يذكر «جون سكوت» في كتابه «خمسون عالمًا اجتماعيًا أساسيًا» أن «بيار بورديو» من أبرز ثلاثة مفكرين فرنسيين الذين بلغت أعمالهم منزلة مركزية في الفكر الغربي الحديث بجانب «إميل دوركهايم»، و«ميشيل فوكو». يُعد بورديو مؤسسًا لمدرسة حقيقية في علم الاجتماع، فقد ألف أكثر من 35 كتابًا و400 مقالة تُرجمت للغات عدة.

غطت أعماله العديد من الموضوعات منها سوسولوجيا الجزائر عن فلاحي الجزائر الذي مَثّل باكورة أعماله، والتحليل السوسيولوجي لفناني وكُتَاب القرن التاسع عشر، وأنماط الزواج في إقليم بير، الطلبة والجامعات الحديثة، واللغة والذوق والثقافة والبؤس والفقر في المجتمع الفرنسي. وطور لغة مفهومية جديدة صارت شائعة ومركزية في علم الاجتماع والأنثربولوجيا مثل الهابتوس، رأس المال الثقافي والحقل والعنف الرمزي.

ولد بورديو (1930- 2002) لأسرة من الطبقة الوسطى في إقليم بير الريفي جنوب غرب فرنسا، والتحق بمدرسة نورمال العليا المتخصصة للنخبة الأكاديمية. اعتبر بورديو دخيلاً على عالم النخبة الفكرية البارسية؛ وقد ظهر ذلك جليًا في إنتاجه الفكري وموقفه النقدي الحاد للأكاديمية الغربية، كما يتضح في كتابه «الإنسان الأكاديمي».

ساهم كتابه «الورثة» الذي أعده مع «جان كلود باسرون» في تشكيل الوعي الطلابي النقدي خلال ثورة مايو/أيار 1968. فلم يكن بورديو عالم اجتماع فقط ولكنه مفكر سياسي أيضًا. عُين مدير دراسات في الكلية العلمية للدراسات العليا عام 1964، وتولى منصب كرسي علم الاجتماع في كوليج دو فرانس عام 1981، وأسس مركزًا بحثيًا له عدة مشروعات كان آخرها مشروعه عن سياسة الإسكان العام في فرنسا، ووجد أثناء بحثه أنه لن يفهم سياسات الإسكان فهمًا جيدًا إلا بتشريح الدولة كمفهوم وبنية وحقل إداري وبيروقراطي، فانبثق من هذا البحث عمله الضخم الذي بين أيدينا عن الدولة.

[1]



يرى بورديو أن مهمة عالم الاجتماع مساءلة اللاوعي الاجتماعي، ويحذر من الأفكار المسبقة والتلقائية، داعيًا إلى تجنب الأفكار المألوفة المتوارثة، أو ما أسماه «السوسيولوجيا العفوية».

كتاب «عن الدولة دروس في الكوليج دو فرانس» ترجمة نصير مروة، في سلسلة ترجمان الصادرة عن المركز العربي سبتمبر/أيلول 2016، هو تدوين لـــ 23 درسًا ألقاه بورديو في الكوليج دو فرانس خلال ثلاث سنوات (1989 – 1992) اتخذ من الدولة موضوعًا ومحورًا له. فهو ليس كتابًا دوّنه بورديو بنفسه، إنما تدوين لهذه الدروس، لذا كثر في متن النص تداعي الأفكار وتناثرها وتكرار بعضها في دروس متفرقة، فما يلبث أن يذكر بورديو فكرة مرتجلة ثم يعرج دون إكمالها لفكرة أخرى قد يبينها في درس لاحق، فتجد أنك في معايشة هذا النص مستمع لبورديو أكثر منك قارئًا له.

