتها، وكان أحد الضباط المنتمين سابقاً للإسلاميين، بعد أن تم تنفيذ الحكم.

كما حصل الخلاف حول زيادة سلطات وأجهزة ما يعرف بـ«الأمن الشعبيّ» بالإضافة إلى خطة بناء ما يعرف بـ«الدفاع الشعبيّ»، وهو عبارة عن مجموعة مسلحة تضم كوادر الإسلاميين ويتم إعدادهم وتدريبهم عسكرياً وأمنياً، تشبه كثيراً فكرة «الحرس الثوريّ» الذي قام الخمينيّ بتكوينه عقب الثورة الإيرانيّة الإسلاميّة. فقد رأى هؤلاء الضباط في تلك الخطة إضعافاً لمنزلة الجيش السودانيّ، وأن هذا غير مناسب لوضع السودان ولا التقاليد العسكريّة فيه.

تراكم هذا الخلاف بين ضباط الجيش وقيادة الحركة الإسلاميّة التي كان يُمثلها الدكتور حسن الترابيّ حتى وصل إلى أوجه في الخلاف حول قضية: هل تستقل ولايات السودان بانتخاب ولاتها عن طريق عمليّة ديمقراطيّة؟ وهو ما دعمته قيادة «الحركة الإسلاميّة السودانيّة»؛ أم يتم انتخابهم عن طريق رئيس الجمهوريّة؟ وهو ما دعمه الجيش السودانيّ بالإضافة إلى بعض قيادات الإسلاميين فيما عرف وقتها بـ«مذكرة العشرة».

ووصل الخلاف إلى طريق مسدود أدى إلى حدوث المُفاصلة الشهيرة داخل الحركة الإسلاميّة في العام 1999 التي قام فيها عمر البشير بحل البرلمان الذي كان يرأسه الدكتور حسن الترابيّ، الرجل الأول في «الحركة الإسلاميّة السودانيّة»، ثم قام بسجن الترابيّ نفسه بعد ذلك. وانقسمت الحركة الإسلاميّة وقتها إلى «المؤتمر الشعبيّ» بقيادة الدكتور حسن الترابيّ، و«المؤتمر الوطني» بقيادة عمر البشير وبعض قيادات الإسلاميين. لكن التاريخ سيثبت أنه حتى تلك القيادات التي دعمت عمر البشير والمؤسسة العسكريّة تم التخلص منها لاحقاً.

يمكننا أن نلاحظ أن الحركة الإسلاميّة في هذه الفترة كانت أكثر قدرة على توجيه قيادات الجيش وقرارات النظام الحاكم ككل، ربما بسبب قيادة الدكتور حسن الترابيّ، ولكن قيادات الجيش تدريجياً استطاعت أن تضعف هذه السلطة، واستطاعت الإطاحة بقائد الحركة نفسها وإحداث انقسام كبير بين صفوفها.


حقبة التصدعات: انقلاب الإسلاميين داخليًا

شهدت العشر سنوات الأولى من القرن الواحد وعشرين استقراراً اقتصادياً بسبب عوائد البترول، وأثر ذلك على مستويات الرفاه الاقتصاديّ في السودان مما أدى لتحقيق استقرارٍ سياسيّ داخل النظام الحاكم وداخل البلاد، لكن وبعد انفصال جنوب السودان في يناير 2011، والذي أنهى اتفاقية السلام الشامل بين شمال السودان وجنوبه عقب استفتاء عام تم في جنوب السودان، صوتت فيه الأغلبية الساحقة لخيار الانفصال، وذهاب قرابة الـ75% من نصيب السودان من النفط إلى جنوب السودان؛ بدأت الأزمات الاقتصاديّة والسياسيّة في الظهور والتجدد من نهاية عام 2011 وحتى 2018 ولعلنا هنا نرصد أهم الأحداث التي عكست التصدعات والخلافات داخل «تحالف» قيادات الجيش السودانيّ والحركة الإسلاميّة والتي كانت تنتهي دائماً بخروج فئات/أشخاص/مجموعات كانت تنتمي للحركة الإسلاميّة من ذلك التحالف. وسنذكر هنا ثلاثة أمثلة رئيسيّة:

1- مذكرة «الألف أخ» ديسمبر/كانون الأول 2011

مذكرة «الألف أخ» هي مذكرة إصلاحية قدمها ألف شاب من شباب الإسلاميين طالبوا فيها بإصلاحات جوهرية داخل الحزب بما في ذلك ذهاب القيادات الحالية وإبدالها بقيادات جديدة لها أفكار جديدة تستطيع أن تواجه التحديات الجسام التي تواجهها الحكومة والحزب معاً.

