يجب التريث في الحديث عن ترشيح بوتفليقة لولاية خامسة.





معاذ بوشارب، رئيس البرلمان الجزائري

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في 2019، تشهد الجزائر العديد من المفاجآت والتغييرات السياسية، حروب وصراعات على السلطة تدار خلف الكواليس، تزايدت في أعقاب طرح أحزاب الموالاة منتصف العام مسألة العهدة الخامسة للرئيس بوتفليقة.

سرعان ما بدأت تتغير وتتبدل الوجوه المناصرة للعهدة الخامسة، وأعيد التساؤل حول أهلية بوتفليقة للحكم، وباتت مسألة تخلي الحزب الحاكم عن ترشيح بوتفليقة لانتخابات 2019 أكثر حضورًا من أي وقتٍ مضى، فهل تشهد الجزائر فعلًا قوائم ترشح رئاسية لا تحمل اسم بوتفليقة في 2019؟


ترتيبات جديدة

أزمات عديدة عاشها الجزائريون في السنوات الخمس الماضية، في ظل غياب الرئيس عن المشهد السياسي للبلاد منذ بدء عهدته الرابعة في 2014، والتي بدأها بكلمات متقطعة ومتعلثمة من أعلى كرسي متحرك، منهك إزاء قراءة أسطر القسم أمام البرلمان، فيما حضرت صورته بديلًا عنه في بعض المناسبات الوطنية، وحضرت خطاباته ومراسلاته المكتوبة بديلًا حتى عن الخطاب المسموع الحماسي.

إقالة الجنرالات

بدأت تلك الترتيبات المتصاعدة مع أزمة وفضيحة

الكوكايين

الواردة من البرازيل، والتي اتهم فيها قيادات أمنية كبرى، وكان من نتائجها إقالة المدير العام للأمن الوطني عبدالغني هامل، أحد أبرز الشخصيات التي طرحت كخليفة لبوتفليقة. أعقب ذلك سلسلة من الإقالات على مستوى قيادة الوحدات؛ كان

أبرزهم

اللواء مناد نوبة، اللواء محمد تيرش، اللواء سعيد باي، الجنرال حبيب شنتوف. فيما أُصدر لاحقًا قرار بمنع

خمسة قيادات

من السفر وتقديمهم للمحاكمة بدعاوى الفساد ثم الإفراج عنهم بقرار رئاسي في سابقة مبهمة بالجزائر.

أزمة رئيس البرلمان

في سبتمبر/ أيلول الماضي وفي ضوء رفض سعيد بوحجة، رئيس البرلمان، الاستقالة بعد دعوة أحمد أويحيى له بالاستقالة، شهدت الجزائر تجميدًا لنشاط البرلمان، فيما قام نواب أحزاب الموالاة بمنع بوحجة من دخول مكتبه، ثم إعلان شغور منصب رئيس البرلمان، بطريقة رآها البعض غير شرعية، انتهت إلى اختيار معاذ بوشارب خلفا له.

أزمة الأمين العام للحزب الحاكم



يشهد الحزب الحاكم أزمة إدارية في أعقاب استقالة الأمين العام للحزب جمال ولد عباس أكثر الداعمين للعهدة الخامسة لأسباب صحية، أعقبها تخبط وتردد في بيانات الحزب حول ماهية الاستقالة، ثم تشكيل لجنة تنفيذية بقيادة معاذ بوشارب لتسيير أعمال الحزب، وهو ما قد يعكس التوجه الجديد للحزب في موقفه من ترشيح بوتفليقة، حيث إن بوشارب من دعاة الانتظار وعدم التعجل في اتخاذ قرار بترشيح بوتفليقة حتى يحين الوقت المناسب.

غضب الرئيس في خطاب الولاة

على غير العادة، جاء

خطاب

الرئيس في لقاء الحكومة والولاة السنوي حاملًا رسائل قوية وعبارات عاكسة لما يدور في الظل، حيث دعا الخطاب – الذي قرأه على الحضور الأمين العام لرئاسة الجمهورية حبة العقبي – إلى اليقظة في ظل وجود من يناورون سياسيًا على مقربة من رئاسيات 2019، فيما تغافل الخطاب موقف الرئيس فيما يخص العهدة الخامسة.

