قد تستغرب الزج بكلمة «انقلاب» في توصيف مشاهد سيناريو الصراع بين دفتي جماعة الإخوان، إلا أن الأحداث التي تفجرت مؤخرًا لا تشي إلا بتدبير «انقلاب أبيض» مكتمل الأركان تتضح تفاصيله يومًا بعد الآخر.

بداية .. لم تكن المفاجأة الكبري التي فجرتها جبهة اللجنة الإدارية العليا، عبر إقدامها على تنحية القائم بأعمال مكتب الإرشاد الحالي، الدكتور محمود عزت ورجاله، وتشكيل مجلس شوري عام جديد للجماعة، برئيس ووكيلين (لم يعلَن عن هويتهم)، واتخاذ قرارات ثورية، في صدرها فصل التشريع عن الإدارة التنفيذية لأول مرة في تاريخ الجماعة، أمرًا وليد الصدفة، وإنما خلفه كواليس مثيرة، تؤكد أنه مُدبَّر بعناية.


سر توقيت إعلان «عزل المرشد»

في 10 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تسرَّبت أنباء عن إقدام جبهة القائم بأعمال المرشد، على تغييرات تاريخية في بنية الجماعة قبل مرور عام 2016، ويتم الإعداد لها في الخفاء، للإجهاز على سطوة «التيار الكمالي» داخل صفوف الإخوان. وقد تحدث الناشط الإخواني المعروف عز الدين دويدار عن سعي جبهة المرشد لإجراء انتخابات شاملة:


https://www.facebook.com/dir.ezzeldeen.dwedar/posts/661571507344961

وقالت التسريبات التي نشرتها بعض الأجنحة الإعلامية المحسوبة على جبهة محمد كمال، إن المرشد المؤقت يُجهز لإجراء انتخابات داخلية، وتولية مجلس شورى عام جديد، وتوسيع قاعدة المشاركة فيه ليشمل «150 عضوًا»، ما يضمن تنوع الآراء، ومشاركة أجيال عدة من الجماعة فيه، لإعادة الذين أسرهم «كمال» بتصديه المباشر والحاسم لنظام السيسي، ما دبر له شعبية شبابية كاسحة، مكَّنته من فرض رؤيته طوال عامين وحتى مصرعه الذي واكبه ظهور تسجيل يقر فيه كمال بصوته، تنحيه عن منصبه، لاحتواء الشقاق بين أبناء الجماعة.

التسريبات تلقفها «الكماليون» بحالة من الهياج والتحفز، خاصة في ظل التزامهم بالصمت التام إثر مقتل زعيمهم، واكتفوا بمراقبة الساحة التي تسبح في ظروف بالغة الصعوبة، ليبدأوا تكتيكات واضحة، هدفها مباغتة الكبار وقلب الطاولة عليهم بعد تيقنهم من أن لعبة الانتخابات المزعومة ستسعى دون شك للتخلص من «التيار المقاوم» في الجماعة .


كيف نفذ «الكماليون» الانقلاب الأبيض على المرشد

اعتمدت الإدارية العليا، في تسويغ انقلابها الأبيض للصف الإخواني، على كشف تعنت الكبار ضدهم، وإعلان تفاصيل المبادرات التي قُدمت لحل الأزمة، وعلي رأسها مبادرة الشيخ يوسف القرضاوي لإجراء انتخابات شاملة التي قبِلت بها «الإدارية»، ورفضها عزت والدكتور محمد عبد الرحمن.

وبجانب مبادرة «القرضاوي»، كانت هناك مبادرات أخرى لمدة عام كامل، لإبقاء الصف الإخواني على وحدته؛ إلا أن جبهة محمود عزت رفضت جميع الحلول، بل وأعفت محمد منتصر من منصبه، وهو المتحدث الإعلامي «الثوري» من وجهة نظر الشباب والقطاعات المؤيدة لتصورات «الكماليين» في حلحلة الأزمة مع النظام الحاكم، لتعود جميع الخيوط في يد القائم بأعمال المرشد.

لجأ الكماليون لاستباق الكبار، وبنفس السكِّين المُعدة لذبحهم، أعلنوا إجراء انتخابات شاملة لحل للأزمة، نزولا على رغبة الصف في الانتخابات الكلية، باعتبار أن كل المجالس المنتخبة في الجماعة انتهت ولايتها منذ 2014، وأضحت الجماعة بلا مؤسسات، وبالتالي من الضروري إجراء انتخابات تعبر عن آمال وطموحات «الصف الإخواني» للخروج من الأزمة، وبناء مؤسسات جديدة.


محاور خطة إزاحة «محمود عزت»

محاور خطة «الكماليين» لتنفيذ الانتخابات الجديدة، اعتمدت على المحافظات التي سبق وأعطت تأييدها الكامل للإدارية العليا، من 7 مناطق جغرافية، وهي التي استجابت للانتخابات الكلية، حسب تصريح الدكتور مجدي شلش، أحد أهم قيادات جبهة محمد كمال في التوقيت الحالي، وهو الذي تحلى بالموضوعية واعترف أن بعض المناطق «لم يسمها» لم تخُض الانتخابات حتى الآن، وكان يقصد بالطبع المناطق الخاضعة لسيطرة القيادات التاريخية.