يأخذك في جولات في مشارف العلوم الاجتماعية المختلفة، جامعًا ما بين الأدب والسياسة والفلسفة وعلم الاجتماع والتاريخ، مازجًا بينهم في سلاسة ويسر. فعلى سبيل المثال قدم بورديو في درس 8 فبراير/شباط 1990 قراءة سوسيولوجية لفرانز كافكا، وبحث في علاقة التاريخ بعلم الاجتماع، وفي الأنظمة السياسية للإمبراطوريات لشموئيل نُوا آيزنشتادت، ونجده في متن هذه المحاضرات يختصر كتابات عدة ويقرأها قراءة نقدية كما فعل في كتابات بيري أندرسون العبور من العصور القديمة إلى الإقطاعية، ودولة الحكم المطلق، وكتاب الأصول الاجتماعية للديكتاتورية والديمقراطية لبارينغتون مور وغيرهم

[2]

.

يوضح بورديو أن مهمة عالم الاجتماع مساءلة اللاوعي الاجتماعي، فنجده يحذر في أكثر من موضع من الأفكار المسبقة والتلقائية، داعيًا إلى تجنب الأفكار المألوفة المتوارثة، أو ما أسماه «السوسيولوجيا العفوية». فهو يرى الأفكار بوصفها بناءات وإنشاءات اجتماعية يمكن أن يكون لها استقلاليتها إزاء الشروط الاجتماعية التي هي نتاج لها، إلا أنها خاضعة رغم ذلك للشروط التاريخية، ويقول:

ما قتلته طيلة هذه الدروس يستند إلى فكرة قوامها أن الأفكار هي جاعلة الأشياء وأن الأشياء هي جاعلة الواقع العياني فمقولاتنا الإدراكية هي مقولات مبنية تاريخيًا، فمن البدهي أن التأريخ لنشوء الدولة هو تأريخ لفكرنا ذاته، للفهم علينا فحص النشوء التاريخي لهذه المقولات القبلية التي نكررها دون إدراك ونسيان لحظة نشأتها. (ص576-577)


انتقاد النظريات الكبرى التي تناولت الدولة

ينتقد بورديو التاريخ الإجمالي للدولة كما قدمه دوركهايم وماكس فيبر وماركس. فتوصيف الدولة من ماركس إلى غرامشي حتى ألتوسير وما بعدهم لا يرى الدولة سوى جهاز قسر وإكراه لمصلحة المسيطرين، ولم يطرحوا سؤال الميكنيزمات التي أنتجت هذه الدولة. فنجد غرامشي يركز على الهيمنة، ويؤكد ألتوسير على أجهزة الدولة الأيديولوجية، ولا يبقى فوكو من الدولة سوى سلطتها الانضباطية. (ص605)

كما أن الماركسية فشلت في تفسير الفاعلية الرمزية الطوعية للدولة (ص289). فلا تمتلك هذه المقاربات النقدية وسائل الفهم الكامل لمفاعيل الأيديولوجية، وقامت بتغييب مسألة تصنيع هذا الشيء الذي يسمى الدولة، واعتبرته منتجًا بديهيًا دون مساءلة كيفية نشؤه (ص22). ورغم أن هذه المقاربات النقدية تعتبر الأكثر راديكالية مقارنة بالنظريات الكلاسكية التي ألهت الدولة، ولكنها في واقع الأمر ما هي إلا مقلوب النظريات الكلاسكية، حيث قامت بإحلال الدولة الشيطانية محل الدولة المتألهة.


تعريف الدولة: عن أية دولة يتحدث بورديو؟

يحاول بورديو في هذا العمل وضع أنثربولوجيا تاريخية للدولة، وتاريخ بنيوي لولادتها، وكيف أصبح الناس يخولون للدولة سلطة إصدار الأمر النهائي في الحرب والسلام، والقضاء، وبناء المعمار وإلخ. ويميز بين دولة بوصفها طبيعة خالقة ودولة بوصفها طبيعة مخلوقة

،

ويقول إنّ رؤية الدولة بوصفها جمعًا من الأشخاص المنظمين الذين ينتدبون الدولة ويفوضونها؛ أي الرؤية الديمقراطية، خاطئة.

يعيد بورديو قراءة ماكس فيبر ويوازن بين العوامل الاقتصادية المادية والعوامل الثقافية الرمزية في نشوء الدولة (ص20). فأعاد تعريف «ماكس فيبر» للدولة باحتكارها المشروع لممارسة العنف المادي، مضيفًا إليه احتكار الدولة لكل من العنف المادي والعنف الرمزي، فالعنف الرمزي هو شرط تملك ممارسة العنف المادي.



