مع إعلان قيام إسرائيل عام 1948، تدفق عليها اليهود من الشتات في جميع أنحاء العالم لإقامة وطن قومي لهم، وكانت إيران من أبرز دول الشرق الأوسط التي تضم جالية منهم، وكانت وما زالت مصدراً للهجرة اليهودية إلى فلسطين.

تاريخ الهجرة

بدأت الهجرة اليهودية من إيران مبكراً جداً ففي عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي انتقلت أعداد صغيرة من الأقلية اليهودية إلى الأراضي الفلسطينية الواقعة تحت حكم الانتداب البريطاني، رغبة في العيش في الوطن التوراتي للشعب المختار بحسبما رددت الدعاية الصهيونية آنذاك.

ومع إعلان قيام إسرائيل رسمياً في عام 1948 هاجر عدد أكبر من اليهود الإيرانيين بعد أن ثبتت لديهم مصداقية وجدية الأمر إذ تحول المخطط إلى واقع ماثل أمامهم وحظيت دولة الاحتلال الإسرائيلي باعتراف دولي واسع لا سيما من القوى الكبرى، وهاجر ما يقارب 21 ألفًا خلال السنوات الثلاث الأولى فقط، وفقًا للتقديرات الحكومية الإسرائيلية.

واعترفت إيران
نفسها بإسرائيل في عام 1950 وأصبحت ثاني دولة ذات أغلبية مسلمة تعترف باستقلال إسرائيل
بعد تركيا ومن بين أصدقاء إسرائيل الأوائل والقلائل في المنطقة.

ومع تعمق العلاقات الإسرائيلية الإيرانية هاجر 35 ألف يهودي من إيران إلى إسرائيل ف

ي الفترة من عام 1952 إلى عام 1971،

وخلال تلك السنوات، ساعد الإسرائيليون نظام الشاه في المجال الاستخباري والعسكري وكذلك في الزراعة والري، وجمعت الطرفين مصالح مشتركة تمثلت في التصدي لتيار المد القومي العربي المدعوم من الاتحاد السوفيتي، وكان كلا الطرفين حليفًا مهمًا للولايات المتحدة الأمريكية.

ومع نجاح الثورة الإيرانية عام 1979، هاجر نحو نصف الجالية اليهودية البالغ عددهم نحو 80 ألفًا إلى الولايات المتحدة، وذهب بعضهم إلى إسرائيل، رغم أن الطائفة تمتعت بحماية نظام الملالي في إيران ما بعد الثورة وكانت أوضاعهم أفضل بكثير من أوضاع المسلمين السنة مثلاً أو حتى الشيعة المختلفين مع النظام في نظرية ولاية الفقيه. ولم تتأثر أحوال الطائفة بمسألة العداوة بين طهران وتل أبيب، بل إنه وفقاً

لبعض التقديرات

فقد بلغ عدد اليهود في منتصف التسعينيات- أي في ظل تزايد التوترات مع إسرائيل- 35 ألفًا في إيران منهم حوالي 25 ألفًا في العاصمة طهران وحدها، كان هناك حوالي 50 كنيسًا يهوديًا نشطًا في البلاد.

ولم تنقطع تنقلات اليهود ما بين إيران وإسرائيل بالسفر عبر دولة ثالثة مثل تركيا، واستمرت الهجرة ولو بأعداد قليلة وشهدت تزايدًا ملحوظًا مؤخرًا بعد التفشي المريع لفيروس كورونا المستجد المعروف باسم كوفيد-19 في إيران ومنع دخول اللقاحات الغربية، بينما بذلت إسرائيل جهودًا حثيثة للتصدي للوباء.

الفرار من «أرض الميعاد»

واليوم تقترب أعداد
اليهود الإيرانيين من الثلاثمائة ألف  يشكلون
نسبة مهمة من إجمالي الإسرائيليين اليهود البالغ عددهم نحو سبعة ملايين نسمة.

ويتمسك اليهود الإيرانيون في إسرائيل بعاداتهم وتقاليدهم واحتفالاتهم وأكلاتهم التقليدية ويتحدثون الفارسية في بيوتهم ويطلقون أحيانًا أسماء إيرانية على أبنائهم، ولا يجدون تناقضًا بين الانتماء لإسرائيل والانتماء للحضارة الفارسية التي تمتد جذورها لآلاف السنين فيحتفلون بعيد النيروز في بداية فصول الربيع،

ويقيمون موائد هفت سين الاحتفالية بمناسبة رأس السنة الفارسية

، بخاصة أن عيد النيروز هذا وعيد الفصح اليهودي يأتيان في فترات زمنية متقاربة، كما تبث إذاعة «صوت إسرائيل» باللغة الفارسية من مقرها داخل مدينة القدس المحتلة.