وكان من أبرز ما دعت إليه المذكرة هو فك الارتباط العضوي بين أجهزة «حزب المؤتمر الوطني» وأجهزة الدولة مالياً وإدارياً، وذلك بكل شفافية وعدل وتحييد كل أجهزة الدولة وعدم إقحامها في الصراع السياسي إنفاذاً للعهد والميثاق الذي أمضته الحركة الإسلامية بينها وبين والآخرين. كما دعت للاستعداد لكسب أو خسارة أي انتخابات قادمة بروح مسئولة تدعم الاستقرار والتداول السلمي للسلطة ومحاربة المحسوبية والظلم. أما مجموعة «السائحون» فهي مجموعة شبابيّة من داخل حزب المؤتمر الوطني الحاكم طالبت بإصلاحات داخل مؤسسات الدولة ومطالب قريبة من المطالب التي ذكرتها مذكرة «الألف أخ».

تتكون المجموعة بالأساس من شباب إسلاميين يرون أن ثورة «الإنقاذ الوطني» التي قادها إسلاميون عام 1989 تراجعت عن الكثير من ثوابتها، ويطالبون بالعودة لهذه الجذور.

2. «الحركة الوطنية للتغيير» أكتوبر/تشرين الأول 2013

في البيان التأسيسي الطويل للحركة الوطنية للتغيير، عرفت الحركة نفسها بأنها:

وتقوم «الحركة الوطنية للتغيير» على قناعة بأن الانتماء للوطن يجب أن يعلو على انتماءات القبيلة والحزب والطائفة، وأن المصالح الوطنية العليا يجب أن تعلو على المصالح الفردية والفئوية، وأن «الانفتاح» بين التيارات والنخب السودانية خطوة ضرورية للنفاذ للعمق الجماهيري وتنظيمه ودفعه في اتجاه النهضة والبناء. ولذلك فهي حركة تتسع عضويتها للتيارات والعناصر الوطنية المستنيرة التي لم تتمرغ في فساد، أو تقترف جريمة، وترفض الأيديولوجيات الشمولية التسلطية التي تسير على نهج الانقلاب العسكري أو الانغلاق العرقي أو الطائفي.

ومن أبرز قادة الإسلاميين الذين وقعوا على بيان الحركة التأسيسي البروفسور الطيب زين العابدين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم، والبروفسور التجاني عبد القادر، أستاذ الفكر السياسي، والبروفسور مصطفى إدريس، المدير الأسبق لجامعة الخرطوم، والبروفسور حسن مكي محمد أحمد، مدير جامعة أفريقيا العالمية، والدكتور خالد التجاني النور، مؤسس صحيفة إيلاف، والدكتور عبد الوهاب الأفندي، المفكر والسياسي البارز، ودكتور محمد محجوب هارون، من أعضاء هيئة التدريس بجامعة الخرطوم، والدكتور حمد حاوي، والأستاذ أحمد كمال الدين المحامي، والدكتورة هويدا صلاح الدين العتباني.

3. إزاحة الإسلاميين ديسمبر/كانون الأول 2013

جماعة فكرية وحركة سياسية سودانية تدعو للتضامن الوطني والعمل المشترك من أجل إصلاح الوطن وإعادة بنائه وتعزيز قدراته، سعيًا نحو الاستقرار السياسي، والسلم الاجتماعي، والتنمية الاقتصادية.

انشق القيادي البارز بحزب المؤتمر الوطني الدكتور غازي صلاح الدين العتباني، وزير الإعلام الأسبق والمستشار الأسبق لرئيس الجمهورية، وقام بتكوين حزب سياسي جديد يحمل اسم «حركة الإصلاح الآن» في ديسمبر/كانون الأول 2013. وقبل انشقاق الدكتور غازي صلاح الدين بشهور قليلة قام 31 قيادياً إسلامياً من بينهم 10 من أعضاء المجلس الوطني/البرلمان، وكان غازي عتباني من هؤلاء، بتسليم مذكرة إصلاحيّة للرئيس عمر البشير في 28 سبتمبر/أيلول 2013 بالتزامن مع الاحتجاجات الشعبيّة والمظاهرات التي قُتل فيها عشرات من أفراد الشعب السودانيّ.