يرى بورديو أن الدولة تتمركز في قلب ذاكرتنا؛ الأعياد الوطنية، التقويم الشمسي والقمري أو التقويم الديني، كلها بنى زمانية اجتماعية صاغتها الدولة

يستدعي بورديو فكر دوركهايم بقوة في حديثه عن الدولة، رغم أن دوركهايم نفسه لم يتحدث مباشرة عن الدولة، إلا أن مقولته بأن الدولة ترسخ بنى معرفية متماثلة لدى جملة الفاعلين الخاضعين لتشريعاتها، جملة مركزية في طرح بورديو عن الدولة. وينطلق كذلك من منهاجية دوركهايم في كتابه الأشكال البدائية للحياة الدينية؛ أي الرجوع إلى البدائي والعناصر الأولى لفهم البنى الاجتماعية (ص161)، واستعان بتعريف دوركهايم للدين، لفهم الدولة باعتبارها وهمًا ومتخيلاً جماعيًا.

يرى بورديو الدولة اختراعًا تاريخيًا، وأذهاننا كذلك اختراعات دولة، فحسبما يذكر موريس هالفاكس في الأطر الاجتماعية للذاكرة أن في قلب ذاكرتنا تتمركز الدولة؛ الأعياد الوطنية، التقويم الشمسي والقمري أو التقويم الديني، فنحن موصومون ببنى الزمانية الاجتماعية التي صاغتها الدولة، يختلف الأشخاص ولكن لا يختلف الإطار الزمني المحدد الموحد من قبل الدولة والمرتبط بها خاصة التقويمات الرسمية. فالقالب الزمني الموحد هو أحد أسس الوجود الاجتماعي.

فالتقويمات ما قبل الدولة لم تكن متماثلة كالتقويمات الحالية، فقد ترسخت الدولة من خلال ضبط الاستخدام الاجتماعي للزمن، والإحصاء والتعداد وغيرها من العوامل جعلت من الدولة ذلك الوهم ذا الأساس المكين، وهذا الحيز الموجود لاعتقادنا الراسخ بوجوده، وهم مصدق عليه اجتماعيًا، لاهوتي لأننا نعتقد به، فالدولة هي أحد مبادئ النظام العام، وليست الجيش والشرطة كما يوحي تعريف فيبر المركزي.


آليات نشوء الدولة

ترتكز آليات نشوء الدولة -بحسب بورديو – في الحقل الإداري والحقل البيروقراطي وقوة القانون واللغة الرسمية والنظام المدرسي، وبدور فاعلين كالفقهاء القانونيين والموظفين العموميين. لذلك نجده يُعرف الدولة بأنها قطاع حقل السلطة أو السلطان الذي يمكن أن نسميه «حقل إداري» أو «حقل الوظيفة العمومية».

ثمة منطق نوعي خاص بالدولة، وخاص بتشغيل الحقل البيروقراطي، ففي الحقل البيروقراطي يتجسد الانتقال من الدولة الورقية إلى الدولة العيانية، يناقش بورديو تحول الدولة الفرنسية من الدولة الورقية إلى الدولة العيانية في درسه الأخير (ص597-624)، ويذكر أن الدولة والبرلمان مؤسستان تم اختراعهما بصورة متزامنة في السياق الفرنسي، بوصفهما حيزًا قانونيًا. ويؤكد قوة القانون في ترسيخ وإعادة إنتاج الدولة، وبهذا يتوافق مع طرح كارل شميت عن حالة الاستثناء.

نجد في طرح بورديو عن الدولة تفكيكًا لمكونات الحقل البيروقراطي بصورة شديدة التفصيل والعبقرية، فالدولة مجموع هذه المخترعات البيروقراطية كاللجنة والتقرير والأختام الملكية وإلخ. فاللجنة على سبيل المثال تعد اختراعًا خاصًا، اختراعًا قوامه وضع الناس معًا، بحيث يفعلون أشياء ما كانوا يفعلونها لو لم يكونوا منظمين بهذه الصورة.