وهناك قواسم مشتركة
بين اليهود والفرس في الثقافة والتاريخ والدين، جعلت الإسرائيليين أقل حساسية تجاه
الثقافة الفارسية، فقورش الملك الفارسي الذي حرر اليهود من السبي البابلي يعد الشخصية
الوحيدة غير اليهودية التي وصلت إلى درجة من التقديس لا تبعد كثيراً عن مرتبة الأنبياء
وتتحدث الأسفار اليهودية عن العلاقات التي جمعت بين اليهود والبلاط الفارسي.

لكن كثيرًا من اليهود هاجروا من إيران إلى إسرائيل ليس لأسباب دينية، بل اقتصادية بحتة بعدما تم إيهامهم بأنها جنة الله في الأرض وأن من يهاجر للأرض الموعودة سيتم منحه منزلاً وأموالًا لكنهم صُدموا بالواقع بعد هجرتهم وباتت العودة حلمًا لدى كثيرين منهم بسبب عجزهم عن التأقلم مع الفروق الثقافية بين الشعبين فالإسرائيليون في نظرهم وقحين وأفظاظ بينما يُنظر إلى الإيرانيين في إسرائيل كقوم يتسمون بالمبالغة والخداع والإغراق في المجاملات الكاذبة، وفقاً لما رصده تريتا پارسي في كتابه «التحالف الغادر».

وبعضهم عاد بالفعل من حيث أتى وفر من «أرض الميعاد» بعدما شعر بالغربة بين بني دينه وفضل العيش مرة أخرى بين بني وطنه الشرقيين، بينما فضل معظمهم الحياة في إسرائيل بسبب نمط المعيشة الأفضل من إيران والدخل المرتفع.

النخبة الإيرانية
في إسرائيل

استطاع عدد من اليهود من أصول إيرانية الوصول إلى أعلى مستويات النخبة السياسية الإسرائيلية، فنال بعضهم عضوية الكنيست الإسرائيلي خلال الأعوام الأخيرة من أمثال ميراف بن آري وجاليت ديستل اعتباريان، واشتهر بعضهم في مجال الغناء والفن وأوجدوا سوقًا رائجة للأغنية الفارسية في إسرائيل.

ووصل بعضهم إلى
أعلى المناصب مثل دان حالوتس، قائد الجيش الإسرائيلي الأسبق، الذي وُلد في تل أبيب
عام 1948 لأبٍ إيرانيٍ وخدم في جيش الاحتلال إلى أن وصل إلى رئاسة هيئة الأركان العامة
للجيش وظل في هذا المنصب من يونيو/حزيران 2005 حتى فبراير/شباط 2007، وقاد الجيش الإسرائيلي
خلال حرب لبنان في عام 2006، وقد تسبب إخفاقه في هذه الحرب في التعجيل برحيله من منصبه
في العام التالي، بعدما أقر بمسؤوليته تجاه ما حدث من إخفاقات عسكرية.

كما ترجع أصول شائول موفاز، وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، إلى إيران، فقد وُلد في طهران عام 1948 وسمي شهرام في البداية، وهاجرت عائلته إلى إسرائيل وهو طفل في التاسعة من عمره تقريبًا، والتحق بجيش الاحتلال في 1966، وتدرج في الرتب العسكرية في سلاح المظلات إلى أن تولى رئاسة الأركان في عام 1998، واشتهر بارتكاب جرائم حرب في الضفة الغربية وقطاع غزة وارتبط اسمه بمجزرة جنين، ثم أصبح وزيرًا للدفاع في الفترة ما بين عامي 2002 و2006، ثم تولى منصب وزير المواصلات، وتولى رئاسة حزب كاديما لبعض الوقت ثم أعلن اعتزال الحياة السياسية تلاحقه قضايا الفساد وجرائم الحرب.

كما ولد الرئيس الإسرائيلي الأسبق، موشيه كاتساف، في مدينة يزد الإيرانية في ديسمبر/كانون الأول عام 1945، وهاجرت أسرته به وهو في عمر السادسة إلى إسرائيل، وانضم إلى حزب الليكود وتدرج في المناصب السياسية ما بين رئيس لإحدى البلديات ثم عضو بالكنيست ثم وزيرًا للسياحة إلى أن انتخب رئيسًا لإسرائيل في يوليو/تموز عام 2000، خلفًا لعيزرا فايتسمان، ليصبح الرئيس الثامن للدولة اليهودية لكنه بعد مغادرة منصبه عام 2007 تم سجنه بتهم اغتصاب وتحرش جنسي.

واشتهر عن كاتساف حينما كان يعمل في الأمم المتحدة بأن هوايته المفضلة إحراج الدبلوماسيين الإيرانيين لأنه كان يتحدث معهم بالفارسية أمام الناس ليجبرهم على الكلام معه وهو أمر محظور عليهم- في العلن على الأقل- مما كان يضطرهم إلى مغادرة المناسبات المختلفة هربًا منه وتجنبًا للإحراج.