أعلن «هاني قدري دميان»، وزير المالية، طرح مشروع الصكوك الإسلامية بداية العام المالي المقبل مرة أخرى، ووضعه على طاولة سياسات الإنقاذ للاقتصاد المصري، خلال فترة يواجه فيها الاقتصاد المصري هبوطا حادا في مؤشراته، وجاء طرح دميان مثيرا للجدل، خاصة بعد توقف طرح هذا المشروع من بعد فترة حكم «محمد مرسي» عام 2012م، حيث قوبل المشروع بالهجوم الشديد عام 2012م، في حين أنه يلقى قبولا واسعا في 2016م، مما يجعل البعض يتساءل: ما الذي أعاد طرح هذا المشروع بعد إغلاق النافذة أمام تمريره في 2012م؟في 27 يونيو/حزيران 2014م، قامت وزارة المالية البريطانية بإصدار صكوك سيادية متطابقة مع المبادئ الإسلامية، في سابقة خارج العالم الإسلامي تعزز مكانة لندن كقاعدة للمالية الإسلامية، وهو ما أثار جدلا واسعا في مصر حول جدوى الصكوك الإسلامية في إنقاذ الاقتصاد المصري، خاصة بعد سجال دام طويلا بين نظام محمد مرسي، وآلة الإعلام، وبعض الأحزاب المصرية في عام 2012م.وهو ما جعل إعادة النظر في جدوى المشروع إحراجٌ للحكومة الحالية، واكتفى دميان وزير المالية الحالي بالتعليق على القانون السابق قائلا أنه فرط في حق مصر، رغم التوافق الكبير بين أليات الإصدار للائحة التنفيذية للمشروع في عام 2012م، مع مثيلتها في مطلع 2016م.


نظرة على تاريخ التمويل الإسلامي في مصر



كان الخليج يستهدف مصر في السبعينيات كسوق محتمل للتمويل الإسلامي، بسبب عدد سكنها ونسبة المصريين العاملين في الخليج

يعود تاريخ التمويل الإسلامي والمصارف الإسلامية في مصر إلى بداية الستينيات، وكما جاء في دراسة أجراها بنك التنمية الأفريقي: كان الخليج يستهدف مصر في السبعينيات كسوق محتملة للتمويل الإسلامي، بسبب عدد سكانها والنسبة الكبيرة من المصريين الذين يعملون في الخليج ويرسلون حوالات لعائلاتهم. وفي عام 1977م صدر قانون يسمح بتأسيس البنوك الإسلامية، وعلى إثره تأسس «بنك فيصل الإسلامي» في مصر عام 1978م، وتبعه بنك «البركة» عام 1980م. وجاء تمويل البنكين بأموال خليجية.وتأثر التمويل الإسلامي في مصر أثناء التسعينيات سلبًا بشركات الاستثمار الإسلامية غير المصرح بها، والتي حظيت بشعبية كبيرة وعرفت باسم شركات توظيف الأموال، ولم تخضع هذه الشركات في معظمها للرقابة من المؤسسات المالية الحكومية المسئولة، وخسر مئات العملاء قدرًا كبيرًا من الاستثمارات من خلالها. ومن أشهرها شركتا «الريان»، و«السعد»، اللتان عرضتا عائدات كبيرة للغاية على المستثمرين مقارنة بالبنوك، ثم عجزتا عن الوفاء بوعودهما في النهاية عقب التحفظ على الشركتين من قبل الحكومة المصرية، وضم أملاكهما إلى الدولة.وتأثر مفهوم التمويل الإسلامي لدى العامة سلبًا بعد هذه الواقعة، ولم تبادر الحكومات المتعاقبة للترويج لسياسات التمويل الإسلامي في مصر باعتبارها مركزًا واعدًا للتمويل الإسلامي، كما يشير بنك التنمية الأفريقي، وما لبث الأمر إلى أن جاء مشروع حكومة «قنديل» في عهد محمد مرسي والذي قوبل بالرفض بلا داعٍ، حيث زاد من حدة رفض المشروع من أصله وصمه بكونه أخونة للاقتصاد، إلى أن تم طرح مشروع وزارة دميان كورقة لإنقاذ الاقتصاد المصري، وهو ما يجعل من الصراع في الماضي سياسيا أكثر منه اقتصاديا.