ووظيفة اللجنة هي إنتاج رؤية رسمية تفرض نفسها كالرؤية المشروعة؛ أن تجعل الرؤية الرسمية مقبولة. فيؤكد بورديو أن السحرية البيروقراطية التي فعلت فعلها خلال قرون مضت لا تزال تواصل سحرها اليوم، ولكننا ننسى تلقائيًا وجود مثل هذا الضرب من التقنية (ص56).

يؤكد بورديو أهمية الرسمي والعمومي في إعادة إنتاج الدولة، ودور مسرحة وتمثيل الرسمي ومشهدية الاحترام للحقائق العمومية في ترسيخ سلطتها. فأفعال الدولة هي أفعال قام بها فاعلون لهم صفة رسمية ويتمتعون بسلطة رمزية (كالقاضي المقر بأنك مذنب، والمدرس المقر بأنك أبله على سبيل المثال)، فثمة إجماع ورضا جمعي بهذه الأحكام، بل إن التمرد عليها يستوجب الاعتراف بشرعية بالمنظومة أيضًا.

ويرى أن وظيفة البطل البيروقراطي العظمي مواصلة الإيمان بالرسمي؛ أي بفكرة أن ثمة إجماعًا لدى الجماعة على عدد من القيم التي لا يمكن تجاوزها في الأوضاع الدراماتيكية؛ أي التي يوضع النظام الاجتماعي فيها موضع تساؤل. وترسخ الدولة البنى المعرفية المشتركة «الحس الجماعي المشترك» عبر النظام المدرسي، ومن خلال تنظيم طقوس ومناسك وشعائر مثلا (الاحتفال بمبنى أو كنيسة/ تسليم شهادات/ الامتحانات)، وتقيم تمييزًا بين من تلقى الطقس واجتازه ومن لم يتلقاه، وبتكرار هذه الطقوس يتم إعادة إنتاج التقسيمات الاجتماعية، فالدولة هي التي تنتج مبادئ ومعايير التصنيف والترتيب (ص292).

يقارن بورديو بين الإمبراطويات والدولة القومية الأوروبية، ويتساءل لماذا كان انفصال الجزائر عن السلطة العثمانية لم يؤد إلى انهيار البنى المحلية، فالقاعدة القبلية القروية لم تمس. ويرى أن الدول القومية بعكس الإمبراطوريات عبارة وحدات سياسية صغيرة تدمج المواطنين دمجًا شديدًا، وتجعلهم يشاركون في الحياة السياسية.

فنجد في المجتمعات المعاصرة أن اقتصاد الثقافة اقتصاد مصطنع بالكامل لا يسعه البقاء والاستمرار في حال زوال الدولة، فكل المؤسسات كالمسرح الشعبي أو المتاحف لا تستطيع الاستمرار أو تحمل البقاء إلا بوجود هيئة قادرة على توفير الموارد وإعادة توزيعها (ص325). كما أن الدولة القومية قادرة على خلق شعور بالولاء لها، يمكن أن نصف هذا الشعور بأنه شعور قَبليّ، على عكس الإمبراطورية التي لا تستطيع دمج تناقضات عدة في داخل إطارها (ص327).


اللغة عند بورديو

يمكن أن نلحظ بين ثنايا النص اهتمام بورديو باللغة، حيث يراها القوة الخفية في تشكيل الحياة الاجتماعية، وترسيخ بنيان الدولة. فالدولة حيز تداول الكلام الرسمي، ومكان تداول اللائحة والتفويض والتسمية (ص154). ويؤكد بورديو على أن توحيد السوق اللغوية يعد شأنًا من شؤون الدولة، وأن بلاغة المنطق الرسمي هو ما يخلق التوهم الاجتماعي عن الدولة.

ويقول إنه إذا أردت أن تشرعن عملًا في مجتمع ما عليك أن تغير تسميته ليصبح رسميًا، فمثلًا بينما لا يُقبل علنًا لفظة اللواط، لا يلقى الحديث عن المثلية الجنسية أي عيب، لأنه بمجرد صياغة الكلمة صياغة رسمية قانونية أوجد لها قبولًا (ص157). لا نستطيع القول إن القانونيين الفقهاء هم من ابتدعوا الدولة وخلقوها ولكنهم ساهموا في ذلك مساهمة كبيرة، فلا نستطيع فهم نشأة الدولة الغربية دون التعرض لدور الفقهاء الذي استمدوه من القانون الروماني واستطاعوا من خلاله خلق التوهم القانوني بالدولة. فالدولة توهم قانوني أنتجه فقهاء أنتجوا أنفهسم بوصفهم فقهاء وقانونيين بإنتاجهم للدولة (ص106).