مغامرون ويُسوقون لثقافة النسيان والنكران والجحود، لا يُمكن أن يكونوا أبدًا سواعد بناء وتشييد، فهم يخفون وراء ظهورهم معاول الهدم التي يسعون لاستخدامها من أجل الزج بالبلاد نحو المجهول.

تركزت لغة الخطاب الغاضبة على الهجوم على المناورين السياسيين دون تحديد «قد تكون في إشارة إلى صراعات الجيش»، مؤكدًا أن البعض يختزل رهانات الحاضر والمستقبل في تغير وتعاقب الوجوه والأشخاص، وهم يروجون لهذا التوجه لحاجة في نفس يعقوب. يأتي هذا الخطاب بعد إعلان بوشارب عدم التعجل في مسألة العهدة الخامسة.

تقرأ تلك الترتيبات والتغيرات في الجزائر في ضوء ما يدور خلف الكواليس، وحرب تكسير العظام بين الأجهزة والمؤسسات المتنافسة على خلافة بوتفليقة.

اقرأ أيضا:

الجزائر تبحث عن رئيس بعد «بوتفليقة»


الرئيس الذي لم يعد يحكم


غياب الحضور السياسي لبوتفليقة على المستوى الداخلي والخارجي لأشهر متتالية دفع كثيرين للتساؤل حول حقيقة دور بوتفليقة في اتخاذ القرار السياسي للبلاد، فتعالت الترجيحات من المؤيدين والمعارضين بعد إعلان الحزب دعمه لعهدة خامسة بأن الرئيس لم يعد يحكم.

قبيل انتخابات العهدة الرابعة تداول الجزائريون تقريرًا حمل توقيع الجنرال توفيق – صانع الرئاسات – و المتربع على قمة جهاز المخابرات في البلاد.

تضمّن

التقرير تشكيكًا بأهلية الرئيس للقيام بمهام الحكم بعد اليوم، وطالبه بعدم الترشح لولاية رابعة، وهو ما سارع بإقالة الجنرال الأقوى في الجزائر.

وكانت هذه الإقالة نقطة تحول في مسار النظام الجزائري، حيث بدأ البعض إعادة ترتيب الفواعل والعلاقات الجديدة في هدوء تام، محافظين على الوضع القائم في الظل، حتى كان إعلان الحزب الحاكم نيته ترشيح الرئيس لعهدة خامسة، فتجدد الحديث عن أهلية حكم الرئيس.

كان أول تلك الأصوات إيغيل أحريز (90سنة) – أحد أبرز مناصري الرئيس – التي أعلنت في أعقاب القرار تقديم استقالتها وانسحابها من مجلس الأمة،

معلنة

أنها لم تعد تطيق أداء دور غير مقنع في مسرحية سياسية، فالرئيس مريض وعاجز عن تسيير الدولة، مؤكدةً أن الرئيس ليس هو من طلب الولاية الخامسة، وإنما هناك أطراف تتكلم باسمه.

في سياق متصل، وبعد عرقلة مشاريعه، برّأ المدير العام لمجمع سيفيتال، إسعد ربراب، الرئيس بوتفليقة من العراقيل التي تعترض مشاريعه الاستثمارية في الجزائر مرجحًا أن الرئيس لم يعلم بالعراقيل التي وضعت أمامه في الجزائر، معلقًا على سؤال حول من يحكم الجزائر بأن هناك يدًا خفية فاجأت الشعب وبعض المؤسسات متهمًا هؤلاء بعرقلة مشاريعه.


حرب الكواليس: من يحكم؟

أثار طرح مسألة العهدة الخامسة للرئيس غضب قواعد كثيرة، في ظل مرض وغياب الرئيس عن المشهد، وهنا بدأ البحث عن ماهية صراع تكسير العظام الجزائري، والذي عبر عنها خطاب الرئيس الأخير في لقاء الحكومة والموالاة وكثرة حديثه عن أشخاص يناورون للنيل من الإنجازات لتحقيق شيء ما في نفس يعقوب.

