صحيح حظرونا تاني، إيش تاخد الريح من البلاط ؟، ضربوا الأعور على عينه قال خربانه خربانه، وبالتأكيد لن تشعر الشاة بالسلخ بعد الذبح

كلمات تهكمية معدودة لا ترقى ربما لهول ما يواجهه جيل كامل من القمع والاستبداد، كلمات بنكهة الإحباط حاملة ثقة غير مفهومة ربما بالنسبة لمن كبل واعتقل وسحل، كلمات غرد بها سجين الحركة المحظورة للمرة الثانية على التوالي وهو مؤسسها أحمد ماهر في ذكرى تأسيسها السابعة، وليس غريبا بأن تمر أيضا الذكرى الثامنة وهو مازال في محبسه يفقد الأمل يوما بعد يوم بعد أن فقدت حركته بريقها وتآكلت كما تآكلت بقية الحركات الاحتجاجية.هل حان الوقت لتقاعد حركة 6 أبريل؟


سؤال تطرحه المشكلات والتحديات التي تواجه الحركة في ذكراها الثامنة والتي حولتها إلى عجوز بدون قواعد جماهيرية، متهمة دوما بالخيانة والعمالة والعنف، محظورة قانونيا لمرتين، وهو ما يطرح ضرورة تجديد الحركة، ولكن ما هي حدود هذا التجديد؟ وهل تحل الحركة نفسها لمواجهة تحدياتها؟


إرهاصات ميلاد ثورية

احتجاجات 6 أبريل 2008 بالمحلة مثلت نقطة تحول فارقة في تاريخ الحركة العمالية والاحتجاجية في مصر، بالرغم من أنها ليست المحاولة الأولى للفئة العمالية لرفض الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مصر المباركية، فقد سبقتها احتجاجات ديسمبر 2006 بالمحلة وهي أول إضراب للحركة العمالية منذ 1994 واستمرت لثلاثة أيام انتهت بتنفيذ الحكومة لمطالب المضربين وكانت تدور حول زيادة رواتب العمال، كما نظمت الحركة العمالية بالمحلة أيضا إضرابا في 2007 بهدف رفع الحد الأدنى إلى 35% وتطبيق كادر خاص،ثم لحقها إضراب موظفو الضرائب في سبتمبر 2007 والذي انتهى بتشكيل أول نقابة مستقلة في مصر، ثم جاءت إضرابات المحلة العام في 6 أبريل لتسطر تاريخا جديدا في مصر ما زلنا نعيش روافده حتى الآن.

تأتي أهمية إضراب 6 أبريل في كونه الأول الذي يحتشد فيه آلآلاف من المواطنين في ميدان الشونة بالمحلة، واستخدمت فيه الشرطة المصرية العنف لتفريق المظاهرات وهو ما أغضب المحتجين في الميدان ودفعهم إلى تمزيق صورة مبارك بالميدان، كما امتد الإضراب خارج المحلة ليمتد إلى مصر كلها، بعد أن وجد الإضراب مساندة قوية من بعض القوى السياسية مثل حركة كفاية وبعض الشخصيات اليسارية والمعارضة، كما كان أول احتجاج في مصر يستخدم التواصل الاجتماعي «الفيسبوك» للحشد والتعبئة والتنظيم لها.

وأخيرا فإن هذا الإضراب مثل إعادة الأحياء للحركة العمالية في مصر والتي انسجمت مع ثورة يناير وتزايدت قوتها في ظل الوعي الجمعي لعمال مصر، كما لم تتوقف أهمية ما سميت «بالثورة الصغرى» عند الدعم للعمال فقط ولكنها أخرجت من رحمها قوى سياسية قوية مثل 6 أبريل التي اتخذت من الإضراب مسمى لها.


هل تغيرت أيديوجيا 6 أبريل؟

مرت حركة 6 أبريل بالعديد من المحطات الزمنية الموقفية لها تجاه سياسات الأنظمة السياسية الحاكمة في مصر، وتباينت خلالها مواقفها وتبدلت ولكن ظلت أيديولوجيتها منسجمة إلى حد كبير مع فعلها الحركي والتنظيمي.

فبالرغم من أن البعض يسعى إلى تصنيف الحركة ضمن الدائرة الليبرالية، إلا أنه لا يمكن القول بأن الحركة ليبرالية بقدر من أنها تتبع مجموعة من المبادئ الحاكمة للدولة منها أنها مدنية دستورية تتداول فيها السلطة سلميا وتنعم بالمساواة دون تهميش للأقليات وليست مقطوعة الصلة بالدين بل حامية ومحترمة لكافة الأديان والعقائد وضامنة لحرية التعبير والمجتمع المدني، وقائمة على اللامركزية وداعية للتعددية الحزبية وتعمل في إطار من الشفافية والمساءلة وحرية تداول المعلومات وحرية الصحافة، كما تتبنى ما يطلق عليه نظام اقتصاد السوق الاجتماعي وسياسات عادلة لتوزيع الدخول.