معضلة العلوم الاجتماعية ودور عالم الاجتماع



الدولة هي مجموعة مخترعات بيروقراطية قوامها وضع الناس معا، بحيث يفعلون أشياء ما كانوا يفعلونها لو لم يكونوا منظمين بهذه الصورة

يستعرض بورديو في مسار حديثه عن الدولة معضلة العلوم الاجتماعية ويؤمن بعدم الفصل بينها، ويعرف عالم الاجتماع بأنه شخص يتصدى للتاريخ المقارن لدراسة حالة خاصة من حالات الحاضر، فعالم الاجتماع بالنسبة له هو مؤرخ يتخذ من الحاضر موضوعًا (ص159). ويرى أنه ليس ثمة فصل بين التاريخ وعلم الاجتماع، وأن التضاد بينهما هو مصطنع تاريخي؛ أي تركب تاريخيًا ويمكن تفكيكه تاريخيًا. ويتفق مع دوركهايم بأن اللاوعي هو التاريخ (ص160).



يرى بورديو أن تاريخ الدولة هو حفر في ﻻوعي كل فرد منا، لذا غالبا ما تفشل الثورات في صنع إنسان اقتصادي جديد أو إنسان بيروقراطي جديد

ووظيفة عالم الاجتماع تحليل هذا اللاوعي الاجتماعي لتحرير المجتمع من قيود الهيمنة. يشير إلى أن مهنة المؤرخ وعالم الاجتماع تقتضي أن يمتلك ذهنًا فلسفيًا ومقدرة على التجريد والنفاذ إلى المستوى الإبتسمولوجي. وكذلك يرى أن الحد الفاصل بين الأنثربولوجيا وعلم الاجتماع حد أوجده شروط المؤسسات كالمجلس القومي للبحوث العلمية، ليس له أساس علمي (ص165).

ختامًا يطرح بوردية عدة أسئلة تحتاج للبحث والتمحيص منها مسألة افتراضه بأن عودة الديني في الواقع هو رد فعل لانسحاب الدولة. وبالرغم من تركيز بورديو على الدولة الفرنسية على وجه الخصوص والدول الأوروبية عامة، إلا أنه وبفعل مخلفات الاستعمار في عالمنا، تقلصت خصوصية نشأة الدولة القومية في السياق الغربي، لتكتسب الصفة الكونية؛ مما يستلزم ضرورة فهمها واكتشاف تاريخ نشأتها في سياقنا العربي.

فتاريخ الدولة هو حفر في لاوعي كل فرد منا، كما أنه ليس ثمة أصعب تثويرًا من البنى العقلية، لذا الثورات غالبًا ما تفشل في صنع إنسان اقتصادي جديد أو إنسان بيروقراطي جديد (ص160). وأخطر ما في الدولة أنها إجماع ممنوح لهيئة تتولى تعريف المصلحة العامة وتحديدها، ومن مفارقاتها أن المحتكرين للمصلحة العامة هم أيضًا محتكرو الوصول إلى الأملاك والأرزاق العمومي.

وأهمية هذه الدروس في بيان أن الدولة حاضرة في كل الحقول، ولا يمكن اختزالها إلى جهاز لخدمة المسيطرين، ولا الاكتفاء بجعلها حيزًا محايدًا لامتصاص النزاعات والصراعات. فالدولة هي شكل وصورة المعتقد الجماعي الذي يشكل بنية الحياة الاجتماعية في المجتمعات شديدة التمايز (ص643).


المراجع



  1. جون سكوت (محرر)، خمسون عالمًا اجتماعيًا أساسيًا المنظرون المعاصرون، ترجمة محمود محمد حلمي، (بيروت، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2009) ص 110-120.
  2. بيار بورديو، عن الدولة دروس في الكوليج دو فرانس 1989-1992، (بيروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2016) ص123-150.