ما الذي تم طرحه من قبل دميان؟

أكد وزير المالية أنه سيتم طرح الصكوك الإسلامية بنظام الإجارة عقب انتهاء الهيئة الشرعية لـلبنك الإسلامي للتنمية، من إبداء رأيها في المشروع، وعرضه أيضا على المفتي لأخذ رأيه الشرعي، مشيرا إلى أنه سيتم تشكيل هيئة شرعية داخل الوزارة لأخذ رأيها في الإصدار، فـ ما هي الصكوك الإسلامية بنظام الإجارة؟تقوم فكرة صكوك الإجارة على مبدأ التصكيك، أو التسنيد، أو التوريق الذي يقصد به إصدار أوراق مالية قابلة للتداول، مبنية على مشروع استثماري يدرّ دخلا، والغرض من صكوك الإجارة تحويل الأعيان والمنافع التي يتعلق بها عقد الإجارة إلى أوراق مالية (صكوك) يمكن أن تجري عليها عمليات التبادل في سوق ثانوية، وعلى ذلك عُرّفت بأنها سندات ذات قيمة متساوية، تمثل حصصاً شائعةً في ملكية أعيان أو منافع ذات دخل. ولا شك أن هذه الصكوك سوف تخلق للبنوك الإسلامية أدوات استثمارية جديدة وسوف تمتص نسبةً عاليةً من السيولة الفائضة لدى المصارف الإسلامية.كما أنها سوف تعمل على تجديد شباب المصارف الإسلامية وجعلها تشعر بالحيوية والنشاط، خاصةً وأن هذه الصكوك يبدو أنها من الأدوات المالية القابلة للتداول في وقت يتوجه العالم كله في اتجاه العولمة والانفتاح. وبالتالي فسوف تعمل صكوك الإجارة على تدعيم ربط البنوك الإسلامية بالمؤسسات المالية والمصرفية والمؤسسات الاستثمارية التي لا تعمل بالنظام المالي والمصرفي الإسلامي، فضلاً عن المؤسسات والمصارف الإسلامية ذاتها. كما أنها سوف تعمل على تدعيم ربط البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية بأسواق المال العالمية، حيث سيكون لها أدوات استثمارية مالية قابلة للتداول عالميا.وعلى سبيل المثال يمكن أن تكون هنالك بناية مؤجرة، ويكون دخلها الشهري أو السنوي هو عائد حملة الصكوك الذين يعتبرون شركاء في ملكية البناية، وبالإضافة إلى عائد الإيجار فإن حامل الصك يمكنه بيع الصك.


أنواع صكوك الإجارة

صكوك ملكية الموجودات المؤجرة: هي وثائق متساوية القيمة يصدرها مالك عين مؤجرة أو عين موعود باستئجارها، أو يصدرها وسيط مالي ينوب عن المالك بغرض بيعها واستيفاء ثمنها من حصيلة الاكتتاب فيها، وتصبح العين مملوكة لحملة الصكوك.صكوك ملكية المنافع، وتنقسم إلى:

صكوك ملكية منافع الأعيان الموجودة

وثائق متساوية القيمة يصدرها مالك عين موجودة، أو عن طريق وسيط مالي، بغرض إجارة منافعها واستيفاء أجرتها من حصيلة الاكتتاب فيها، وتصبح منفعة العين مملوكة لحملة الصكوك.وثائق متساوية القيمة يصدرها مالك منفعة عين موجودة (مستأجر) بنفسه أو عن طريق وسيط مالي، بغرض إعادة إجارتها واستيفاء أجرتها من حصيلة الاكتتاب فيها، وتصبح منفعة العين مملوكة لحملة الصكوك.صكوك ملكية منافع الأعيان الموصوفة في الذمة: هي وثائق متساوية القيمة يتم إصدارها بغرض إجارة أعيان موصوفة في الذمة واستيفاء الأجرة من حصيلة الاكتتاب فيها، وتصبح منفعة العين الموصوفة في الذمة مملوكة لحملة الصكوك.