تأزم الأمر بعض الشيء بعد صمت الدكتور محمد عبد الرحمن المرسي، رئيس اللجنة الإدارية العليا، على الإجراءات التاريخية التي أقدمت عليها جبهته، فكان البديل هو خروج بعض القيادات، وخاصة الذين لهم تاريخ كبير مع الإخوان، واختلفوا مؤخرًا مع مسار القيادة التاريخية، بل واعتبروها أهم أسباب انتكاسة الإخوان، لإعلان دعمهم لعزل المرشد المؤقت، وكان على رأس هؤلاء الدكتور وصفي أبو زيد، أحد أهم الرموز الفقهية في الجماعة.

أيد «أبو زيد» كافة الإجراءات التي أعلنتها الجبهة، واعتبر أن «البيعة في الإسلام» ليست لأشخاص وإن كان لهم بذلهم وعطاؤهم وتاريخهم، وإنما البيعة لله من خلال منهج ومبادئ وأخلاق وعمل مؤسسي شوري، لا تُنتهك فيه الشورى، ولا يعتدى فيه على المؤسسات، ولا يضرب فيه بجهد الصف وعطائه عرض الحائط كما حدث في تركيا وغيرها في الداخل والخارج.

ووجه أبو زيد تحيته لمن قاموا بهذا الجهد في هذه الظروف الصعبة والضغوط الهائلة، فأنتجوا هذه المؤسسات، حسب وصفه، معتبرًا أنها في الأصل مبادرات علماء ووصايا نواب.


الاستقالات الجماعية .. رسالة مزدوجة لـ«العواجيز والصف الإخواني»

توالت الرسائل التي تريد من خلالها اللجنة الإدارية العليا توجيه طعنات قاتلة باسم «التجرد والسمو فوق المناصب» للجبهة التي تتمسك بكل الخيوط، حيث تقدم كافة أعضاء المؤسسات التابعة للإدارية باستقالتهم، ووضعوها تحت إمرة مجلس الشوري الجديد، كما تقدم الدكتور عمرو دراج، وزير التعاون الدولي في حكومة قنديل إبان عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، ورئيس مكتب الإخوان بالخارج، وأعضاء مجموعته باستقالتهم أيضا، لحين انتخاب مكتب إرشاد جديد لإدارة شئون الجماعة.

كما أقدم «منتصر» على الاستقالة من منصبه، ووضعها هو الأخر على منضدة مجلس الشورى الجديد، والمكتب العام للإخوان، على الرغم من تحديه للمرشد طوال عام كامل من إعلان إعفائه، ورفض الإقدام على اتخاذ مثل هذا القرار، لتترك هذه التفاعلات المتتالية حالة من التأمل في نفوس أعتى المؤيدين لجبهة القيادة التاريخية، لاسيما وأن طريقة التسليم والتسلم، وانتهاج المؤسسية الديمقراطية، وفصل الإداري عن التشريعي، هو أمر جديد على تاريخ الجماعة.

لجأ «إخوان الإدارية العليا» لتدوير

وثيقة

إبراء ذمة للدكتور محمد كمال التي أعلنها في 16 ديسمبر/ كانون الأول من عام 2015، وأثارت وقتها ضجة كبري، وساهمت في تحول قطاعات واسعة من الشباب، وفئات عمرية مختلفة، إلى صفوف الإدارية العليا.


الخوف من المجهول يدفع نائب المرشد للرد

رغم حالة التجاهل التي استقبلت بها من قبل جبهة القيادة التاريخية الإجراءات التي أقدمت عليها «الإدارية العليا»، والتي فسرها البعض علي أنها استعلاء شديد، خاصة أنها لم ترد على البيانات، وحالة النشاط الإعلامي الملفتة لجبهة الإدارية العليا بعد إعلانها بشكل مفاجئ، إلا أن إبراهيم منير نائب المرشد خرج ليلقي حجرًا في بحر المياه الآسنة، وهاجم محاولات الزج بسيرة «محمد كمال» فيما يحدث، مؤكدًا أنه اعتزل العمل العام والحياة قبل وفاته.

وهاجم منير في

بيان

نشره الموقع الرسمي للإخوان، المتمردين الذين يرغبون في الإطاحة به، مؤكدًا أن أي محاولة للخروج على «الإجماع»، وما أسماه آليات المؤسسية في الجماعة، بالاستبعاد، محذرًا من أن السيناريو الحالي قد يعصف بالجماعة للأبد.

تصاعد الأحداث الأخيرة، ورد نائب المرشد، بعد أيام من الصمت، يؤكد أن الإخوان تمر بـ «هزة تاريخية» لإسقاط الكهنوت عنها، بغض النظر عن الاختلاف أو الاتفاق مع الذين يتصدون للتجديد داخل الجماعة، ويبقى عامل الحسم لإتمام «الانقلاب الأبيض» على المرشد أو الفكاك منه، دون تجشيم النفس عناء التفكير، في عهدة الأيام المقبلة.