في أعقاب أزمة عزل رئيس البرلمان، أيضًا أكدت صحيفة

Mond Afrique

الفرنسية أن ورثة دائرة الاستعلام والأمن، بقيادة الجنرال عثمان تارتاج، القريب من عشيرة بوتفليقة، والمخابرات العسكرية المرتبطة بزعيم هيئة الأركان القوي جيد صلاح، يشنون حربًا خلف الكواليس.

تشير المعطيات إلى أن

حرب

الكواليس بدأت مع إقالة الجنرال توفيق في 2015، ومحاولة الجنرال أحمد قايد صالح، نائب وزير الدفاع الانفراد بالمشهد السياسي والأمني بالبلاد، حيث شهدت العهدة الرابعة ظهور

إعلاميًا

وميدانيًا غير مسبوق له، فكان رجل العهدة الرابعة الأبرز. تكلل ذلك مع قرارات إقالة بعض قيادات الجيش والشرطة الأخيرة، ليصبح قايد صالح المستفيد الأكبر من التطورات الداخلية في الجزائر.

لاقى

تصريح

صالح بضرورة إبعاد الجيش عن المهاترات الحزبية والسياسية بعد دعوات لتدخل الجيش في الحياة السياسية ترحيبًا من الأحزاب السياسية الموالية للرئيس، والتي تلعب هي الأخرى دورًا غامضًا في اتخاذ القرار السياسي للبلاد، حيث يسيطر حزب جبهة التحرير الوطني على الحكومة بقيادة أحمد أويحيى الرجل الحزبي الأقوى، فيما بدت شخصية أويحيى في الصعود، توارى عن الأحداث مؤخرًا مستشار الرئيس المقرب وشقيقه سعيد بوتفليقة بعد أن أثيرت حوله العديد من التساؤلات حول دوره في اتخاذ القرار بالبلاد.

مؤخرًا، وكما شهد الجيش والشرطة تغييرات جوهرية في قياداته، شهدت الساحة السياسية تغييرات عدة على مستوى القيادة بهدف إعادة ترتيب هياكله بما يتناسب مع متطلبات المرحلة المقبلة، كان أبرزها إقالة رئيس البرلمان المعروف بعلاقته القوية مع قايد صالح، وإحلال الشاب معاذ بوشارب محله وهو المحسوب على حزب الرئيس.

اقرأ أيضا:

سعيد بوتفليقة: رجل الظل والغموض


مشاهدون غاضبون … ولكن



أجنحة متصارعة، حروب تكسير العظام، تغيير وجوه، والمستفيد الأكبر أحمد قايد صالح.


لم يقتصر الأمر على مواقف وتصريحات النخبة فيما يحدث، لكن انضمت إليها بعض الأصوات الشعبية على مواقع التواصل الاجتماعي التي بدت فاقدة الثقة في أهلية الرئيس لاستكمال العهدة الخامسة، و انطلقت عشرات التغريدات الساخرة على تويتر للتعبير عن هذا الرفض ومعبرة عن غياب الرئيس عن الحضور في كثير من المناسبات، وعن عدم قدرته على اتخاذ القرارت السياسية للبلاد، وكذلك رفضًا للفساد في البلاد.

يبقى الإسلاميون الأكثر حذرًا من التحركات الحالية، فلم يقدموا خليفة لبوتفليقة، واكتفت تصريحات حمس (حركة مجتمع السلم) على رفض العهدة الخامسة، داعيةً في رؤيتها إلى دور أوسع للجيش في الحياة السياسية في ظل غياب التوافق على خليفة لبوتفليقة، كما يسعى اليسار إلى رفض العهدة الخامسة مع طرح بعض الأسماء للترشح.

يبقى غضب ورفض الشباب ومراوغة الإسلاميين وطرح اليسار خارج دائرة التأثير على مسألة ترشيح الرئيس أو اختياره، في حال استقر الفاعلون الأساسيون على ترشيح بوتفليقة، وهو الاتجاه الذي يراه البعض يخدم مصالح الأجنحة المتصارعة، حيث يحكمون فعليًا، ويبقى بوتفليقة في الواجهة.