غازي صلاح الدين

الدكتور غازي صلاح الدين، رئيس حركة «الإصلاح الآن» في السودان

يمكن أن نعتبر هذه المذكرة هي التمهيد للانشقاق الذي قام به الدكتور غازي، فقد دعت المذكرة رئيس الجمهورية للاستجابة لمطالب الشارع، ودعت المذكرة إلى تشكيل آلية وفاق وطني من القوى السياسية لمعالجة الموضوعات السياسية الهامة ومن بينها الإطار السياسي الذي تحل فيه الأزمة الاقتصادية.

وبعد هذه المذكرة، قرر مجلس شورى المؤتمر الوطني في ختام دورة انعقاده الثامنة إمهال كل من غازي صلاح الدين العتباني، وحسن عثمان رزق، وزير الرياضة الأسبق، والقيادي الأسبق بالحزب فضل الله أحمد عبد الله، عشرة أيام لمراجعة مواقفهم فيما يتعلق بالمذكرة التي قدّموها باسم تيار الإصلاح في الحزب، ثم إن المجلس قرر أنه في حالة عدم مراجعة المذكورين لمواقفهم في الفترة الموضحة سيفصلون من الحزب رسميًا، حسب اللوائح المنظمة للحزب وهو ما حدث بالفعل.

وبعد أيام قليلة من تأسيس العتبانيّ لحزبه الجديد، أعلن الرئيس عمر البشير في 8 ديسمبر/كانون الأول عن تشكيل حكومة جديدة استُبعد فيها علي عثمان محمد طه، النائب الأول للرئيس، والحاج آدم، نائب الرئيس، ونافع علي نافع، مساعد الرئيس، فضلاً عن عوض الجاز، وزير النفط، وعدد آخر من رجال الصف الأول في الحركة الإسلاميّة السودانيّة من الحكم. وقام بتعيين الفريق أول ركن بكري حسن صالح نائبًا أول له بديلًا لطه. وعموماً، فقد كانت تلك الحكومة خطوة اقتراب أكثر من المؤسسة العسكريّة وابتعاد عن قادة وكوادر الحركة الإسلاميّة.

علي عثمان طه

السياس السوداني علي عثمان طه

من الجدير بالذكر أن غازي صلاح الدين ونافع علي نافع كانوا ممن صاغوا ما يُعرف بـ«مذكرة العشرة» وهي المذكرة التي اعتمد عليها المؤتمر الوطنيّ لإزاحة الدكتور حسن الترابيّ من المشهد السياسيّ في مُفاصلة 1999.

أخيراً، فإن من التكتيكات التي كان يستعملها البشير، بشهادة أحد المتابعين للتجربة، هي العمل المُمنهج لفقدان الثقة بين من تبقى من كوادر وأعضاء الحركة الإسلاميّة التي ما زالت متواجدة في «حزب المؤتمر الوطنيّ»، حتى أضحت «الحركة الإسلاميّة» (صاحبة الاسم) مجرد كيان يتلاعب به عمر البشير ويوجهه حيث أراد، ولذلك لا يستغرب الإنسان من دعم المؤتمر العام للحركة، مؤخراً، لترشيح عمر البشير في انتخابات 2020.

هذه الأحداث الثلاثة تعكس انسلاخ ثلاث فئات رئيسيّة من الحركة الإسلاميّة: الأولى، هي شريحة الكوادر والشباب؛ والثانيّة، هي شريحة المفكرين والأكاديميين؛ والثالثة، هي شريحة القادة والسياسيين من النظام الحاكم الذي أصبح يوماً بعد يوم أقرب إلى الجيش والمؤسسة العسكريّ.

ويمكننا أن نلاحظ بوضوح أن القادة المؤثرين في القرار السياسيّ والنظام الحاكم أصبحوا ثلة قليلة من قيادات المؤسسة العسكريّة، ورؤوس الأموال وشبكات المصالح التي تدور حول أولئك القادة مع استبعاد منهجيّ لقادة الحركة الإسلاميّة وإضعاف قدرتهم على القيام بأي فعل سياسيّ مؤثر ضد تلك القيادات.

أخيراً، فليس من أهداف هذا المقال الدفاع عن تجربة الحركة الإسلاميّة في السودان ومحاولة إلصاق كل الفشل بالمؤسسة العسكريّة، ولكنه في المقام الأول محاولة لرصد طبيعة العلاقة المضطربة بين قيادات الجيش السودانيّ وقيادات الحركة الإسلاميّة والتطور التاريخيّ لهذه العلاقة، وهذا حديث له ما بعده!