صكوك ملكية الخدمات

صكوك ملكية الخدمات من طرف معين: هي وثائق متساوية القيمة يتم إصدارها بغرض تقديم الخدمة من طرف معين (كمنفعة التعليم من جامعة مسماة) واستيفاء الأجرة من حصيلة الاكتتاب فيها، وتصبح الخدمات مملوكة لحملة الصكوك.صكوك ملكية الخدمات من طرف موصوف في الذمة: هي وثائق متساوية القيمة يتم إصدارها بغرض تقديم الخدمة من مصدر موصوف في الذمة (كمنفعة التعليم من جامعة يتم تحديد مواصفاتها دون تسميتها) واستيفاء الأجرة من حصيلة الاكتتاب فيها، وتصبح الخدمات مملوكة لحملة الصكوك.


لماذا الصكوك الإسلامية؟

الصكوك الإسلامية هي أوراق مالية، تصدر وفق الضوابط الإسلامية، بضمان مشاريع استثمارية، وتدر دخلاً، وتكون ذات أصول ثابتة، وتكون صكوك الملكية هذه كحصص تمليك أو تأجير أو رهناً بأصول هذا المشروع.وتتيح الصكوك الإسلامية مشاركة حملة الصكوك في مشروعات صناعية أو زراعية أو خدمية، ويكون لهم حق التصرف فيها بالبيع، وهي خاضعة للربح والخسارة بمعني أن حامل الصك يحصل على ربح عندما يربح المشروع الذي شارك فيه، كما يتحمل الخسارة بما في ذلك خسارة رأسماله نفسه إذا خسر المشروع الذي شارك فيه.وفي ظل حالة الخمول التي تسود الاقتصاد المصري، والتراجع الكبير في الموازنة العامة، وخفض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي، الأمر الذي يجعل من الصكوك الإسلامية مصدراً لضخ كميات كبيرة من المال في السوق المصرية، والذي بدوره سيحرك عجلة الاقتصاد، خاصة مع تمويل استثمارات كبيرة، وهو ما يحرك عجلة التنمية، كما أنه لابد من التسريع في إصدار الصكوك الإسلامية لتمويل عجز الموازنة المتفاقم، وبذلك فإن الصكوك الإسلامية هي الورقة الأخيرة لدى وزارة دميان لإنقاذ الاقتصاد الخامل.


الصكوك الإسلامية الورقة الأخيرة لوزارة دميان



تقوم فكرة صكوك الإجارة علي مبدأ التصكيك الذي يقصد به إصدار أوراق مالية قابلة للتداول مبنية علي مشروع استثماري يدر دخلا

منذ أن أعلن هاني قدري، في مارس/آذار 2014م، إنه سيفتح ملف قانون الصكوك الإسلامية المجمد لدراسته، في مسعى لتنويع أدوات الاستدانة الحكومية بعدما تجاوز إجمالي الدين العام المحلي حدود الـ 1.7 تريليون جنيه (245 مليار دولار) بنهاية العام 2013م.وما أعقبها من تصريحات، رئيس هيئة الرقابة المالية في البنك المركزي شريف سامي في مايو/أيار 2015م، بأنه تم إرسال النسخة النهائية من قانون الصكوك إلى البنك المركزي لمراجعته قبل عرضه على مجلس الوزراء، تمهيداً لإقراره في يونيو/حزيران 2014م، وإشارته إلى أن القانون خضع لبعض التعديلات التي تتناسب مع قانون سوق المال المصري الذى وصفه بقوله «أبو قوانين» الاستثمار في مصر، ورغم كل تلك التصريحات.والتمهيد لتمرير مشروع الصكوك الإسلامية، لم يتم تطبيقه حتى عام 2015م، إلى حلول السنة المالية الجديدة، وهو ما أوضح فشل السياسات الاقتصادية المتبعة خلال تلك الفترة في إنقاذ الاقتصاد المصري، واستمرار نزيف الموازنة العامة، وهو ما يجعل من مشروع الصكوك الإسلامية هو السبيل الأخير لإنقاذ الاقتصاد من وعكته.