الحركة في عهد الأنظمة المختلفة

الحركة في عهد مبارك «لا للطوارئ»:

من هذا المنطلق لعبت الحركة دورا بارزا في معارضة نظام مبارك عبر استخدام مواقع التواصل الاجتماعي خاصة في ظل تزايد قمع النظام مع تزايد مطالب الحركة بإنهاء حالة الطوارئ، وتميزت تحركات الإبريليين في ذلك الوقت بضعف المشاركة الشبابية في دعوتها واحتجاجاتها، ولكن مثلت تلك المحطة أهم المحطات الزمنية للحركة كونها حركة غير حزبية هادفة لمواجهة الظلم والطغيان ولا تتبنى أيديولوجيا خاصة أو تتبع تيارا معينا، مما أكسبها العديد من التعاطف من الشباب خاصة في ظل تصدرها لجمع توقيعات جمعية التغيير مع قدوم البرادعي إلى مصر.

المجلس العسكري «يسقط يسقط حكم العسكر»:

عملت الحركة على الحشد والتعبئة لمظاهرات 25 يناير والتي تحولت إلى ثورة شعبية أطاحت بالنظام الحاكم في يناير 2011، تطورت نشاطات الحركة وانتقلت من العالم الافتراضي إلى المجال العام وعملت على مناهضة حكم المجلس العسكري وتبنت حملة «يسقط يسقط حكم العسكر» وطالبت بسرعة نقل السلطة إلى حكومة مدنية، وسرعة محاكمة عناصر النظام القديم في محاكمات علنية وتطهير وزارة الداخلية ووضع حد أدنى للأجور 1200 جنيه، والمطالبة بالدستور قبل الانتخابات البرلمانية واسترداد الأموال المنهوبة، ووقف تصدير الغاز لإسرائيل.

مرسي «من عصر الليمون إلى الثورة»:

فيما واجهت الحركة في أعقاب ثورة يناير انشقاقات بنيوية داخلية عدة وانفصل أكثر من 500 عضو عنها مكونين جبهة 6 أبريل الديمقراطية ثم وفي أعقاب دعم جبهة أحمد ماهر لمحمد مرسي في مواجهة شفيق في جولة الإعادة خرج ما عُرفت بالجبهة الثورية. كما عملت جبهة أحمد ماهر على دعم مرسي في بداية حكمه ومساندته في كافة القرارات التي اتخذها، ولكن لم يستمر هذا الدعم كثيرا مع تحصين مرسي لقراراته وقرارات الجمعية التأسيسية، وبدأت الحركة تنادي بإسقاط مرسي خاصة بعد وفاة جيكا في 2012 والذي تمثل نقطة تحول كبيرة في موقف الحركة من نظام الإخوان، كما أن سعي مرسي لتمكين جماعته من احتكار السلطة دفعت بالقوى السياسية المختلفة إلى التحالف ضد نظامه.

منصور «من التأييد إلى الصدام المبكر»:

موقف الحركة في فترة عدلي منصور في بداية حكمه ارتبط بموقفها المؤيد من أحداث 30 يونيه الرافضة لحكم محمد مرسي ومع قبيل تحركات 30 يونيه دعت الحركة المؤسسة العسكرية للابتعاد عن المشهد السياسي ورأت أن حل الأزمة يكمن في يد الرئاسة لا المؤسسة العسكرية، ولكن مع خطاب مرسي الأخير دعت الحركة إلى النزول في الشارع، ولكن سرعان ما تحول التأييد إلى نقد لسياسة النظام الجديد مع فض اعتصام رابعة ومن قبله الإعلان الدستوري الصادر في 8 يوليو 2013 وقانون التظاهر الذي أصدره عدلي منصور.

السيسي: غياب ميداني ومهادنة: الحركة قاطعت في نهاية المرحلة الانتقالية الاستفتاء على الدستور والانتخابات الرئاسية، في حين حملت بياناتها رفض القمع الأمني المتزايد تجاه النشطاء السياسيين وأحكام الإعدام الجماعية وخطاب الاستقصاء والارتباط التعاوني بين منظومة العدل والأمن، كما رفضت استغلال الرئاسة للفراغ المؤسسي التشريعي وإصدار قوانين ديكتاتورية، كما أكدت في بياناتها دعمها للحركة العمالية والطلابية ورفضها التام لأعمال العنف والإرهاب.


كيف واجهت الدولة الحركة؟



اعتقالات وحملة إعلامية ممنهجة للتشويه والتخوين والحظر أهم أدوات الدولة لمواجهة ريعان شباب الحركة الثورية

الخيار الأمني كان أولى إستراتيجيات النظام في التعامل مع الحركات الاحتجاجية بشكل عام وحركة 6 أبريل بشكل خاص؛ فمنذ الوهلة الأولى لتأسيس الحركة عمل على فض وإفشال وقفاتها الاحتجاجية ومنها وقفة يوليو 2008في الإسكندرية، ووقفة «هناخد حقنا» 2009 و«الثورة العمالية» وكان السبب في فشل تلك الاحتجاجات هو عدم شعبية الحركة وانتشار الرعب من التعامل الأمني لدى المواطنين. كما لم يختلف أسلوب حكومات ما بعد الثورة عن سابقتها فعملت على مزيد من الاعتقالات لقيادات الحركة وعناصرها وتغليظ العقوبات عليهم خاصة بعد إصدار قانون التظاهر.

الحركة واجهت أيضا حملة إعلامية شرسة ممنهجة خاصة في أعقاب ثورة يناير ومع تفاقم صراع الحركة مع المجلس العسكري، وبنيت تلك الحملة على تسجيلات مسربة لقيادات الحركة، واتهم الإعلام الحركة بالضلوع في أعمال العنف والشغب وذهبت الاتهامات إلى تخوين الحركة وإلصاق تهم العمالة للخارج وتلقي تمويل مادي من الخارج لإحداث عنف في البلاد، وتزايدت حدة تلك الحملة أيضا في عهد ما بعد مرسي، فاتهمت بأنها مؤيدة للإخوان. وعملت هذه الحملة على إفقاد الحركة شعبيتها بفرض صورة نمطية مخيفة للحركة.

القضاء أيضا أسدل الستار على شرعية الحركة بإصدار حكم في 28 أبريل 2014 يقضي بحظر أنشطة الحركة ومصادرة مقراتها وممتلكاتها، بعد أن حملت حيثيات الحكم اتهام الإبريليين بالعمالة لجهات أجنبية وتهديد الأمن والسلم العام، واعقب ذلك استمرار السلطات في اعتقال عناصر الحركة باعتبارهم منضمين لحركة غير شرعية آخرهم منسق الحركة عمرو على بثلاث سنوات.


هل بدأت الحركة بالانهيار؟



تتناسب فعالية الحركات الاجتماعية وقوتها الحقيقة طرديا مع تفاقم تدهور البيئة الاقتصادية والاجتماعية وسيطرة على القمع والاستبداد على مجريات الحياة اليومية.

داخليا بدأت الحركة تواجه العديد من التحديات البنيوية منذ نشأتها فلم يمضِ عام على الحركة حتى دب الخلاف بين عناصر الحركة الوليدة بسبب الاختلاف حول مدى جدية تكرار الدعوة إلى الإضرابات في عهد مبارك، وظهرت تكتلات داخلية نتيجة اختلاف الانتماءات السياسية والأيديولوجية والحزبية داخل الحركة، وتفاقم الأمر مع الخلاف حول سفر عضوين للمشاركة في دورة تدريبية لمنظمة «فريدوم هاوس» فأصدر الإسلاميون والقوميون والذين اطلقوا على أنفسهم «لن تمروا» داخل الحركة بيان إدانة لذلك ومحاولة إزاحة أحمد ماهر مؤسس الحركة وهو ما دفع إلى فصلهم، كما خرجت من رحم الحركة أيضا مجموعة “مصر أهم” اعتراضا على موقف الفريقين، ولكن نجح ماهر في إعادة تنظيم الحركة في نوفمبر 2009.الحركة لم تصمد كجبهة واحدة في أعقاب ثورة يناير، فسرعان ما انشق جزء كبير من عناصرها وانقسمت الحركة إلى جبهتين هما جبهة أحمد ماهر والجبهة الديمقراطية، هذا بعد أن تزايدت الاتهامات الموجهة لماهر بالفساد واستغلاله الحركة كشركة خاصة له ولأنصاره، كما كان لموقف ماهر المساند لمرسي العامل الأكبر في حدوث انشقاقات واستقالات داخل الحركة.تحديات استمرارية الحركة في نشاطها ليست داخلية فقط ولكنها مرتبطة أيضا بالسياق السياسي والاجتماعي والاقتصادي القائم، فقراءة السياق السياسي في مصر يتضح كم ضاقت مساحة حرية الرأي والتعبير وحرية التظاهر والتجمع في عهد حكومات ما 30 يونيو حتى اختفت الحركة الاحتجاجية من خريطة القوى الفاعلة في حين شغلت النقابات العمالية والمهنية المستقلة الفراغ الذي خلقته سياسات تضييق الخناق على الحركة الاحتجاجية في مصر، وفي حين تزداد قوة نشاطاتها وتحركاتها مع تفاقم سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية إلا أن وجود مجال عام ضامن للحريات هو المحدد الرئيسي في فعالية تلك التحركات.


هل حان الوقت لـ 6 أبريل أن تحل نفسها؟



سياسات حكومات السيسي نجحت في تجفيف منابع التحركات الثورية ومن ثم تقييد حرية المجتمع المدني بشكل أفقده القدرة على الحشد والتعبئة لتنظيم فعاليات على الأرض

الحركات الاحتجاجية والاجتماعية تمتاز بكونها حركات مؤقتة من حيث المدة الزمنية، ينتهي وجودها السياسي بمجرد تحقيق أهدافها التي نشأت من أجلها وهو ما تقصه تجربة العديد من الحركات الاحتجاجية في مصر عبر تاريخها مثل «مصر الفتاة» والتنظيمات السرية مثل تنظيم «الشرارة، وإسكرا وحدتوا» و«حركات 25 يناير»، كما أنها دوما ما تتعرض للتحلل بفعل تحديات داخلية أو خارجية خاصة في حالة الركود السياسي، وبقراءة الوضع السياسي في مصر يلاحظ أن النظام الحاكم عمل على تفريغ الساحة السياسية من كافة اللاعبين المعارضين له ولم يتبق بالساحة إلا مؤيديه وعناصره مما أصاب المجتمع السياسي بالركود خاصة بعد أن تحولت كافة الأفعال السياسية المعارضة إلى العالم الافتراضي دون فعل ميداني حقيقي.الحركة المحظورة رأت أن هناك ضرورة لتواجدها السياسي في ظل عدم تحقيقها لأهدافها التي نشأت من أجلها، بل تزايدت الأسباب من القمع والفساد وتفاقم الأزمات الاقتصادية واحدة تلو الأخرى، وهو ما دعا أحمد ماهر من محبسه يدعو الإبريليين إلى التوحد وتشكيل تنسيقية عليا لتقريب وجهات النظر بين المختلفين. ويبقى أمام الحركة سيناريوهان هما:أولا: استمرار الحركة بنفس أهدافها وهياكلها التنظيمية وهو مالا يعيد للحركة شعبيتها المفقودة في ظل استمرارية سياسية تجفيف منابع التحركات الثورية، أو أن تقوم الحركة بحل نفسها وتأسيس حركة جديدة بأهداف جديدة قادرة على الحشد والتعبئة وتستطيع أن تمحو صورتها النمطية لدى الجماهير.ثانيا: تحول الحركة إلى حزب سياسي حتى يحقق لها الاستمرارية والمشروعية لتحقيق أهدافها الاجتماعية والسياسية، ويضمن لها قواعد جماهيرية واسعة تستطيع من خلالها إدارة فعاليتها، ولكن هذا الخيار مستبعد ذلك لأن تجربة تحول الثوريين إلى أحزاب سياسية واجهت فشلا ذريعا منذ بعد الثورة ولم تحقق الجماهيرية المنشودة ولم تحقق أي مكاسب سياسية أو اقتصادية.يبقى المحدد الرئيسي في بقاء واستمرارية الحركة؛ درجة الانفتاح على المجال العام وتحقيق قدر من ضمان حرية التعبير والتظاهر وصون حقوق وحريات المجتمع المدني بأشكاله المختلفة، ومن ثم فإن اعتلاء المعارضة للمجال الافتراضي سيبقي على وجودها لتحقيق شعبية نخبوية وشبابية دون تحقيق شعبية جماهيرية واسعة.


المراجع




  1. دينا شحاته، حظر حركة 6 إبريل: الأسباب والتداعيات، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 18 مايو 2014.

  2. أحمد ماهر، حظرونا تاني ، أيش تاخد الريح من البلاط، موقع مصر العربية، 4 أبريل 2015.

  3. زياد فرج، 6 أبريل من التأسيس الى الحظر!..النشأة-الانشقاقات – الحظر والمصير، العربية للدراسات، 7 مايو 2014.

  4. في الذكرى السابعة لتأسيسها: حركة شباب 6 أبريل.. المسار والحصاد وتحديات المستقبل، موقع ساسة بوست، 6 أبريل 2015.

  5. رؤيتنا لدولة مصرية مدنية حديثة، موقع حركة شباب 6 أبريل.

  6. مصطفى بسيوني، 6 أبريل: ألف يومًا مما تعدون، بوابة الاشتراكي، 4 أبريل 2016.